يقول المسيح الموعود ؏:
“التوحيد ليس مجرّد أن تقول بلسانك “لا إله إلاّ الله” وأنت تُخفي في قلبك مئات الأوثان، بل إن كلّ من يعظِّم تدابيره أو خططه أو دهاءه بقدر ما يجب أن يعظّم الله بالعبادة؛ أو يعتمد على شخص آخر بقدر ما ينبغي أن يتوكل على الله وحده؛ أو يعظِّم نفسه بقدر ما يجب أن يعبد الله وحده، فهو عابد للأوثان عند الله تعالى؛ لأن الأوثان ليست فقط تلك التي تُصنع من ذهب أو فضة أو نحاس أو حجارة وتُعبد بصورة ظاهرية، بل إنّ كلّ شيء، وكلّ قول، وكلّ عمل يُعطَى أهميةً لا تليق إلاّ بالله عزّ وجلّ وحده، لهو وثن عند الله تعالى…. تَذَكّروا أنّ وحدانية الله التي يريد الله منّا الإيمان بها، والتي يعتمد عليها الخلاص والنجاة إنّما هي الإيمان بأنّ الله منـزّه في ذاته عن كلّ شريك، سواء كان وثنًا أو بشرًا أو شمسًا أو قمرًا، أو نفس الإنسان وذاته، أو مَكْرَه أو خداعه؛ وكذلك ينبغي للإنسان ألاّ يَعُدّ أحدًا قادرًا مثل الله، وألاّ يعُدّ أحدًا رازقًا غير الله، وألاّ يعتبر أحدًا قادرا على أن يعزّه أو أن يذلّه، وألاّ يعدّ أحدًا ناصرًا أو معينا؛ كما أن عليه أن يخلص لله وحده حبَّه وعبادته وخضوعه وآماله وخوفه.
ولا يمكن لوحدانية الله أن تكون كاملة من غير الخصوصيات الثلاث التالية:
أولا، توحيد ذات الباري- أعني أن نَعتبر الأشياء الموجودة كلّها كالمعدوم بالمقارنة مع الله تعالى، وأن نعتبرها ميتة وباطلة.
ثانيًا، توحيد صفات الباري- أعني عدم الإقرار بالربوبية والألوهية إلا لذات الله، وأنّ الآخرين -الذين يظهرون رازقين ومحسنين- كلّهم ليسوا إلا جزءًا من النظام الإلهي الذي وضعه اللهُ وصنعه بيده تعالى.
ثالثًا، توحيد الحب والإخلاص والصفاء – أعني ألاّ نجعل أحدًا شريكًا لله في حبّنا وعبادتنا له والتفاني فيه عزّ وجلّ”. (الرد على أربعة أسئلة لسراج الدين المسيحي، الخزائن الروحانية ج12 ص 349-350)
“إنه (الله ﷻ) يُنشئ الظلام، غير أنه يُحب النورَ. إنه يَدَعُ الشركَ ينتشر، ولكنه لا يحب إلا التوحيد، ولا يَرضى بأن يُعطَى جلالُه لأحد غيره. إن السنّة الإلهية المستمرّة منذ خلقِ الإنسان وإلى أن يفنى وجوده هي أنه ﷻ يحمي التوحيد دومًا. إن جميع الأنبياء الذين أرسلهم الله إنما بُعثوا لترسيخ عبادته في الدنيا بالقضاء على عبادة الناس والمخلوقات الأخرى، وكانت غايتهم الوحيدة أن يتجلّى في الأرض مضمونُ “لا إله إلا الله” كما تجلّى في السماء. وإن أعظَمَهم شأنًا هو ذلك الذي أكثرُهم جلاءًً لهذا المعنى، والذي كشف عن ضعف الآلهة الباطلة، وأظهَرَ تفاهتَها بالعلم والقوة؛ وبعد أن برهَنَ على كل هذه الأمور، تَرَكَ لذلك النصر المبين تذكارًا خالدًا هو: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. وإنه لم يدّعِ أن “لا إله إلا الله” دونما دليل، بل دعم هذه الحقيقة أوّلاً بالبراهين القوية، وكشف خطأ الشرك بالأدلّة الدامغة؛ ثم لفتَ أنظار الناس إلى أن لا إله إلا الذي حطّم قواكم كليةً، وكسر غطرستكم تمامًا. فتذكارًا لهذه الحقيقة الثابتة عَلَّمَنا تلك الكلمةَ المباركة الخالدة: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. (المسيح الناصري في الهند، ص 70-71)
