الكشوف والرؤى
يقول عليه السلام:
“الرزق الذي هو مُرادُ رجالٍ أُولي التقوى إنما هو فيوض الغيب من الكشف والإلهام والمخاطبات، ليبلغوا مراتب اليقين كلها، ويدخلوا في عباد الله العارفين. فقد وعد الله لهم وقال: (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)”. (حمامة البشرى، ص 167)
“ومعلوم أن من أنواع الهداية كشفٌ وإلهام ورؤيا صالحة ومكالمات ومخاطبات وتحديث لينكشف بها غوامض القرآن ويزداد اليقين، بل لا معنى للإنعام من غير هذه الفيوض السماوية، فإنها أصل المقاصد للسالكين الذين يريدون أن تنكشف عليهم دقائق المعرفة، ويعرفوا ربهم في هذه الدنيا، ويزدادوا حُبًّا وإيمانا، ويصِلوا محبوبهم متبتّلين. فلأجل ذلك.. حثَّ الله عبادَه على أن يطلبوا هذا الإنعام من حضرته، فإنه كان عليما بما في قلوبهم من عطش الوصال واليقين والمعرفة، فرحِمهم وأمدّ كلَّ معرفة للطالبين، ثم أمرهم ليطلبوها في الصباح والمساء والليل والنهار، وما أمرهم إلا بعدما رضي بإعطاء هذه النعماء، بل بعدما قدّر لهم أن يُرزَقوا منها، وبعدما جعلهم ورثاء الأنبياء الذين أُوتوا مِن قبلهم كلَّ نعمة الهداية على طريق الأصالة. فانظر كيف منَّ الله علينا.. وأمَرنا في أمّ الكتاب لنطلب فيه هدايات الأنبياء كلها، ليكشف علينا كل ما كشف عليهم، ولكن بالاتّباع والظلّية، وعلى قدرِ ظروف الاستعدادت والهمم. فكيف نردّ نعمة الله التي أُعِدّت لنا إن كنّا طُلباء الهداية؟ وكيف نُنكرها بعدما أُخبرنا عن أصدق الصادقين؟” (حمامة البشرى، ص 169-169)
“قبل بضعة أيام رأى هذا العبد المتواضع رؤيا عجيبة. هناك اجتماع للزاهدين والعابدين، وكل واحد منهم يقوم ويتحدث عن مشربه، وفي أثناء مدحه لمشربه يخرج من فمه شعر موزون ينتهي بكلمات كهذه: “قعود” “سجود” شهود”. كقول بعضهم: “قضيت الليل كله في قيام وسجود”.
ثم لما أراد هذا العبد المتواضع أن يقرأ بيتًا لبيان مشربه، انتهت الرؤيا. والبيت الذي كنت أنوي قراءته في هذا المجلس في الرؤيا جرى على لساني وحيًا، وهو:
طريقِ زهد وتعبد ندانم اے زاهد
خدائے مَن قدمم راند براه داؤد
أي: أيهـا الزاهـد لا تسـألني عن طريق الزهد والتعبد، فقد سيَّرني الله ﷻ على طريقة داود”. (مكتوبات أحمدية، مجلد 1، الرسالة رقم 39)
“رأيت في المنام في إحدى الليالي أن هذا العبد المتواضع موجود في مكان لا أذكره، وقد أتى للقائي أناس كثر جُدد لا أعرفهم، وكنتَ معهم، ويبدو أن المكان غير هذا المكان. لقد رأى هؤلاء في هذا العبد المتواضع شيئًا لم يعجبهم، فصُرفت قلوبهم. فقلتَ لي عندها: غَيِّرْ وضعك. فأجبتُ: لا، هذا بدعة. فنفر هؤلاء، وذهبوا إلى غرفة أخرى وجلسوا فيها، ويبدو أنك أيضًا كنتَ معهم. ثمّ ذهبتُ إليهم لأصلي بهم، ولكنهم أجابوا في نفور: لقد صلّينا. فأردتُ اعتزالهم والإعراض عنهم، وهممتُ بالخروج، فبدا لي أن أحدهم تبِعني، وعندما التفتُ وجدتُ أنه أنت.
