مجموع أقوال المسيح الموعود مرزا غلام أحمد عليه السلام
الصلاة
“إن الصلاة حقُّ الله تعالى، فأَدّوه حق الأداء، ولا تعيشوا مع عدوّ الله عيشة المداهنين، بل عليكم الوفاء والصدق. لا تتركوا الصلاةَ ولو دُمّرت بيوتكم كلُّه. إنهم لكافرون ومنافقون أولئك الذين يعتبرون الصلاة نحسًا، ويقولون لقد بدأنا أداء الصلاة فأُصبنا بكيت وكيت من الأضرار. كلا، إن الصلاة ليست مجلبة لغضب الله أبدًا، بل الذين يعتبرونها نحسًا في أنفسهم سمٌّ، فلا يجدون في الصلاة متعةً شأنَ المريض الذي يجد طَعْمَ الحلو مُرًّا. إن الصلاة تُصلِح دين المرء وأخلاقه ودنياه، وإن متعتها أعظمُ من متع الدنيا كلها. إن المرء ينفق الآلاف من أجل المتع المادية، وفي النهاية يصاب بأنواع الأمراض، بينما يجد هذه الجنّةَ مجانًا. إن القرآن الكريم يذكر جنتّين، إحداهما جنّةُ هذه الدنيا، وهي المتعة في الصلاة.
الصلاة ليست ضريبة جبرية، بل إن للعبودية علاقةً وجذبًا أبديَّينِ تجاهَ الربوبية، وللحفاظ على هذه العلاقة قد فرض الله الصلاة، وأودعَها لذةً لتدوم هذه العلاقة. فكما أن الفتى والفتاة إذا لم يجدا في لقائهما متعةً بعد الزواج فسد زواجهما، كذلك إذا خلت الصلاة من المتعة أدّت إلى انفصام علاقة العبد مع الله تعالى. فعلى المرء أن يغلق عليه باب حجرته ويدعو لتدوم هذه العلاقة وليشعر بتلك اللذة. إن علاقة العبودية مع الربوبية عميقة جدا ومملوءة بأنوار يستحيل تفصيلها، وما لم تتيسر تلك العلاقة للإنسان فهو كالبهائم. ولو شعر بتلك المتعة، ولو بضع مرات فقط، لنال حظًّا من ذلك النور. ومن لم يشعر بها ولو بضع مرات فهو أعمى، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى.)” (الملفوظات، مجلد 6 ص 370-371)
“الذي يبكي ويبتهل في حضرة الله أثناء الصلاة يكون في مأمن. فكما أن الطفل الصغير يبكي ويصرخ في حضن أمه فيحظى بحبها وشفقتها، كذلك الذي يتضرع ويبتهل في حضرة الله في الصلاة يلقي نفسه في حضن ربوبيته وعطفه تعالى.
