تحقق نبوءات المسيح الموعود عليه السلام ح11

السبيل المختصر في إثبات تحقق نبوءات المهدي المنتظر

تلخيص الحلقة:

لقد أقرّ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم معيارا واضحا لمعرفة صدق النبي أو مدّعي النبوة من كذبه، وبناء على هذا المعيار بإمكاننا بسهولة إثبات صدق المسيح الموعود عليه السلام، وصدق وحيه ونبوءاته دون تكلّف عناء البحث في تفاصيلها.

إن هذا المعيار منبثق من الآيات القرآنية:{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (45) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (46) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (47) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (48)} (الحاقة 45-48)؛ وهو يقرّ بأن مدّعي النبوة الكاذب لا بدّ أن يهلكه الله في هذه الدنيا خلال مدّة لا تزيد عن المدة التي مُنحها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوته، وهي مدة 23 عاما. وبما أن المسيح الموعود عليه السلام قد مُنح مدة تزيد عنها لتبليغ دعوته وادعائه بأنه نبيّ يوحَى إليه دون أن يهلكه الله، فإن هذا من أكبر الدلائل على صدقه وصدق دعواه وصدق وحيه ونبوءاته وتحققها.

الحلقة:

نبوءات المسيح الموعود عليه السلام في ميزان القرآن الكريم..

قبل متابعة الحديث عن إثبات تحقق نبوءات المسيح الموعود عليه السلام والدخول في تفاصيلها وتفسيرها وتأويلها، بإمكاننا أن نختصر هذا الطريق كله وأن نثبت صدق المسيح الموعود عليه السلام وصدق الوحي والنبوءات التي تلقاها من الله تعالى، دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث في هذه التفاصيل الدقيقة مثلما يحب المماحكون والمعارضون فعله؛ فقد أقر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم معيارا واضحا لمعرفة صدق النبي أو مدّعي النبوة من كذبه، وبناء على هذا المعيار بإمكاننا بسهولة إثبات صدق المسيح الموعود عليه السلام، وصدق وحيه ونبوءاته دون تكلف عناء البحث في التفاصيل.

فما هو هذا المعيار القرآني وهل كان وحي المسيح الموعود عليه السلام من الله تعالى أم لا، وفق هذا المعيار؟

حين أعلن النبي صلى الله عليه وسلم نبوته أنكرت قريش دعواه وقالوا إن وحيه صلى الله عليه وسلم ليس من عند الله تعالى، وإن هذا ليس كلام الله بل هو قول شاعر أو كاهن، فردَّ الله وقال إن وحي محمد هو تنزيل من رب العالمين. (الحاقة:44) وتأكيدا على أن هذا الوحي هو تنزيل من رب العالمين قال الله تعالى:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (45) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (46) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (47) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (48) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} (الحاقة 45-49)

أي أن ما جاء النبيَّ صلى الله عليه وسلم من الوحي منذ دعواه إلى نزول هذه الآيات قد قدمه الله هنا دليلا على أنه من الله تعالى، لو أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد تقوله وافتراه من عند نفسه ولم يكن وحيا من رب العالمين لما أمهله الله تعالى لتبليغه إلى هذه المدة التي حظي بها النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول سيدنا عمر رضي الله عنه عن نزول هذه الآيات: إنها كانت قد نزلت قبل إسلامي، وذات مرة خطر ببالي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعبد الله في فِناء بيت الله بالليل، فلأقتلنه هناك. فاختبأت هناك في ظلام الليل حتى جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ يصلي النوافل، فهممتُ أن أهاجمه ثم فكّرت لأسمع ماذا يقول، فكان صلى الله عليه وسلم يتلو في صلاة التهجد هذه الآيات من سورة الحاقة، فجُعلتُ أعجب منها حتى تخليتُ عن فكرة قتله صلى الله عليه وسلم. (مسند أحمد، ج1 ص108-109، مسند عمر بن الخطاب حديث رقم 107، نُشر في عالم الكتب بيروت لبنان في 1998، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز جزء 5 ص356 تفسير سورة الحاقة، نُشر دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2001م)

لقد أسلم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العام السادس من البعثة، وهذا يعني أن هذه الآيات كانت قد نزلت إلى ذلك الحين. وهذه المدة التي هي عبارة عن خمس أو ست سنوات قدمها الله سبحانه وتعالى دليلا على صدق دعوى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ادعى النبي صلى الله عليه وسلم النبوة في الأربعين من عمره وتوفي في الثالث وستين من عمره، وهذا يعني أنه أُعطي 23 عاما لتبليغ وحي النبوة ودعواه.

