يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
“أسماء هذا المجدد ثلاثة وذكرها في الأحاديث الصحيحة صريح: حَكَمٌ ومهدي ومسيح. أما الحَكَم فبما رُوِيَ أنه يخرج في زمن اختلاف الأمّة، فيحكُم بينهم بقوله الفصل والأدلة القاطعة. وعند زمن ظهوره لا توجد عقيدة إلاّ وفيها أقوال، فيختار القول الحق منها ويترك ما هو باطل وضلال. وأمّا المهدي فبما رُوِي أنه لا يأخذ العلم من العلماء، ويُهدى من لدن ربه كما كان سُنّة الله بنبيّه محمد خير الأنبياء، فإنه هُدِي وعُلِّم من حضرة الكبرياء، وما كان له معلِّم آخر من غير الله ذي العزّة والعلاء. وأمّا المسيح فبما رُوِي أنه لا يستعمل للدّين سيوفا مُشهَّرة ولا أسنّةً مُذرَّبة. بل يكون مداره على مسح بركات السماء، وتكون حربته أنواع التضرّعات والدعاء“. (نجم الهدى، الخزائن الروحانية مجلد 14 ص 90-92)
“وأما المهدي الموعود الذي هو إمام آخر الزمان، ومنتظَرُ الظهور عند هَبِّ سموم الطغيان، فاعلمْ أن تحت لفظ المهدي إشاراتٍ لطيفةً إلى زمان الضلالة لنوع الإنسان، وكأنّ الله أشار بلفظ المهدي المخصوص بالهداية إلى زمان لا تبقى فيه أنوار الإيمان، وتسقط القلوب على الدنيا الدنيّة ويتركون سبل الرحمن، وتأتي على الناس زمان الشرك والفسق والإباحة والافتتان، ولا تبقى بركة في سلاسل الإفادات والاستفادات، ويأخذ الناس يتحركون إلى الارتدادات والجهلات، ويزيد مرض الجهل والتعامي، مع شوقهم في سير المعامي والموامي، ويُعرضون عن الرشاد والسداد، ويركنون إلى الفسق والفساد، وتطير جراد الشقاوة على أشجار نوع الإنسان، فلا تبقى ثمر ولا لدونة الأغصان. وترى أن الزمان من الصلاح قد خلا، والإيمان والعمل أجفلا، وطريق الرشد عُلِّق بثريّا السماء. فيذكر الله مواعيده القديمة عند نزول الضرّاء، ويرى ضعفَ الدين ظاهرًا من كل الأنحاء، فيتوجّه ليُطفئ نار الفتنة الصمّاء، فيخلق رجلا كخلق آدم بِيدَي الجلال والجمال، وينفخ فيه روح الهداية على وجه الكمال. فتارة يُسمّيه عيسى بما خلقه كخلق ابن مريم لإتمام الحجة على النصارى، وتارة يدعوه باسم مهدي أمين بما هو هُدِيَ من ربه للمسلمين الضالين، وأُخرجَ للمحجوبين منهم ليقودهم إلى رب العالمين. هذا هو الحق الذي فيه تمترون، والله يعلم وأنتم لا تعلمون“. (سر الخلافة، ص 59)
“إن عيسى بن مريم ما قاتلَ وما أمر بالقتال، فكذلك المسيح الموعود فإنه على نموذجه من الله ذي الجلال. والسرّ فيه أن الله أراد أن يرسل خاتمَ خلفاء بني إسرائيل وخاتمَ خلفاء الإسلام، مِن غير السنان والحُسام، ليزيل شبهاتٍ نشَأت من قبلُ في طبائع العوام، وليعلم الناسُ أن إشاعة الدين بأمر الله لا بضرب الأعناق وقتل الأقوام. ثم لما كان اليهودُ في وقت عيسى والمسلمون في وقت المسيح الموعود قد خرج أكثرُهم من التقوى وعصوا أحكام الرب الودود، فكان بعيدًا من الحكمة الإلهية أن يقتل الكافرين لهذه الفاسقين. فتدبَّرْ حق التدبّر ولا تكن من الغافلين“. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 282 الحاشية)