“إنني دائمًا أنظر بعين الإعجاب إلى هذا النبي العربي الذي اسمه محمد – عليه ألف ألف صلاة وسلام – ما أرفَعَ شأنَه! لا يمكن إدراكُ سموِّ مقامه العالي، وليس بوسع الإنسان تقدير تأثيره القدسي. من المؤسف أن الدنيا لم تقدر مكانته حق قدرها. إنه هو البطل الوحيد الذي أعاد التوحيد إلى الدنيا بعد أن غاب عنها. لقد أحبَّ اللهَ غاية الحبِّ، وذابت نفسه تمامًا شفقةً على خلق الله، لذلك فإن الله العالِمَ بسريرته فضَّله على الأنبياء كافةً، وعلى الأولين والآخرين جميعًا، وحقّق له في حياته كلَّ ما أراد”. (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية مجلد 22 ص 118-119)
“كان نبينا المجدد الأعظم في مجال بيان الصدق، وقد أعاد الحقيقة المفقودة إلى الدنيا، ولا أحد يشارك نبينا ﷺ في هذا الشرف، حيث وجد العالم كله في الظلام، ثم استحال الظلام إلى النور بظهوره ﷺ، ولم يغادر الدنيا إلا بعد أن خلع كل القوم الذين بُعث إليهم لباسَ الشرك ولبسوا لباس التوحيد؛ ليس هذا فحسب، بل وصل هؤلاء أرفع مراتب الإيمان، وظهرت على أيديهم من أعمال الصدق والوفاء واليقين ما لا يوجد له نظير في أي مكان في العالم. وإن النجاح بهذا القدر لم يكن من نصيب أي نبي سوى نبينا الأكرم ﷺ. هذا هو الدليل الأكبر على صدق نبوة سيدنا رسول الله ﷺ، إذ بُعث في زمن غارق في الظلمات، وكان يقتضي بلسان حاله بعثة مصلح عظيم الشأن. ثم إنه ﷺ ارتحل من الدنيا بعد أن تمسك آلاف الناس بالتوحيد والصراط المستقيم متخلين عن الشرك وعبادة الأصنام. والحق أن هذا الإصلاح الكامل كان خاصًّا به وحده، حيث علّم قومًا همجيين ذوي طبائع وحشية الآدابَ الإنسانية، أو بتعبير آخر جعل البهائم أناسًا، ثم حول الناس أناسًا مثقفين، ثم جعل المثقفين أناسًا ربانيين، ونفخ فيهم الروحانية وأنشأ لهم علاقة مع الإله الحق؛ فذُبحوا في سبيل الله كالمعز، ودِيسوا تحت الأقدام كالنمل، ولكنهم لم يتخلوا عن الإيمان أبدًا، بل مضوا قدمًا عند كل مصيبة. فلا شك أن نبينا ﷺ آدم الثاني من حيث توطيد دعائم الروحانية، بل هو آدم الحقيقي إذ بلغت بواسطته كل الفضائل الإنسانية كمالها، وأخذت كل القوى الصالحة تعمل عملها، ولم يبق غصن من أغصان الفطرة الإنسانية دون ورق وثمر. ولم تختم عليه النبوة من حيث إنه الأخير زمانًا فقط، بل خُتمت به جميع كمالات النبوة أيضًا. وبما أنه ﷺ كان المظهر الأكمل للصفات الإلهية، فكانت شريعته متصفة بالصفات الجمالية والجلالية كلتيهما، ولهذا الغرض سُمي باسمين محمد وأحمد ﷺ. وليس في نبوته العامة شيء من البخل، بل هي للعالم كله منذ الأزل”. (ليكجر سيالكوت، الخزائن الروحانية، مجلد 20 ص 206-207)