“وهناك آية أخرى في القرآن الكريم في شأن المسيح ؏ هي قوله تعالى: ]وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقرَّبين[.. أي أن المسيح سينال الشرفَ والوجاهة العظيمة في أعين الناس في حياته، وكذلك في الآخرة. ومن الواضح أن المسيح لم يَنل أيّ كرامة أو شرف في مُلك هيرودُس وبيلاطس، بل قد أُهين غاية الإهانة. وأما الظن بأنه سيعود إلى هذه الدنيا ثانيةً ليُحرز العزّ والمجد فما هو إلا وَهْمٌ لا أساس له، كما هو مخالفٌ لمقصد الكتب الإلهية؛ وليس ذلك فحسب، بل يُنافي أيضًا سننَ الله الطبيعية القديمة منافاةً شديدة؛ كما أنه زعمٌ لا يدعمه دليل.
وأما الأمر الواقع الحق فهو أن المسيح ؏ بعد النجاة من أيدي أشقياء اليهود شرّف أرضَ “بنجاب” بمجيئه إليها، ووهب له اللهُ في هذا البلد إكرامًا عظيمًا، وأعثره على القبائل الإسرائيلية العشر الضالة هناك. ويبدو أن معظم بني إسرائيل بعد هجرتهم إلى هذه البلاد دخلوا في البوذية، ووقع بعضهم في أَحَطِّ أنواع الوثنية؛ غير أن أكثرهم رجعوا إلى الصراط المستقيم بعد مجيء المسيح إلى هذه البلاد. وبما أن تعاليم المسيح ؏ كانت تتضمّن الوصية بالإيمان بالنبي المقبل (ﷺ)، لذا فأَسلمتْ في نهاية المطاف جميعُ هذه القبائل التي دُعيت في هذه البلاد بالأفغان والكشميريين“. (المسيح الناصري في الهند، ص 55-56)
“وقد أخبرنا التاريخ الصحيح الثابت أن عيسى ما مات على الصليب، وهذا أمر قد وُجِد مثله قبله وليس من الأعاجيب، وشهدت الأناجيل كلها أن الحواريين رأوه بعدما خرج من القبر وقصد الوطن والإخوان، ومشوا معه إلى سبعين فرسخا وباتوا معه وأكلوا معه اللحم والرغفان. فيا حسرة عليك إن كنتَ بعد ذلك تطلب البرهان. أتظن أنَّ سُلَّمَ السماء ما كان إلا على سبعين ميلا من مقام الصليب؟ فاضطر عيسى إلى أن يفرّ ويبلّغ نفسه إلى سُلّمها العجيب؟ بل فرّ مهاجرا على سُنّة الأنبياء، خوفا من الأعداء، وكان يخاف استقصاء خبره، واستبانة سرّه، فلذلك اختار طريقا منكرًا مجهولا عسير المعرفة، الذي كان بين القرى السامرية. فإن اليهود كانوا يُعافونها ولا يمشون عليها من العيافة والنفرة، فانظر في صورة سبل موامي اقتحمها على قدم الخيفة، وإنّا سنرسم صورتها ههنا لتزداد في البصيرة، ولتعلم أن صعود عيسى إلى السماء تُهمة عليه ومن أشنع الفرية. أكان في السماء قبيلة من بني إسرائيل فدلف إليهم لإتمام الحجّة؟ ولما لم يكن الأمر كذلك فأي ضرورة نقل أقدامه إلى السماء؟ وما العذر عنده إنه لِمَ لم يُبلّغ دعوته إلى قومه المنتشرين في البلاد والمحتاجين إلى الاهتداء؟” (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 365-366)
“يقولون إن الله يحطّ عيسى من مقامه، ويُكدّر صفو أيّامه، ويُعيده إلى دار المحن من غير اجترامه، وما هذا إلاّ بهتان، وما عندهم عليها من برهان. بل توفّاه الله وأدخله في الجِنان، كما ذكره القرآن، وقبره قريب من هذه البلدان. وإن طلبتم المزيد من البيان، فتعالوا أقص عليكم قصته الثابتة عند المسلمين وأهل الصلبان، وليس هي من مُسلّمات فرقة دون الأخرى، بل أمرٌ اتفق عليه كل من كان من أولي النهى، وما كان حديثا يُفترى. وإنّا