اعلموا أن الذي لا يجد المتعة في الصلاة لا يتذوق حلاوة الإيمان. ليس المراد من الصلاة بضع نقرات فقط. إن بعض الناس يُنهُون الصلاة ببضع نقرات كنقرات الدجاجة، ثمّ يشرعون في دعاء طويل عريض، وبالتالي يضيّعون الفرصة التي أتيحت لهم للابتهال في حضرة الله. إنهم يؤدون الصلاة بسرعة على سبيل التقليد والعادة فقط، ثم يخرجون من حضرة الله ويشرعون في الدعاء. عليكم أن تدعوا في الصلاة واعتبِروها وسيلة للدعاء ……. يجب على الإنسان أن يصبح كسائل فقير ومحتاج بائس، ويعرض على الله تعالى حالته بكامل التضرع والابتهال، شأنَ الشحّاذ الذي يستثير الرحمةَ في قلوب الآخرين بتواضع مفرط، تارة بصوته وتارة بصورته. فما لم يتضرع الإنسان في الصلاة ويبتهل، وما لم يتخذ من الصلاة سبيلاً للدعاء، فكيف يمكن أن يجد المتعة فيها.” (الملفوظات، مجلد 2 ص145-146)
“الصلاة قوة بها تحنو السماء على الإنسان. إنّ الذي يقيم الصلاة كما هو حقها يشعر أنّه قد مات، وأنّ روحه قد ذابت، ووقعتْ على عتبة الله…. البيت الذي تُقام فيه الصلاة بهذه الطريقة لا يواجه الخراب مطلقاً. جاء في حديث: ’لو فُرضت الصلاة على قوم نوح لما هلكوا‘. ليس الحجّ إلا بتوافر الشروط، ولا الصيام ولا الزكاة إلا بالشروط، أما الصلاة فليست لفرضيتها أية شروط. وسائر الفرائض المذكورة تؤدّى مرّة في السنة، ولكن الصلاة مفروضة خمس مرات يوميا. فما لم تؤدَ الصلاة بكامل متطلباتها، لن تُكتسب البركات التي تحملها، وبالتالي لن تستفيدوا من هذه البيعة شيئا”. (الملفوظات، الإصدار الجديد، ج 3، ص 627)
“جاء في الحديث الشريف أنّ بعض الذين قَبلوا الإسلام طلبوا من رسول الله ﷺ أن يعفيهم من فريضة الصلاة، فرفض الرسول ﷺ طلبهم وقال لهم: لا خير في دين لا صلاة فيه.” (الملفوظات المجلد 10 ص347)
“فيا مَن تعتبرون أنفسكم من جماعتي، إنكم لن تُعَدّوا من جماعتي في السماء إلا إذا سرتم في دروب التقوى حقا وصدقا. فأَدُّوا صلواتِكم الخمس بخشية وخضوع كأنكم ترون الله تعالى، وأتِمُّوا صيامكم بصدق القلب لوجه الله تعالى، وكلّ مَن وجبتْ عليه الزكاة فليؤدِّها، وكلُّ مَن وجب عليه الحج فليحجّ ما دام ليس هناك مانع. افعلوا الخيرات على أحسن وجه، واتركوا الشر كارهين له. اعلموا يقينا أنه لن يصل إلى الله أي عمل خالٍ من التقوى.” (سفينة نوح، الخزائن الروحانية ج19 ص15)
“بعد فهمِ الشهادة “لا إله إلا الله” ينبغي أن تهتمّوا بأداء الصلاة التي قد أوصى الله بالمواظبة عليها مرارًا وتكرارًا في القرآن الكريم. غير أنه تعالى يقول أيضا: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) .. أي الهلاكُ للمصلين الذين هم غافلون عن حقيقة الصلاة.
اعلموا أن الصلاةَ سؤالٌ يتقدم به الإنسان في حضرة الله تعالى بحُرقةٍ وألمٍ حينما يُحرَم قُرْبَه تعالى، فيسأله أن يرزقه لقاءه ووصاله، إذ من المستحيل أن يتطهر أحد ما لم يطهِّره الله تعالى، وأن يحظى أحد بوصاله تعالى ما لم يرزقه اللهُ إياه.
