معتقدات وأقوال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عن القرآن الكريم
يقول المسيح الموعود عليه السلام
ما هي عقائد الإيمان عند الأحمدية؟
“نحن مسلمون، نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد، قائلين لا إله إلا هو، ونؤمن بكتاب الله القرآن، ورسولِه سيدنا محمد خاتم النبيين، ونؤمن بالملائكة ويوم البعث، والجنة والنار، ونصلي ونصوم، ونستقبل القبلة، ونحرّم ما حرّم الله ورسوله، ونُحِلُّ ما أحَلَّ الله ورسوله، ولا نزيد في الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرة، ونقبل كل ما جاء به رسول الله ﷺ وإنْ فهِمْنا أو لم نفهَم سِرَّه ولم نُدرك حقيقته، وإنّا بفضل الله من المؤمنين الموحّدين المسلمين”. (نور الحق، ص 4)
ما هو دين الأحمدية؟
“لا دينَ لنا إلا دين الإسلام، ولا كتاب لنا إلا الفرقان كتاب الله العلاّم، ولا نبيّ لنا إلا محمدٌ خاتم النبيين ﷺ وبارَكَ وجعل أعداءه من الملعونين. اشهدوا أنّا نتمسّك بكتاب الله القرآن، ونتّبع أقوال رسول الله منبعِ الحق والعرفان، ونقبَل ما انعقد عليه الإجماع بذلك الزمان، لا نزيد عليها ولا ننقص منها، وعليها نحيا وعليها نموت، ومن زاد على هذه الشريعة مثقال ذرّة أو نقص منها، أو كفر بعقيدة إجماعيّة، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”. (مكتوب أحمد، ص 39)
“وأمّا عقائدنا التي ثبّتنا الله عليها، فاعلم يا أخي أنّا آمنّا بالله ربًّا، وبمحمدٍ ﷺ نبيًّا، وآمنّا بأنه خاتم النبيين. وآمنَّا بالفرقان أنه من الله الرحمن، ولا نقبل كل ما يُعارض الفرقان ويُخالف بيّناته ومُحكماته وقصصه ولو كان أمرًا عقليًّا، أو كان من الآثار التي سمّاها أهلُ الحديثِ حديثًا، أو كان من أقوال الصحابة أو التابعين؛ لأن الفرقان الكريم كتابٌ قد ثبت تواترُه لفظًا لفظًا، وهو وَحْيٌ مَتلُوٌّ قطعيّ يقينيّ، ومَن شكّ في قطعيته فهو كافر مردود عندنا ومن الفاسقين. والقرآن مخصوص بالقطعية التامّة، وله مرتبة فوق مرتبة كل كتاب وكل وحي، ما مسَّه أيدي الناس، وأما غيره من الكتب والآثار فلا يبلغ هذا المقام، ومَن آثرَ غيره عليه فقد آثرَ الشك على اليقين”. (تحفة بغداد، باقة من بستان المهدي، ص 34)
ما هو إيمان الأحمدية بالقرآن الكريم؟
“ووالله إنه دُرّة يتيمة. ظاهره نور، وباطنه نور، وفوقه نور، وتحته نور، وفي كل لفظه وكلمته نور. جنّة روحانية، ذُلِّلتْ قُطوفها تذليلا، وتجري من تحته الأنهار. كل ثمرة السعادة توجد فيه، وكل قبس يُقتبس منه، ومن دونه خَرْطُ القَتاد. موارد فيضه سائغة، فطوبى للشاربين. وقد قُذف في قلبي أنوار منه ما كان لي أن أستحصلها بطريق آخر. ووالله لولا القرآن ما كان لي لطف حياتي. رأيتُ حسنه أزيد من مائة ألف يوسف، فملت إليه أشد ميلي، وأُشْرِبَ هو في قلبي. هو رباني كما يربّى الجنين. وله في قلبي أثر عجيب، وحسنه يراودني عن نفسي. وإني أدركت بالكشف أن حظيرة القدس تسقى بماء القرآن. وهو بحر مواج من ماء الحياة، من شرب منه فهو يحيا بل يكون من المحيين. ووالله إني أرى وجهه أحسن من كل شيء. وجه أُفرِغَ في قالب الجمال، وأُلبس من الحسن حلّةَ الكمال. وإني أجده كجميل رشيق القد، أسيلِ الخد، أُعطيَ له نصيب كامل من تناسب الأعضاء، وأُسبغت عليه كل ملاحة بالاستيفاء، وكل نور وكل نوع الضياء”. (التبليغ، ص 103-104)
“إن هذا القرآن يطهّر الصدور، ويلقي فيها النور، ويُري الحبور الروحاني والسرور، ومن تبعه فسيجد نورا وجده النبيون. ولا يلقى أنواره إلا الذين لا يريدون عُلُوًّا في الأرض ولا فسادا، ويأتونه راغبا في أنواره، فأولئك الذين تفتح أعينهم، وتُزكَّى أنفسهم، فإذا هم مبصرون. وإني بفضل الله من الذين أعطاهم الله من أنوار الفرقان، وأصابهم من أتم حظوظ القرآن، فأنار قلبي ووجدتْ نفسي هداها، كما يجد الواصلون. ثم بعد ذلك أرسلني ربي لدعوة الخلق، وآتاني من آيات بينة، لأدعو خلقه إلى دينه، فطوبى للذين يقبلونني ويذكرون الموت، أو يطلبون الآيات وبعد رؤيتها يؤمنون”. (التبليغ، ص 90)
