يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
“نحن مسلمون، نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد، قائلين لا إله إلا هو، ونؤمن بكتاب الله القرآن، ورسولِه سيدنا محمد خاتم النبيين، ونؤمن بالملائكة ويوم البعث، والجنة والنار، ونصلي ونصوم، ونستقبل القبلة، ونحرّم ما حرّم الله ورسوله، ونُحِلُّ ما أحَلَّ الله ورسوله، ولا نـزيد في الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرة، ونقبل كل ما جاء به رسول الله ﷺ وإنْ فهِمْنا أو لم نفهَم سِرَّه ولم نُدرك حقيقته، وإنّا بفضل الله من المؤمنين الموحّدين المسلمين”. (نور الحق ص 4)
“وأعتقد أنّ لله ملائكةً مقربين، لكل واحد منهم مقام معلوم، لا ينـزل أحدٌ من مقامه ولا يرقى. ونزولهم الذي قد جاء في القرآن ليس كنـزول الإنسان من الأعلى إلى الأسفل، ولا صعودهم كصعود الناس من الأسفل إلى الأعلى، لأن في نزول الإنسان تحولا من المكان، ورائحةً من شِقّ الأنفس واللغوب، ولا يمسّهم لغبٌ ولا شقّ، ولا يتطرّق إليهم تغيّر، فلا تقيسوا نزولهم وصعودهم بأشياء أخرى، بل نزولهم وصعودهم بصبغ نزول الله وصعوده من العرش إلى السماء الدنيا، لأن الله أدخل وجودهم في الإيمانيات، وقال: (ما يعلم جنود ربك إلا هو)، فآمنوا بنـزولهم وصعودهم ولا تدخلوا في كنههما، ذلك خيرٌ وأقرب للتقوى. وقد وصفهم الله بالقائمين والساجدين والصافّين والمسبحين والثابتين في مقامات معلومة، وجعل هذه الصفات لهم دائمة غير منفكّةٍ، وخصّهم بها؛ فكيف يجوز أن يترك الملائكة سجودهم وقيامهم، ويقصموا صفوفهم، ويذروا تسبيحهم وتقديسهم، ويتنـزّلوا من مقاماتهم، ويهبطوا الأرض، ويُخلوا السماواتِ العُلى؟ بل هم يتحركون حال كونهم مستقرين في مقاماتهم، كالملك الذي على العرش استوى. وتعلمون أن الله ينـزل إلى السماء في آخر كل ليل، ولا يقال إنه يترك العرش ثم يصعد إليه في أوقاتٍ أخرى، فكذلك الملائكة الذين كانوا في صبغة صفات ربهم، كمثل انصباغ الظلّ بصبغة أصله، لا نعرف حقيقتها ونؤمن بها. كيف نشبّه أحوالهم بأحوال إنسان نعرف حقيقة صفاته، وحدود خواصه، وسكناته وحركاته، وقد منعنا الله من هذا وقال: (ما يعلم جنود ربك إلا هو)، فاتقوا الله يا أرباب النُهى”. (التبليغ، ص 12-13)
“وإنَّا نؤمن بملائكة الله ومقاماتهم وصفوفهم، ونؤمن أن نـزولهم كنـزول الأنوار، لا كترحُّل الإنسان من الديار إلى الديار، لا يبرحون مقاماتهم ومع ذلك كانوا نازلين وصاعدين. وهم جند الله وجِيرةُ السماواتِ وخلطاؤها، لا يفارقون مقاماتهم، وإنْ منهم إلا له مقام معلوم، يفعلون ما يؤمرون، ولا يشغلهم شأن عن شأن ويؤدّون طاعة رب العالمين.