ويقدم المسيح الموعود عليه السلام هذا الأمر نفسه دليلا على صدقه ويقول: إذا كان قد أعطاني الله تعالى بعد دعواي للوحي الحياة والمهلة التي أعطاها للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن أن أكون كاذبا؟

يقول بعض المعارضين إن هذه الآيات تتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، فلو كان هو ادّعى كذبًا وافتراء على الله لأهلكه حتما، لكن لا تقول هذه الآيات بأن أي شخص يدّعي النبوة كذبا سيهلكه الله تعالى. ويقول المسيح الموعود عليه السلام ردا على هذا الاعتراض:

هذه الآية نزلت في النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكن مفهومها عام. فمن أسلوب القرآن الكريم عمومًا أنه يخاطب النبي – صلى الله عليه وسلم – في معظم الأوامر والنواهي، وهي موجهة إلى الآخرين أيضا، أو تكون موجَّهة إلى غيره فقط لا إليه صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} •؛ فالخطاب هنا موجه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكنه موجه في الحقيقة إلى الأمة، لأن والدي النبي – صلى الله عليه وسلم – قد ماتا في صغره. فالحق أن في ذلك سرًّا، وهو أن كل عاقل يستطيع أن يفهم من الآية أنه إذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أُمر أن يُكرم والديه ويقول لهما قولا كريما، فكم بالحري بالآخرين أن يكرموا آباءهم! ….

أعود إلى صلب الكلام وأقول إن ما قاله – عز وجل – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنه لو تقوّل علينا لأهلكناه، فهذا لا يعني أن الله تعالى يُبدي غيرته على هذا النحو في حالة النبي – صلى الله عليه وسلم – فقط؛ بمعنى أنه لو كان مفتريا لأهلكه ولا تثور غيرة الله على الآخرين مهما افتروا ومهما لفّقوا إلهامات كاذبة ونسبوها إلى الله تعالى. هذه الفكرة كما هي سخيفة للغاية كذلك تتنافى مع كتب الله، إذ لا زالت في التوراة تلك الفقرة التي تقول إن الذي يفتري على الله أو يدّعي النبوة كذبا سيهلَك حتما. إضافة إلى ذلك لقد ظل علماء الإسلام يقدمون منذ القِدم آية: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} أمام اليهود والنصارى دليلا على صدق النبي – صلى الله عليه وسلم -. والمعلوم أن الأمر لا يقدَّم دليلا ما لم يفد العموم. وأي دليل في القول إنه لو افترى النبي – صلى الله عليه وسلم – لأُهلِكَ وفسد كل عمله، أما إذا افترى غيره فلا يغضب الله عليه بل يحبه ويُمهله أكثر من النبي – صلى الله عليه وسلم – وينصره ويؤيده. هذا لا يمكن أن يسمّى دليلا، بل إنما هو ادعاء محض يحتاج إلى دليل في حد ذاته.

يتابع المسيح الموعود بقوله:

الأسف كل الأسف أنهم قد وصلوا في عداوتي إلى درجة يشنون فيها هجمات على آيات صدق النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا. إنهم يعلمون أنه قد مضى على إعلاني بتلقي الإلهام والوحي أكثر من 25 عاما وهي مدة أطول من مدة بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – أيضا التي طالت 23 عاما، أما مدتي فهي نحو 30 عاما. والله أعلم إلى متى ستمتد أيام دعوتي. لذا يقول هؤلاء الناس -مع تسميتهم أنفسهم مشايخ- إن مفتريا على الله ومدعيا الإلهامَ كذِبًا من الله يمكن أن يعيش إلى ثلاثين عاما بدءًا من إعلانه بتلقي الإلهام، ويمكن أن يؤيده الله وينصره أيضا، ولكن لا يأتون له بنظير.” (حقيقة الوحي ص204-206)، الطبعة الأولى، الخزائن الرواحانية، جزء 22 ص213-215)

ويقول عليه السلام في موضع آخر عن هذا الاعتراض نفسه:

ففوزُ الكاذب بـ 23 عاما يشكِّل دليلا على أن كل واحد يمكن أن ينال هذه المهلة بعد افترائه، فكيف يصحّ الاستدلال بآية {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} (1) وأي براهين تؤكد أنه لو كان النبي – صلى الله عليه وسلم – مفتريا على الله لهلك خلال 23 عاما بينما إذا افترى غيرُه فيمكن أن يعيش أكثر من 23 عاما ولا يُهلكُهم الله – سبحانه وتعالى -، فمثَل ذلك كمثل قول صاحبِ محلٍ: لو خنتُ في التجارة شيئا أو بعتُ بضاعةً رديئة أو كذبتُ أو بخستُ لأصابتْني الصاعقةُ فورا فاطمئنّوا بمعاملتي ولا تشكّوا أبدا أني يمكن أن أعطيكم شيئا رديئا أو أبخسكم أشياءكم أو أكذب بل ينبغي أن تشتروا من محلي بعَين مغمضة دون أن تفحصوا شيئا. فهل سوف يقتنع الناس من هذا القول السخيف ويعتبرونه دليلا على صدقه؟ كلا، والعياذ بالله لا يمكن أن يُعتبَر مثلُ هذا القول دليلا على صدق صاحب المحل ذلك. بل إنه نوع من خداع الناس وإغفالُهم وإنما يمكن اعتبارُه صوابا في حالتين أولاهما (1) أن يكون قد حدث بضع مرات أمام الناس أنه قد كذب عن مبيعاته أو بخَس الناسَ أشياءَهم أو قام بخيانة أخرى فأخذتْه الصاعقةُ فورا وجعلتْه شبه ميت وتكرَّر حادثُ الكذب أو البخس أو الخيانة عدة مرات وتكرَّر وقوعُ الصاعقة حتى تكون القلوبُ قد أيقنت أنه يتعرض لحادثة حلول الصاعقة عند الخيانة والكذب. ففي هذه الحالة يمكن الاستدلالُ بهذا القول لأن كثيرا من الناس شهدوا نزول الصاعقة عليه عند الكذب. (2) والثاني أن تكون هذه الظاهرةُ شائعةً في عامة الناس حيث يكون معروفا في الناس أنه كلما كذب أيُ صاحب محل بخصوص مبيعاته أو بخس الناس أو قام بخيانة من نوع آخر أو باع شيئا رديئا أخذتْه الصاعقة. ففي ضوء هذا المثال لا يجد كل منصف بدا من الإيمان بأن صدور كلمة {وَلَوْ تَقَوَّلَ} من فم الله العليم الحكيم أيضا لا يصحّ ولا يُستخدم كبرهان ساطع إلا إذا تحقق فيه أمران:

أولا أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – قد كذب والعياذ بالله وعاقبَه الله – سبحانه وتعالى – على ذلك بحيث يكون مشهورا ومعروفا في الناس كالأشياء المادية المحسوسة أنه إذا افترى على الله فسوف يتعرض لعقوبة كما تعرَّض في المناسبات المختلفة في الماضي، لكن هذا الاستدلال مستحيل بحق النبي المقدس – صلى الله عليه وسلم -، بل حتى التصور والتفكير في مثل هذا الاحتمال كفرٌ. (2) والحالة الثانية للاستدلال أن يكون من سنة الله المعروفة أنه كلما افترى أحد عليه كذبا لم يُمهلْه طويلا بل قد أهلكه عاجلا، فهذا الاستدلال الأخير يصح هنا حصرا، وإلا فإن جملة {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} تُعتبَر مجرد خداع على شاكلة تصريح صاحب المحل السخيف عند المعترض والعياذ بالله. وإن الذين يُكرمون كلام الله لن يقبل ضميرهم أبدا أن تكون جملة {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} سخيفةٌ ومهملة لا دليل عليه. والبديهي أن قول الله – سبحانه وتعالى – هذا للمعارضين الذين لا يؤمنون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يَعتبرون القرآنَ الكريم كلامَ الله، سيعدّ مجردَ سُخف وأقلَّ من تعليل الأطفال، فمتى وكيف يمكن أن يقتنع المنكرون والمعاندون بهذا القول بل سيعتبرونه ادعاءً بلا ثبوت؛ وهذا بيّن وجليّ. فكم من السُخف قولُ المرء: إذا ارتكبتُ ذنبا فلانيا هلكتُ حتى لو كان الملايين من الناس لا يَهلكون على ارتكابهم الذنبَ نفسه يوميا، وما أسخفه من عذر قوله: إن الله يعفو عن سائر المذنبين والمفترين وإنما هذا العقاب يخصني! ومما يثير العجب أكثر أن هذا القائل لا يستشهد على قوله بتجربته السابقة المعروفة في الناس أنه كلما ارتكب هذا الذنب عاقَبه الله حتما.

