يقول المسيح الموعود ؏:
“وناجيتُ نفسي بأن هذه الدنيا ليست إلا كغدّار، وليس مآلها إلا مرارةُ خيبةٍ وتبار. وأرهقتني دار الدنيا بضيقها، وأُلقي في قلبي أن أعاف بريقَها، فصرف الله عني حبّ الدنيا ورؤية زينتها، والتمايل على شجرتها وثمرتها. وكنت أحبّ الخمول، وأؤثر زاوية الاختفاء، وأفرّ من المجالس ومواقع العُجْب والرياء. فأخرجني الله من حجرتي، وعَرّفني في النَّاس، وأنا كارهٌ من شهرتي، وجعلني خليفة آخر الزمان، وإمام هذا الأوان“. (الاستفتاء، ص 101-102)
“يعلم الله تعالى أنني لا أبالي ولا أفرح أبدًا لأن أُدعى المسيح الموعود أو أن أفضّل نفسي على المسيح ابن مريم. واللهُ تعالى قد كشف بنفسِه في وحيه المقدس عما ينطوي عليه ضميري حيث قال: “قُلْ أجرّد نفسي من ضروب الخطاب“.. أي قل لهم إنني في حال بحيث لا أبتغي لنفسي أي نوع من الألقاب، بمعنى أن مقصدي ومرادي أسمى من مثل هذه الأفكار، وأما منح الألقاب فهو من فعل الله تعالى، ولا دخل لي في ذلك… لقد كان يكفيني أن يرضى الله عني. إني لم أكن أتمنى هذا المنصب قط. كنت في زاوية الخمول، ولم يكن أحد يعرفني، كما لم أكن أحب أن يعرفني أحد، ولكن الله ﷻ نفسه أخرجني من زاوية الخمول قسرًا. لقد وددت أن أعيش خاملاً وأموت خاملاً، ولكنه تعالى قال: إني سأنشر اسمك بالعزة في الدنيا كلها. فاسألوا الله تعالى لماذا فعل هكذا؟ ما ذنبي في ذلك؟
كذلك تمامًا كنت أعتقد في أول الأمر وأقول: أين أنا من المسيح ابن مريم؟ إذ إنه نبي ومن كبار المقربين عند الله تعالى، وكلما ظهر أمر يدل على فضلي كنت أعتبره فضلا جزئيًّا، ولكن وحي الله ﷻ الذي نـزل علي بعد ذلك كالمطر لم يتركني ثابتًا على العقيدة السابقة، وأُعطيتُ لقب “نبي” في صراحة تامة، بحيث إنني نبي من ناحية، وتابعا للنبي ﷺ ومِن أُمته من ناحية أخرى“. (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية مجلد 22 ص 152 – 154)
“وقد أتى عليّ حين من الدهر لم أكن شيئا مذكورا، وكنت أعيش خفيًّا ومستورًا، لا يعرفني أحد إلا قليل من أهل القرية، أو نفرٌ من القرى القريبة. فكنت إنْ قدِمتُ من سفر فما سألني أحد من أين أقبلتَ، وإن نزلتُ بمكان فما سأل سائل بأي مكان حللتَ. وكنت أحبّ هذا الخمول وهذا الحال، وأجتنب الشهرة والعزّة والإقبال، وكانت جِبلّتي خُلقتْ على حُبّ الاستتار، وكنت مُزْوَرًّا عن الزُوّار، حتى يئس أبي مني وحسبني كالطارق المُمتار، وقال: رجلٌ ضَرِيٌّ بالخلوة وليس مُخالِطَ الناس رَحْبَ الدار. فكان يلومني عليه كمؤدّب مغضب مُرهَف الشِّفار، وكان يوصيني لدُنياي سرًّا وجهرًا وفي الليل والنهار، وكان يجذبني إلى زخارفها وقلبي يُجذَب إلى الله القهّار. وكذلك تلقّاني أخي وكان يضاهي أبي في هذه الأطوار، فتوفّاهما الله ولم يترك كالمِيخار، وقال: كذلك لئلا يبقى منازعٌ فيك ولا يضرّك إلحاحُ الأغيار. ثم اقتادني إلى بيت العزّة والاختيار، وما كان لي علم بأنه يجعلني المسيح الموعود، ويُتمّ في نفسي العهود. وكنت أُحبّ أن أُترَك في زاوية الخمول، وكانت لذّتي كلها في الاختفاء والأُفول، لا أبغي شهرة الدنيا والدين، ولم أزل أنصّ عَنْسي إلى مُكاتمة كالفانين. فغلب عليّ أمرُ الله العلاّم، ورفَع مكانتي وأمَرني أن أقوم لدعوة الأنام، وفعل ما شاء وهو أحكم الحاكمين. والله يعلم ما في قلبي ولا يعلم أحد من العالمين“. (نجم الهدى، الخزائن الروحانية مجلد 14 ص 50-53)
وما قمتُ في هذا المقام بمُنْيَتي ويعلم ربي سِرَّ قلْبي ويَشْعُرُ
وكنتُ امرأً أبْغي الخمولَ مِن الصِّبا متى يأتِني مِن زائرين أُصَعِّرُ
فأخرَجَني من حجرتي حُكْمُ مالكي فقُمْتُ ولم أُعرِضْ ولم أتَعَذَّرُ
(إعجاز أحمدي، الخزائن الروحانية 19، ص 185)