هذه المقالة تجمع أقوال المسيح الموعود مرزا غلام أحمد عليه السلام عن طبيعة الدجال ومن هو
يقول حضرته:
الدجال
“أما الدجال فاسمعوا أبين لكم حقيقته من صفاء إلهامي وزلالي، وهو حجة قاطعة ثقِّفت للمخالفين تثقيف العوالي، خذوه ولا تكونوا ناسين أو متناسين.
أيها الأعزة! قد كشف علي أن وحدة الدجال ليست وحدة شخصية، بل وحدة نوعية، بمعنى اتحاد الآراء في نوع الدجالية، كما يدل عليه لفظ الدجال، وإن في هذا الاسم آياتٍ للمتفكرين. فالمراد من لفظ الدجال سلسلة ملتئمة من همم دجالية، بعضها ظهير للبعض، كأنها بنيان مرصوص من لَبِنٍ متحدة القالب، كل لبنة تشارك ما يليها في لونها وقوامها ومقدارها واستحكامها، وأُدخلت بعضها في بعض، وأشيدت من خارجها بالطين، أو كركبٍ ردِف بعضهم بعضا، وهم – ممتطين شِمِلّةً مُشمعِلّة – يُرَون من شدة سرعتها رجلا واحدا في أعين الناظرين. ونظيره في القرآن خبر الدخان، فإنه كان سلسلة خيالات متفرقة من شدة الجوع، وسمي بشيء واحد وقيل (يوم تأتي السماء بدخان مبين) وهذا سر لا يعرفها إلا العرّافة، وما يُطلّ عليه فهمُ الغبِيّين.
وقد جرت عادة الناس، عربا وعجما، أنهم إذا رأوا كيفية وحدانية في أفراد فيُنـزلونها في منـزل الواحد، نحو أدوية مختلفة، فإذا خُلط بعضها ببعض، ودُقّ وسُحق وحصل لها مزاج واحد، وأثر واحد، فما عليك من ذنب إن قلت إنه شيء واحد حصل من العجين.
وأنت تعلم أن الناس إذا اجتمعوا في أرض وألقوا فيها مراسي السكون، وحصل لهم نظام تمدني وتعلقَ بعضهم بالبعض تعلقا مستحكما، وتحققَ النسب والإضافات غير قابلة الانفكاك والزوال، واستقرّوا وما أرادوا أن يرتحلوا منها إلى أرض من الأرضين، فإن شئت تسمي مجموعتهم: “بلدة”، وتجري على جماعتهم أحكام الواحد، وما هو واحد في الحقيقة، وما أنت من الملومين. وإن اتفق أنهم جاءوك للقائك فإن شئت قلت: “جاءني البلد”، وذكرتهم كما يذكر الفرد الواحد، وما يعترض عليك إلا جاهل أو الذي كان من المتجاهلين. فكما أن الأماكن يطلق عليها اسم الواحد مع أنها ليست بواحدة، كذلك لا يخفى على القرائح السليمة، والذين لهم حظ من أساليب لسان العرب ولطائف استعاراتهم، أن أذيال هذه الاستعارات مبسوطة ممتدة جدًا، وليست محدودة في مورد خاص، فانظر حتى يأتيك اليقين.
وعجبت لقوم يزعمون في الدجال أنه رجل من الرجال، ويقولون إنه كان في زمن رسول الله ﷺ وهو إلى الآن من الموجودين. أُفٍّ لهم ولوهنِ رأيهم.. كيف يحكمون! ألا يعلمون أن رسول الله ﷺ قال: أقسم بالله، ما على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ. يعني بذلك أن الناس كلهم يموتون إلى مضي المائة، وما يكون فرد من الباقين. فما لهم يقرؤون “البخاري” و”مسلم” ثم يضلون المسلمين؟
أيها الأعزة، إن في هذا الاعتقاد مصيبتان عظيمتان قد أزجتا كثيرا من الناس إلى نيران الكفران، ومنعتاهم من مرتع الجِنان، فلا تخطوا صراطكم ولا تكونوا من المتخطين. أُولاهما المصيبة التي قد ذكرت من استلزام تكذيب قول النبي ﷺ الذي أكده بالقسم، فإياكم وسوء الأدب وكونوا من المتأدبين. لا تقدِّموا بين يدي الله ورسوله، ولا تعصوا بعدما بين لكم رسول الله ﷺ، واعلموا أنه صادق صدوق ما ينطق عن الهوى.. إن هو إلا وحي يوحى. فاخفضوا جناح الذل، ولا تأبوا قول رسول الله ﷺ إن كنتم صالحين.