ومع أنه ليس في المنام تحديد تام، ومع أن الله تعالى يبدّل الأقدار المعلَّقة، إلا أنني أخشى -لا سمح الله- أن يكون هذا المكان هو مدينتك. لا تفرح بشوق الناس وحبهم. إنما الشوق والحب الحقيقيان هما اللذان يصمدان أمام الابتلاء والزّلة، ولكن لا يتحلى بهما إلا واحد من مئات الآلاف من الناس، فإن قلوبهم تميل -عادةً- إلى سوء الظن لأسباب تافهة، ويكون مآلهم أسوأ مما كانوا عليه. إن الصادق في الحب مَن لا يتسرع في قطع العلاقة، وإنْ بدا له أن مرشده قد قام بمعصية وفسق، أو ظهر منه نوع من الظلم والاستبداد، أو وجد في بيته أمورًا تُعَدّ من المنهيات. إن الصادق لا يخرج من ثوبه على الفور، ولا يُفسد خدماته الطويلة وحُبَّه في ساعة، بل يوقن في قلبه أنه بلاءٌ ابتُليَ به، ولا يبدي أي خلل في حبه وثقته، ولا يعترض، بل يطلب من الله ﷻ أن ينجيه من هذا البلاء، وإلا فسوف تزِلّ قدمه عاجلاً أو آجلا. مَن نظر الله إليه نظرة لطف لم يقيده في مشرب واحد. إنه تعالى يعطي البعض مشربًا يكون غريبًا تمامًا، ومنهم مَن يكون مشربه بعيدًا عن فهم علماء الظاهر. لقد تحيّر أولو العزم من الرسل مثل موسى ؏ حيث قلق برؤية أعمال الخضر ؏، واعترض عليه نتيجة حرارة الشريعة رغم وعوده المتكررة أنه لن يعترض عليه، وإنْ كان ؏ هو معذورا في حالته، وكان الخضر ؏ معذورًا أيضًا في حالته.
قصارى القول، إن مجيء المرء إلى مشرب هؤلاء القوم بحب وشوق سهلٌ، ولكن العودة من عندهم بالحب السليم صعب. في الحقيقة يبتلي الله كلَّ من يزورهم ليكشف عليه أمراضه هو، فالشقي مَن يهلك عند هذا الابتلاء. ليته ظل بعيدًا عنهم، فهذا كان خيرًا له. لم يكن أبو جهل شَرَّهم، ولكن افتُضح أمره لكونه في زمن الرسالة، ولو أنه وُلد في بيت مسلم بعد قرن من زمنه، فربما ظل خبثه في الخفاء، فالخبث يظهر بالامتحان فقط”. (مكتوبات أحمدية، مجلد 1، الرسالة رقم 40)
“أصحاب التجربة يعلمون جيدًا أن عادة الله الجارية في الرؤيا هي أنه تعالى يكشف بعض الحقائق من خلال التمثيل ومِن وراء شتى الحُجُب غالبًا. روى مسلم عن أنس أن رسول الله ﷺ رأى مرة في الرؤيا أنه في دار الصحابي عقبة بن رافع، فجاء شخص بطبقِ رُطَبٍ يسمى رُطَب ابن طاب -وهو نوع من التمر جاء بنخله شخص يدعى “ابن طاب” من مكان آخر وغرسه هناك. فأوّلها رسول الله ﷺ بالعاقبة الحسنى والعافية للصحابة في الدنيا والآخرة، وأنهم سيتمتَّعون بعيش طيب، وسيجدون حلاوة الإيمان. فترى أن رسول الله ﷺ استنبط “العاقبة” مِن لفظ “عقبة”، و “الرافع” اسم من أسماء الله، فاعتبره بشارةً للرفعة، واستنتج “حلاوة الإيمان” من “حلاوة التمر” وأما لفظة “طاب” الواردة في “ابن طاب” فتعني طِيب العيش، فاعتبرها بشارةً لطيب عيشهم. خلاصة الكلام أن مثل هذه الاستنتاجات في تأويل الرؤيا حقيقية وصحيحة”. (مكتوبات أحمدية، مجلد 1، الرسالة رقم 15)