“إن القرآن الكريم كلام الله تعالى، والقانون الطبيعي هو فعله، ومن المحال أن يوجد بينهما اختلاف في الأصول وصانعهما واحد”.(الملفوظات ج1، ص 145)
“إن القرآن قد انفرد في كمال الصفات ومعارف الإلهيات، وإراءةِ الوسط الذي هو من أعظم الحسنات”. (نور الحق، ص 124)
“اعلم أن القرآن مملوٌّ من الأنباء المستقبلة والواقعات العظيمة الآتية، ويقتاد الناس إلى السكينة واليقين، وعِشاره تخور لحمل السالكين في كل زمان، وأعشاره تفور لتغذية الجائعين في كلّ أوان، وهو شجرة طيبة يؤتي أكله كل حين، وذُلّلت قطوفه في كل وقت للمجتنين. فما من زمن ما له من ثمر، ولا تعطل شجرته كشجرة عنبٍ وتمرٍ، بل يُرِي ثمراته في كل أمر، ويُطعم مستطعمين. ومن أعظم معجزاته أنه لا يغادر واقعة من الواقعات التي كانت مفيدة للناس أو مُضرّة، ولكن كانت من المعظمات، كما قال ﷻ: (فيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)، وفي هذا إشارة من رب عليم إلى أن كل ما يُفرَق في ليلة القدر من أمرٍ ذي بال، فهو مكتوب في القرآن كتاب الله ذي كل عظمة وجلال، فإنه نزل في ليلة القدر بنـزول تام، فبورك منه الليل بإذن رب علام؛ فكل ما يوجد من العجائب في هذه الليلة يوجد من بركات نزول هذه الصحف المباركة؛ فالقرآن أحق وأولى بهذه الصفات، فإنه مبدأٌ أوّلُ لهذه البركات، وما بوركت الليلة إلا به من ربّ الكائنات، ولأجل ذلك يصف القرآن نفسه بأوصاف توجد في ليلة القدر، بل الليلة كالهلال وهو كالبدر، وذلك مقام الشكر والفخر للمسلمين.
وإني نظرت مرارا فوجدتُ القرآن بحرا زخّارًا، وقد عظّمه الله أنواعا وأطوارًا، فما للمخالفين لا يرجون له وقارًا، وأنكروا عظمته إنكارا؟ ويتكئون على أحاديث ما طهِّر وجهها حق التطهير، ويتركون الحق الخالص للدقارير، ولا يخافون ربّ العالمين. وإذا قيل لهم تعالوا إلى كتاب سواء بيننا وبينكم لتخلصوا من الظلام وتُفتَح أعينكم، قالوا كفى لنا ما سمعنا من آبائنا الأوّلين. أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من حقائق الدين؟
وإني فكرتُ حق الفكر، فوجدتُ فيه كل أنواع الذكر، وما من رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين”. (سر الخلافة، ص 66 الحاشية)
“ونعتقد أن كل آية القرآن بحر موّاج، مملوّ من دقائق الهدى. وباطل ما يعارضه ويخالف بيانه من قصصٍ وعلوم الدنيا والعقبى”. (التبليغ، ص 14)
“من المستحيل أن نرى وجه ذلك الحبيب الودود بدون القرآن. كنتُ شابًا وقد صرتُ الآن شيخًا، ولكن لم أجِد أحدًا شرِب كأسَ هذه المعرفة البيِّنة.. بدون هذه العين الصافية”. (فلسفة تعاليم الإسلام، ص 139)
“لنتذكر هنا أن القرآن المجيد لا يقتصر في بيانه على السماع فقط، بل إن فيه براهينَ عقلية عظيمة، وليس هناك أي جبر وتحكم في كل ما عرضه من عقائد ومبادئ، بل إن جميع مبادئه وقواعده – كما ذكر الله فيه بنفسه – منقوشة في فطرة الإنسان. وقد سمّى اللهُ القرآنَ “الذِّكرَ” كما في قوله تعالى: (وهذا ذكر مبارك).. أي هذا القرآن ذا البركة لم يأت بأمر مُحْدَث، وإنما يُذكِّر الإنسانَ بكل ما هو مودَعٌ في فطرته، وما هو مرسوم في صحيفة الطبيعة… وإلى جانب ذلك فإن في القرآن خاصيةً روحانية لتنوير القلوب كما يقول سبحانه وتعالى: (وشفاء لما في الصدور).. أي بفضل خاصيته هذه ينـزع من النفوس أسقامها كلها. لذلك فإن القرآن لا يمكن أن يسمّى كتابا نقليًّا.. أي يعتمد على النقل فقط، بل إنه يصطحب براهينَ عقلية من أعلى درجة، وفيه نور ساطع”. (فلسفة تعاليم الإسلام، ص 130)
