يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام:
“ما أجمل هذا التعليم الذي يضع أساس التصالح في العالم ويهدف أن يجعل من الأمم كلها أمة واحدة، وهو: اذكروا صلحاء أقوام أخرى بالاحترام والتبجيل. ومن لا يعرف أن أساس العدواة القاسية هو تحقير الأنبياء والرسل الذين آمن بهم عشرات ملايين الناس من كل قوم. فالذي يسيء إلى نبي أو يؤيد المسيء أو يصادقه ثم يريد أن يتصالح مع القوم الذي يفدي ذلك النبي قلبا وقالبا، إنما هو سفيه وغبي لدرجة لا نظير له في العالم في السفاهة والغباوة. إن الذي يشتم أبا أحد ثم يريد أن يرضى به الابن أنّى له ذلك؟ والذين يؤكدون بلسانهم على التصالح مع قوم عليهم أن يقوموا بأعمال الصلح على صعيد الواقع أيضا.
فيا مواطني الأعزاء، فكّروا في كلامي ولا تهملوه هكذا، وما دمنا نسكن في بلد واحد علينا أن نحب بعضنا حتى نكون أعضاء لبعضنا. ولكن اعلموا مع ذلك أنه إذا كان الحب مبنيا على النفاق فهو ليس حبا بل هو بذرة سامة وستحمل ثمارا فتاكة بعد حين. الصلح خير كله، ولكن بذاءة اللسان والصلح لا يجتمعان في مكان واحد قط. فيا أصحابي، هل أنتم مستعدون أم لا لأن نقبل، لوضع أساس الصلح، مبدأ طيبا أنه كما نعدُّ نحن رجال دينكم وأنبياءكم – الذين آمن بهم عشرات ملايين الناس من قومكم ويُذكَرون بالاحترام والتقدير – صادقين بصدق القلب كذلك آمِنوا أنتم أيضا بصدق القلب بشهادتين أنه: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” لتشتركوا في خطوة خطوناها نحو الوحدة والصلح وترفعوا من هذا البلد الفُرقة التي تأكلها رويدا رويدا.
لا نطالبكم بشيء لم نساهم فيه أولا، ولا نريد منكم أن تفعلوا شيئا لم نفعله نحن. يكفي لإقامة الصلح الصادق وإزالة الضغائن أن تؤمنوا بصدق نبينا الأكرم – صلى الله عليه وسلم – كما نعتبر رجال دينكم وأنبياءكم صادقين. وعليكم أن تعلنوا إقراركم هذا مثلنا. غير أننا مضطرون لعدم العمل بمعتقداتكم الرائجة حاليا لأن الله تعالى قد أخبرنا أن الكتب السابقة لم تعد قائمة على صدقها. كذلك إن الفُرقة الدينية السائدة فيما بينكم أيضا تحول دون ذلك لأن هناك مئات الفِرق ذوات الآراء المختلفة وكلها تنسب نفسها إلى الفيدا. فكم من تلك المعتقدات عسانا أن نصدّقه؟ تعلمون جيدا أن اتّباع المعتقدات المتناقضة مستحيل على الإنسان لأن كل فرقة ستشده إلى نفسها، ولا جدوى من الدخول في هذا العراك لأن حُكم الله الأخير، وهو القرآن الكريم قد أغنانا عن اتّباع الأحكام الأخرى. وبالفعل لا نريد منكم من أجل التصالح معكم إلا أن تصدقوا القرآن الكريم إجمالا، ولو تقدَّم على ذلك رجل سعيد منكم بعد ذلك فهو فضل الله.
فباختصار، قد جئناكم حاملين مبدأ أن تشهدوا أنه كما قبلنا، بحسب المبدأ المذكور آنفا، صلحاءكم أنهم كانوا من الله تعالى، فنتوقع من طبيعتكم الميالة إلى الصلح أن تؤمنوا أنتم أيضا أي يجب أن تقرّوا فقط أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رسول الله الصادق. والدليل الذي قدمناه لكم إنما هو برهان بيِّن وواضح. وإن لم يتم الصلح بهذه الطريقة فاعلموا أنه لن يتم أبدا بل ستزداد الضغائن يوما إثر يوم.”
من کتاب ينبوع المعرفة