والمصيبة الثانية ظاهرة لا حاجة لها إلى البيان. ألا ترون إلى الفرقان وتعليم الرحمن.. كيف أقام الناس على توحيد عظيم ونهاهم عن سَنَنِ المشركين؟ فتفكروا في قلوبكم..كيف يمكن أن يخرج الدجال كما تزعمون، ويحيي الأموات ويري الآيات، ويسخر السحاب والشمس والقمر والبحار، وكان أمره إذا أراد شيئًا أن يقول لـه كن فيكون؟ أهذا ما عُلّمتم من القرآن؟ أهذا تعليم الفرقان؟ أهذا الذي سُفك له دماءُ سراة العرب وعظائمِ القريش ببدرٍ وفي كل مصافّ، وهضَمهم المسلمون هَضْمَ مِتلاف؟ اشهدوا ولا تكونوا من الكاتمين. كيف ينسخ تعليم القرآن وينبذ كالقشر، ويفيء المَنْشَرُ المَطْوِيّ إلى النشر، ويجيء الدجال المفاجئ لتضليل نوع البشر؟ لم تخرجون من خُلَع الصداقة وتنسون يوم الحشر؟ وتفسدون في الأرض بعد إصلاحها، اتقوا الله ولا تكونوا من المعتدين. أيمكن أن السيّد الذي كسر الأصنام بالعصا، وإذا سُئل أغير الله قادر قال لا، أهو يعلّمكم أمورا خلاف القرآن الكريم وخلاف التوحيد العظيم؟ كلا.. إنه أغير من كل غيور لله وتوحيده، فلا تفتروا عليه عَضِيهة ولا تكونوا فريسة الشياطين.
هذان بلاءان في اعتقادكم، ومصيبتان على دينكم وتوحيدكم، وصلاحكم وسدادكم. وأمّا المعنى الذي بيّنت، ولتعليمه تحزمت، فكله خير لا محذور فيه، ولا رائحة من شرك ولا من تكذيب النبي ﷺ، بل هو أقر للعين، وفيه نجاة من الثقلين، فاقبلوه وكونوا من الشاكرين.
وكيف تظنون في الذي هو في زعمكم من أبناء الغِيد، وتفوَّقَ مِن رَأْدٍ ضعيفة لا من الشيطان المريد، أنه يتقوى كالشياطين، ويشابهه في بعض الأغاريد، بل يكون أزيد منهم ويصلب كالحديد. ويكون لـه جسم لا يسع إلا في سبعين باعًا. تفكروا يا ذرية الحُرَّينِ! أيجوز أن يتعطل الله في وقت خروجه، ويقدر الدجال على كل أمر وكل ضيم. وتصير تحت أمره شمس وقمر ونار وماء وجنةٌ وخزائن الأرض وقطعة كل غيم. ويطوف على كل الأرض في ساعة، ويدخل المشارق والمغارب تحت لواء الطاعة، ويضع الفأس على رأس الناس، ويجعلهم شِقَّيـن ثم يحيـيهم مرة أخرى، ويري الخلق كذب آية الفرقان: (فيمسك التي قضى عليها الموت)، ويكون على كل شيء من الفعـالين؟ يسحق التوحيد تحت أرجله وكان به من المستهزئين؟ سبحان ربنا عما يصفون، والحمد لله رب العالمين”. (التبليغ، ص 115-119)
“وقالوا إن المسيح الموعود لا يجيء إلا في وقت خروج الدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، وما نرى أحدا منهم خارجا، فكيف يجوز أن يستقدم المسيح وهم يستأخرون؟ أما الجواب، فاعلموا.. أرشدكم الله تعالى.. إن هذان لاسمان لقوم تفرّق شعبهم في زماننا هذا آخرِ الزمان وهم في وصف متشاركون. وهم قوم الروس وقوم البراطنة وإخوانهم، والدجال فيهم فَيجُ قسيسين ودعاةُ الإنجيل الذين يخلطون الباطل بالحق ويدجلون. وأعتدت لهم الهند متكأ، وحقت كلمة نبينا ﷺ أنهم يخرجون من بلاد المشرق، فهم من مشرق الهند خارجون. ولو كان الدجال غير ما قلنا، وكذلك كان قوم يأجوج ومأجوج غير هذا القوم، للزم الاختلاف والتناقض في كلام نبي الله ﷺ. وأيم الله إن كلام نبينا منـزه عن ذلك، ولكنكم أنتم عن الحق مبعدون.