هناك أطواق وأغلال كثيرة في عنق الإنسان يسعى جاهدًا للتحرر منها، ولكن من دون جدوى، وتصدُر عن نفسه اللوامة زَلَّاتٌ كثيرة رَغْمَ رغبتِه في التطهر. ذلك لأن التطهير من الذنوب هو بيد الله تعالى، وليس ثمة أحد سواه قادرا على تطهيركم. ولخلقِ المشاعر الطاهرة في الإنسان فقد فرض الله تعالى الصلاةَ. ما هي الصلاة؟ إنما هي دعاء يدعو به الإنسان ربَّه بألمٍ ولَوعةٍ وحُرقةٍ ليتخلص من تلك الأفكار السيئة والنيِّات الفاسدة، ويتيسر له حبٌّ طاهر وعلاقة طيبة به، ويُوفَّقَ للسلوك بحسب أحكام الله تعالى. إن كلمة الصلاة نفسها تدل على أنه لا يكفي المرءَ الدعاءُ بلسانه فحسب، بل لا بد معه من التياعٍ وحرقةٍ ورِقّةٍ أيضا”. (جريدة “بدر” المجلد 6، رقم 1و2 عدد 10 يناير/كانون الثاني 1907م ص12)
“خزينة الله مليئة على الدوام، وغاية ما يحتاجه المرء عند وقوفه أمام الله تعالى هو اليقين بأنه واقف أمام السميع العليم الخبير القادر الذي لو أراد لأعطاه حالاً، وعليه أن يدعو بمنتهى الضراعة، ولا ييأس ولا يسيء الظن بالله تعالى. ولو فعل ذلك لفاز بتلك الراحة بسرعة، ولشملتْه أفضال الله الأخرى أيضا، بالإضافة إلى فوزه بوصاله تعالى. فهذا هو الطريق الذي يجب اتباعه. غير أن دعاء الظالم الفاسق لا يجاب لأنه لا يبالي بالله تعالى فلا يبالي الله به أيضًا. فما دام الوالد لا يكترث لابنه العَقوق الذي لا يكترث له، فلماذا يكترث الله تعالى لمثل هذا الإنسان.” (جريدة بدر، مجلد ثان، رقم 4 عدد 13 فبراير 1903م ص 28)
“إن الصلاة لهي الحسنة التي تزيل ضعف الإنسان الذي يسببه الشيطان، وإنها لهي الدعاء بعينه. يريد الشيطان أن يظلّ المرءُ مقصّرًا في أداء الصلاة لأنه يعلم أنه لن يصلح نفسه إلا من خلالها؛ فلذا لا بد له من الطهارة…. لأن الشيطان يحبّ الإنسان ما بقيت فيه النجاسة”. (جريدة “بدر” مجلد 2 عدد 4 بيوم 13 فبراير 1903 ص 27)
“إن الصلاة التي تؤدَّى خمسَ مرّات أيضًا فيها إشارة إلى أن الإنسان إذا لم يَحْمِ صَلاتَه من النـزعات والأفكار النفسانية فلن تُعَدَّ صلاةً حقيقية أبدًا. إن الصلاة لا تعني أبدًا بِضْعَ نقراتٍ وأداءَها كمجرد طقس من الطقوس. كلا، بل إن الصلاة عملٌ ينبغي أن يشعر به القلب أيضا، حتى تذوب الروح وتخرّ على عتبة الله من شدة الخوف. على المرء أن يسعى بكل ما أوتي من قوة حتى تتولد في قلبه الرِّقَّة، ويدعو بمنتهى الضراعة ليزول ما في نفسه من التجاسر والذنوب. وإن صلاة كهذه هي الصلاة المباركة، ولو داومَ عليها الإنسان لوجد أن نورًا قد نزل على قلبه ليلاً أو نهارا، وأن نزعة نفسه الأمّارة قد خفَّتْ وتراجعتْ. وكما أن في الأفعى سُمًّا قاتلاً، كذلك يوجد في النفس الأمّارة سُمّ قاتل، ولا علاجَ له إلا بيدِ مَن خلَق هذه النفس”. (جريدة “بدر”، مجلد 3 رقم 34، بتاريخ 8 سبتمبر/ أيلول 1904م ص 3)
