يقول المسيح الموعود ؏ عن الصيام:

فيا مَن تعتبرون أنفسكم من جماعتي، إنكم لن تُعَدّوا من جماعتي في السماء إلا إذا سرتم في دروب التقوى حقا وصدقا. فأَدُّوا صلواتِكم الخمس بخشية وخضوع كأنكم ترون الله تعالى، وأتِمُّوا صيامكم بصدق القلب لوجه الله تعالى، وكلّ مَن وجبتْ عليه الزكاة فليؤدِّها، وكل مَن وجب عليه الحج فليحجّ ما دام ليس هناك مانع. افعلوا الخيرات على أحسن وجه، واتركوا الشر كارهين له. اعلموا يقينا أنه لن يصل إلى الله عملٌ هو خالٍ من التقوى.” (سفينة نوح، الخزائن الروحانية ج19 ص15)

ثالث أركان الإسلام هو الصيام، ولكن الناس يجهلون حقيقة الصيام…. من فطرة الإنسان أنه كلما كان قليلَ الأكل كان أكثرَ حظًّا من تزكية النفس وازدادت فيه قوى الكشف. فالله تعالى يريد بالصيام أن نقلِّل من غذاء ونُكثِر من آخر. يجب على الصائم أن يتذكر دائما أن الصوم لا يعني الجوع فقط، بل عليه أن يشتغل في ذكر الله تعالى حتى يتيسر له التبتل والانقطاع إليه عز وجل. فليس الصوم إلا أن يستبدل الإنسان بالغذاء الذي يساعد على نمو الجسم فقط غذاء آخر تشبع به الروح وتطمئن“. (تفسير المسيح الموعود ؏، قوله تعالى “كتب عليكم الصيام”)

الرَمَض يعني: حرارة الشمس، وبما أن الإنسان يكفّ عن الأكل والشرب وغيرهما من الملذات البدنية من ناحية، ومن ناحية أخرى يخلق في نفسه حرارة وحماسًا للعمل بأوامر الله تعالى، فلما اجتمعت الحرارة الروحانية والحرارة الجسمانية صارتا “رَمضان” ….

    شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن… بهذه الجملة الوحيدة تكشف عظمة شهر رمضان. لقد كتب الصوفية أن هذا الشهر صالح جدا لتنوير القلب، ويحظى فيه الإنسان بالكشوف بكثرة. إن الصلاة تقوم بتزكية النفس، أما الصوم فيحظى به القلب بالتجلّي. والمراد من تزكية النفس أن يصير العبد في معزل عن شهوات النفس الأمارة، وأما التجلّي على القلب فيعنى أن يفتح عليه باب الكشف بحيث يرى الله عز وجل“. (تفسير المسيح الموعود ؏، قوله تعالى “شهر رمضان”)

ليس الصوم أن يبقى الإنسان جائعًا وعطشانًا فقط، بل لـه حقيقته وتأثيره اللذانِ يطّلِع عليهما الإنسانُ من خلال التجربة. ومن طبيعة الإنسان أنه كُلّما أكل قليلا كُلّما حصلت لـه تزكية النفس، وازدادت قواه الكشفية“. (الملفوظات ج9 ص 123)

إن من عادتي أنني لا أترك الصوم إلا إذا كانت حالتي الصحية سيئة لدرجة لا تطاق، وإن طبعي لا يقبل ترك الصوم إطلاقا. إنها لأيام مباركة، وهي أيام نزول أفضال الله ورحمته“. (جريدة “الحَكَم” 24 يناير 1901م ص 5)

إن رمضان عند بعض الناس بمثابة أيام أكل وراحة؛ يُكثرون فيه من أكل الحلوى والمشويات والمقليات فيخرجون منه سمانا كما يخرج الحصان من أيام راحته وأكله. هذه الأمور تحرم الإنسان من الكثير من بركات رمضان.” (الفتاوى الأحمدية (فتاوى المسيح الموعود ؏) ص 206)