“فالحمد لله ثم الحمد لله أنه أنالني حظًا وافرًا من أنواره، وأزال إملاقي من درره، وأشبع بطني من أثماره، ومنح بي من النعم الظاهرة والباطنة، وجعلني من المجذوبين. وكنت شابًا وقد شختُ، وما استفتحت بابًا إلا فتحت، وما سألت من نعمة إلا أعطيت، وما استكشفت من أمرٍ إلا كشفت، وما ابتهلت في دعاءٍ إلا أجيبت، وكل ذلك من حبي بالقرآن، وحبّ سيدي وإمامي سيد المرسلين، اللهم صل وسلم عليه بعدد نجوم السماوات وذرات الأرضين. ومن أجل هذا الحب الذي كان في فطرتي، كان الله معي من أول أمري، حين ولدت وحين كنت ضريعا عند ظِئْري، وحين كنت أقرأ في المتعلمين”. (التبليغ، ص 105)
وما القرآن إلا مثلَ دُرَرٍ فرائدَ زانَها حسنُ البيانِ
وما مسّتْ أكفُّ الكاشحينا معارفَه التي مثل الحَصانِ
به ما شئتَ مِن علم وعقل وأسرارٍ وأبكار المعاني
يسكِّت كلَّ مَن يعدو بضغنٍ يبكّت كلَّ كذّاب وجاني
رأينا دَرَّ مُزْنتِه كثيرًا فـدَينا ربَّنا ذا الامتـنانِ
وما أدراك ما القرآن فيضًا خفيرٌ جالبٌ نحو الجِنانِ
له نورانِ نورٌ من علوم ونورٌ من بيان كالجُمانِ
كلامٌ فائق ما راقَ طرفي جمـالٌ بعـده والنَّـيِّرانِ
وأين يكون للقرآن مِثلٌ وليس له بهذا الفضل ثاني
ورِثنْا الصُّحْفَ فاقتْ كلَّ كُتْب وسبقتْ كلَّ أسفار بشانِ
وجاءت بعدما خرّتْ خيامٌ وخُرّبت البيوت مع المباني
إذا استدعى كتابُ الله مثلًا فعَيَّ القومُ واستتروا كفانِ
وكل النور في القرآن لكنْ يميل الهالكون إلى الدخانِ
به نلنا تُراثَ الكاملينا به سِرْنا إلى أقصى المعاني
فقُمْ واطلُبْ معارفه بجهدٍ وخَفْ شرَّ العواقب والهوانِ
(نور الحق، ص 54)
“يا ربّ، إني أتوق دائما إلى تقبيل صحيفتك، والطواف حول القرآن الكريم، فهو كعبتي”. (نحن وآرية قاديان، الخزائن الروحانية، مجلد 20، ص 457)
“لم تكن تلك الأسفار كتبًا حقيقية، وإنما كانت بمثابة عجالة لسد الحاجات الوقتية. لم ينـزل إلى الدنيا كتاب حقيقي لخير الناس إلى الأبد إلا كتابًا واحدًا”. (مِنَن الرحمن، الخزائن الروحانية مجلد 9 ص 152 الحاشية)
“وإن للقرآن شأنا أعظم من كل شأن وإنه حكم ومُهَيمن وإنه جمع البراهين وبدّد العدا، وإنه كتاب فيه تفصيل كل شيء وفيه أخبار ما يأتي وما مضى، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإنه نور ربنا الأعلى”. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 103)
“هذا تعليم القرآن، وكلُّ تعليم دون ذلك في الجذب إلى الرحمن، وليس بعده مرتبة من مراتب السلوك والعرفان عند ذوي العقل والفكر والإمعان. وإن التوراة أمال الناسَ إلى الانتقام، وعنده لا مفرَّ للظالم ولا خلاصَ، وإن عيسى شرّع لأمّته أنّ أحدهم إذا لُطِم في خدّه وضَع الخدّ الآخر لمن لطمه ولا يطلب القصاصَ. فلا شك أن هذين الحزبين لا يشاورون الشريعة الفِطريّة، ولا يتّبعون إلا الأوامر القانونية. وأما الرجل المحمدي فقد أُمر له أن يتّبع الشريعة الفطرية كما يتبع الشريعة القانونية، ولا يُقطَع أمرٌ إلا بعد شهادة الشريعة الفطرية، ولذلك سُمِّيَ الإسلام دينَ الفطرة للزوم الفطرة لهذه الملّة، وإليه أشار نبيّنا ﷺ: “استَفْتِ قلبَك ولو أفتاك المُفتون”. فانظرْ كيف رغَّب في الشريعة الفطرية ولم يقنع على ما قال العالمون. فالمسلم الكامل من يتّبع الشريعتين، وينظر بالعينين، فيُهدَى إلى الصراط ولا يخدعه الخادعون. ولذلك ذكر الله في محامد الإسلام أنه شريعة فطرية، حيث قال: (فِطْرَةَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا). وهذا من أعظم فضائل هذه الملّة ومناقبِ تلك الشريعة. فإنه يوجد في هذا التعليم مدار الأمر على القوة القُدسية القاضية الموجودة في النشأة الإنسانية المُوصِلة إلى كمال تام في مراتب المحويّة، فلا يبقى معها مَنْفَذ للتصرّفات النفسانية، لِما فيه