الصلاة التي تكون فيها أفكار المصلي في وادٍ وقلبه في وادٍ، ويتفوه بكلمات لا يكاد يدركها، فمثل تلك الصلاة ليست إلا لعنة وتُرَدُّ على صاحبها ولا تُقبَل، قال الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ).” (الملفوظات مجلد9 ص 40)
“الصلاةَ الصلاةَ، فإنها مفتاح كل سعادة. عندما تقوم للصلاة، فلا تصلِّها وكأنها طقس فارغ، وإنما عليك أن تقوم بوضوء باطني كما تقوم بوضوء ظاهري، فتغسل جوارحك من التفكير في غير الله تعالى، ثم بهذين الوضوءين قم للصلاة، وادعُ فيها كثيرًا، وتَعوَّدْ على البكاء والابتهال فيها، لكي تُرحَم….. الصدقَ الصدقَ، لأن الله ينظر إلى قلوبكم. هل يمكن للإنسان أن يخدع اللهَ ﷻ؟ وهل ينطلي عليه ﷻ الغش والخداع؟” (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية مجلد 3 ص 549)
“اُدعوا الله في صلواتكم الخمس، ولا مانع من الدعاء بلغة الأم. إن الإنسان لا يتلذذ من الصلاة بدون التضرع والابتهال. والابتهالُ لا يحصل دون التواضع، والتواضع يتولد عندما يفهم الإنسان ما يقرأ. فتقديم الحاجات بلغته الأم يمكن أن يُنشئ الحماسَ والاندفاعَ. ولكن يجب أن لا تفهموا من ذلك أبدًا أنه يمكنكم أن تصلوا الصلاة بلغتكم. كلا! بل إن ما أقصده هو أن تدعوا بلغتكم أيضا بعد قيامكم بالأدعية والأذكار المسنونة، فإن الله تعالى قد وضع بركة في تلك الكلمات المسنونة للصلاة. إن الصلاة اسم آخر للدعاء، لذا فادعوا الله تعالى فيها بأن يحميكم من آفات الدنيا والآخرة، وأن تكون العاقبة حسنة. اُدعوا لأهلكم أيضا”. (جريدة “الحكم” مجلد 7 رقم 38 ص 2 عدد 17 أكتوبر 1903)
“الدعاء مُخُّ الصلاة وروحها”. (أيام الصلح، الخزائن الروحانية، المجلد 14، ص 241)
“ما هي الصلاة؟ إنما هي مناجاة في حضرة الله واعتراف بالضعف عنده وطلبُ العون منه في قضاء جميع الحوائج. هي الوقوف أحياناً أمامه تعظيمًا له وتنفيذًا لأوامره، وأحياناً السجودُ أمامه في خضوع تام، ورفعُ الحاجات كلّها إليه. تلك هي الصلاة: أن تُمجّد الله كمتسوّل، وأن تستثير رحمتَه بإظهار عَظَمَتِه وجلاله، ثم تطلب منه حاجتك. والدين الذي ليس فيه هذا النوع من الصلاة ليس دينا على الإطلاق.
الإنسان محتاج إلى عون الله كل حين وآن، فعليه أن يطلب منه دوما سبل رضاه وفضله؛ إذ لا يمكن للإنسان إحراز أي نجاح إلا بالتوفيق منه. اللهمّ وفقنا أن نكون لك بشكل كامل ونرضيك سالكين سبل رضاك. الصلاة عبارة عن حبّ الله، وخشيته، وتعلق القلب بذكره، وهذا هو الدين الحق.