“إن كان كثير من الأخيار والأبرار قد نالوا حظًّا من مماثلة أنبياء بني إسرائيل بشكل خفي، ولكن مسيح هذه الأمة قد بُعِث مقابل المسيح الإسرائيلي علنًا بأمر من الله وإذنه، لتُفهم المماثلةُ بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية. ومن أجل ذلك شُبِّه هذا المسيح بابن مريم من كل الوجوه لدرجة أن ابن مريم هذا قد تعرض لما تعرض له ابن مريم الإسرائيلي من ابتلاءات. فأولا كما وُلد عيسى ابن مريم بمحض نفخ الله، كذلك وُلد هذا المسيح أيضًا بمحض نفخ الله من داخل مريم حسب وعْد سورة التحريم. وكما أثيرت ضجة كبيرة عند ولادة عيسى ابن مريم وقال الأعداء العميان لمريم ]لقد جئتِ شيئًا فَرِيًّا[، كذلك قيل هنا -في شأني- أيضًا وأثيرت ضجة القيامة، وكما أن الله قد أجاب المخالفين في عيسى عند وضع مريم الإسرائيلية له بقوله ]ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرًا مقضيّا[، ردّ الله تعالى المخالفين بالنسبة إليّ حين الوضع الروحاني الذي كان من قبيل الاستعارة، وقال: إنكم لا تقدرون على إفنائه بمكائدكم، سأجعله للناس آية الرحمة وكان ذلك مقدرًا منذ الأزل. ثم كما أفتى مشايخ اليهود بتكفير عيسى ؏، وأعدّ هذا الاستفتاء يهوديٌ كبير شرير وأفتى به الآخرون الكبار حتى صادَق على تكفير عيسى ؏ مئات من كبار العلماء من بيت المقدس الذين كان معظمهم من أهل الحديث، فهذا تمامًا ما جرى معي. وكما كان حضرته –بعد ذلك التكفير الذي صدر ضده- قد أوذي إيذاءً شديدًا، وسُبّ سبابًا غليظاً، وأُلِّفَتْ في هجائه وشتمه مؤلَّفات، فهكذا تمامًا حصل معي؛ فكأن المسيح نفسه وُلِد ثانيًا، وكأنّ أولئك اليهود أنفسهم وُلِدوا من جديد بعد ألف وثمانمئة عام. ولا ريب أن هذا هو المعنى المراد من نبوءة “غير المغضوب عليهم” الذي كشفه الله سبحانه وتعالى عليَّ من قبلُ. ولكن هؤلاء الناس تركوا ذيل الصبر حتى صاروا المغضوبَ عليهم كاليهود. ولقد وضع الله بيده حجرًا من هذه المماثلة إذ بعثني مسيحًا للإسلام على رأس القرن الرابع عشر تمامًا كما كان المسيح ابن مريم بُعِث على رأس القرن الرابع عشر من بعد موسى، ذلك ليُريكم من أجلي آياته القاهرة ولا يقدر على مقاومتها أحد مخالفيَّ من المسلمين أو اليهود أو النصارى أو غيرهم، فأَنّى لإنسانٍ عاجز حقير أن يجابه الله؟ إن هذا لهو الحجر الأساس الذي هو من عند الله. فكل من توخّى تحطيمه لن يستطيعه، ولكن من سقط عليه هذا الحجر فسوف يحطّمه تحطيمًا لأنّ الحجرَ حجرُ الله واليدَ يدُ الله. وأما الحجر الثاني فصنعه أعدائي ووضعوه قُبالتي إذ قاموا بتصرفات ضدي مثلما قام به اليهود في ذاك الزمن من تصرفات، حتى نُسجت لهلاكي قضية دمٍ أيضًا كان الله قد نبّأني بها من قبل. وإن القضية التي أُقيمت ضدّي كانت أشدّ من قضية حضرة عيسى ابن مريم، وذلك لأن القضية التي رفعت ضد حضرة عيسى كانت مبنية على اختلاف ديني بحت، ولم يكن ذلك أمرًا ذا بالٍ في نظر الحاكم، ولكن القضية التي أُقيمت ضدّي كانت ادّعاء لمحاولة القتل. وكما أن مشايخ اليهود قد أدلوا بشهادة في قضية المسيح ضده، كان لا بدّ أن يشهد في هذه القضية أيضًا بعض من المشايخ ضدي، فاختار الله لهذا العمل المولوي محمد حسين البطالوي، فجاءَ مرتديًا جبة فضفاضة لإدلاء الشهادة، وحضر المحكمةَ كما حضرها رئيسُ الكهَنة كشاهد متوخّيًا صَلب المسيح. ولم يكن الفرق إلا أنّ رئيس الكهنة كان قد أُعطي كرسيًا في محكمة بيلاطس لأن أفاضل اليهود كانوا يُعطَون الكرسيَّ في عهد الدولة الرومانية وكان بعضُهم قضاةَ شرفٍ أيضًا. فلذلك نال رئيسُ الكهنة ذلك كرسيًا طبقًا لقواعد المحكمة ووقَف المسيح هنالك ماثلاً بين يدي مجلس الحكم كمجرم. وأما قضيتي فكان أمرها على عكس ذلك تمامًا، أي أن القبطان دوغلاس –الذي كان في منصة المحكمة مكانَ بيلاطس- أعطاني كرسيًا على عكس آمال الأعداء، وإن بيلاطس هذا قد ظهر خلوقًا أكثر من بيلاطس في زمن المسيح ابن مريم. لأنه بقي –طوالَ المحاكمة- مراعيًا للعدل في أمر المحكمة بكل شجاعة واستقامة وما أَبِهَ مطلقًا للشفاعات الواردة من الجهات العليا حتى لم تُحدِث فيه النـزعة القومية والدينية أي تغيير، بل على عكس ذلك قد قدم بتمسكه بمقتضيات العدل أسوةً رائعة لدرجة لو عُدَّ شخصُه فخرًا للقوم وقدوة للحكام فلا مبالغة فيه. إن القيام بقضاء عادل لأمر بالغ الصعوبة، ولا يستطيع الإنسان أن يؤدي واجبه حق التأدية ما لم يجلس على كرسي المحكمة منقطعًا عن جميع العلائق“. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 52- 55)