ولو كان مدار انصرام مهماتهم.. تباعُدَهم من مقاماتهم.. لما جاز أن تُتوفَّى الأنفس في آنٍ واحد، بل وجب أن لا يموت ميّت في المشرق في الآن الذي قدّر الله له قبل أن يفرغ مَلَكُ الموت مِن قبض نفس رجلٍ في المغرب الذي هو شريك بالمائت الأوّل في الآن المذكور وقبل أن يرحل إلى المشرق، وإنْ هذا إلا كذب مبين. إنما أمرهم إذا أرادوا شيئا بِحُكْمِ الله أن يقولوا له كن فيكون، وما كان لهم أن ينـزلوا بشِقّ الأنفس وصرف الوقت ونقل الخطوات وتركِ مكان كسكّان الأرضين”. (تحفة بغداد، باقة من بستان المهدي، ص 38)
“يقولون إن الملائكة ينـزلون إلى الأرض كنـزول الإنسان من جبل إلى حضيض، فيبعُدون عن مقرهم، ويتركون مقاماتهم خالية إلى أن يرجعوا إليها صاعدين. هذه عقيدتهم التي يبيّنون، وإنّا لا نقبلها ونقول إنهم ليسوا فيها على الحق. فاشتد غيظهم وقالوا إن هؤلاء خرجوا من عقائد أهل السُنّة والجماعة، بل كفروا وارتدوا، فقاموا علينا معترضين.
وأما الجواب فاعلم أنهم قد أخطأوا إذ قاسوا الملائكة بالناس، ولا يخفى على الذي خُلق من طينة الحرية، وتفوَّقَ دَرَّ الدراية اليقينية، أن الملائكة لا يشابهون الناس في صفة من الصفات أصلا، ولم يقم دليل من الكتاب ولا السُنّة ولا الإجماع على أنهم إذا نزلوا إلى الأرض فيتركون السماوات خالية كبلدة خرجت أهلها منها ويقصدون الناس بشقّ الأنفس، ويصلون الأرض بعد مكابدة الأسفار وآلامِ بُعدِ الشُقّة ومتاعبها وشدائدها، ومعاناةِ كل مشقة وجهد، بل القرآن الكريم يبيّن أن الملائكة يشابهون بصفاتهم صفاتِ الله تعالى كما قال ﷻ: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)، فانظر.. رزقك الله دقائق المعرفة.. أنه تعالى كيف أشار في هذه الآية إلى أن مجيئه ومجيء الملائكة ونزوله ونزول الملائكة متحد في الحقيقة والكيفية. ولا حاجة إلى أن نذكّرك ما ثبت من نزول الله تعالى من العرش في الثلث الآخر من الليل فإنك تعرفه، ومع ذلك ما أظن أن تحمل ذلك النـزول على النـزول الجسماني وتعتقد أن الله تعالى إذا ما نزل إلى السماء الدنيا فبقِي العرش خاليا من وجوده. فاعلم أن نزول الملائكة كمثل نزول الله كما تشير إليه الآيات المتقدمة، واللهُ أدخلَ وجود الملائكة في الإيمانيات كما أدخل فيها نفسه وقال: (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)، وقال: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلا هُوَ). فبيّن للناس أن حقيقة الملائكة وحقيقة صفاتهم متعالية عن طور العقل، ولا يعلمها أحد إلا الله، فلا تضربوا لله ولا لملائكته الأمثال وأْتوه مسلمين.
وأنت تعلم أن كل مسلم مؤمن يعتقد أن الله ينـزل إلى السماء الدنيا في الثلث الآخر من الليل مع وجوده واستوائه على العرش، ولا يتوجّه إليه لومُ لائم ولا طعنُ طاعن لأجل هذه العقيدة، بل المسلمون قد اتفقوا عليها وما حاجّهم أحدٌ من المؤمنين. فكذلك الملائكة ينـزلون إلى الأرض مع قرارهم وثباتهم في مقامات معلومة، وهذا سرٌ من أسرار قدرته، ولولا الأسرار لما عُرف الرب القهّار. ومقامات الملائكة في السماوات ثابتة لا ريب فيها كما قال ﷻ حكاية عنهم: (وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ) . وما نرى في القرآن آية تشير إلى أنهم يتركون مقاماتهم في وقت من الأوقات، بل القرآن يُشير إلى أنهم لا يتركون مقاماتهم التي ثبّتهم الله عليها، ومع ذلك ينـزلون إلى الأرض ويُدركون أهلها بإذن الله تعالى، ويتبرزون في برزات كثيرة، فتارة يتمثلون للأنبياء في صور بني آدم، ومرة يتراءون كالنور، وكرّة يراهم أهل الكشف كالأطفال وأخرى كالأمارد، ويخلق لهم الله في الأرض أجسادًا جديدة غير أجسادهم الأصلية بقدرته اللطيفة المحيطة، ومع ذلك تكون لهم أجساد في السماء، وهم لا يفارقون أجسادهم السماوية، ولا يبرحون مقاماتهم، ويجيئون الأنبياءَ وكل من أُرسِلوا إليه مع أنهم لا يتركون المقامات. وهذا سر من أسرار الله فلا تعجب منه، ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير، فلا تكن من المكذبين.
