يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“لقد قسم الله المصائب، في قانونه الجاري في الطبيعة، على خمسة أقسام، وهي: بوادر المصيبة التي تهول المرء، ثم حلول المصيبة به، ثم استيلاء حالة من اليأس عليه، ثم الوقوع في فترة ظلمة المصيبة بعينها، وبعدها إشراقُ صبح الرحمة الإلهية. فهذه هي الفترات الخمس التي فُرضتْ إزاءها الصلوات الخمس“. (براهين أحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، مجلد 21 ص 422)
“تذكّروا أن هذه الأوقات الخمسة المحددة للصلوات ليست من قبيل الجبر أو الإكراه وليست أمرا عشوائيا خاليا من الحكمة، بل لو تدبرتم فيها لوجدتم أنها في الواقع صورةٌ تعكس حالات روحانية للإنسان، كما يقول الله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس). فترى أن الله تعالى قد أمر بإقامة الصلوات بدءًا من دلوك الشمس. ومعنى الدلوك: زوال الشمس، وإن كان هناك بعض الاختلاف في معناه. فما هو السر والحكمة في فرضه ﷻ خمس صلوات بدءًا من الدلوك؟ فاعلم أن قانون الطبيعة يبين لنا أن مراحل التذلل والتواضع الروحانيَين أيضا تبدأ من الدلوك نفسه، حيث تطرأ على الإنسان حالات خمس أيضا، لذا فإن الصلاة الطبيعية أيضا تبدأ في فترة تأخذ فيها بوادر الحزن والهم والغم في الظهور. ولَكَمْ يتواضع المرء ويتذلل حين تحلّ به آفة أو مصيبة ما!! ويمكنك أن تقدر الرقة والتواضع اللذين يستوليان عليه حين تهزه المصيبة بزلزالها. فمثلًا حين يستلم المرء إخطارًا أو استدعاءً من المحكمة ويعلم أن قضية رفعتْ ضده بحسب القانون الجنائي أو المدَني، تستولي عليه حالة كحالة زوال الشمس بعد نصف النهار، لأنه قبل اطلاعه على الاستدعاء لم يكن يعرف عن القضية المرفوعة ضده شيئا، ولكن بعد ذلك تنتابه الأفكار والهموم بصدد الاستعانة بالمحامي وما إلى ذلك؟ ولا شك أن الزوال الذي يصاب به يماثل الدلوك، وأن حالتَه الأولى هذه تشبه صلاة الظهر. ثم تطرأ عليه حالة أخرى حين يدخل المحكمة وتُوجَّهُ إليه الأسئلة والاتهامات والنقد الجارح من قبل خصمه ومن قبل المحكمة، فيكون في حالة غريبة حقا، وهذه الحالة أو هذه الفترة تكون مثالا لصلاة العصر، لأن العصر من اعتصار الشيء. ثم عندما تصبح حالته أكثر خطورة ويُدان فيزداد يأسًا وقنوطا، لأنه يفكر عندها أنه سينال العقاب الآن. وهذا الوقت يعكس صلاة المغرب. وحينما يصدر الحكم عليه ويُسلَّم إلى الشرطة أو مفتش المحكمة، فتعكس حالته هذه صلاةَ العشاء من الناحية الروحانية. حتى إذا انبلج الفجر وحان أن يتحقق قوله تعالى (إن مع العسر يسرا) شابه ذلك في الروحانية وقتَ صلاة الفجر، وصارت صلاة الفجر صورة لذلك الوقت”. (الملفوظات ج 1 ص 150- 151)
“ما هي الصلوات الخمس؟ إن هي إلا صورة لأحوالكم المختلفة؛ إذ تلازم حياتكم تغيراتٌ خمس تعتريكم وقت البلاء، ولا بـد لفطـرتكم منها.
- الأوّل حين تتلقى خبرا بأنّ بلاءً قادماً إليك؛ كأن تصدر ضدّك من المحكمة مذكّرةٌ بضرورة مثولك فيها. هذا هو التغير الأول الذي يكدّر عليك صفو حياتك ويخلّ براحتك، وتُشبه هذه الحالـة سـاعةَ الزوال إذ بدأ بها زوال سعادتك، ومقابل هذه الحالة قد فُرضت صـلاة الظهر التي يبتدئ وقتها مع زوال الشمس.
- والتغير الثاني ينتابك حين تُدنَى من مكان البلاء؛ كأنْ تمثُل أمام الحاكم معتَقَلاً بموجب المذكرة، وهو وقت يكاد يتجمد فيـه دمـك خوفاً ويذهب عنك نور الطمأنينة، وتُشابه حالتك هذه وقتاً يتضاءل فيه ضوء الشمس ويمكن النظر إليها، ويبدو بوضوح أن غروبها وشـيك؛ ومقابل هذه الحالة الروحانية قد فُرضت صلاة العصر.
- والحالة الثالثة تعتريك حين ينقطع رجاؤك في نجاتك من تلـك البلية كليّةً، كأنْ تجري مجريات المحكمة ضدك ويدلي الشهود بشهادتهم لدمارك، وهو الوقت الذي ينخلع فيه قلبك وتعتبر نفسك أسيراً. وتشبه حالتك هذه غروب الشمس حين ينقطع الأمل من ضياءِ النهار، ومقابِل هذه الحالة الروحانية قد فُرضت صلاة المغرب.
- والتغير الرابع يطرأ عليك حين يحيق بك البلاء فعلاً، ويحيط بك ظلامُه المُدْلَهِم، كأنْ يصدر الحُكم عليك بالعقاب، وتُسَلَّم إلى الـشرطة للسجن، بعد استعراض الشهادات وإدانتك. وتشبه حالتك هذه حـين يخيّم الليل ويسود ظلامه الدامس؛ وإزاء هذه الحالة الروحانية قد فُرضت صلاة العشاء.
- ثم بعد مكوثك في ظلمة هذه المحنة برهة من الزمان، تهيج لـك رحمةُ الله في النهاية وتنجيك من تلك الظلمة، تماماً كما ينجلي الفجـر أخيراً بعد ظلمة الليل، ويشرق ضوء النهار بلمعانه ثانية؛ ومقابل هـذه الحالة الروحانية قد فُرضت صلاة الفجر.
فقد كتب اللهُ عليكم الصلوات الخمس نظراً إلى هـذه الأحـوال الخمس في تغيراتكم الفطريّة. ويمكن أن تدركوا من ذلـك أن هـذه الصلوات إنما هي لفائدتكم. فإن كنتم تريدون أن تكونوا في مأمن من هذه البلايا، فلا تتركوا الصلوات الخمس، فإنها أظـلالٌ لتطـوراتكم الباطنة الروحانية. إنَّ في الصلاة علاجاً للمحن الآتية. إنكم لا تدرون ما يجلب لكم اليوم الجديد من قضاء وقدر، فتضرّعوا أمام مولاكم قبل طلوع النهار أن يكون طلوعه خيراً وبركة لكم.“
(سفينة نوح، ص 97-99)