“وكذلك أُشير إلى المسيح الموعود في الكتاب الكريم.. أعني في سورة التحريم، وهو قوله تعالى: ]وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا[، ولا شك أن المراد من الروح ههنا عيسى ابن مريم. فحاصل الآية أن الله وعد أنه يجعل أخشى الناس من هذه الأمّة مسيح ابن مريم وينفخ فيه روحه بطريق البروز، فهذا وعد من الله في صورة المثل لأتقى الناس من المسلمين. فانظر كيف سمَّى الله بعض أفراد هذه الأمّة عيسى بن مريم ولا تكن من الجاهلين“. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 283 الحاشية)
“المسيح الموعود الذي يأتي من بعد خاتم الأنبياء هو محمد ﷺ من حيث المضاهاة التامة، ورفقاؤه كالصحابة، وأنه هو عيسى الموعود لهذه الأمّة، وعدًا من الله ذي العزّة في سورة التحريم والنور والفاتحة.. قولَ الحق الذي فيه يمترون. ما كان لنبي أن يأتي بعد خاتم الأنبياء إلا الذي جُعل وارثَه مِن أُمّته، وأُعطيَ مِن اسمه وهويّته، ويعلمه العالمون. فذلك مسيحكم الذي تنظرون إليه ولا تعرفونه، وإلى السماء أعينَكم ترفعون. أتظنّون أن يردّ الله عيسى ابن مريم إلى الدنيا بعد موته وبعد خاتم النبيين؟ هيهات هيهات لما تظنون! وقد وعد الله أنه يُمسِك النفسَ التي قضى عليها الموت، والله لا يخلف وعده ولكنكم قوم تجهلون. أتزعمون أنه يُرسِل عيسى إلى الدنيا، ويوحي إليه إلى أربعين سنة، ويجعله خاتم الأنبياء وينسى قوله: ]وَلَكِنْ رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[؟ سبحانه وتعالى عما تصِفون! إنْ تتّبعون إلا ألفاظا لا تعلمون حقيقتها، ولو رددتموها إلى حَكَمٍ من الله الذي أُرسلَ إليكم لكان خيرا لكم إن كنتم تعلمون“. (الخطبة الإلهامية، الخزائن الروحانية مجلد 16 ص 311-312)
“أقدم الآن أمام القراء الكرام حديثا أورده أبو داود في سننه، كما أوجّهُ أنظارهم إلى من ينطبق عليه هذا الحديث. فليكن واضحًا أن النبأ الذي قد ورد في سنن أبي داود إنما هو: يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النهْرِ (أي من سمرقند)، يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ أو الحَراثُ يُمَكّنُ لآلِ مُحَمدٍ، وَجَبَ عَلَى كُل مُؤْمِنٍ نَصْرُهُ. وقد انكشف علي من خلال الوحي أن هذه النبوءة والنبوءةَ عن ظهور المسيح الذي سيكون إمام المسلمين ويكون منهم، لهما نبوءتان متّحدتان في المعنى، ومصداقهما هو هذا العبد المتواضع. والنبوءة التي تذكر اسم المسيح لها علامتان خاصتان فقط، أُولاهما أنه عندما يأتي المسيح ستكون الحالة الداخلية للمسلمين سيئة للغاية، فيصلحها بتعاليمه الصحيحة، ويزيل إفلاسهم الروحاني وضعفهم الباطني، ويقدم لهم لآلئ العلوم والمعارف والحقائق، حتى يسأم الناس من أخذ هذه الثروة، ولن يبقى بينهم أحد من طلاب الحق مفلسًا وفقيرًا روحانيًا، بل سيُعطى المتعطشون للصدق والحق غذاء طيبا وفيرًا من الصدق، ويُسقون شرابًا عذبًا من المعرفة، وستُملأ حجورهم بلآلئ العلوم الحقة، وسيعطَون زجاجات عطر مليئة بجوهر القرآن الكريم ولُبه.
