يقول المسيح الموعود ؏:
“إن الله عز وجل قد بيّن في القرآن الحكيم صفاته بطريقين لكي يتيح لعباده العاجزين إدراكَ معرفته الكاملة. فأولاً بيّنها بصورة تشابه بها صفاتُه صفاتِ الإنسان على سبيل الاستعارة، فإنه كريم ورحيم ومحسن، ويغضب ويحب أيضًا، وله أيد وعيون وساق وأذن…… باختصار قد خلق الله تعالى الإنسان وكشف عليه صفاته التشبيهية التي يشاركه فيها بادئ النظر، ككونه خالقا، لأن الإنسان أيضا خالق لبعض الأشياء أي مُوجِدٌ لها في نطاق سعته، وكذلك يمكن القول إن الإنسان كريم لأنه يتصف بصفة الكرم إلى حده المحدود، وكذلك يمكن أن نصفه بالرحيم، لأن فيه صفة الرحم أيضا إلى حده المحدود، كما توجد فيه قوة الغضب، كما أنه مزوَّد بالسمع والبصر وغيرهما. ولما كان من الممكن أن تثير هذه الصفات التشبيهية شبهةً في نفوس البعض بأن الإنسان يشابه اللهَ سبحانه وتعالى في هذه الصفات وأن الله تعالى يشابه الإنسانَ، فلذلك ذكر الله في القرآن الكريم، إلى جانب هذه الصفات التشبيهية، صفاتِه التنـزيهيةَ أيضًا، التي تدل دلالة قاطعة على أن الله تعالى لا يشارك الإنسانَ في ذاته ولا في صفاته شيئا، كما أن الإنسان لا يشارك اللهَ فيها شيئًا، فليس خَلْقه تعالى كخلق الإنسان، وليست رحمته تعالى كرحمة الإنسان، ولا غضبه تعالى كغضب الإنسان، ولا حبه تعالى كحب الإنسان، ولا هو بحاجة إلى مكانٍ كمثل الإنسان.
واختصاص الله تعالى بهذه الصفات دون الإنسان قد ورد صراحةً في عدة آيات من القرآن الحكيم، كقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وقوله تعالى في موضع آخر: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).. أي أن الوجود الحقيقي والبقاء الحقيقي والصفات الحقيقية كلّها لله وحده، لا شريك له فيها. هو الحي بذاته، ومنه تستعير سائر الكائنات الحيّة حياتَها. هو القيوم أي القائم بذاته، ومنه تستمد سائر الموجودات بقاءها. وإنه لأرفع من الموت، ولا يطرأ عليه أتفهُ تعطُّلٍ كنوم أو نعاس، بينما سائر المخلوقات خاضعة لسلطان الموت كما هي عرضة للنوم والنعاس. كلّ ما ترونه في السماء والأرض لله وحده، وموجود وباق بقدرته تعالى. وليس من أحد يشفع عنده دون إذنه. إن علمه محيط بالحاضر والغائب، ولا يحيط بعلمه أحد إلا بقدر ما شاء. إن سلطانه وعلمه محيطان بالسماوات والأرض كلها. إنه يحفظ الجميع ولا أحد يحفظه. ولا يأخذه التعب من حفظ السماوات والأرض وما فيهن. وإنه لأَجَلُّ مِن أن يعزى إليه الضعف والعجز”. (چشمه معرفت – ينبوع المعرفة – الخزائن الروحانية مجلد 23 ص 272-274)
“كون الله مع الإنسان وكونه محيطا على الأشياء كلها يقع في عداد صفاته التشبيهية، وقد ذكر الله هذه الصفة في القرآن الكريم لكي يثبت أنه قريب من الإنسان. وأما كون الله وراءَ الوراء وكونَه الأرفعَ والأعلَى والأبعدَ وكونه على مقام التنـزه والتقدّس الذي ينفي كونه مخلوقًا.. كل هذا يُدعى بالعرش. واسم هذه الصفة صفة “تنـزيهية”، وقد ذكر الله هذه الصفة في القرآن الكريم لكي يثبت توحيده، ويثبت كونه واحدا لا شريك له، وكونه منـزَّهًا عن صفات المخلوقات”. (چشمه معرفت- ينبوع المعرفة – الخزائن الروحانية مجلد 23 ص 98 – 99)
“اعلم أن لله تعالى صفات ذاتية ناشئة من اقتضاء ذاته، وعليها مدار العالمين كلها، وهي أربعة: (1) ربوبية (2) ورحمانية (3) ورحيمية (4) ومالكية، كما أشار الله تعالى إليها في هذه السورة وقال: (1) رَبِّ العالمينَ (2) الرَّحْمَنِ (3) الرَّحِيمِ (4) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. فهذه الصفات الذاتية سابقة على كل شيء ومحيطة بكل شيء، ومنها وجودُ الأشياء واستعدادها، وقابليتها ووصولها إلى كمالاتها. وأما صفة الغضب فليست ذاتية لله تعالى، بل هي ناشئة من عدم قابلية بعض الأعيان للكمال المطلق، وكذلك صفة الإضلال لا يبدو إلا بعد زيغ الضالين.