وانظر إلى الملائكة.. كيف جعلهم الله كجوارحه، وجعلهم وسائط قدره في الأمور وكُنْفَيَكُونِيّتِهِ[1] في كل أمر، ينفخون في الصور على مكانتهم، ويبلّغون صيحتهم إلى من يشاءون، ولا يعجز أحد منهم عن أن يدرك كلَّ من في المشارق والمغارب في طرفة عين أو في أقل منها، ولا يشغله شأن عن شأن. فانظروا مثلا إلى ملك الموت الذي وُكِّل بالناس.. كيف يقبض كل نفس في الوقت المقدر، وإن كان أحد من الذين يُتَوَفَّون في آن واحد في أقصى المشرق والآخر في منتهى بلاد المغرب. فلو كانت سلسلة هذا النظام الإلهي موقوفة على نقل خطوات الملائكة من السماء إلى الأرض، ثم من بلدة إلى بلدة، ومن مُلكٍ إلى مُلكٍ، لفسد هذا النظام الأمريّ، ولتطرّقَ حرج عظيم في أمور قضاء الله وقدره، ولَمَا كان لملَكٍ عند انتقاله من مكان إلى مكان أن يأمن إضاعة الوقت وفوت الأمر المقصود، ولَوَرَدَ في وقت من الأوقات مورد العتاب، ولأُرْهِقَ في يوم من الأيام بعتبة رب الأرباب، لأجل ما فاته فعلُ الأمر على وقته، ولأُخِذَ بأنواع العقاب. وأنت تعلم أن شأن الملائكة منـزّهٌ عن هذا، وهم يفعلون من غير مُكْثٍ، وفعلُهم فعلُ الله من غير تفاوت، فتدبر ولا تكن من الغافلين.
[1] لقد ورد في النص فوق هذه الكلمة الجملة التالية: “وهذا لفظ مركب من كن فيكون”. (الناشر)
ثم تدبر.. نصرك الله ورزقك الإقبال على المعارف.. أن الملائكة أعظم جسما من كل ما في السماوات والأرض كما ثبت من النصوص القرآنية والحديثية، فلا شك أنه لو نزل أحد منهم إلى الأرض بجسمه العظيم القوي لغشِي الأقاليم كلها، وأهلك أهلها، وما وسعته الأرض. فالحق أنهم ينـزلون كنـزول تمثلي، ولا تنـزل أجسامهم الأصلية من السماوات، ولكن الله يخلق لهم أجسادًا أخرى على الأرض بحيث تسعها الأرض، وتقتضيها المعدات الخارجية بقدرٍ تدركه أبصار المبصرين. ففكر في قولنا هذا كما هو شرط الفكر ولا تعجل، بل تكلَّفْ للفهمِ لبثةً، وانظر كلامي هذا بنظر الإنصاف كرّةً، وتَفتّشْ حقيقةَ كلمتي مرّةً، واستمعْ عني نفثتي تارةً، ثم لك الخيار من بعد، وبيدك القبول والرد.
وحاصل قولنا أن الملائكة قد خُلقوا حاملين للقدرة الأبدية الإلهية، منـزّهين عن التعب واللغب والمشقة، ولا يجوز عليهم مشقة السفر وتعبُ طيّ المراحل، والوصول إلى المنازل والمقاصد بشق الأنفس وصرف الأوقات، فإنهم بمنـزلة جوارح الله لإتمام أغراضه بمجرد إرادته من غير مكث، فلو كان نزولهم وصعودهم على طرزِ صعود الإنسان ونزوله، لاختل نظام ملكوت السماوات وفسد كل ما فيهما، ولعادَ كل هذا النقص إلى الله الذي أقامهم مقامه في المهمات الربوبية والخالقية وغيرهما، فإنهم مدبّرات أمره، والحافظون من لدنه على كل شيء، وإنما أمرهم إذا أرادوا شيئا فيكون الشيء المقصود من غير توقف. فأنّى ههنا السفر؟ وأين طيّ المراحل وترك المقامات والنـزول إلى الأرض بصرف وقت؟ فلا تُمارِ في هذا ولا تَسْتَفْتِ الذين اعتراهم جنون التعصب فكانوا بجنونهم محجوبين.
وقد ثبت من رسول الله ﷺ ما يؤيد قولنا هذا من عدم نزول الملائكة، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله ﷺ: ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملَكٌ ساجد أو قائم، وذلك قول الملائكة: (وَمَا مِنَّا إلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ).
فاعلم.. رحمك الله.. أن هذا دليل قطعي على أن الملائكة لا يتركون مقاماتهم، وإلا فكيف يصح أن يُقال إنه لا يوجد في السماء موضع قدم إلا عليه ملَكٌ؟ وكيف تبقى هذه الصورة عند نزول الملائكة إلى الأرض؟ ألا تعتقدون أن لجَبْرَئِيل جسما يملأ المشرق والمغرب؟ فإذا نزل جبرائيل بذلك الجسم العظيم إلى الأرض وبقيت السماء خالية منه، ففَكِّرْ في مقدارٍ خالٍ وتذكَّرْ حديثَ “موضع قدم”، وكن من المتندمين.
ثم إذا فكرت في سورة ليلة القدر فيكون لك ندامة وحسرة أزيد من هذا، فإن الله ﷻ يقول في هذه السورة أن الملائكة والروح ينـزلون في تلك الليلة بإذن ربهم، ويمكثون في الأرض إلى مطلع الفجر، فإذا نزلت الملائكة كلهم في تلك الليلة إلى الأرض فلزم بناءً على اعتقادك أن تبقي السماء كلها خالية بعد نزولهم، وهذا كما تقدم في حديثِ “موضع قدم”، فلا تنقل قدمك إلى الضلالة البديهة وأنت تعلم أن الرشد قد تبـيّن من الغي، ولن تستطيع أن تُخرج لنا حديثًا دالاًّ على أن السماء تبقى خالية بعد نزول الملائكة إلى الأرض، فلا تجترئ على الله ورسوله، ولا تقفُ ما ليس لك به علم فتقعد ملوما مخذولا، وتدخل في الضالين”. (حمامة البشرى، ص 132-139)
“ههنا سؤال ينشأ طبعًا في كل فهم سليم، وهو أن الملائكة.. هل يستطيعون أن يفعلوا ما أُمِروا في مقدار وقت لا يكفي لانتقالهم من مكان إلى مكان، بل يمضي قبل أن يقوموا من مقامهم أو لا؟ فإن قيل في جوابه أنهم يستطيعون، فالنـزول عبث وداخل في تضييع الأوقات، بل هو من أمارة العجز، بل الحق إنه نوع من العصيان والغفلة، ومن غفل متعمدا فقد عصى. فإن قيل أنهم لا يستطيعون.. فهذا يوجب أن ينتظر الله تعالى مطلوبه إلى مدةِ نزول الملائكة إلى الأرض، ولا يخفى فساد هذا القول على العقلاء، فإن نقص الانتظار على الله مُحال، ولا يصح عليه أن يتطرق في إرادته حرجٌ وفي مشيئته توقُّفٌ، ويأتي عليه زمان كالمنتظرين. فإن الوقت مقدار غيرُ قارٍّ، فلا شك أن وقت النـزول غير جزء الذي كان هو وقت المقام وسماع الكلام من الله العلام، وأنت تعلم أنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون. أتحسبون أن ملائكة الله كانوا أقل همة وقوة من صاحب سليمان الذي ما قام من مجلسه وما نُقل إلى مكان وأتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان؟ فتدبر، والإشارة كافية للعاقلين”. (حمامة البشرى، ص 136 الحاشية)
“وأنتم تعلمون أن وجود الملائكة من الإيمانيات، فنـزولهم يشابه نزول الله في جميع الصفات. أيقبل عقلٌ إيمانيٌّ أن تخلو السماوات عند نزول الملائكة ولا تبقى فيها شيء بعد هذه الرحلة؟ كأنّ صفوفها تقوضت، وأبوابها قُفلت، وشؤونها عُطّلت، وأمورها قُلّبت، وكل سماء ألقت ما فيها وتخلّتْ. إن كان هذا هو الحق فأَخرِجوا مِن نصٍّ إن كنتم صادقين”. (سر الخلافة، ص 112-113)
“وحقيقة العرش واستواء الله عليه سِرٌّ عظيم من أسرار الله تعالى وحكمةٌ بالغة ومعنى روحاني، وسُمِّيَ عرشًا لتفهيم عقول هذا العالم ولتقريب الأمر إلى استعداداتهم، وهو واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني من حضرة الحق إلى الملائكة، ومن الملائكة إلى الرسل. ولا يقدَح في وحدته تعالى تكثُّرُ قوابلِ الفيض، بل التكثر ههنا يوجب البركات لبني آدم، ويعِينهم على القوة الروحانية، وينصرهم في المجاهدات والرياضات الموجبة لظهور المناسبات التي بينهم وبين ما يصلون إليه من النفوس كنفس العرش والعقول المجردة إلى أن يصلوا إلى المبدأ الأول وعلّة العلل. ثم إذا أعان السالكَ الجذباتُ الإلهية والنسيمُ الرحمانية، فيقطع كثيرا من حجبه، وينجيه من بُعد المقصد وكثرة عقباته وآفاته، وينوِّره بالنور الإلهي ويُدخله في الواصلين. فيكمل له الوصول والشهود مع رؤيته عجائباتِ المنازل والمقامات. ولا شعورَ لأهل العقل بهذه المعارف والنكات، ولا مَدخَل للعقل فيه، والاطلاعُ بأمثال هذه المعاني إنما هو من مشكاة النبوة والولاية، وما شمّ العقل رائحته، وما كان لعاقل أن يضع القدم في هذا الموضع إلا بجذبة من جذبات رب العالمين.
وإذا انفكّت الأرواح الطيبة الكاملة من الأبدان، ويتطهرون على وجه الكمال من الأوساخ والأدران، يُعرَضون على الله تحت العرش بواسطة الملائكة، فيأخذون بطور جديد حظًّا من ربوبيته يغاير ربوبيةً سابقة، وحظًّا من رحمانية مغايرَ رحمانيةٍ أولى، وحظًّا من رحيمية ومالكية مغايرَ ما كان في الدنيا. فهنالك تكون ثماني صفات تحملها ثمانية من ملائكة الله بإذن أحسن الخالقين. فإن لكل صفة مَلَك مُوَكَّلٌ قد خُلق لتوزيع تلك الصفة على وجه التدبير ووضعها في محلها، وإليه إشارة في قوله تعالى: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، فتدبَّرْ ولا تكُنْ من الغافلين.