ألا تقرؤون في أصح الكتب بعد كتاب الله أن المسيح يكسر الصليب؟ ففي هذا إشارة بيّنة إلى أن المسيح يأتي في وقت قوم يعظّمون الصليب.. ألا تفهمون؟ وقد تبين أنهم أعداء الحق، وفي أهوائهم يعمهون. وقد تبين أنهم ملكوا مشارق الأرض ومغاربها ومن كل حدب ينسِلون. وقد تبينت خياناتهم في الدين وفتنهم في الشريعة، وفي كل ما يصنعون. أترون لدجالكم المفروض في أذهانكم سعةَ موطئِ قدم في الأرض ما دام فيها هؤلاء؟ فالعجب من عقلكم! من أين تنحتون دجالا غير علماء هذا القوم، وعلى أي أرض إيّاه تسلّطون؟ ألا تعلمون أن المسيح لا يجيء إلا في وقت عبدة الصليب، فأنى تؤفَكون؟ ألا ترون أن الله تعالى مكّن هذه الأقوام في أكثر الأرض وأرسل السماء عليهم مدرارًا، وآتاهم من كل شيء سببا، وأعانهم في كل ما يكسبون؟ فكيف يمكن معهم غيرهم الذي تظنون أنه يملك الأرض كلها؟ يا عجبا لفهمكم! أأنتم مستيقظون أم نائمون؟ أنسيتم أنكم قد أقررتم أن المسيح يأتي لكسر الصليب؟ فإذا كان الدجال محيطًا على الأرض كلها، فأنى يكون من الصليب وملوكه أثر معه.. ألا تعقلون؟ ألا تعلمون أن هذان نقيضان فكيف يجتمعان في وقت واحد أيها الغافلون؟ وإن زعمتم أن الدجال يكون قاهرا فوق أرض الله كلها غير الحرمين، فأي مكان يبقى لغلبة الصليب وأهل الصليب، أأنتم تثبتونه أو تشهدون؟ ما لكم لا تفهمون التناقض؟ وأفضَى بعض أقوالكم إلى بعض يخالفها، ودجلتم في أقوال رسول ﷺ ثم أنتم على صدقكم تحلفون. وتُضِلّون الذين ضعفوا قلبًا ولُبًّا وعقلا، وتزيّنون باطلكم في أعينهم، وتزيدون على أقوال الله ورسوله وتنقصون. لن تستطيعوا أن ترفعوا هذه الاختلافات، أو توفّقوا وتطبّقوا ولو حرصتم، ولو كان بعضكم لبعض ظهيرا، فلا تميلوا كل الميل إلى الباطل وأنتم تعلمون. وإن تقبلوا الحق وتتقوا فإن الله يتوب عليكم، ويغفر لكم ما قد سلف. فليتدبر أهل الحديث في هذا. ومن لم يهتد بعدما هدي فأولئك هم الفاسقون”. (التبليغ، ص 55-57)
“فهل بعد هذا الشر شر أكبر منه يُقال له الدجال؟ وقد انكشف الآثار وتبينت الأهوال، ورأينا حمارًا يجوبون عليه البلدان، فيطِسّ بأخفافه الظرّانَ، ويجعل سَنةً كشهر عند ذوي العينين، ويجعل شهرا كيوم أو يومين، ويعجب المسافرين. إنه مركبٌ جوّاب لا تواهقه رِكاب، ولا ثنية ولا ناب، والسبل له جُدّدت، والأزمنة بظهوره اقتربت، والعِشار عُطّلت، والصحف نُشرت”. (سر الخلافة، ص 65-66)
