يقول المسيح الموعود عليه السلام:
“وأمّا من سلك مسلك العارفين، فسوف يرى كل أطروفة من رب العالمين. ومِن أحسنِ ما يلمَحُ السالكَ هو قبول الدعاء، فسبحان الذي يجيبُ دعوات الأولياء، ويكلمّهم ككلام بعضكم بعضًا بل أصفى منه بالقوة الروحانية، ويجذبهم إلى نفسه بالكلمات اللذيذة البهيّة، فيرتحلون عن عرسهم وغرسهم إلى ربهم الوحيد، راكبين على طِرْفٍ لا يشمس ولا يحيد. إنهم قوم عاهدوا الله بحَلفَةٍ أن لا يؤثروا إلاّ ذاته، وأن لا يطلبوا إلاّ أَياته، وأن لا يتّبعوا إلاّ آياته، فإذا رأى الله أنهم وفق شرطه في كتابه الفرقان، كشف عليهم كل بابٍ من أبواب العرفان. ثم اعلم أن أعظمها يزيد المعرفة هو من العبد باب الدعاء، ومن الرب باب الإيحاء، فإن العيون لا تنفتح إلاّ برؤية الله بإجابته عند الدعاء، وعند التضرّع والبكاء، ومن لم يُكشف عليه هذا الباب، فليس هو إلا مغترّا بالأباطيل، ولا يعلم ما وجه الرب الجليل. فلذلك يترك ربّه ويعطف إلى مراتب الدنيا الدنيّة، ويشغف قلبه بالأمتعة الفانية، ولا يتنبّه على انقراض العمر وعلى الحسرات عند ترك الأماني، والرحلة من البيت الفاني، ولا يذكر هادِمًا يجعل رَبعه دار الحرمان والحسرة، وأوهن من بيت العنكبوت وأبعد من أسباب الراحة“.
(تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية مجلد 20 ص 83-84)