رأيناها بنظر أقصى، وما زاغ البصر وما طغى، وثبت بثبوت قطعيّ أن عيسى هاجر إلى مُلك كشمير، بعدما نجّاه الله من الصليب بفضل كبير[الحاشية 1]، ولبث فيه إلى مدّة طويلة حتى مات، ولحق الأموات. وقبره موجود إلى الآن في بلدة سرينغر (Serinagar) التي هي من أعظم أمصار هذه الخطّة، وانعقد عليه إجماع سكان تلك الناحية، وتواتر على لسان أهلها أنه قبر نبي كان ابن ملكٍ وكان من بني إسرائيل، وكان اسمه “يوزآسف” فليسألهم من يطلب الدليل. واشتهر بين عامّتهم أن اسمه الأصلي “عيسى صاحب” وكان من الأنبياء. وهاجر إلى كشمير في زمان مضى عليه من نحو 1900 سنة، واتفقوا على هذه الأنباء بل عندهم كتب قديمة توجد فيها هذه القصص في العربية والفارسية. ومنها كتاب سُمّي “إكمال الدين” وكتب أخرى كثيرة الشهرة. وقد رأيت في كتب المسيحيين أنهم يزعمون أن يوزآسف كان تلميذا من تلامذة المسيح، وقد كتبوا هذا الأمر بالتصريح. وعمّروا بيعة على اسمه في بعض بلدانهم، ولا شكّ أن زعم كونه تلميذا باطل بالبداهة، فإن أحدًا من تلامذة عيسى ما كان ابن ملك وما سمع منهم دعوى النبوّة. ثم مع ذلك كان يوزآسف سَمّى كتابه الإنجيل، وما كان صاحب الإنجيل إلاّ عيسى، فخذ ما حصحص من الحق واترك الأقاويل. وإن كنتَ تطلب التفصيل، فاقرأ كتابا سُمّي بإكمال الدين، تجد فيه كل ما تُسكّن الغليل. ثم هو من مؤيّدات هذا القول أن كثيرا من مدائن كشمير سُمّي بأسماء المدن القديمة.. أعني مُدُنًا كانت في أرض بعث المسيح وما لحقها من القرى القريبة. كحمص، وجلجات، وأسكرد، وغيرها التي تركناها خوف الإطالة. وهذا المقام ليس كمقام تمرّ عليه كغافلين، بل هو المنبع للحقيقة المخفيّة التي سُمّيت النصارى لها “الضالين”. ولقد سمّاهم الله بهذا الاسم في سورة الفاتحة، ليشير إلى هذه الضلالة، وليشير إلى عقيدة حياة المسيح أمّ ضلالاتهم كمثل أمّ الكتاب من الصحف المطهّرة. فإنهم لو لم يرفعوه إلى السماء بجسمه العنصري لما جعلوه من الآلهة، وما كان لهم أن يرجعوا للتوحيد من غير أن يرجعوا من هذه العقيدة. فكشف الله هذه العقدة رُحمًا على هذه الأمّة، وأثبت بثبوت بيّن واضح أن عيسى ما صُلب، وما رُفع إلى السماء، وما كان رفعه أمرًا جديدا مخصوصا به بل كان رفع الروح فقط كمثل رفع إخوانه من الأنبياء“. (الهدى والتبصرة لمن يرى، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص 360-361)
“ثم مات ودُفن في أرض قريبة من هذه الأقطار، وقبره موجود في سِرِينَكَرْ الكشمير إلى هذا الزمان، ومشهور بين العوام والخواص والأعيان، ويُزار ويُتبرّك به، فاسأل أهلها العارفين إن كنتَ من المرتابين“. (حقيقة المهدي، باقة من بستان المهدي، ص 178)
[1] الحاشية: قد رأينا قريبا من ألف مجلّدات من الكتب الطبّية فوجدنا فيها نسخة مباركة يُسمّى مرهم عيسى عند هذه الفرقة، وثبت بشهادات أطبّاء الروميين واليونانيين واليهود والنصارى وغيرهم من الحاذقين، أن هذه النسخة من تركيب الحواريين. وكتب كلهم في كتبهم أنها صُنعت لجراحات عيسى، وكذلك كُتب في قانون الشيخ أبي علي سينا، فانظروا يأ أولي النهى.. هذا هو الذي رُفع إلى السماوات العُلى! منه