الرد على شبهة فبركة حديث الحمار والفرس

المعترض:

يقول مؤسس جماعتكم:

“یقولُ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مفاده: إنَّ إدخال الحمار على أنثى الفرس دَجَلٌ، فالذي يُدخله هو دجال.” (بدر، العدد: 1907/3/28م ص 4)

نتحدى الأحمدیين أن یعثروا على مثل هذا الحدیث الذي لا أصل له.

● الرد:

الفرَس في العربية وعند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالذات هي أنثى الخيل، وهذا لا يختلف عَلَيهِ أحد ولكن عقلية الخصوم من طبيعتها الخصام في كل شيء والتلبيس حتى في البديهيات، ولذلك كان من الضروري تعريف هذه المسائل. يقول الإمام الزمخشري رحمه الله بأن سيدنا أبا هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول:

إنَّ رسولََ الله ﷺ كان يسمي الأنثى من الخيل فرساً.” (ربيع الأبرار، الزمخشري)

فما هي الأحاديث الشريفة حول إدخال الحمار على الفرس؟ ومن الذي يفعل ذلك؟

أوردَ الإمامُ الترمذيُّ في سننه الحديث التالي:

“حدثنا أبو كريب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا موسى ابن سالم أبو جهضم عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن ابن عباس قال: [كان رَّسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً مأمور ما اختصنا دون الناس بشئ إلا بثلاثة: أمرَنا أن نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا ننزي حماراً على فرَس.]. وفي الباب عن علي. هذا حديث حسن صحيح.” (سنن الترمذي، الترمذي، ج 3، ص 122، ح 1752، باب ما جاء في كراهية أن ينزى الحمر على الخيل)

وأوردَ الإمامُ الحافظُ ابْنُ حجرٍ العسقلاني ؒ في كتابه “المطالَب العالية” الذي جمع فيه مصنفه من المسانيد المختلفة:

قَالَ مُسَدَّدٌ‏:‏ حدَّثنا حَمَّاد بن زيد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب قال‏:‏ كتبَ عمر بن عبد العزيز‏:‏ أيما رجل من أهل الديوان أنزى حمارًا على عربيةٍ فانتقصْه من عطائه عشرة دنانير‏.” (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، ابن حجر العسقلاني، باب النهي عن إنزاء الحمار على الفرس العربية، ح 2013)

كذلك فَصَّلَ الإمامُ المباركفوري ؒ في تحفته حول حديث ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أعلاه كالتالي:

قال الطحاوي في شرح الآثار بعد رواية حديث ابن عباس المذكور في الباب، وحديث علي الذي أشار إليه الترمذي ما لفظه: ذهب قوم إلى هذا فكرهوا إنزاء الحمر على الخيل وحرموا ذلك ومنعوا منه واحتجوا بهذه الآثار، وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأساً وكان من الحجة لهم في ذلك أن ذلك لو كان مكروهاً لكان ركوب البغال مكروهاً؛ لأنه لولا رغبة الناس في البغال وركوبهم إياها لما أنزئت الحمر على الخيل. ألا ترى أنه لما نهى عن إخصاء بني آدم كره بذلك الخصيان لأن في اتخاذهم ما يحمل من تحضيضهم على إخصائهم؛ لأن الناس إذا تحاموا اتخاذهم لم يرغب أهل الفسق في إخصائهم، ثم ذكر بسنده عن العلاء بن عيسى الذهبي أنه قال: أتي عمر بن عبد العزيز بخصي فكره أن يبتاعه وقال: ما كنت لأعين على الإخصاء، فكل شيء في ترك كسبه ترك لبعض أهل المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه، فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال وركوبها دل ذلك على أن النهي الذي في الآثار الأول لم يرد به التحريم ولكنه أريد به معنى آخر، ثم ذكر أحاديث ركوبه صلى الله عليه وسلم على البغال ثم قال: فإن قال قائل: فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون. قيل له: قد قال أهل العلم في ذلك معناه أن الخيل قد جاء في ارتباطها واكتسابها وعلفها الأجر وليس ذلك في البغال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما ينزو فرس على فرس حتى يكون عنهما ما فيه الأجر، ويحمل حماراً على فرس فيكون عنهما بغل لا أجر فيه للذين لا يعلمون، أي لأنهم يتركون بذلك إنتاج ما في ارتباطه الأجر وينتجون ما لا أجر في ارتباطه، ثم ذكر أحاديث فضل ارتباط الخيل ثم قال: فإن قال قائل: فما معنى اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم بالنهي عن إنزاء الحمير على الخيل؟ قيل له: لما حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا أبو عمر الحوضي، قال: حدثنا المرجي هو ابن رجاء، قال حدثنا أبو جهضم، قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، قال: ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بثلاث: أن لا نأكل الصدقة، وأن نسبغ الوضوء، وأن لا ننزي حماراً على فرس، قال: فلقيت عبد الله بن الحسن وهو يطوف بالبيت فحدثته، فقال: صدق، كانت الخيل قليلة في بني هاشم فأحب أن تكثر فيهم، فبين عبد الله بن الحسن بتفسيره هذا المعنى الذي له اختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم أن لا تنزءوا الحمار على فرس، وأنه لم يكن للتحريم، وإنما كانت العلة قلة الخيل فيهم، فإذا ارتفعت تلك العلة وكثرت الخيل في أيديهم صاروا في ذلك كغيرهم. وفي اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بالنهي عند ذلك دليل على إباحته إياه لغيرهم. ولما كان صلى الله عليه وسلم قد جعل في ارتباط الخيل ما ذكرنا من الثواب والأجر وسئل عن ارتباط الحمير فلم يجعل في ارتباطها شيئاً والبغال التي هي خلاف الخيل مثلها كان من ترك أن تنتج ما في ارتباطه وكسبه ثواب وأنتج ما لا ثواب في ارتباطه وكسبه من الذين لا يعلمون. فلقد ثبت بما ذكرنا إباحة نتج البغال لبني هاشم وغيرهم، وإن كان إنتاج الخيل أفضل من ذلك، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين. انتهى كلام الطحاوي مختصرا.” (تحفة الأحوذي، المباركفوري ؒ، 5/288، ح 1701، باب جاء في كراهية أن تنزى الحمر على الخيل)