وعليه فإن الذي يريد أن يتحرر من أداء فريضة الصلاة فلا يتعدَّ قدر البهائم التي تعتاد على الأكل والشرب والنوم. هذا، بالتأكيد، ليس من الدين في شيء، بل هي سيرة الكفار. ولاشكّ في أنّ المثل الشائع:’لحظة الغفلة هي لحظة الكفر‘ صادق وصحيح”. (جريدة الحكم المجلد 7 عدد 31 مارس 1903م ص 8)
“ما هي الصلاة؟ إنما الصلاة دعاء عند رب العزة يستحيل أن يعيش الإنسان بدونه ويتمتع بأسباب العافية والفرحة. إنما يَنعَم بالسرور والراحة الحقيقيتين عندما يتغمده الله تعالى بفضله، وعندها سيجد المتعة واللذة في الصلوات. فيجد عندها اللذة في البكاء والابتهال، كما يجدها في تناول الأطعمة اللذيذة، وتتيسر له هذه الحالة في الصلاة. لكن لا بد له – قبل تيسُّر هذه الحالة – من الصلوات والأدعية الفارغة من اللذة شأن المريض الذي يتناول الأدوية المُرّة من أجل الشفاء. وعليه – في هذه الحالة الخالية من اللذة – أن يقوم في الصلاة بالدعاء التالي من أجل المتعة: يا الله، أنت تعلم كم أنني أعمى لا أبصر، وإنني في هذه اللّحظة كالميت. وأعلم أنني عمّا قريب سأُدعى فأمتثل بين يديك، ولن يقدر أحد على أن يحول بيني وبين ذلك. ولكن قلبي أعمى ويخلو من المعرفة. فأنزلْ عليه شعاعاً من نور فيبعث فيه حبّك والشوق إليك. أَنْعِم عليّ بفضلٍ من لدنك يا رب حتى لا أُبعَث يوم القيامة أعمى ولا أكون من فاقدي البصر.
عندما يدعو العبد بهذا الشكل، ويُثابر عليه، فسيأتيه وقتٌ يرى فيه نزول شيء عليه من السماء، وسيذيب قلبه ويهبه الحضور في الصلاة.” (الملفوظات، مجلد4، ص 321-322)
“ما هي الصلاة؟ إنها دعاء يُتوسل به إلى الله بالتسبيح والتحميد والتقديس والاستغفار. لذلك إذا صليتم فلا تقيّدوا في دعواتكم بالألفاظ العربية مجردة كالمغفلين من الناس، إذ إن صلواتهم واستغفارهم ليس إلا تقاليد فارغة من الحقيقة. بيد أنكم حين صليتم لا بأس عليكم إذا رفعتم التضرعات بلسانكم أثناءَ دعواتكم العامة علاوة على آيات القرآن الذي هو كلام الله والأدعية المأثورة التي هي كلام الرسول ﷺ. فعسى أن يأخذ هذا التضرع وتلك المناجاة في قلوبكم مأخذه”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية، المجلد 19 ص 68-69)
“لقد خُلق الإنسان مفطورًا على أن يصير لله تعالى، وذلك كما قال ﷻ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ). فقد أودع اللهُ فطرةَ الإنسان شيئا لنفسه هو ﷻ وخلَقه لنفسه هو ﷻ بأسباب خفية جدًّا، مما يدل على أن الله تعالى قد جعل عبادته هي الغاية من خلق الناس. ولكن الذين ينحرفون عن غاية خلقهم، ويعتبرون الأكل والشرب والنوم كالبهائم هو الغاية من حياتهم، يبتعدون عن فضل الله تعالى فيصبحون محرومين من ذمة الله. وإنما يحظى بذمة الله مَن يعمل بحسب قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)، ويغير مسار حياته بحسبه، لأن الإنسان لا يدري متى يفاجئه أجله…. اعلموا أن الغرض من خلقكم هو أن تعبدوا الله وتكونوا له وحده. يجب ألا تكون الدنيا أكبر همكم. أقول لكم هذا مرة بعد أخرى، لأنني أرى أن هذا هو الأمر الذي خُلق الإنسان من أجله، وهو الأمر الذي ابتعد عنه الإنسان. لا أقول لكم أن تتخلوا عن