“ثم إذا رجعنا إلى القرآن ونظرنا فيه.. هل هو يبين ذكر رجل خاص مسمى دجّالا، فلا نجد فيه منه أثرًا ولا إليه إشارة، مع أنه كفَل ذِكْرَ واقعات عظيمة لها دخلٌ في الدين، وقال: (مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، وقال في مقامات كثيرة إن في القرآن تفصيلَ كل شيء، ولكن لا نجد في القرآن ذكر الدجّال – الذي هو فرد خاص بزعم القوم – إجمالا، فضلا عن التفصيلات. نعم إنّا نرى أن القرآن قد ذكر صريحا فئة مفسدة في الدين، وذكر أن في آخر الزمان قوما مكّارين مفسدين، ينسلون من كل حدب، ويهيّجون الفتن في الأرض كأمواج البحار، فتلك هي الفئة التي سُمّيت في الأحاديث دجّالا. والله يعلم أن هذا الأمر حق وظهرت العلامات كلها. ألا ترى أنهم أشاعوا الكفر والشرك أكثر مما أشاع الكفار كلهم من وقت آدم إلى هذا الوقت؟ والأماكن التي مرّوا بها وتسلّطوا عليها فقد بذروا فيها بذر الكذب والفتنة والفساد والتنازعات على جيفة الدنيا وأموالها وأراضيها وعماراتها وإماراتها. وقد هيّجوا بعض الناس على بعض بلطائف الحِيَل والتدابير المُوقِعة في المجادلات، وقد أشاعوا الفسق والإلحاد والزندقة، وعلّموا أهل الدنيا سِيَرًا دجّالية وفتنًا لطيفة، وما بقيت الأمانة في هذه الديار ولا الديانة ولا الصدق ولا الوفاء ولا العهد ولا الحياء ولا فِكر الآخرة إلا ما شاء رب العالمين. يتوادّون للدنيا، ويتباغضون للدنيا، ويلاقون للدنيا، ويفارقون للدنيا، ولا يستبشرون إلا بذكر الدنيا وزخارفها. وفيهم لصوص وخدّاعون وغاصبون. يتمنون موت الشركاء بل موت الآباء لمتاع قليل من الدنيا وعرضها، وأراهم من موتهم غافلين”. (حمامة البشرى، ص 75-76)
“أيها الناس! كنتم تنتظرون المسيح فأظهره الله كيف شاء، فأسلموا الوجوه لربكم ولا تتّبعوا الأهواء، إنكم لا تُحلّون الصيد وأنتم حُرُم، فكيف تُحلّون آراءكم وعندكم حَكَمٌ؟ وإن الحَكَم لرحمة نزلت للمؤمنين، ولولا الحَكَم لما زالوا مختلفين. ظهر المهديّ عند غلبة الضالين، وسُمِع دعاء (اهْدِنَا) بعد مئين، وتم ما قال ربكم في الفاتحة والفرقان المبين. وقد أخذ الله ميثاق المسلمين في هذه السورة، وما حذّرهم إلاّ من اليهود والنصارى إلى يوم القيامة، فأين ذكر الدجّال وأين ذكر فتنته الصمّاء؟ أنسي الله ذكره عند تعليم هذا الدعاء؟ ويعلم الراسخون في العلم أن اسم الدجّال ما جاء في الفرقان، والقرآن مملوء من ذكر فتن أهل الصلبان، وهي الفتنة العظيمة عند الله وكاد أن يتفطرن منها السماوات، وقد عُمّروا ألف سنة بعد القرون الثلاثة يا ذوي الحصاة، وأُحسّ خروجهم في أوّل الأمر ككشكشة الأفعى، إذا تمدّد وتمطّى، ثم تزَيّد الإحساس، حتى ظهر الخناس، وكان هو إلى ستّة آلافٍ، كالجنين في غلاف، فتولّد هذا الجنين بعد تسعة مئين، أعني بعد القرون الثلاثة.. فعدّ الزمان إن كنتَ من المرتابين. إنهم قوم ينفقون جبال الذهب لإشاعة الضلالات، فهل رأيتم مثلهم في الإصرار على الجهلات؟ ولهم في أرضكم مستقرّ مع صراصر السطوات، ويريدون أن ينـزعوا عنكم لباس التقوى ويلطّخوكم بالسوءات، فظهر ما كان ظاهرا من الله وتمت أنباء الفتن والآفات، فأيّ ظلمة بقيت بعد هذه الظلمات؟ وليس دجّالكم إلاّ في رؤوسكم كالتخيّلات. ما أرى الزمان إلاّ هذه الفتن وبلاء هذه السيئات، وهي الفتنة العظيمة عند الله وكاد أن يتفطّرن منه السماوات، وتُهدّ الجبال الراسخات. قد عُمّروا ألف سنة بعد القرون الثلاثة، وأُحسّ خروجهم في أوّل الأمر كالكشكشة، أعني ككشيش الأفعى، إذا تمدّد وتمطّى، ثم زاد الإحساس، حتى ظهر الخناس، وأشيعت الضلالة والوسواس، وكثرت الأوساخ والأدناس، وقد مضى عليه تسع مائة كتسعة أشهر وهو في الرحم كالجنين، وما سُمعَ منه ركزٌ ولا فحيحٌ ولا صوتٌ كالطنين، ولا أثر من الرد على الإسلام والتأليف والتدوين. فتلك التسع هي أيام حمل الدجّال، والتسع مخصوص بعدة الحمل كما هي العادة في أكثر الأحوال، وإن شئت فعدّ من ابتداء انقراض القرون الثلاثة، إلى زمان يكمل عدّة التسعة، ثم تولّد الدجّال على رأس المائة العاشرة، أعني على رأس المائة التي هي عاشرة بعد القرون الثلاثة، وكان قبل ذلك كجنين في البطن ما تفوّه قط بكلمة، وما ردّ على الملّة الإسلامية بلفظ ولا بفقرة، ثم خرج وصار كسيل يأتي من ماء الجبال، ويتوجّه إلى الغور والوهاد والدحال، وصار قويّا ببّا، وهيّج فتنًا لا توجد مثلها من آدم إلى آخر الأيام. وقَلّب كل التقليب أمور الإسلام، وأكل كثيرا من وُلْدِ المِلّة، كما أنتم تنظرون يا ذوي الفطنة. وعاث في الأرض يمينا وشمالًا، وأشاع فسادًا وضلالًا، وبلغ ديننا إلى التهلكة، ثم ظهر المسيح على رأس ألف البدر، ونزل من الله بالحربة، فجعل يستقريه ويطلبه كما يطلب الصيد في الأجمة، وسيلقيه على باب اللد ويقطع كل لدد بواحد من الضربة”. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 339-341)
“من كبرى علامات الدجّال أنه سيكون لديه حمار ما بين أذنيه سبعون باعًا. والواقع أن طول عربات القطار يكون بهذا القدر تقريبا. ومما لا شك فيه أيضا أن القطار يجري بقوة الدخان كما يجري السحاب بقوة الريح. فالحق أن نبينا الكريم ﷺ قد أشار في هذا المقام بوضوح إلى قطار سكة الحديد. ولما كان هذا من اختراع الأمة المسيحية التي ترأسها وتؤمّها هذه الفئة الدجّالة (أي القساوسة)، لذلك سمي القطار بحمار الدجّال. وهل هناك برهان أكبر وأوضح من أن هذه العلامات المختصة بالدجّال توجد فيهم؟ لقد بلغوا من المكائد والخديعة منتهاها، وألحقوا بالإسلام أضرارًا لم يسبق لها نظير منذ بدء الخلق. وعند أتباع هذه الفئة نفسها حمار يجري بقوة البخار، كما يجري السحاب بقوة الريح. وإن أتباعها هم الذين يسيرون في الأرض مستعمرين، ولا يستولون على بقعة قاحلة من الأرض إلا يأمرونها أنْ أخْرِجي كنوزك. ثم يلجأون إلى حيَل شتى للاستيلاء على أموال تلك البقاع، حيث يُحيون الأرض المواتَ ويقيمون الأمن فيها؛ على أن تتبعهم هذه الكنوز، وتنساب تلك الأموال إلى بلادهم دون البلاد الأخرى. من الذي لا يعلم أن كنوز الهند مثلا منسابة إلى أوروبا… إن الأوروبيين أنفسهم يستخرجون هذه الكنوز، وهم أنفسهم الذين يرسلونها إلى أوطانهم؟” (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية مجلد 3 ص 493-494)
الأولون من النصارى ليسوا دجالا
“وأُلقِيَ في روعي أن المسيح سمى الآخرين من النصارى الدجالين لا الأولين، وإن كان الأولون أيضا داخلين في الضالّين المحرّفين. والسر في ذلك أن الأولين ما كانوا مجتهدين ساعين لإضلال الخَلق كمثل الآخرين، بل ما كانوا عليها قادرين. وكانوا كرجل مصفَّد في السلاسل ومقرَّن في الحبال وكالمسجونين. وأما الذين جاءوا بعدهم في زماننا هذا ففاقوا أسلافهم في الدجل والكذب، ووضَع الله عنهم أياصرهم[1] وأغلالهم، ونجّاهم عن السلاسل التي كانت في أرجلهم ابتلاءً من عنده، وكان قدرًا مقضيًّا من رب العالمين. وكان قدرُ الله أن يبرزوا بعد ألف سنة من الهجرة حتى ظهروا في هذه الأيام كغُولٍ خُلِّصَ وأُخرِجَ من السجن، ثم استوى على راحلته لاويًا إلى زافرته وحزبٍ خُلقوا على شاكلته، وكانوا لقبوله مستعدّين. ثم أشاعوا كيف شاءوا من أنواع الكفر وأصناف الوسواس وكانوا قوما متموّلين. وهذا هو الذي كُتِبَ في الصحف الأولى.. أن الثعبان الذي هو الدجال يلبث في السجن إلى ألف سنة ثم يخرج بفوج من الشياطين، فليتذكر من كان من المتذكرين. كذلك خُلِّصوا بعد الألف وتناسَوا ذمام الله ونكثوا عهوده وأحفظوا ربهم مجترئين. وجمعوا كل جهدهم لإضلال الناس، واستجدّوا المكائد كالخنّاس، وجاءوا بسحر مبين. وأضاعوا التقوى والعمل الصالح، واتّكأوا على كَفّارة لا أصل لها، واتبعوا كل إثم، واستعذبوا كل عذاب، وكذّبوا المقدسين. وتجنَّوا وقالوا نحن عباد المسيح وأحباؤه، وهيهات أن تُراجِعَ الفاسقين مِقَةُ الصالحين”. (نور الحق، 47-48)
[1] الأيصر:حُبيْل قصير يُشدّ في أسفل الخباء إلى وتد. جمعه أياصر. (الناشر)
“إن الله ذكر هاتين الفرقتين في آخر الفاتحة، وما ذكر الدجّال المعهود تصريحًا ولا بالإشارة، مع أن المقام كان يقتضي ذكر الدجّال، فإن السورة أشارت في قولها (الضَّالِّينَ) إلى آخر الفتن وأكبر الأهوال. فلو كانت فتنةُ الدجّال في علم الله أكبرَ من هذه الفتنة لختَم السورة عليها لا على هذه الفرقة. أنسيَ أصلَ الأمر ربُّنا ذو الجلال، وذكر الضالين في مقام كان واجبًا فيه ذكر الدجّال؟ وإن كان الأمر كما هو زعم الجهال، لقال الله في هذا المقام: غير المغضوب عليهم ولا الدجّال….
