تعاليم الإسلام من كلام المسيح الموعود مرزا غلام أحمد عليه السلام
تَحَدَّثَ المسيحُ الموعودُ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عن تعاليم الإسلام وأثبتَ سموّها وكيف تدعو هذه التعاليم كل مسلم إلى اتخاذ الإسلام منهجاً في كل مفاصل الحياة، وتَطَرًّقَ حضرته إلى وجوب نذر كل مسلم حياته في سبيل الإسلام، فقسَّمَ عَلَيهِ السَلام هذا الهدف العظيم إلى قسمين كما يلي من كلام حضرته عَلَيهِ السَلام:
“الأول: أن يجعل الْإِنسَانُ اللهَ تعالى وحدَه معبوداً ومقصوداً ومحبوباً له، ولا يبقى له شريك في عبادته وحبه ومخافته والرجاء منه ﷻ، وأن يقبل قلباً وروحاً تقديسه وتسبيحه وعبادته وكافة آداب عبوديته وأحكامه وأوامره وحدوده وأمور القضاء والقدر السماوية وأن يحمل المرءُ نير طاعة كافة أوامره ﷻ وحدوده وقوانينه وأقداره بكل تواضع وانقياد وبإخلاص تام وأن يعرف بكل دقة جميع الحقائق المقدسة والمعارف اللطيفة التي هي وسيلةٌ لمعرفة قدراته الواسعة، وواسطةٌ لمعرفة ملكوته وعلوّ مرتبة سلطانه، وهادية قوية لمعرفة آلائه ونعمائه ﷻ. القسم الثاني لنذر الحياة في سبيل الله هو أن يكرّس المرءُ حياته لخدمة عباده وصالحهم ومواساتهم وحسن معاملتهم ونُصحهم الصادق، وأن يتحمل المرء المعاناة والآلام لإراحة الآخرين، ويرضى بالألم لتوفير الراحة للآخرين.
فاتضح من هذا البيان أن حقيقة الإسلام هي الأعلى والأكثر سموّاً، وليس لأحد أن يُلقب باللقب الشريف: “المسلم” بمعناه الحقيقي ما لم يسلم لله تعالى وجودَه كله مع كافة قواه وأمانيه وإراداته، وما لم يتخلّ عن أنانيته وجميع رغباته ويسخّر نفسه كلياً في سبيله. إذًا، سوف يُعَدُّ الإنسان مسلماً حقيقياً عندما يُحدِث في حياته الغافلة انقلاباً شديداً تفنى به نفسه الأمّارة مع جميع جذباتها دفعة واحدة، فينال بعد هذا الفناء حياة جديدة لكونه مُحسناً لله تعالى، وتكون حياته طاهرة بحيث لا يبقى فيها إلا طاعة الخالق ومواساة المخلوق. والمراد من طاعة الخالق أن يكون المرء جاهزا لقبول كل أنواع الهوان والذلة لإظهار عزة الله تعالى وجلاله ووحدانيته، ويكون مستعداً لقبول آلاف الميتات من أجل إحياء وحدانيته، وتقبل يدُه أن تُقطَع نظيراً بكل سرور في سبيل طاعته ﷻ، وينفَّره حب عظَمةِ أحكامه والعطش للبحث عن رضاه ﷻ مِن الذنوب وكأنها نار حارقة أو سمٌّ فتّاك أو صاعقة قاتلة يجب الفرار منها بجميع ما لديه من قوة.
فباختصار، يجب أن يترك المرء رغباته كلها من أجل مرضاة الله ﷻ وأن يرضى تَحَمُّل الجراح المهلكة من أجل الارتباط به ﷻ، وأن يتخلى عن كافة النـزعات النفسانية لإثبات الصلة به جلّ شأنه. والمراد من خدمة خلق الله أن يخدمهم لوجه الله بمواساته الحقيقية والعفيفة قدر استطاعته في جميع حاجاتهم، وفي مختلف الأمور والوسائل التي جعل القَسّامُ الأزلي النَّاسَ فيها محتاجين بعضهم لبعض، وأن يعين بقوَّته التي وهبها الله إياها كلَّ محتاج، ويسعى جاهداً لإصلاح دنياه وأُخراه.” (مرآة كمالات الإسلام ص 57-58)