يقول المسيح الموعود ؏:
“وما ألّفتُ هذه الكتب إلا لأكباد أرض العرب، وكان أعظم مراداتي أن تشيع كتبي في تلك الأماكن المقدسة والبلاد المباركة، فرأيت أن شيوع الكتب في تلك البلاد فرعٌ لوجود رجل صالح يُشيعها، وأيقنت أن شهرة كتبي وانتشارها في صلحاء العرب أمر مستحيل من غير أن يجعل الله من لدنه ناصرا منهم ومن إخوانهم. فكنت أرفع أكُفَّ الضراعة والابتهال لتحصيل هذه المُنْية، وتحقيق هذه البُغْية، حتى أُجيبتْ دعوتي، وأُعطيتْ لي بُغْيتي، وقاد إليَّ فضل الله رجلا ذا علم وفهم ومناسبة ومن علماء العرب ومن الصالحين. ووجدته طيّب الأعراق كريم الأخلاق، مطهّر الفطرة لَوْذَعِيًّا ألْمَعِيًّا ومن المتقين. فابتهجتُ بلقائه الذي كان مرادي ومدعائي، وحسبتُه باكورةَ دعائي، وتفاءلت به بخير يأتي وفضل يحمي، وازدهاني الفرح وصرت يومئذ من المستبشرين، فهنّيتُ نفسي هنالك وشكرتُ الله وقلتُ الحمد لك يا رب العالمين. وتفصيل ذلك أن شابًّا صالحا وَسِمًا جاءني من بلاد الشام، أعني من طرابلس، وقاده الحكيم العليم إليَّ ولبث عندي إلى سبعة أشهر، أعني إلى هذا الوقت، فتوسّمتُ فيه الخير والرشد، ووجدت في مِيْسَمه أنوار الصلاح، ورأيت فيه سِمة الصالحين. ثم أمعنتُ في حاله وقاله وتفحصت مِن ظاهره وباطن أحواله بنور أُعطيَ لي وإلهام قُذف في قلبي، فآنستُ حسن تقاته ورزانة حصاته، ووجدتُه رجلا صالحا تقيّا راكلا على جذبات النفس وطارِدَها ومن المرتاضين. ثم أعطاه الله حظًّا من معرفتي فدخل في المبايعين. وقد انفتح عليه باب عجيب من معارفنا وألّف كتابا وسمّاه: “إيقاظ الناس” (لتحميل الكتاب نرجو الضغط هنا)، وهو دليل واضح على سعة علمه، وحجة منيرة على إصابة رأيه، ويكفي لكل مُمار في مضمار… ولما فرغ من تأليف كتابه حمله إخلاصه على أن يكون مُبلِّغَ معارفنا إلى علماء وطنه، ويخبر فيهم عن أخبارنا، ويكون مناديا ويطلق نداءً في كل ناحية، ويُشيع الكتب ليتضح الأمر على أهل تلك البلاد، وهذا هو المراد الذي كنا ندعو له في الليل والنهار. وأرى أنه رجل صادق القول والوعد، يتّقي الفضول في الكلام، ولا يرتع اللسان في كل مرتع بإطلاق الزمام. ولقد أدخل الله حُبَّنا في قلبه، فيحبّنا ونحبّه، وكلّ ما وعد هذا الرجل وتكلّمَ فأتيقّنُ أنه هو أهله، وسينجز كما وعد، وأرجو أن يجعله الله سببا لريع بذرنا، وسوغ حلبنا، وهو أحسن المسبّبين. ورأيتُ أنه رجل مرتاض صابر لا يشكو ولا يفزع، ورأيت مرارا أنه يقنع على أدنى المأكولات والملبوسات، ولو لم يكن لحاف فلا يطلبه، بل يدفع البرد من التضحي واصطلاء الجمر، ولا يسأل تعفّفًا. ووجدتُ فيه آثار الخشوع والحلم والإنابة ورقّة القلب، والله أعلم وهو حسيبه. وما قلت إلا ما رأيت……
واعلموا أيها الإخوان أن أمر إشاعة الكتب في ديار العرب وتبليغ معارف كتبنا إليهم ليس بشيء هيّن، بل أمر ذو بال لا يُتمّه إلا من هو أهله، فإن هذه المسائل الغامضة التي كُفِّرْنا وكُذِّبْنا لها لا شك أنها تصعُب على علماء العرب كما صعبتْ على علماء هذه الديار، لا سيما على أهل البوادي الذين لا يعلمون دقائق الحقيقة، ولا يتدبّرون حق التدبّر، أنظارهم سطحية وقلوبهم مستعجلة، إلا قليل منهم الذين أنار الله فطرتهم وهم من النادرين. فلأجل تلك المشكلات التي سمعتم.. اقتضت المصلحة الدينية أن نتخيّر لهذا الأمر عالِمًا مذكورا الذي اسمه محمد سعيدي النشار الحميدي الشامي. ولا شك أن وجوده لهذا المهمّ من المغتنمات، ومجيئه عندنا مِن فضل قاضي الحاجات، وهو خيرٌ قلبًا ونِعْمَ الرجل، مع أن الضرورة قد اشتدت، فلعل الله يصلح أمرنا على يديه، وهو بهذا التقريب يصل وطنه وينجو من تكاليف السفر العنيف، ويتخلّص من مُفارقة المألف والأليف، وتُؤجَرون عليه من الله الرحيم اللطيف. وما قلتُ إلا لله وما أنا إلا ناصح أمين“. (نور الحق، ص 12-15)
“هذا ما أردت أن أقص عليك قليلا من شمائل أحبائي، وما هذا إلا فضل ربي ورحمته. إنه كان بي حَفِيًّا مذ كنتُ صغيرا ومُذ أيفَعتُ، وتولاني وكفلني في كل أمري. وكذلك صرَف إليَّ نفرًا من العرب العرباء، فبايَعوني بالصدق والصفاء. ورأيت فيهم نور الإخلاص، وسمة الصدق، وحقيقة جامعة لأنواع السعادة، وكانوا متصفين بحسن المعرفة، بل بعضهم كانوا فائضين في العلم والأدب، وفي القوم من المشهورين. وألّف بعضهم رسالة[1] في تصديقي وتأييدي، ورَدَّ على الذين كانوا من المنكرين. ورأيت أنهم يميلون إليَّ بالتودد والتحبب ولا يُشابهون بعض علماء الهند، ولا يُصرّون على الإنكار بعدما فهموا، فهذا هو السبب الذي حملني على تأليف بعض الرسائل العربية، وحثًّني على دعوة تلك الشرفاء والمسعودين“. (حمامة البشرى، ص 21-22)
[1] تلك الرسالة المسماة “إيقاظ الناس” ألّفها حبي في الله أول المبايعين إخلاصا وصدقا من بلاد الشام.. السيد العالم التقي.. محمد سعيدي الطرابلسي الشامي النشّار الحميداني، وقد ألحقتُها بمكتوبي هذا لينتفع بها كل فهيم من الناظرين. منه