يقول المسيح الموعود عليه السلام:
“وكنت أنتظر الخِيَرة والرضاء وأمر الله تعالى حتى تكرر ذلك الإلهام، ورُفع الظلام، وتواتر الإعلام، وبلغ إلى عدة يعلمها رب العالمين. وخوطبت للإظهار بقوله: “فاصْدَعْ بما تؤمر“، وظهرت علامات تعرفها حاسة الأولياء وعقل أرباب الاصطفاء، وجُلّي الصبح، وأكّد الأمر، وشرح الصدر، واطمأن الجنان، وأفتى القلب، وتبين أنه وحي الله لا تلبيس الشياطين.
ثم ما اكتفيت بهذا بل عرضته على الكتاب والسنة، ودعوت الله أن يؤيدني، فدقّق الله نظري فيهما وجعلني من المؤيَّدين. وظهر عليّ بالنصوص البينة، القرآنية والحديثية، أن المسيح بن مريم ؏ قد تُوفي ولحِق بإخوانه من النبيين.
وكنت أعلم أن وفاة المسيح حق ثابت بالنصوص البيّنة القطعية، القرآنية والحديثية، وأعلم أن إلهامي لا غبار عليه ولا تلبيس ولا تخليط، ومع ذلك كان يقيني بأن اعتقاد المسلمين في نزول المسيح حق لا شبهة فيه ولا ريب، فعسُر عليّ تطبيقهما وكنت من المتحيرين. فما قنعت بالنصوص فقط، لأني وجدت في الأحاديث رائحة قليلة يسيرة من دُخْن الاختلاف بظاهر النظر، وإن كانت الدلائل القوية القاطعة معنا وبأيدينا، وكان القرآن معنا كله، بل ابتغيت معرفة تامةً نقية بيضاء التي يتلألأ كل شق من شقوقها وتبلّغ إلى الحق اليقين.
فتضرعتُ في حضرة الله تعالى، وطرحت بين يديه متمنيًا لكشف سر النـزول وكشف حقيقة الدجال، لأعلمه علم اليقين وأرى به عين اليقين، فتوجهت عنايته لتعليمي وتفهيمي، وأُلهِمتُ وعُلِّمتُ من لدنه أن النـزول في أصل مفهومه حق، ولكن ما فهم المسلمون حقيقته، لأن الله تعالى أراد إخفاءه، فغلب قضاؤه ومكره وابتلاؤه على الأفهام، فصرَف وجوههم عن الحقيقة الروحانية إلى الخيالات الجسمانية، فكانوا بها من القانعين. وبقي هذا الخبر مكتومًا مستورًا كالحَبّ في السنبلة، قرنا بعد قرن، حتى جاء زماننا، واغترب الإسلام، وكثرت الآثام، وغلبت ملة عبدة الصليب، فصالوا على المسلمين بالافتراء والمَين، وأحلُّوا سَفْكَ عُشّاقٍ كانوا كصيد الحرمَين. فصُبّت علينا مصائب كنا لا نستطيع إحصاءها، وضاقت الأرض علينا، وتورمت مُقلتنا باستشراف الناصرين. فأراد الله أن يأتي بصبح الصداقة، ويعين طلاب الحقيقة، من الأعالي والأداني، بنَضْوِ الوِشاح عن مخدَّرة المعاني، ويشفي صدور المؤمنين. وكنا أحق بها وأهلها لأنا رأينا بأعيننا إطراء المسيح وازدراء المصطفى، ودعوة الناس إلى ألوهيّة ابن مريم وسبِّ خير الورى ﷺ، وسمعنا السبّ مع الشرك والمَين، وأُحرقنا بالنارَين. فكشف الله الحقيقة علينا، لتكون النار علينا بردًا وسلامًا، وكان حقا على الله نصر المضطرين. فأخبرني ربي أن النـزول روحاني لا جسماني، وقد مضى نظيره في سنن الأولين. وإن الله لا يبدل سنته ولا عاداته، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها، وكذلك يفعل وهو خير الفاعلين.” (التبليغ، ص 110-112)
“واللهُ سمّاني المسيح الموعود والمهدي الموعود بإلهام صريح، ووحيٍ بيِّنٍ صحيح، وما كنت من المخادعين. وما كنت أن أفُوه بزُورٍ، وأدلِّي بغرور، وتعلمون عواقب الكاذبين، بل هو كلام من ربّ العالمين. ومع ذلك كنتُ حرَّجت على نفسي أن لا أتّبع إلهامًا أو يُكرَّرَ من الله إعلاما، ويوافِقَ القرآنَ والحديثَ مرامًا، وينطبقَ انطباقا تماما. ثم كان شرطٌ مني لهذا الإيعاز أن لا أقبَلَه مِن غير أن أنظر إلى الأحياز، ومِن غير أن أشاهد بدائعَ الإعجاز. فوالله رأيت في إلهامي جميع هذه الأشراط، ووجدتُه حديقة الحق لا كالحَماط.” (نجم الهدى، الخزائن الروحانية، مجلد 14، ص 59-60)