عملٌ على الشهادة الفطرية. وأمّا التوراة والإنجيل فيتركان الإنسان إلى حدّ هو أبعدُ من الشهادة الفطرية القدسية، وأقربُ إلى دخل إفراط القوة الغضبيّة، أو تفريط القوة الواهمة، حتى يمكِن أن يُسمَّى المنتقم في بعض المواضع ذئبًا مؤذيا عند العقلاء، أو يُسمَّى الذي عفا في غير محلّه وأغضى مثلاً عند رؤية فسقِ أهله دَيُّوثًا وقيحًا عند أهل الغيرة والحياء. ولذلك ترى في بعض المواضع رجلاً سَرَّه تعليمُ العفو يترُك حقيقةَ العفو والرحمة، ويجاوز حدود الغيرة الإنسانية. فإن العفو في كل محلّ ليس بمحمود عند العاقلين، وكذلك الانتقام في كل مقام ليس بخير عند المتدبّرين. فلا شك أنه مَن أوجب العفو على نفسه في كل مقام بمتابعة الإنجيل فقد وضَع الإحسان في غير محلّه في بعض الحالات، ومَن أوجب الانتقام على نفسه في كل مقام بمتابعة التوراة فقد وضع القصاص في غير محلّه وانحطّ من مدارج الحسنات. وأمّا القرآن فقد رغّب في مثل هذه المواضع إلى شهادة الشريعة الفطرية التي تنبع من عين القوة القدسية، وتنـزِل من روح الأمين في جَذْرِ القلوب الصافية، وقال: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ). فانظرْ إلى هذه الدقيقة الروحانية، فإنه أمَر بالعفو عن الجريمة بشرط أن يتحقق فيه إصلاحٌ لنفسٍ، وإلا فجزاء السيئة بالسيئة. ولما كان القرآن خاتم الكتبِ وأكملَها وأحسن الصحف وأجملَها، وضَع أساس التعليم على منتهى معراج الكمال، وجعَل الشريعة الفطرية زوجًا للشريعة القانونية في كل الأحوال، ليعصم الناس من الضلال، وأراد أن يجعل الإنسان كالميت لا يتحرّك إلى اليمين وإلى الشمال، ولا يقدر على عفو ولا على انتقام إلا بحُكم المصلحة من الله ذي الجلال. فهذا هو الموت الذي أُرسِلَ له المسيح الموعود ليُكمِله بإذن الربّ الفعّال، ولأجل ذلك قلتُ إن المسيح الموعود ينقل الناسَ من الوجود إلى العدم، فهذا نوع من النقل وقد سبق قليل من هذا المقال. وشتّان بين هذا التعليم الجليل وتعليم التوراة والإنجيل، فاسألْ الذين قبِلوا وساوس الدجّال. إن هذا التعليم يهدي للتي هي أقوَمُ، ليس فيه إفراط ولا تفريط، ولا ترك مصلحة وحكمة، ولا ترك مقتضى الوقت والحال، بل هو يجري تحت مجاري أوامر الشريعة الفطرية وفتاوى القوة القدسية ولا يميل عن الاعتدال”. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 315-316)
“لقد أعلن القرآن الكريم بنفسه: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا).. أي يجب أن تتمسكوا بالحقيقة التي تتضمنها كلمة “الإسلام” والتي شرحها الله تعالى بنفسه من خلال كلمة “الإسلام”. ففي هذه الآية صراحةٌ أن القرآن الكريم وحده أعطى تعليما كاملا، وأن عصرَ القرآن كان جديرا بأن يعطَى فيه تعليمٌ كامل. فإعلان التعليم الكامل الذي قام به القرآن كان من حقه وحده، ولم يقم أي كتاب سماوي آخر بمثل هذا الإعلان”. (مقدمة براهين أحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية مجلد 21 ص4)
“إن كلمة “خاتم النبيين” التي أُطلقت على النبي ﷺ تقتضي بحد ذاتها – بل تتضمن هذا المعنى – أن يكون الكتاب الذي نزل عليه كتابًا كاملًا وأن توجد فيه الكمالات كلها، وبالفعل توجد فيه هذه الكمالات كلها”. (الملفوظات مجلد 3 ص 36)
“الصراط المستقيم هو الإسلام فحسب، وليس تحت السماء الآن سوى نبي واحد وكتاب واحد.. أي محمد المصطفى ﷺ – الذي هو أعلى وأفضل من جميع الأنبياء، وهو أتم وأكمل من جميع الرسل، وهو خاتم الأنبياء وخير الناس، الذي بفضل اتّباعه يصل الإنسان إلى الله وترتفع حجب الظلام، وتظهر آثار النجاة الحقيقية في هذا العالم – والقرآن الكريم الذي يتضمن الهداية الحقة والكاملة والتأثيرات الصادقة والذي بواسطته تُنال العلوم الإلهية والمعارف الروحانية وتتطهر القلوب من الشوائب البشرية ويتخلص الإنسان من شبهات الجهالة والغفلة ويصل إلى مرتبة حق اليقين”. (براهين أحمدية، الجزء الرابع، الخزائن الروحانية مجلد 1 ص 557-558 الحاشية على الحاشية رقم 3)