أعمال الدنيا، وأن تقصدوا الفلوات والجبال معرضين عن الأهل والأولاد. كلا! بل إن الإسلام لا يجيز ذلك، ولا يهدف إلى الرهبانية، بل يريد أن يجعل الإنسان نشيطا يقظا، لذلك أقول لكم: عليكم إنجاز أعمالكم بسعي وجدّ. ورد في الحديث: من عطّل أرضًا ولم يعمرها فسوف يؤاخذ على ذلك. فمخطئ من يظن أننا نعني أن يتخلى المرء عن الدنيا وما فيها. بل عليكم أن تفحصوا جميع أعمالكم، واحرصوا على أن يكون رِضى الله تعالى هو الهدف الحقيقي من ورائها. فلا تقدِّموا أهدافكم ومشاعركم على مشيئة الله وإرادته”. (تفسير المسيح الموعود ؏، قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون))
“لقد خلق الله تعالى الإنسان لينال معرفة الله ويحظى بقربه…. فالذي لا يتذكر هذا الهدف الحقيقي بل يظل منغمسًا في التفكير لكسب حطام الدنيا.. مثل شراء قطعة أرض كذا أو تعمير بيت كذا، أو تملُّكِ عقار كذا، فماذا عسى أن يلقى من الله إلا أن يمهله لأيام قليلة ثم يدعوه إليه. يجب أن يكون في قلب الإنسان لوعة لنيل قرب الله تعالى، الأمر الذي يجعله عند الله ذا قدر وقيمة. أما إذا لم يكن مثل هذا الألم في قلبه وإنما كان يملؤه همّ الدنيا وما فيها فسوف يلقى مهلة وجيزة ثم يهلك”. (جريدة “بدر”، مجلد 4 رقم 3 عدد 20 يناير/ كانون الثاني 1905 ص 2)
“إنما المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وفي مضاجعهم، ويفكّرون في كل ما في الأرض والسماء من صنائع عجيبة. عندما تنكشف عليهم أسرار صنع الله تعالى يقولون ربنا ما خلقتَها باطلا.. أي أن الخواص من المؤمنين لا يقصدون بمعرفة الصنائع الكونية وعلوم الهيئة أن يعرفوا شكل الأرض وقُطرَها وكيفية جاذبيتها وعلاقتها بالشمس والقمر كما يفعل عُبّاد الدنيا، بل إنهم بعد اكتشاف كمال الصنعة الكونية وخواصها يرجعون إلى صانعها، وهكذا يزدادون إيمانًا مع إيمانهم”. (سرمه جشم آريا – كحل عين آريا – الخزائن الروحانية ج2 ص 143-144)
“والمرتبة السادسة للوجود الروحاني هم الذين يحافظون على صلواتهم بأنفسهم، وليسوا بمحتاجين إلى تذكير أحد ووعظه، بل توطدت العلاقة بينهم وبين الله بحيث أصبح ذكره رغبة طبعهم ومدار راحتهم ومناط حياتهم، حتى إنهم يحافظون عليه دائما، ويمضي كل لحظة من لحظاتهم في ذكره عز وجل، ولا يريدون أن يَعْشُوا عنه طرفة عين. ومن الواضح الجلي أن الإنسان لا يحافظ إلا على شيء يرى في ضياعه هلاكه. ترون أن المسافر في فلاة عوراء – لا ماء فيها ولا طعام ولا يرجى وجودهما إلى مئات الأميال – يحافظ كثيرا على طعامه وشرابه الذي يملكه، ويعدّهما عزيزًا كنفسه، بل أعزّ منها، لأنه على يقين أنه هالك لا محالة بضياعهما. فالذين يحافظون على صلواتهم مثل ذلك المسافر ولا يتركونها أبدا ولو تعرضوا لخسارة مال أو ضياع عرض أو سخط إنسان في سبيل إقامتها، وإذا رأوا سببا لضياعها يأخذهم القلق والاضطراب كأنهم يشرفون على الهلاك، ولا يودون الانفكاك عن ذكر الله لحظة واحدة، فأولئك الذين يعتبرون الصلاة وذكر الله غذاء أساسيا لأنفسهم ومدارًا لحياتهم”. (البراهين الأحمدية الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، مجلد 21، ص 212 – 213)
بارك الله فيكم