في إحدى المرات خطر ببالي سؤال عن الأمر بأداء الفدية، فعلمتُ أنها تسبب التوفيق للقيام بالصيام. إن الله تعالى هو الموفِّق على كل شيء، فيجب أن نطلب كل شيء من الله وحده. إنه هو القادر القدير على أن يهب للمسلول أيضا قوة على الصيام إذا أراد ذلك. لذا فالأنسب للذي هو محروم من الصيام أن يدعو الله تعالى أنْ يا إلهي إن شهرك هذا شهرٌ مباركٌ وأنا لا أزال محرومًا من بركاته، ولا أدري هل أكون على قيد الحياة في العام القادم أم لا، أو هل أقدر على صيام الأيام الفائتة أم لا، لذا يجب أن يسأل اللهَ ﷻ التوفيقَ. وإنني على يقين أن الله تعالى سوف يوفِّقُ شخصًا كهذا“. (الفتاوى الأحمدية ص 175)

الحق أن التقوى هي في العمل بالرخص الواردة في القرآن الكريم. إن الله تعالى قد رخص للمسافر والمريض أن يصوما في أيام أخرى بعد رمضان. لذا لا بد من العمل بهذه الرخص. لقد قرأت أن معظم أكابر الأمة قد أفتوا بأن الصوم في السفر والمرض معصية، لأن هدفنا هو ابتغاء مرضاة الله، ومرضاة الله إنما هي في الطاعة. فيجب العمل بما يأمر به الله تعالى بدون أن نضيف إليه شروحا وفتاوى من عندنا. إن ما أمر الله به هو: ]من كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أُخَر[، ولم يشترط هنا أن يكون السفر طويلا أو المرض شديدا. فأنا لا أصوم في حالة السفر والمرض. كذلك لم أصم اليوم لأنني مريض“. (الملفوظات ج5 ص 67-68)

والذي يصوم رمضان في حالة السفر والمرض إنه يعصي صريحَ أمر الله تعالى. لقد قال الله تعالى صراحة بأن لا يصوم المسافر والمريض، بل يصومان بعد الصحة ونهاية السفر. فيجب العمل بحسب أمر الله، لأن النجاة تتوقف على فضل الله تعالى، ولا يمكن لأحد أن ينال النجاة بفضل أعماله. ولم يحدد اللهُ السفر قصيرا كان أم طويلا، ولم يحدد المرض أيضا قليلا كان أم كثيرا، بل الأمر عام ويجب العمل به. فلو صام المسافرون والمرضى لاعتبروا من العصاة“. (جريدة “بدر”، 17 أكتوبر عام 1907م)

لقد أخبرني الأخ عبد الله السنوري t أنْ جاء إلى سيدنا المسيح الموعود ؏ في شهر رمضان ضيفٌ وكان صائما، وكان الجزء الأكبر من النهار قد مضى، ربما كان الوقت بعد صلاة العصر، فقال ؏ لـه: “يجب أن تُفطر”. قال الضيف: لم يبق من النهار إلا قدر يسير، فما الفائدة من الإفطار الآن؟” فقال ؏: “إنك تريد أن تُرضي الله بالقوة، والله تعالى لا يرضى بالقوة بل يرضى بالامتثال لأمره. فما دام الله تعالى قد أمر المسافر بعدم الصوم فينبغي ألا يصوم. فأفطَرَ الضيف صومه“. (سيرة المهدي، مجلد 1 رواية رقم 177)