“صحيح أن معظم المسلمين قد تركوا القرآن مهجورا، ولكن رغم ذلك فإن أنوار القرآن وبركاته وتأثيراته حيّة وتتجدد دوما، ولقد بُعثتُ أنا لإثبات هذا الأمر. إن الله تعالى يبعث دوما عباده لحفظه (أي القرآن الكريم) وتأييده بين وقت وآخر، لأنه قد قطع وعدا بقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لـه لحافظون) وإن وعد الحفاظة التي وعد به الله تعالى عن القرآن لم يكن عن التوراة ولا عن أي كتاب آخر، لذلك تطرقت إلى تلك الكتب تحريفات إنسانية. ومن أكبر وسائل حفظ القرآن الكريم أن تأثيراته تتجدد وتتحقق على الدوام. وبما أن اليهود قد هجروا التوراة بتاتا لذلك لم يبق فيهم شيء يُذكر ولا قوة تدل على قوتهم الروحانية”. (جريدة الحكم، 17 نوفمبر 1905)
“إن نيل الفوز والفلاح بدون القرآن أمر مستحيل، والحصول على مثل هذا النجاح أمر خيالي يتحراه الناس”. (الملفوظات ج1 ص 409، الإصدار الجديد)
“ومن الاعتراضات التي أثارها المحاضر أن القرآن الكريم يأمر بإكراه الناس على الإسلام. ويبدو أن هذا المحاضر ليس عنده شيء من العقل والعلم، وإنما يردد ما قاله القسيسون. فقد افترى هؤلاء القسيسون في كتبهم – حسدًا وبغضًا منهم كما هو دأبهم – أن الإسلام يأمر المسلمين بقهر الناس على اعتناقه، فردد المحاضر وإخوانه الآخرون، وبدون أي فحص وتحقيق، نفس التهمة التي لفقها القسس كذبًا وزورًا. مع أن القرآن الكريم يقول في إحدى آياته صراحة (لا إكراهَ في الدين قد تبيّنَ الرشد من الغيّ). أليس من الغريب أنه برغم أن القرآن الكريم قد نهى بهذه الصراحة والوضوح عن ممارسة الإكراه والقهر في أمور الدين، ومع ذلك يتجاسر هؤلاء القوم، الذين قد اسودّت قلوبهم بغضًا وعداء، على الافتراء على وحي الله تعالى بأنه يأمر بممارسة الجبر والإكراه. ونقدم الآن آية أخرى من القرآن الكريم ونرجو من المنصفين أن يخبرونا – خائفين من الله تعالى – ما إذا كانت هذه الآية تجيز الإكراه في الدين أم أنها تنهى عن الإكراه صراحة. وهذه الآية هي قول الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون)، بمعنى أن من الواجب عليك أن تعامل هؤلاء بهذه المعاملة اللينة لأنهم قوم لا يعملون حقيقة الإسلام. ومن الواضح أن القرآن الكريم لو كان يعلّم الإكراه في الدين لما أمر أن الكافر الذي يريد أن يسمع القرآن فيجب أن تمكّنه من سماعه، ثم إذا سمعه ومع ذلك لم يعتنق الإسلام فعليك أن توصله إلى المكان الذي يجد فيه الأمان، بل لأمرَ القرآن الكريم أن مثل هذا الكافر إذا وقع في قبضتك فعليك بإكراهه على الإسلام”. (چشمه معرفت، الخزائن الروحانية مجلد 23 ص 232-233)
“فالغرض أن تعليم كتاب الله الأحكمَ ورسولِ الله ﷺ، كان منقسما على ثلاثة أقسام: الأول.. أن يجعل الوحوش أناسا، ويعلّمهم آداب الإنسانية ويهب لهم مدارك وحواسّا، والثاني.. أن يجعلهم بعد الإنسانية أكمل الناس في محاسن الأخلاق، والثالث.. أن يرفعهم من مقام الأخلاق إلى ذُرى مرتبةِ حُبِّ الخلاّق، ويوصل إلى منـزل القرب والرضاء والمَعِيّة والفناء والذوبان والمحويّة، أعني إلى مقام ينعدم فيه أثرُ الوجود والاختيار، ويبقى الله وحده كما هو يبقى بعد فناء هذا العالم بذاته القهّار. فهذه آخر المقامات للسالكين والسالكات، وإليه تنتهي مطايا الرياضات، وفيه يختتم سلوك الولايات، وهو المراد من الاستقامة في دعاء سورة الفاتحة”. (نجم الهدى، الخزائن الروحانية مجلد 14 ص 34-35)