أي أن هنالك بالفعل أصلٌ لحديث النهي عن إدخال الحمار على الفرَس الذي ورَدَ في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ولكن لجهل المعترض اعتقدَ بأن الحديث لا أصل له وأن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قام بفبركته والعياذ بالله، والحقيقة هي أنَّ عِلم المعترضين مجموعين لا يقترب مثقال ذرة من عِلم مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.

صفة الدجال

ربما سيقول أحدٌ بأن مخالفة أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أنها هي الدجل بعينه ولكن الدجل ليس هو المخصص في الحديث بل تشمل المخالفة كل الصفات السيئة الأخرى، فلن نقول له بأن الدجال في الأحاديث هو أشد الفتن أي أنه الفتنة الشاملة للمساوئ كلها، بل سنقول أولاً لأن صفة الدجال في تفسير مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هي التنصير أي حملات النصارى لتنصير المسلمين، وفي ذلك أدلة مبسوطة ليست في هذا المقام، فقََدْ وصفَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث النهي عن إدخال الحمار على الفرس وصفَ هذه الفئة من النصارى بأنهم “الذين لا يعلمون” وهو قول الله تعالى:

﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ

حيث جاء في تفسير ابن كثير ؒ:

وقال مجاهدٌ في قوله {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية}، قال: النصارى تقولُه. وهو اختيار ابن جرير، قال: لأن السياق فيهم.” (تفسير أين كثير، سورة البقرة)

وثانياً لأن إدخال الحمار على الفرَس هو خلط بين صنفين مختلفين للخروج بناتج هجين غير أصيل ولأن الخلط هو الدجل في أمهات كتب اللغة العربية، حيث أجمعت العربُ على أن الدجل هو الخلط بين شيئين مختلفين للتمويه، إِذْ يقول الإمام القسطلاني رحمه الله:

وأصلُ الدجلِ معناه: الخلط، يقال: دجل إذا لبس وموّه.” (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، الإمام القسطلاني ؒ، ج 5، ص 414)

وفي قواميس اللغة تقول العرب:

الهَجِينُ: اللَّبنُ ليس بصريح ولا لِبَإ. ويقال: رجلٌ هجينٌ: لئيمٌ.” (معاجم اللغة)

فيثبت أن هذا الفعل أي إدخال الحمار على الفرَس هو الدجل كما قال المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام خاصة وأن حضرته يقول:

یقولُ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مفاده: إنَّ إدخال الحمار على أنثى الفرس دَجَلٌ، فالذي يُدخله هو دجال.” (المرجع الأول)

إذن ليس قصد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أن الحديث يوجد بلفظه بل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (في كذا حديث) ما معناه، أي ما يُفهَم منه بوضوح. وهذا بالفعل هو المفهوم كما أثبتنا أعلاه ولله الحمد والمنة، ولهذا كان كلام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عن معنى هذا الفعل، ولذا كان التخصيص هو الدجل، وليذهب المعترضون من خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى محو الأمية لتعلّم أسس علم الكلام والتفقه خاصة في الدين والأحاديث بفهم سلف الأمة.

وهكذا يتلألأ من جديد صِدق المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مع كل شبهة بفضل الله تبارك وتعالى وحده.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

مُسْلِم للّه

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد