يشرح المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام آية وإن منكم إلا واردها
“﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ … والمرادُ من هذا البيان أن المتقين يُلقون أنفسهم في هذه النار بشتى الطرق بكل شجاعة وبطولة في هذه الدنيا التي هي دار الابتلاء، ويرمون بأنفسهم في نار مضطرمة في سبيل الله. كذلك ينـزل عليهم أنواع القضاء والقدر السماوي بصورة النار. إنهم يؤذَون ويعذبون وتحلُّ بهم زلازل عنيفة لا يقدر على احتمالها أحدٌ سواهم. ولقد ورَدَ في حديثٍ صحيحٍ ما مفاده: إنَّ الحمى التي تصيب المؤمن أيضا من فـيح جهنم، فينال المؤمن في هذا العالم نصيبا من النار بسبب الحمى أو معاناة أُخرى. وجاء في حديث آخر مفاده أن الجنة تتمثل للمؤمن جحيما في هذه الدنيا؛ بمعنى أن المصاعب الشاقة في سبيل الله تتراءى له بصورة جهنم، فحين يرِدُها بطيب خاطر يجد نفسه في الجنة فجأة. وهناك أحاديث أخرى كثيرة تتلخص في أن المؤمن يأخذ في هذه الدنيا نصيبا من نار جهنم، أما الكافر فيُلقى فيها جبرا وإكراها، ولكن المؤمن يدخلها من تلقاء نفسه لوجه الله. وهناك حديث آخر بالمعنى نفسه بأن جزءا من النار مقدر لكل بشر، فليقبلها لنفسه في سبيل الله في هذه الدنيا إذا شاء أو ليقضِ حياته في الرفاهية والغفلة إذا شاء، ثم يقدّم حساب تنعّمه في الآخرة. وللآية : ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ معنى آخر أيضا وهو أنه سيُكشَف لكل شقي وسعيد في عالم الآخرة على سبيل التمثّل إنْ كان قد سلكَ في الدنيا سبل السلام أو اختار سبل الهلاك والموت والجحيم. وإنَّ سبيل السلام وهو الصراط المستقيم والدقيق جدا ولا يسلكه إلا قلة قليلة -والانحراف عنه هو في الحقيقة السقوط في جهنم- سوف يتراءى في ذلك اليوم على سبيل التمثّل.” (مرآة كمالات الإسلام، ص 97)
فالمعنى إذن هو تعرّض المؤمن إلى نار الفتن والابتلاءات في الدنيا كأمر محتوم لقاء النجاح ونوال الأجر الذي يأخذه إلى الجنة، أي يا أيها المؤمنون إنَّ التعرض للظلم والعذاب في الدنيا على يد الكافرين والمعاندين والذي يشبه الحرق بالنار اللاهبة هو أمرٌ محتوم على كل منكم إذا كُنتُم أهلاً للصبر والمصابرة لكي تناولوا البر والثواب في الآخرة.
نقلها الأستاذ فراس علي عبد الواحد
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