وأما حصر الصفات المذكورة في الأربع فنظرًا على العالم الذي يوجد فيه آثارها. ألا ترى أن العالم كله يشهد على وجود هذه الصفات بلسان الحال، وقد تجلت هذه الصفات بنحوٍ لا يشك فيها بصيرٌ إلا من كان من قوم عمين. وهذه الصفات أربعٌ إلى انقراض النشأة الدنيوية، ثم تتجلى من تحتها أربع أخرى التي من شأنها أنها لا تظهر إلا في العالم الآخر، وأوّلُ مَطالِعِها عرشُ الرب الكريم الذي لم يتدنس بوجودِ غير الله تعالى وصار مظهرًا تامًّا لأنوار رب العالمين، وقوائمه أربعٌ: ربوبية ورحمانية ورحيمية ومالكية يوم الدين. ولا جامِعَ لهذه الأربع على وجه الظلّيّة إلا عرشُ الله تعالى وقلبُ الإنسان الكامل، وهذه الصفات أمهات لصفات الله كلها، ووقعت كقوائم العرش الذي استوى الله عليه، وفي لفظ الاستواء إشارة إلى هذا الانعكاس على الوجه الأتم الأكمل من الله الذي هو أحسن الخالقين. وتنتهي كل قائمة من العرش إلى مَلَكٍ هو حاملُها، ومدبّرُ أمرها، وموردُ تجلياتها، وقاسِمُها على أهل السماء والأرضين. فهذا معنى قول الله تعالى: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانيةٌ)، فإن الملائكة يحملون صفاتٍ فيها حقيقة عرشية. والسر في ذلك أن العرش ليس شيئا من أشياء الدنيا، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة، ومبدأٌ قديم للتجليات الربانية والرحمانية والرحيمية والمالكية لإظهار التفضلات وتكميل الجزاء والدين. وهو داخلٌ في صفات الله تعالى، فإنه كان ذا العرش من قديم، ولم يكن معه شيء، فكُنْ من المتدبرين.
وحقيقة العرش واستواء الله عليه سِرٌّ عظيم من أسرار الله تعالى وحكمةٌ بالغة ومعنى روحاني، وسُمِّيَ عرشًا لتفهيم عقول هذا العالم ولتقريب الأمر إلى استعداداتهم، وهو واسطة في وصول الفيض الإلهي والتجلي الرحماني من حضرة الحق إلى الملائكة، ومن الملائكة إلى الرسل. ولا يقدَح في وحدته تعالى تكثُّرُ قوابلِ الفيض، بل التكثر ههنا يوجب البركات لبني آدم، ويعِينهم على القوة الروحانية، وينصرهم في المجاهدات والرياضات الموجبة لظهور المناسبات التي بينهم وبين ما يصلون إليه من النفوس كنفس العرش والعقول المجردة إلى أن يصلوا إلى المبدأ الأول وعلّة العلل. ثم إذا أعان السالكَ الجذباتُ الإلهية والنسيمُ الرحمانية، فيقطع كثيرا من حجبه، وينجيه من بُعد المقصد وكثرة عقباته وآفاته، وينوِّره بالنور الإلهي ويُدخله في الواصلين. فيكمل له الوصول والشهود مع رؤيته عجائباتِ المنازل والمقامات. ولا شعورَ لأهل العقل بهذه المعارف والنكات، ولا مَدخَل للعقل فيه، والاطلاعُ بأمثال هذه المعاني إنما هو من مشكاة النبوة والولاية، وما شمّ العقل رائحته، وما كان لعاقل أن يضع القدم في هذا الموضع إلا بجذبة من جذبات رب العالمين.