والعلامة البارزة الثانية هي أن ذلك المسيح الموعود عندما يظهر سيكسر الصليب، ويقتل الخنازير، ويقضي على الأعور الدجال، ومَن وصلتْ إليه ريح نفسه من الكفار مات على الفور. فالمراد الحقيقي الروحاني من هذه العلامة هو أن المسيح حين يأتي إلى الدنيا سيدوس عظمة الدين الصليبي تحت قدميه، وسيقضي، بأسلحة أدلته القاطعة، على الذين هم دَيُّوثُون كالخنازير، ووقِحون كوقاحتها، ويأكلون النجاسة مثلها، وسيبيِّن، بالأدلّة البيّنة القاطعة، جريمة الذين عندهم عين الدنيا فقط، وليس عندهم عين الدين أبدًا، بل ظهرت عندهم عين طافية بيضاء بدلا منها، فيقضي على إنكارهم وعنادهم. وسيَهلَك – روحانيا – بقوة براهين المسيحِ أولئك العورُ الذين ليست لديهم إلا عين واحدة، وليس هؤلاء فحسب، بل سيهلك أيضًا كل كافر ينظر إلى دين المصطفى ﷺ باستخفاف واحتقار.
قصارى القول، إن كل هذه العبارات قد وردت على سبيل الاستعارة والمجاز، وقد كُشف معناها بكل وضوح على هذا العبد المتواضع. فليفهمها من أراد، وكونوا على يقين أن الناس كلهم سيرجعون إليها بعد انتظار مدة من الزمن، يائسين من آمالهم التي لا أساس لها“. (إزالة أوهام، الخزائن الروحانية المجلد 3 ص141-143 الحاشية)
“إن الحديث الشريف “لا المهْدِي إلا عيسى” الوارد في سنن “ابن ماجة”، وأيضًا في كتاب المستدرك للحاكم عن محمد بن خالد الجندي عن إبان بن صالح عن حسن البصري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؓ عن رَسُول اللهِ ﷺ – إنما يعني أنه لن يأتي أي مهدي إلا الذي سيكون على طبيعة عيسى ؏ وخصاله وطريقه، أي ليس المسيح الموعود ولا الإمام المهدي إلا الذي سيظهر على صفة عيسى ؏ وطبيعته وطريق تعليمه.. بمعنى أنه لن يقاوم السيئة بمثلها ولن يحارب، بل ينشر الهداية بقدوة حسنة وبآيات سماوية. وهذا ما يدعمه حديث آخر أورده الإمام البخاري في صحيحه ونصه: “يَضَعُ الْحَرْبَ”.. أي أن المهدي، الذي يُدعى المسيح الموعود أيضًا، سوف يُنهي الحروب الدينية قطعًا، وسيأمر الناس ألا يقاتلوا لأجل الدين، بل عليهم أن ينشروا الدين بأنوار الصدق ومعجزات الأخلاق وآيات التقرب إلى الله تعالى. فالحق والحق أقول إن الذي يقاتل لأجل الدين الآن، أو يؤيد المقاتل، أو يدعو إلى ذلك سرا أو علانية، أو يتمنى ذلك في قلبه، فإنه يعصي الله ورسوله، وقد خرج عن وصاياهما وحدودهما وفرائضهما“. (حقيقة المهدي، الخزائن الروحانية مجلد 14 ص 431– 432)