حين دنت وفاة أبي اتفق لي أن رأيت مرة في المنام شخصا متقدما في السنّ طيّب الشكل، فقال لي ما مفاده: “إن الصيام لبعض الأيام من أجل استقبال الأنوار السماوية من سنة بيت النبوة “. وأشار إلى أن أتأسى بأسوة أهل البيت هذه. فرأيت من المناسب أن ألتزم بالصيام لفترة من الزمان. وللتو خطر ببالي أن الأفضل أن أقوم بذلك سرًّا. فكنت أطلب طعامي من البيت إلى غرفة الضيوف وأوزعه سرًّا على الأيتام الذين كنت قد أكدت عليهم مسبقا ليحضروا في الوقت المحدد. وهكذا كنت أصوم طوال النهار، ولم يعرف عن هذا الصيام إلا الله….. لقد استمر بي الحال على هذا المنوال لمدة ثمانية أو تسعة شهور، ورغم ضآلة الطعام الذي كنت أتناوله والذي لم يكن ليصبر عليه ابن الشهرين أو الثلاثة أيضا.. فإن الله تعالى قد حفظني من كل سوء ومكروه. ومن العجائب التي حظيت بها من خلال هذا النوع من الصيام هي تلك المكاشفات اللطيفة التي كُشفت علي.. فقد قابلت العديد من الأنبياء الكرام.. وكذلك بعض كبار الأولياء والصلحاء المسلمين الذين خلوا من قبل. وقد شاهدت رسول الله ﷺ بحالة اليقظة التامة وهو في رفقة الحسنَين وعلي وفاطمة y. ولم يكن ما رأيته في رؤيا وإنما كانت في حالة من اليقظة….

وعلاوة على ذلك.. رأيت الأنوار الروحانية على وجه التمثيل كأعمدة لها ألوان مختلفة كالأخضر والأحمر، وكانت تتراءى من الجمال وقوة التأثير ما يعجز الإنسان عن وصفه. وكانت تلك الأعمدة النورانية المتصاعدة نحو السماء التي كانت بعضها ناصعة البياض وبعضها خضراء وأخرى حمراء كلها كانت تتصل بقلبي اتصالا خاصا، بحيث كانت تبعث السرور إلى القلب، حتى إني عند مشاهدتها كنت أشعر بقلبي ينتشي بنشوة خاصة لا سبيل لمقارنة لذتها مع أي شيء آخر. وكنت أتصور أن تلك الأعمدة الروحانية هي تعبير عن الحب المتبادل بين الله والإنسان.. ويعني ذلك أن نورا قد تصاعد من القلب ونورا آخر قد نزل من الفوق.. وحينما التقيا أخذا شكل عمود من نور. إن هذه الأمور الروحانية مما لا يمكن لأهل الدنيا أن يدركوها، لأنها بعيدة عن عيونهم، ولكن هناك مَن مَنَّ الله عليه في الدنيا بإدراك هذه الأمور.

ومن العجائب التي ظهرت علي في فترة الصيام تلك كانت عبارة عن ضروب من المكاشفات. واستفدت من خلال هذه التجربة أيضا أنني تبينت أني أستطيع.. إذا اقتضى الحال.. أن أتحمل الجوع لفترة طويلة من الزمن. وخطر ببالي أكثر من مرة بأنه إذا أُجبر شخصٌ سمين مصارع قوي ليتحمل الجوع معي، فإنه سوف يموت قبل أن أشعر أنا بحاجة إلى الطعام…. وإنني على يقين أن الذي يخلد إلى حياة التنعم والراحة لا يسمو إلى المراتب الروحانية. ولكني لا أنصح كل واحد أن يقوم بمثل هذا الصيام.. كما لم أقم به أنا أيضا بناء على اختياري… اعلموا أنني لم أتحمل هذه المشقة الجسدية إلى فترة ثمانية أو تسعة شهور حيث ذقت الجوع والعطش إلا بأمر من الله الذي تلقيته بواسطة الكشف الصريح، ولم أعد إلى تكرارها إلا نادرا.” (كتاب البرية، الخزائن الروحانية مجلد 13 ص 197-200 الحاشية)

About مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

View all posts by مرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

2 Comments on “أقوال المسيح الموعود ؏ عن الصيام وبركته”

    1. يقول الله تعالى:
      “أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ”

      أي قد أعطى الله تعالى الرخصة للمريض والمسافر أن يفطر، ومن يستطيع أن يدفع الكفارة عن كل يوم، ومن لا يستطيع فليصم في يوم آخر، ومن لا يستطيع الصوم فلليس عليه شيئ.

      يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      “إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه ، كما يكره أن تؤتى معصيته”
      أي أن الله تعالى يحب للعبد أن يعمل بما أعطاه من رخص، كما يكره الله للعبد أن يأتي المعاصي. فهنا يجب أن يعي المسلم أن الأفطار للمريض والمسافر من الواجيات.

Comments are closed.