وإذا انفكّت الأرواح الطيبة الكاملة من الأبدان، ويتطهرون على وجه الكمال من الأوساخ والأدران، يُعرَضون على الله تحت العرش بواسطة الملائكة، فيأخذون بطور جديد حظًّا من ربوبيته يغاير ربوبيةً سابقة، وحظًّا من رحمانية مغايرَ رحمانيةٍ أولى، وحظًّا من رحيمية ومالكية مغايرَ ما كان في الدنيا. فهنالك تكون ثماني صفات تحملها ثمانية من ملائكة الله بإذن أحسن الخالقين. فإن لكل صفة مَلَك مُوَكَّلٌ قد خُلق لتوزيع تلك الصفة على وجه التدبير ووضعها في محلها، وإليه إشارة في قوله تعالى: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، فتدبَّرْ ولا تكُنْ من الغافلين.
وزيادة الملائكة الحاملين في الآخرة لزيادة تجلياتٍ ربانية ورحمانية ورحيمية ومالكية عند زيادة القوابل، فإن النفوس المطمئنة بعد انقطاعها ورجوعها إلى العالم الثاني والرب الكريم تترقى في استعداداتها، فتتموج الربوبية والرحمانية والرحيمية والمالكية بحسب قابلياتهم واستعداداتهم كما تشهد عليه كشوف العارفين. وإن كنت من الذين أُعطيَ لهم حظٌّ من القرآن، فتجد فيه كثيرا من مثل هذا البيان، فانظرْ بالنظر الدقيق لتجد شهادة هذا التحقيق، من كتاب الله رب العالمين”. (كرامات الصادقين، ص 74-77)
“إن صفة وحدانية الله ﷻ هي التي كانت متجلية وحدها في أول الأمر، وليس لنا أن نحدد تجليها بحدود الزمان والمرات، بل نتيقن بأن ذلك الدور كان غير متناه. وعلى كل حال إن صفة الوحدانية سابقة في التجلّي على سائر الصفات الأخرى من حيث الزمن، وعلى هذا الأساس يمكن القول إنه تعالى كان في أول الأمر وحده ولم يكن معه شيء، ثم أنشأ السماوات والأرضين وما فيهن، ثم أظهر أسماءه الحسنى؛ مثل الكريم والرحيم والغفور وقابل التوب، لكن الذي يصرّ على المعاصي ولا يكفّ عنها فلا يتركه من دون عذاب. ومن أسمائه التي تجلى بها أنه يحب التوابين، ولا يثور غضبه إلا على الذين لا يكفّون عن الإصرار على الظلم والشر والمعصية…… وقد بيّن مرارا أن كل صفاته هذه هي لمما يليق بذاته العليا، وليست كمثل صفات الإنسان؛ فليست عينه جسمانية، وليست صفة من صفاته تشابه أية صفة من صفات الإنسان. فنرى مثلا أن الإنسان يعاني من ثورة الغضب، فعندما يغضب فلا يلبث أن يذهب عنه سروره، ويأخذ قلبَه شبهُ احتراق، ويعلو عقلَه مادة سوداوية، ويطرأ عليه تغير كبير، لكن تعالى اللهُ عن كل ذلك علوًّا كبيرا. إن غضبه يعني أنه يرفع عن الشرير المتعند ظل حمايته، ويعامله طبق نواميس قدرته معاملةَ إنسان غاضب، ويُسمى عمله هذا غضبا على وجه الاستعارة والمجاز. وكذلك حبه تعالى ليس كمثل حب الإنسان؛ لأن الإنسان يعاني عند شدّة حبّه أيضا، وتتألم نفسه بفراق حبيبه وهجرانه، لكن الله عز وجل يجلّ عن كل هذه الآلام. وكذلك قربه تعالى ليس كقرب الإنسان، لأن مقاربة الإنسان تحتاج إلى مغادرة مقامة الأول، ولكن الله تعالى بعيد مع قربه وقريب مع بعده. باختصار، إن كل صفة من صفاته تعالى مغايرة لصفات الإنسان، ولا مشاركة بينهما إلا باللفظ فقط، ولذلك يقول الله تعالى في القرآن الحكيم: (ليس كمثله شيء).. أي ليس له مثيل في ذاته ولا في صفاته”. (چشمه معرفت -ينبوع المعرفة- الخزائن الروحانية مجلد 23 ص 275-276)
“صفات الله قسمان: صفات ذاتية وصفات إضافية. وأما الصفات الذاتية فهي تلك التي وجودها لا يتطلب وُجودَ الخَلْق، ومثالها وحدانيته وعلمه وقدوسيته ﷻ. أما الصفات الإضافية فهي صفات تتجلى للعيان بعد وجود الخلق، ومثالها أنه خالق ورازق ورحيم وتواب وأنه متصف بالمكالمة والمخاطبة”. (چشمه معرفت-ينبوع المعرفة- الخزائن الروحانية مجلد 23 ص 184)