“من الممكن أيضا أن يكون الراءون قد أُعطوا عيونا كشفية نتيجة تأثير القوة القدسية للنبي ﷺ، حيث أراهم الله تعالى بهذا الحادث (يعني حادث انشقاق القمر) كيفية الانشقاق الذي سيحصل عند قرب القيامة. وإنه من الحقائق الثابتة أن قُوى المقرّبين الكشفية تؤثّر أحيانًا في الآخرين أيضا عند شدّتها وحدّتها، وهناك نظائر كثيرة لذلك في وقائع أرباب المكاشفات، حيث أرَى بعضُ الأكابر نفسه في بلدين مختلفين ومكانين متغايرَين في آن واحد بإذن الله ﷻ”. (سرمه چشم آريا، الخزائن الروحانية مجلد 2 ص 229-230)
“تنكشف على أصحاب المكاشفات أمور يعجز العقل تمامًا عن إدراك كُنْهها. فيرى صاحب الكشف في بعض الأحيان شيئًا رؤية واضحة وهو على بُعد مئات الأميال وبينهما شتى الحجب، بل أحيانًا يسمع صوته أيضا في حالة اليقظة بإذن الله تعالى. والأعجب من ذلك أن الشخص الآخر الذي يراه صاحب الكشف أيضا يسمع صوته في بعض المرات. يلقى صاحب الكشف أحيانا أرواح السابقين في حالة كشفه الذي يماثل حالة اليقظة إلى حد كبير. وعلى العموم يتم اللقاء بالأرواح السعيدة أو الأرواح الشقيّة أيضًاأأ فيما يُسمّى “كشف القبور”، وإن صاحب هذا المقال لذو خبرة في هذا المجال. وهذه الظاهرة تقضي على عقيدة التناسخ الهندوسية قضاءً مبرمًا. والأعجب من كل هذا أن صاحب الكشف يظهر أحيانًا لشخص آخر من خلال تركيزه عليه بإذن الله ﷻ في حالة اليقظة، مع أنه يكون بينهما مسافة مئات الأميال بدون أن يتحرك جسد صاحب الكشف من مكانه. ووجود شيء في مكانين في وقت واحد محال عند العقل، ولكن هذا المستحيل ممكن الوقوع في هذا العالم الآخر”. (سرمه چشم آريا، الخزائن الروحانية مجلد 2 ص 130 الحاشية)
“لو مكَث طالبُ حقّ في صحبتي بصحة النيّة فترة من الزمن وأراد أن يرى المسيحَ (الناصري) ؏ رؤيةَ كشف، فسيراه ويكلّمه أيضًا ببركة عنايتي ودعائي، ويمكنه أن يطلب منه الشهادة عن أحواله. فإني أنا ذلك الشخص الذي قد سكنتْ روحُ يسوع المسيح في روحي على سبيل التمثّل والبروز”. (تحفة قيصرية، الخزائن الروحانية مجلد 12 ص 273)
“ومن التأثيرات العجيبة التي جرّبتها نتيجة ذلك الصيام مكاشفاتٌ لطيفة انكشفت عليّ في تلك الأيام، حيث لقيتُ بعض الأنبياء السابقين، وقابلت كبار أولياء هذه الأمة الذين خلوا من قبل. كما رأيت أنوارًا روحانية متمثلة على شكل أعمدة حمراء وبيضاء، تبلغ من الجمال والروعة ما لا أستطيع وصفه مطلقا. وكانت لتلك الأعمدة النورانية – التي كانت تصعد إلى السماء رأسًا وكانت بعضها بيضاء ناصعة لامعة وبعضها خضراء وبعضها حمراء – علاقةٌ عجيبة بالقلب حيث كانت رؤيتها تغمر القلب سرورًا وحبورًا، وليست في الدنيا لذة تماثل اللذةَ التي كان يتمتع بها قلبي وروحي برؤية تلك الأعمدة. وظنّي أنها تمثّلت في الظاهر نتيجة امتزاج حبّ الله وحبّ العبد.. أعني أن نورًا صعد من قلب العبد ونورًا آخر نـزل من السماء، وعندما اتصلا تحوَّلا عمودًا. وهذه أمور روحانية لا يمكن أن تعرفها الدنيا لأنها بعيدة عن أعينها، ولكن هناك أناس في الدنيا يُطْلَعون على هذه الأمور”. (كتاب البرية، الخزائن الروحانية مجلد 13 ص 198-199 الحاشية)
” لقد رأيت أن فيوض الله تعالى تذهب إلى النبي ﷺ في شكل نوراني عجيب، وعندما تصل إليه ﷺ تسري في صدره، ثم تخرج منه في شكل أنابيب لا تُعَدّ ولا تحصى، وتصل إلى كل مستحقّ بقدر نصيبه”. (جريدة الحكم 28 فبراير/شباط 1903م صفحة 7)