ثم من مؤيِّدات هذا البرهان، أن الله ذكر النصارى في آخر القرآن كما ذكر في أوّل الفرقان، ففكّرْ في: (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)، وفي: (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)، وما هم إلا النصارى فعُذْ مِن علمائهم بربّ الناس. وإن الله كما ختَم الفاتحةَ على الضالين، كذلك ختم القرآن على النصرانيين، وإن الضالين هم النصرانيون كما رُويَ عن نبيّنا في الدر المنثور، وفي فتح الباري فلا تُعرِضْ عن القول الثابت المشهور، ومُسلَّمِ الجمهور”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 193-195)
“وكيف يمكن أن يحدث شريك الباري؟ ويتصرف في ملكوت السماوات والأرض، وتكون معه جنّة ونار، وجميع خزائن الأرض، ويطيع أمره سحاب السماء وماء البحر وشمس الفَلَك، ويُحيي ويُميتُ. سبحانه لا شريك له.. تقدّس وتعالى. كلاّ.. بل هي استعارة لطيفة مُخبِرةٌ من وجود قوم يَعلونَ في الأرض ومن كل حدَبٍ ينسلون. وهو قوم النصارى الذين لهم سابقة في التلبيس وعجائب الصنع، وعمروا الأرض أكثر مما عُمِّرت من قبل، وترون في أعمالهم الخوارق كأنهم يسحرون. أخذ الخلق حيرةٌ من إيجاداتهم، ونوادر صناعاتهم، وأضلوا خلقا كثيرا مما يصنعون ومما يمكرون. أحاطت تلبيساتهم على الأرض، ونجّسوا وجهها، وأخلطوا الباطل بالحق، ويدعون الناس إلى الشِّرْكِ، والإباحة والدهرية، وكذلك يفعلون”. (التبليغ، ص 50-51)
“من ذا الذي يستطيع أن يحيط بمدى الأضرار التي لحقت بالإسلام على يد هؤلاء القوم، ومقدار ما وأدوا الحق والعدل. لم يكن لهذه الفتن جميعها من أثر يُذكر قبل القرن الثالث عشر الهجري، ولكن ما أن انتصف هذا القرن ونَيِّف.. إلا وخرجت هذه الطغمة الدجالية فجأة، وأخذت في التقدّم حتى بلغ عدد المتنصرين في أواخر هذا القرن في الهند وحدها نصف مليون نسمة، على حد قول القسيس “هيكر”. وقُدّر عدد الذين ينضمون إلى المسيحية فينادون العبد العاجز إلها بمائة ألف نسمة خلال كل اثني عشر عاما.
ولا يخفى على العارفين، أن جماعة كبيرة من المسلمين، أو بتعبير آخر، فئة من صعاليك الإسلام من ذوي البطون الجائعة، والأجسام العارية، استحوذ عليهم القساوسة بما لوّحوا لهم بالرغيف والثوب. ومن لم يطمع في رغيفهم افتتنوه بالنساء. ومن لم يقع في شَرَكهم بهذه الطريقة أيضا نشروا للكيد بهم فلسفة الإلحاد واللادينية التي وقع فريستها اليوم ألوف من الناشئة من أبناء المسلمين، ممن يسخرون من الصلاة، ويستهزئون بالصوم، ويرون الوحي والإلهام أضغاث أحلام. أما من قصر باعه عن دراسة الفلسفة الإنجليزية.. فقد ألّفوا ونشروا لتضليله القصص الكثيرة الملفقة، التي نسجها القساوسة بكل سهولة، والتي هجوا فيها الإسلام بأسلوب روائي أو تاريخي. كما ألّفوا ما لا يُحصى من الكتب للطعن في الإسلام ولتكذيب سيدنا ومولانا ونبينا ﷺ، ووزعوها في كثير من أنحاء العالم مجّانا، ونقلوا أكثرها إلى لغات عديدة، وقاموا بنشرها. راجِعوا في صدد ذلك الحاشية على الصفحة 46 من كتابي “فتح الإسلام”، تجدوا أنهم ألّفوا ووزعوا مجانا ما يربو على سبعين مليونا من الكتب لنشر أفكارهم المليئة بتلبيساتهم خلال إحدى وعشرين سنة، وذلك لكي يرتدّ عن الإسلام أهله، ويؤمنوا بالمسيح إلها.
