“وأما الاختلافات التي وقعت في خبر نزول المسيح، فالأصل في هذا الباب أن الأخبار المستقبلة المتعلقة بالدنيا لا تخلو عن الابتلاء، وكذلك يريد الله منها فتنةَ قوم واصطفاء قوم، فيجعل في مثل هذه الأخبار استعاراتٍ ومجازات، ويُدقّق مأخذها ويجعلها غامضة دقيقة فتنةً للذين يُكذّبون المرسلين، ويظنون ظن السوء كالمستعجلين. ألا ترى إلى اليهود كيف شَقُوا في ردِّ الرسول الصادق الذي جاء كطلوع الشمس مع وجود خبر مجيئه في كتبهم. ولو شاء الله لكتب في التوراة كل ما يهديهم إلى صراط مستقيم، ولأخبرهم عن اسم خاتم الأنبياء ﷺ وعن اسم والده واسم بلدته وزمان ظهوره واسم صحابته واسم دار هجرته، ولكتب صريحا أنه يأتي من بني إسماعيل، ولكن ما فعل الله كذلك بل كتب في التوراة أنه يكون منكم من إخوانكم، فمالت آراء اليهود إلى أن نبي آخر الزمان يكون من بني إسرائيل، ووقعوا من هذا اللفظ المجمل في ابتلاء عظيم، فهلك الذين ما نظروا حق النظر، وظنوا أن يخرج النبي من قومهم ومن بلادهم، وكذّبوا خاتم النبيين.”
من كتاب حمامة البشرى