“وقصارى القول.. إن الله قد أمر هذه الأمة المباركة في القرآن المجيد بالوسطية. أما في التوراة فقد ركّز الله على أحكام الانتقام، وفي الإنجيل ركز على تعليم العفو والسماح. وأما هذه الأمة فعلّمها مراعاةَ الظروف والوسطية.. كما يقول الله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا).. أي جعلناكم العالمين بأوسط الأمور وعلّمناكم الوسط. فطوبى لمن يسلكون، فإن خير الأمور أوسطها”. (فلسفة تعاليم الإسلام، ص 71)
“ولم يكن العائق الوحيد في التعاليم التي جاء بها عيسى ؏ هو أنها لا تخاطب البشر أجمعين، بل كان فيها تقصير آخر. ففي حين أن التوراة تشدد على أهمية الثأر إلى أقصى درجة، فإن الأناجيل من ناحية أخرى تجنح إلى أقصى الجانب الآخر في تعاليم السماحة. وكل واحد من هذين الكتابين المقدسين ليس بوسعه التركيز على كل الأوجه المحتملة للطبيعة البشرية. أما التوراة فهي مهتمة بوجه واحد فقط، في حين أن الأناجيل تتمسك بالآخر فقط، وكلُّ من هاتين المجموعتين من التعاليم ينقصها الاعتدال. فمن الواضح أن العقاب في كل حالة ليس صحيحا، ولا هو مطابق لمتطلبات العدل. وبالمثل فإن السماحة والتغاضي عن العيوب بدون تمييز تتنافى مع روح التربية البشرية. وبأخذ هذا في الاعتبار، فإن القرآن الكريم لا يتفق بالكامل مع كليهما، ولكنه بدلا من ذلك يقترح التالي: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه”. (بيغام صلح -رسالة الصلح- الخزائن الروحانية مجلد 23 ص 470-471)
“فاعلموا أن الله قد أرسلني لإصلاح هذا الزمان، وأعطاني علم كتابه القرآن، وجعلني مجددًا لأحكم بينكم فيما كنتم فيه مختلفين. فلِمَ لا تطيعون حَكَمَكُم ولِمَ تصولون منكرين؟ وما كنتُ من الكافرين ولا من المرتدين، ولكن ما فهمتم سرَّ الله، وحار فهمكم، وفرط وهمكم، وكفّرتموني، وما بلغتم معشار ما قلتُ لكم، وكنتم قومًا مستعجلين”. (سرُّ الخلافة، ص 105)
“إن القرآن وحده هو الكتاب الذي أحسن إلى العالم.. بأنْ ميّز بين الحالات الطبعية والأخلاق الفاضلة.. وأخرج الإنسان من الحالات الطبعية إلى ذروة الأخلاق السامية، ولم يكتف بذلك، بل قطع المرحلة الباقية.. وهي الوصولُ إلى مقام الحالات الروحانية. فقد فتح لذلك أبواب المعرفة الحقيقية، ولم يفتح الأبواب المؤدية إلى ذلك المقام فحسب، بل لقد أوصل إليه مئات الآلاف من البشر. وهكذا وضَّح بكل روعة وجمال الأقسامَ الثلاثة من التعاليم التي سبق أن ذكرناها. وبما أن القرآن جامع تماما لجميع التعاليم التي هي ضرورية للتربية الدينية، لذلك أعلن أنه أكمل دائرة التعليم الديني فقال: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).. أي أن منتهى الكمال الديني يتمثل في معنى الإسلام.. أي أن يكون الإنسان لله وحده.. وأن يبتغي نجاته بتضحية نفسه لا بأي طريق آخر، ثم ينفِّذ هذه النيّة والإرادة بالعمل. هذه هي النقطة التي تنتهي إليها الكمالات كلها. فالإله الحق الذي لم يهتد إلى معرفته الفلاسفةُ.. قد هدى إليه القرآن الحكيم. ولقد اتخذ لإعطاء معرفة الله منهاجين: الأول – ما يصبح به العقل في غاية من القوّة والجلاء في استنتاج الأدلة العقلية، ويتَّقي به الخطأ والعثار. وأما المنهاج الثاني فهو روحاني”. (فلسفة تعاليم الإسلام، ص 60-61)
“لا تتركوا القرآن مهجورًا، لأن فيه وحدَه حياتَكم. إن الذين يُعظّمون القرآن سوف يلقون الإكرام في السماء….. ألا لا كتاب على الأرض لبني الإنسان إلا القرآن”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 13)
“وكلُّ العلم في القرآن لكنْ تقاصرَ منه أفهامُ الرجالِ”
(إزالة أوهام، الخزائن الروحانية، مجلد 3 ص352)
“القرآن كيس مليء بالجواهر.. ولكن الناس عنه غافلون”. (الملفوظات، مجلد2 ص 394)
“أقول بكل قوة وتكرار إن الحب الصادق للقرآن الكريم واتّباعه الصادق يجعل الإنسان صاحب الكرامات”. (ضميمة أنجام آثم، الخزائن الروحانية، مجلد 11 ص 345)