فالله أكبر! إن لم يكن هؤلاء في نظر قومنا الدجّال في الدرجة الأولى.. وإن لم تكن ثمة حاجة إلى مسيح صادق لرد مكائدهم، فماذا عسى أن يكون مآل هؤلاء القوم يا تُرى؟” (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية مجلد 3 ص 364-356)
“وبكل سرعة تقلّد هؤلاء (أي الدعاة المسيحيون) مناصب الأطباء أيضا، ليُغْوُوا المرضى البؤساء على الأقل عن طريق المعالجة. يشترون الكميات الكبيرة من الغلال ليوزعوها مجانا على المعوزين عند القحط والمجاعة، ويبشروهم بدينهم أيضا مستغلين هذه الفرصة. وقد شوهد في كثير من الأماكن أن القساوسة يفتحون أبواب الصدقة على مصاريعها يوم الأحد، فيجتمع حولهم كثير من المساكين، فيقومون بوعظهم أيضا قدر الإمكان قبل أن يوزعوا عليهم النقود. وإن الكثير من الراهبات المبشرات يزرن البيوت صباح مساء بانتظام، ويقمن بتعليم بنات الأشراف فنون الخياطة والتطريز وغيرها، متأبطات في نفس الوقت خناجر الإغواء والتضليل التي يستعملنها عند سنوح الفرص. فكم من فتيات شريفات من أسر مسلمة عريقة كالسادات والشيخية والمغولية والأمراء والسراة، دخلن في الديانة المسيحية بسعي هؤلاء الراهبات. وكم من محجبات شريفات ما رأين طوال عمرهن وجه رجل أجنبي، أصبحن بإغوائهن يمرحن الآن في الأسواق واضعين أيديهن في أيدي غير المحارم من الرجال، ولا يأنفن إذا قبّلهن الأجنبي باسم الحب الطاهر. كنّ لم يسمعن حتى اسم الخمر سابقًا ولكنهن أصبحن الآن يعاقرن الخمر الخبيثة ليل نهار…. كما أن ألوفا من اليتامى من أبناء المسلمين قد أصبحوا اليوم من ألد أعداء الإسلام بعد أن وقعوا في قبضتهم، وتعلموا تلبيساتهم. أرأيتم هل يُتَصَوّر طريق من طرق الفتنة تركوه، أو هل من كيد لم يعملوا به لمحو الإسلام والقضاء عليه؟” (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية مجلد 3 ص 367-368)
قتلُ الدجال ببابِ لُدّ
“وقَلّب كل التقليب أمور الإسلام، وأكل كثيرا من وُلْدِ المِلّة، كما أنتم تنظرون يا ذوي الفطنة. وعاث في الأرض يمينا وشمالا، وأشاع فسادًا وضلالا، وبلغ ديننا إلى التهلكة، ثم ظهر المسيح على رأس ألف البدر، ونزل من الله بالحربة، فجعل يستقريه ويطلبه كما يطلب الصيد في الأجمة، وسيلقيه على باب اللد ويقطع كل لَدَدٍ بواحد من الضربة. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 339-341)
“أول بلدة بايعني الناس فيها اسمها لُدهيانه، وهي أوّل أرض قامت الأشرار فيها للإهانة، فلما كانت بيعة المخلصين حربةً لقتل الدجّال اللعين، بإشاعة الحق المبين، أُشِيرَ في الحديث أن المسيح يقتل الدجّال على باب اللد بالضربة الواحدة، فاللّد ملخّص من لفظ “لدهيانه” كما لا يخفى على ذوي الفطنة”. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 341 الحاشية)
وكنت أرى الإسلام مثل حديقةٍ مُبَعَّـدَة من عـينِ ماءٍ ينضِّرُ
فما زلتُ أسقيها وأسقي بلادها من المزن حتى عاد حِبْرٌ مُدَعْثرُ
وجاشت إليَّ النفس من فتنة العدا فأنزل ربي حربةً لا تُكَـسَّرُ
فأصبحت أستقري الرجالَ رجالهم لأُفحمَ قوما جـابرين وأُنْذِرُ
وقد كان باب اللُّدِّ مركز حربهم كلامٌ مُضلّ لا حسامٌ مُشَهَّرُ
فوافيْت مجْمع لُدِّهِم وقتلتُهم بضربٍ ولم أكْسَلْ ولَم أتحسّرُ
وإني أنا الموعود والقائم الذي به تُمْلأنَّ الأرض عدلا وتُثمرُ
(إعجاز أحمدي، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 172)
الحمدلله رب العالمين على البعثة الثانية للإسلام