وزيادة الملائكة الحاملين في الآخرة لزيادة تجلياتٍ ربانية ورحمانية ورحيمية ومالكية عند زيادة القوابل، فإن النفوس المطمئنة بعد انقطاعها ورجوعها إلى العالم الثاني والرب الكريم تترقى في استعداداتها، فتتموج الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية بحسب قابلياتهم واستعداداتهم كما تشهد عليه كشوف العارفين. وإن كنت من الذين أُعطيَ لهم حظٌّ من القرآن، فتجد فيه كثيرا من مثل هذا البيان، فانظرْ بالنظر الدقيق لتجد شهادة هذا التحقيق، من كتاب الله رب العالمين”. (كرامات الصادقين، ص 76-77)
“إن أولياء الله لا يُريدون مُخَرْفَجًا في الحياة الدنيا، ويؤثرون لله خِصاصة، ويُطهّرون نفوسهم ويشوصُون، ويتّقون دواهيَ هذه ويتقون نهابر الآخرة ولها يجاهدون. ولا يأتي عليهم أُبْضٌ إلا وهم في العرفان يتزايدون، ولا تطلع عليهم شمس إلاّ وتجد يومهم أمثل من أمسهم، ولا ينكصون وفي كل آن يُقدِمون. ويزيدهم الله نورًا على نورٍ حتى لا يُعرَفون. ويحسبهم الجاهل بشرًا متلطخا وهم عن أنفسهم يُبعَدون. وإذا مسّهم طائفٌ من الشيطان أقبلوا على الله متضرّعين، وسعوا إلى كهفهم فإذا هم مبصرون. ولا يقومون إلى الدعاء كسالى بل كادوا أن يموتوا في دعائهم، فيُسمع لتقواهم ويُدرَكون. وكذلك يُعطَون قوةً بعد ضعفٍ عند الدعاء، وتنـزل عليهم السكينة، وتقوّيهم الملائكة، فيُعصمون من كل خطيئة ويُحفظون. ويصعدون إلى الله ويغيبون في مرضاته، فلا يعلمهم غير الله، وهم من أعينهم يُستَرون”. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية مجلد 20 ص102-103)
“ومن علاماتهم (أي المقربين) أنّ الملائكة تتنـزل عليهم بالبركات، ويُكرمهم الله بالمكالمات والمخاطبات، ويوحي إليهم أنهم من سُراة الجنّات وأنهم مقرّبون. ولهم فيها ما تدّعي أنفسهم ولهم فيها ما تشتهون. ويُنـزل عليهم كلام لذيذ من الحضرة وكَلِمٌ أُفصِحتْ من لدن رب العزة. ويُنَبّأون بكل نبأ عظيم، وأنباء الغيب من القدير الكريم. ويُغاث الناس بهم عند إسناتهم ويُنجّون من آفاتهم، ويُغَيَّرُ ما بقومٍ بتضرّعاتهم، وتُستجاب كثير من دعواتهم، وتظهر الخوارق لإنجاح حاجاتهم، مع إعلامٍ من الله وبشارةٍ بتعذيب قومٍ لا يألتون أنفسهم من ذاتهم. وكذلك يُؤيَّدون، ويُبشَّرون ويُنصَرون، ويُنوَّرون ويثمرون. ويُهلَكون مرارًا ثم يُذرَءون حتى يروا ربّهم وهم يستيقنون. ولا تطلع عليهم شمس ولا تجنّ عليهم ليلة إلاّ ويُقرَّبون إلى الله ويزيدون في علمهم أكثر مما كانوا يعلمون”. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية مجلد 20 ص 114)
“افرحوا وابتهِجوا لأن الله معكم. إنْ تمسكتم بالصدق والإيمان فستعلِّمكم الملائكةُ، وستنـزل عليكم السكينةُ من السماء، وستُنصَرون بروح القدس، وسيكون الله معكم عند كل خطوة، ولن يتغلب عليكم أحد أبدا”. (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية مجلد 20 ص 68)
تعريب شعر:
“اقبَلوا حياة المرارة بصدق لتتنـزل عليكم ملائكة العرش.
(براهين أحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، مجلد 21، ص 17-18)
نزلتْ ملائكة السماء لنصرنا رُعبَ العدا من عسكرٍ روحاني
(نور الحق، ص 165)