“القرآن معجزة لم ولن يكون لها مثيل. إن باب فيوضه وبركاته مفتوح إلى الأبد. وسيبقى متميزًا ومتلألئًا في كل الأزمنة كما كان في زمن سيدنا ومولانا محمد ﷺ”. (الملفوظات، مجلد 3، ص 57)
“اعلَمْ أنه لا خوف على أية نقطة أو حركة من القرآن الكريم ولو اجتمع الأولون والآخرون بفلسفاتهم للهجوم عليه، لأنه صخرة تسحَق كلَّ من تسقط عليه، ويترضض كلُّ من يسقط عليها”. (آئينه -أي مرآةُ- كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية مجلد 5 ص 257 الحاشية)
“تحدّي القرآن ليس قائمًا على الإعجاز اللغوي فقط، بل يتعداه إلى الإتيان بكلام متسم بجميع المحاسن القرآنية المعجزة بما فيها اللغة الإعجازية”. (براهين أحمدية، الخزائن الروحانية مجلد 1 ص270)
“أنتم (أيها النصارى) تصولون على كلامٍ قد أُودعتْ سِرَّ المعارف أَسِرَّتُه، ومأثورةٌ سُمْعتُه وشُهرتُه، ومشهورةٌ عصمتُه وطهارته، ومسلَّمٌ نِضارُه ونَضْرتُه، واشتهر تأثيره وقوّته، فلا يُنكره إلا من فسدتْ فطرتُه. ألا ترون إلى قصرٍ شادَه القرآن، وإلى علوم أكملها الفرقان، وإلى أنوارٍ أترعَ فيه الرحمن؟ ووالله لا نظيرَ له في إحياء الأموات ونفخِ الروح في العظام الرفات. جاء في وقتِ انقراضِ حِيَل الصلحاء، وظهر بعد اكفهرار الليلة الليلاء، ووجد الخَلق كمعروق العظم وأخِ العيلة، أو كنائم في الليلة، فنوّر وجهَ الناس ولا كإنارة النهار، وناوَلَهم مالاً كثيرًا مِن دُرر العلم وأنواع الأنوار. فانظر.. هل ترى مثله في تأثير؟ ثم ارجِعِ البصر.. هل ترى من نظير؟ أنسيتَ ظلمةَ أيام الإنجيل؟ أما جاءك خبر من ذلك الجيل؟ كيف كانت إحاطة الضلالات على كل زمان ومكان؟ أما لاحظتَ أو ما سمعتَ مِن ذي عرفان؟ كأنهم كانوا انحطّوا إلى اللحد، ونكثوا كل ما عاهدوا من العهد، وأكلتْهم ضلالاتهم كمَيتٍ أكلتْه الدودُ، ورُمَّ إيمانُهم كمثل ما يُنخَر العود. أما قرأتَ أحوال تلك الأزمان؟ ألست تذكرها وعيناك تهملان؟ فأيّ شيء نَوَّرَ الزمنَ بعد الظلام، وذكّر اللهَ بعد ذكر الأصنام، وجاء بشربٍ مِن تسنيم بعد حميمٍ داعٍ إلى الحِمام؟ فاعلم أنه هو القرآن المبارك الذي نجّى الخَلق من موت الاجترام، وأنشر الأمواتَ من الرِّجام، وأنزل الجَود بعد أيام الجَهام. فمن هنا نفهَم وجوهَ ضرورة القرآن ومنافعه لنوع الإنسان. وإن كنتَ لا تترك الإدلال بإنجيلك والاغترارَ بصحّة عليلك، ولا تتوب من أقاويلك، فها أنا أدعوك للنضال، وللتفريق بين الهدي والضلال، مستعيذًا بالله من شرّ الدجّال؛ فهل لك أن تتصدّى لهذا المضمار، ليتبدّى حقيقةُ الأسرار؟ إنّك تريد أن تُقوِّض مجد القرآن وبنيانه، ونريد أن نُمزِّق الإنجيل ونُريك أدرانه، ووالله إنّا من الصادقين، ولسنا من الكاذبين المزوِّرين”. (نور الحق، ص 121-122)
“ألا إن لعنة الله على الذين يقولون إنّا نأتي بمثل القرآن، إنه معجزة لا يأتي بمثله أحدٌ من الإنس والجان، وإنه جمع معارف ومحاسن لا يجمعها علم الإنسان، بل إنه وحيٌ ليس كمثله غيره وإن كان بعده وحي آخر من الرحمن، فإن لله تجلّيات في إيحائه، وإنه ما تجلّى من قبل ولا يتجلّى من بعد كمثل تجلّيه لخاتم أنبيائه، وليس شأن وحي الأولياء كمثل شأن وحي الفرقان، وإن أُوحِي إليهم كلمة كمثل كلمات القرآن، فإن دائرة معارف القرآن أكبر الدوائر، وإنها أحاط العلوم كلها وجمع في نفسها أنواع السرائر، وبلغت دقائقها إلى المقام العميق الغائر، وسبق الكل بيانا وبرهانا وزاد عرفانا، وإنه كلام الله المعجز ما قرع مثله آذانا، ولا يبلغه قول الجنّ والإنس شأنا”. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 275-276)
