“وأما معراج رسولنا ﷺ فكان أمرا إعجازيا من عالم اليقظة الروحانية اللطيفة الكاملة، فقد عرج رسول الله ﷺ بجسمه إلى السماء وهو يقظان لا شك فيه ولا ريب، ولكن مع ذلك ما فُقد جسمه من السرير كما شهد عليه بعض أزواجه – رضي الله عنهن- وكذلك كثير من الصحابة. فأنت تعلم وتفهم أن قصة المعراج شيء آخر لا يضاهيه قصةُ صعود عيسى – عليه السلام – إلى السماء، وإن كنت تشك فيه فارجع إلى البخاري، وما أظن أن تبقى بعده من المرتابين.” (حمامة البشرى، ص 65)
“ثم إن آية الإسراء تدل على نُكتة وجَب ذكرُها للأصدقاء ليزدادوا عِلمًا ويقينا، وإن خير الأموال العلم واليقين، وهو أن الإسراء من حيث الزمان كان واجبًا كوجوب الإسراء من حيث المكان، ليتمّ سيرُ نبيِّنا زمانا ومكانا، وليكمُلَ أمرُ معراج خاتم النبيين. ولا شك أن أقصى الزمان للمعراج الزماني هو زمان المسيح الموعود، وهو زمان كمال البركات ويقبله كل مؤمن من غير الجحود، ولا شك أن مسجد المسيح الموعود هو أقصى المساجد من حيث الزمان من المسجد الحرام، وقد مُلِئَ مِن كل جنب بركةً ونورًا كالبدر التام، ليكمُل به دائرة الدين، فإن الإسلام بُدِئَ كالهلال من المسجد الحرام، ثم صار قمرًا تامًّا عند بلوغه إلى المسجد الأقصى، ولذلك ظهر المسيح في عِدّة البدر إشارةً إلى هذا المقام.
ثم هنا دليل آخر على وجوب الإسراء الزماني من الأمر الربّاني وهو أن الله تعالى قد أشار في قوله: (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) إلى أن جماعة المسيح الموعود عند الله من الصحابة مِن غير فرق في التسمية، ولا يتحقق هذه المرتبة لهم من غير أن يكون النبي ﷺ بينهم بقوته القدسية والإفاضة الروحانية كما كان في الصحابة، أعني بواسطة المسيح الموعود الذي هو مظهرٌ له أو كالحُلّة. فقد ثبت من هذا النصّ الصريح من الصحف المطهّرة أن معراج نبيّنا كما كان مكانيًّا كذلك كان زمانيًّا، ولا يُنكره إلا الذي فقد بصره وصار من العمين. ولا شك ولا ريب أن المعراج الزماني كان واجبًا تحقيقًا لمفهوم هذه الآية، ولو لم يكن لبطُل مفهومها كما لا يخفى على أهل الفكر والدراية، فثبت من هذا أن المسيح الموعود مظهرٌ للحقيقة المحمّدية، ونازل في الحُلل الجلالية، فلذلك عُدَّ ظهوره عند الله ظهورَ نبيّه المصطفى، وعُدَّ زمانه منتهى المعراج الزماني للرسول المجتبى، ومنتهى تَجلِّي روحانيةِ سيدِنا خير الورى، وكان هذا وعدًا مؤكّدًا من رب العالمين.
ولما كان المسيح الموعود لوجود نبيّنا كالمرآة ومُتمِّمَ أمره بإشاعة البركات وإظهار الإسلام على الأديان كلها بالآيات، شكَر النبيُّ ﷺ سعيه كشكر الآباء للأبناء، وأوصى ليُقرَأَ سلامُه عليه إشارةً إلى السلامة والعلاء. “(الخطبة الإلهامية)