يقول المسيح الموعود عليه السلام :
“ إن ماهية الدعاء هي أن هناك علاقة تجاذبٍ بين العبد وربه، بمعنى أن رحمانية الله تعالى تجذب العبد إليها أولا ثم يتقرّب الله تعالى إلى العبد نتيجة جذب صادق من العبد. وفي حالة الدعاء تبلغ تلك العلاقة مبلغا خاصا وتُظهر خواصها العجيبة. فحينما يخضع العبد إلى الله تعالى باليقين الكامل والأمل الكامل والحب الكامل والوفاء الكامل والعزيمة الكاملة، بعد ما كان في مواجهة مصيبة شديدة، ويتيقّظ إلى أقصى الحدود ويتقدم في ميادين الفناء ممزِّقا حجب الغفلة فإذ به أمام عتبات الله الذي لا شريك له. عندها تضع روحه رأسها على عتباته – عز وجل – وقوةُ الجذب المودَعة فيه تجذب إليه أفضال الله تعالى. عندها يتوجه الله تعالى إلى إتمام ذلك الأمر ويلقي بتأثير الدعاء على تلك الأسباب التي تؤدي إلى خلق أسباب ضرورية أخرى لنيل ذلك المطلوب. فمثلا إذا دعا لنزول المطر نشأت بتأثير الدعاء أسباب طبيعية ضرورية لنزول المطر. وإذا كان الدعاء على قوم لحلول القحط بهم خلق الله القادر على كل شيء أسبابا غير معادية لذلك القوم. لذا فقد ثبت عند أهل الكشف والكمال من خلال تجارب عظيمة أن قوة التكوين تُخلَق في دعاء الإنسان الكامل، أيْ إن دعاءه يتصرف في العالم العلوي والعالم السفلي بإذنه تعالى. ويجذب العناصر والأجرام الفلكية وقلوب الناس إلى جانبٍ يؤيد المطلوب. ولا تقل نظراؤه في كتب الله تعالى المقدسة. بل الحق أن حقيقة بعض أنواع الإعجاز ليست إلا استجابة الدعاء في الحقيقة.
وإن آلاف المعجزات التي ظهرت على أيدي الأنبياء أو الكراماتُ العجيبة التي أظهرها أولياء الله منذ القِدم كان مصدرها الحقيقي هو الدعاء وحده. وإن الخوارق تُري تجليات قدرة الله القادر على كل شيء تكون نتيجة تأثير الدعاء في معظم الأحيان. إن ذلك الحادث العجيب الذي جرى في برية العرب حيث بعث مئات الألوف من الموتى في أيام معدودات، وتحلى بالصبغة الإلهية أولئك الذين فسدت أخلاقهم على مرّ الأجيال، وأصبح العمي يبصرون، والبكم بالمعارف الإلهية ينطقون، وحدث انقلاب في العالم لم تره عين، ولم تسمع به أذن قط؛ هل تعرفون كيف حدث ذلك؟ إن تلك الدعوات التي دعا بها في جوف ليال حالكة عبدٌ متفانٍ في الله هي التي أحدثت ضجة في الدنيا، وأظهرت العجائب التي يبدو صدورها مستحيلا على يد ذلك الأمي الضعيف الحيلة. اللهم صل وسلم وبارك عليه وآله بعدد همه وغمه وحزنه لهذه الأمة، وأنزل عليه أنوار رحمتك إلى الأبد. ”
(بركات الدعاء)
لتحميل الكتاب نرجو الضغط هنا