“أتصول أيها الجاهل الكاهل على الذي أفحمَ أكابرَ بلغاء الزمان، وأتمّ الحجة على فصحاء أهل اللسان، وخضعتْ له أعناق الأدباء، وآمن به نوابغ الشعراء، وجاءوا خاضعين مقرّين؟ أأنت أسبَقُ منهم في معرفة مواد الأقاويل وتمييز الصحيح من العليل، أو أنت من المجنونين؟ ألا تعلم أنهم كانوا أهل اللسان، وقد غُذُّوا بلبان البيان، وكانوا يُصبون القلوب بأفانين العبارات ومُلح الأدب ونوادر الإشارات، وكانوا في هذه السكك وعلمِ محاسنها من الماهرين؟ ألستَ تعلم أن القرآن ما ادّعى إعجاز البلاغة إلا في الرياغة، فإن العرب في زمانه كانوا فصحاء العصر وبلغاء الدهر، وكان مدار تفاخُرهم على غُرَر البيان ودُرَرِه وثمار الكلام وزهره، وكانوا يناضلون بالقصائد المبتكَرة والخطب المحبَّرة، ولكن ما كان لهم أن يتكلموا في اللطائف الحِكْمية، وما مسّتْ بيانَهم رائحةُ المعارف الإلهيّة، بل كان مسرح أفكارهم إلى الأبيات العشقية، والأضاحيك الملهية، وما كانوا على ترصيعِ مضامين الحِكم قادرين. وكانوا قد مرنوا من سنين على أنواع النظم والنثر ولطائف البيان، وسُلِّموا وقُبِلوا في الأقران، وكانوا أهل اللسان وسوابق الميادين. فخاطبهم الله وقال: (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ…. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ). وكذلك كثير منهم أقرّوا بأنّ القرآن مملوٌّ من العبارات المهذَّبة، والاستعارات المستعذَبة، والأفانين المستملَحة، والمضامين الحِكمية الموشَّحة، بل مَن أمعنَ منهم النظرَ فسعى إلى الإسلام وحضر ودخل في المؤمنين. فلو كان القرآن متنـزلاً من أعلى مدارج الكمال في فصاحة المقال وبلاغة الأقوال، لكان الأمر أسهل على المخالفين، ولقالوا أيها الرجل.. إن الكلام الذي عرضتَ علينا والحديث الذي أتيتَه لدينا ليس بفصيح بل ليس بصحيح، ولا نجد فيه غير المعاني المطروقة الموارد والكلام الرقيق البارد، وما جئت بأطيب وأحلى، وفيه ألفاظ كذا وكذا، وإنك أسقطتَ في كلامك وباعدتَ عن مرامك، ولست من المُجيدين؛ فلا حاجة إلى أن نأتي بمثله من الأقوال، أو نتوازن في المقال، ونتحاذى حذو النعال، فإليك عنّا وتجافَ، واترُك الأوصاف، فإن كلامك سَقََط عند الأدباء المشهورين والفصحاء الماهرين. ولكنهم ما سرَوا ذلك المسرى، وما قدحوا في هذا الدعوى، بل قبِلوا أعلى مراتب بلاغته، وعجبوا لعلوِّ شأنِ فصاحته، وقالوا إنْ هذا إلا سحرٌ مبين. وأكثرهم آمنوا بإعجازه وأقرّوا بتناوُش بازِه، وعجزوا عن دركِ هِنْدازِه، وقالوا كلامٌ فاقَ كلماتِ البشر، وكلُّه لُبٌّ وليس معه شيء من القشر، وعليه طلاوة، وفيه حلاوة، وهو غَدَقٌ لا ينفد مِن شرب الشاربين. وما نبسوا بكلمة في قدح شأنه، وما فاهُوا بكلامٍ في جرح بيانه، ونسوا جمال الفكر في ميدانه، ثم رجعوا مرعوبين نادمين، وأكثرهم كانوا يبكون عند سماعه ويسجدون باكين”. (نور الحق، ص 90-92)
“إن القرآن الكريم قد جمع التعاليم وأكمل التفهيم، وأنه مشتمل على علوم الأولين والآخرين، وهو بعُلُوِّه كأبحرٍ لا كحِياضٍ، وفاق كلَّ لُجّةٍ بذيلٍ فضفاض، وفيه نور أصفى من نور العين، ونقيٌّ من الدرن والشين. صحفٌ مطهّرة فيها كتبٌ قيّمة وحِكَمٌ مُعجِبة، مع حسنِ بيان وبلاغة ذي شأن تسرّ الناظرين. وهو إعجاز عظيم بفصاحة كلماته، وبلاغة عباراته، ورفعة معارفه، وباكورة نِكاته”. (نور الحق، ص 120)
“أمّا القرآن فهو كالشارق المنير… فترى أن القرآن يجري برعاية أنواع الاستعداد، ويكشف على الطالب أسرار المعاد، ويُربي الحكماء كما يُربّي السفهاء، ويعلم العقلاء كما يعلم الجهلاء، وفيه بلاغ لكل مرتبة الفهم، وتسلية لكل أرباب الدهاء والوهم، وساوَى جميع أنواع الإدراك من أهل الأرض إلى أهل الأفلاك، وإنه أحاط دوائر فهم الإنسان، مع التزام الحق وإقامة البرهان، وإنه نور تام مبين… وثبت أن القرآن أُمُّ الصحف المطهّرة، ولذلك نزل في اللغة الكاملة المحيطة”. (منن الرحمن، الخزائن الروحانية مجلد 9 ص 191-192)