يقول حضرة المسيح الموعود ؏:
لمعرفة المرتبة العظيمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم لا بد من القول إن مراتب القرب والحب منقسمة إلى ثلاثة مراتب من حيث درجاتها الروحانية:
الدرجة الأولى والأدنى – وهي أيضا كبيرة في الحقيقة – هي أن تُسخَّن نار حب الله لوح قلب الإنسان، وقد تُسخّنه لدرجة أنه يمكن أن تصدر من المتأثر بعض الأعمال الخاصة بالنار، ومع ذلك يمكن أن تبقى فيه نقطة الضعف فلا ينشأ فيه بريق النار. فالحرارة التي تتولد في الروح عند نزول جذوة حب الله على الحب البالغ هذا المبلغ؛ تسمى السكينة والاطمئنان أحيانا، أو الملاك أحيانا أخرى.
المرتبة الثانية للحب هي تلك التي بينتها آنفا، أي حين يجتمع كلا النوعين من الحب، وتُسخِّن نار حب الله لوح قلب الإنسان بحيث يتولد فيه نوع من البريق على غرار النار. ولكن لا ترافق هذا البريق قوة على الاشتعال أو الإلتهاب، وإنما هو بريق محض؛ ويسمى روح القدس.
المرتبة الثالثة للحب هي أن تقع الجذوة المشتعلة لحب الله على فتيل حب الإنسان القابل للإشتعال وتُشعله، فيستولي حب الله على كيان الإنسان وكل ذرة من ذراته، ويجعله مُظهرا أتم وأكمل له سبحانه وتعالى، وفي هذه الحالة لا تَهِبُ نار حب الله لوح قلب الإنسان بريقا فحسب، بل يشتعل وجوده كله على إثر هذا البريق، وتنوِّر ألسنة النار ولهيبها الجو المحيط بها كوضح النهار دون أن يبقى للظلام أي أثر، بل ويصبح الوجود كله نارا تماما مع جميع صفاتها الكاملة. وهذه الحالة التي تتولد بصورة النار المشتعلة نتيجة وصال النوعين من الحب تسمى “الروح الأمين”، لأنها توفر الأمن من كل ظلمة، وهي بريئة من كل شائبة، وتسمى “شديد القوى” أيضا، لأن تلك القوة العظيمة هي الوحي الذي لا يتصور وحي أقوى منه، وتسمى “ذا الأفق الأعلى” أيضا. ذلك لأنه التجلي الأعظم لوحي الله تعالى الذي يسمى باسم : “رأى ما رأى” أيضا، لأن تقدير هذه الحالة يفوق تصور المخلوقات وأفكارهم جميعا. وهذه المرتبة قد حظي بها شخص واحد في الدنيا، أي الإنسان الكامل صلى الله عليه وسلم الذي اكتملت عليه سلسلة البشرية كلها، وبلغت حلقة القدرات البشرية فيه أوج كمالها. والحق أنه صلى الله عليه وسلم هو النقطة الأخيرة في الجانب الأعلى لسلسلة خلق الله، والمنتهى لكافة مراتب الارتقاء. إن حكمة الله تعالى بدأت سلسلة الخلق من الأدنى والأسفل على الإطلاق، وأوصلتها إلى النقطة الأعلى على الإطلاق، والتي تُسمى بتعبير آخر “محمدًا صلى الله عليه وسلم”، أي الذي حُمّد كثيرا؛ أي هو مظهر الكمالات التامة. فكما حظي ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بالمكانة الأعلى والأرفع فطرة، كذلك وهبت له المرتبة الأعلى والأرفع خارجيا من الوحى أيضا، وحظي بالمرتبة الأعلى والأرفع من الحب أيضا. هذه هي المرتبة العليا التي لم يصلها المسيح عليه السلام ولا أستطيع أنا الوصول إليها، وتسمى: مقام الجمع ومقام الوحدة التامة. إن الأنبياء السابقين الذين بشروا بمجيء النبيِ صلى الله عليه وسلم قد فعلوا ذلك بناء على هذه العلامة، وأشاروا إلى هذه المرتبة. فكما يمكن – على سبيل الاستعارة – إطلاق مقام البنوة على مرتبتي أنا ومرتبة المسيح عليه السلام، كذلك إن مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم هي من العلو والرفعة بحيث أن الأنبياء السابقين قد ذكروا – على سبيل الاستعارة – ظهور صاحب هذه المرتبة على أنه ظهور الله، وعدّوا مجيئه مجيء الله.
(من كتاب: توضيح المرام)
صدق ورب الارباب فى شرحه وسمو طالعه عليه الف صلاة وسلام النبى الاعجمى بلسان عربى مبين المهدى المسعود والمسيح الموعود