باختصار إن اعتبار كلام الله – الحكيم النازل في الدنيا لإتمام الحجة – سخيفا لهذا الحد إساءةٌ إلى كلام الله القدوس واستهزاءٌ به، فستجدون في مئات الآيات القرآنية أن الله – سبحانه وتعالى – لا يترك المفتري على الله سليما معافى أبدا، بل يعاقبُه في هذه الدنيا حصرا ويُهلكه. انظروا كيف يقول الله – سبحانه وتعالى – في القرآن الكريم {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} ويقول في آية آخرى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ} والواضح أن الذين كذّبوا كلام الله عند بعثة الأنبياء لم يتركهم – سبحانه وتعالى – أحياءَ بل قد أهلكهم بأسوأ العذاب. انظروا كيف كانت عاقبة قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وأعداء نبينا صلى الله عليه وسلم من أهل مكة. فإذا كان المكذِّبون نالوا عقابهم في هذه الدنيا، فأنى للمفتري على الله أن يسلم وينجو وقد ذُكر في الآية قبل المكذِّب، فهل يمكن أن تكون معاملةُ الله تجاه الصادقين والكاذبين على سواء، أفلم يبين الله أن المفتري على الله يواجه العقاب في هذا العالم {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون ) ثم يقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} أي أن المعتدين لن ينالوا النصر الإلهي سواء أكانوا مفترين أو مكذبين؛ فهل يمكن التصريح بأكثر من هذا؟ فقد قال الله سبحانه وتعالى مرارا في القرآن الكريم إن المفتري يَهلك في هذا العالم حصرا، بل إن أكبر دليل على صدق الأنبياء الصادقين والمبعوثين من الله أنهم يموتون بعد إنجاز مُهماتهم، وينالون الفرصة الكافية لنشر الدين، وأطول مهلة يمكن أن ينال الإنسان في هذه الحياة القصيرة 23 عاما لأن النبوة في معظم الحالات تبدأ في سنّ الأربعين وبعده إذا نال 23 عاما فهذه هي الفترة الرائعة للحياة. ولهذا أقول مرارا إن مدة نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – مقياس صحيح جدا لاختبار الصادقين، ومستحيل أن يعمَّر أيُّ مفترٍ على الله كذبا مدةً تماثل مدة نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم – أي 23 عاما. وفي هذا الخصوص قدم أحدُ أصدقائي بحسن النية حجة أن آية {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} تخص النبي صلى الله عليه وسلم وحده وكيف يمكن أن نستدل بها على أنه إذا افترى على الله أحدٌ آخر فسوف يهلِك؟ فرددتُ عليه قائلا إن الله قد قدم هذا القول كدليل عام، وأنه من دلائل صدق النبوة ولا يصدَّق قولُ الله تعالى إلا إذا هلك كل مفترٍ على الله كذبا، وإلا فلا يقيم هذا القولُ حجة على المنكر ولا يشكِّل أيَّ دليل له بل يمكن أن يقول المنكر إن سلامة النبي – صلى الله عليه وسلم – من الهلاك مدة 23 عاما لا يشكّل دليلا على صدقه، وإنما سلِم لأن الله – سبحانه وتعالى – لا يُهلك المفتري عليه في هذا العالم، لأنه لو كان الافتراء على الله ذنبا يترتب عليه العقابُ وكانت السنة الإلهية أنه يُهلك المفتري عليه في هذا العالم لوجب أن يكون هناك أناسٌ افترَوا على الله وسلِموا ولم يهلكوا. وأنتم تعترفون بأنه لا يوجد مثالٌ لهؤلاء المفترين بل على عكس ذلك هناك عدة أمثلة على عدم هلاك المفترين وعيشِهم مدة 23 عاما، فبمَ تردّون هذا الاعتراض؟” (أربعين، الخزائن الروحانية المجلد 17، ص: 431-435)

يقول الإمام الرازي في تفسيره لهذه الآية: وهذا ذكره على سبيل التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم ، فإنهم لا يمهلونه ، بل يضربون رقبته في الحال.

ثم يقول: وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يَشتبه الصادق بالكاذب.

وورد في تفسير روح البيان لإسماعيل حقي بن مصطفى في تفسير هذه الآية:

وفى الآية تنبيه على ان النبي عليه السلام لو قال من عند نفسه شيئا او زاد أو نقص حرفا واحدا على ما أوحى اليه لعاقبه الله وهو أكرم الناس عليه فما ظنك بغيره ممن قصد تغيير شىء من كتاب الله او قال شيأ من ذات نفسه…

أيها الإخوة الكرام: ما دام قد ثبت صدق ادعاء مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بتلقّي الوحي بحسب معيار وضعه القرآن الكريم فعلينا أن نتأمل في إلهاماته ونبوءاته بناء على هذا المعيار متخلين عن العناد والبُغض، فلا يبقى أي شك في هذه النبوءات بل هي حتما من الله تعالى، ولا شك في تحققها وأنها ستستمر بالتحقق وفق علم الله تعالى، فالنبوءات لا بدّ أن تؤخذ بالإجمال ولا بدّ من التركيز على وجهها الإعجازي الخارق للعادة ، أما التفاصيل الدقيقة عن كيفية تحققها ومتى وأين فهذه تفاصيل لا بدّ أن تفوّض إلى الله تعالى وعلمه.