تفسير سورة الفجر

تشير كل الدلائل إلى أن سورة الفجر قد نزلت في أوائل العهد المكي فيما يقارب السنة الرابعة للبعثة. وتشير السورة في أوائلها إلى الفجر وإلى عشر ليال ثم إلى الشفع والوتر ثم إلى انقضاء الليل والليل إذا يسر، ثم تنتقل لتذكر قصص بعض الأقوام التي عاندت الأنبياء وقاومتهم، ثم لتذكر المصير الذي آلوا إليه.

أحوال الأقوام السابقة

وقبل أن نشير إلى المقصود بالفجر والليالي العشر والشفع والوتر، ينبغي أن نتنبه إلى المضمون الذي تحتويه السورة وتحاول التأكيد عليه. إن السورة تذكر أولا عادا وثمود وقوم فرعون وتبين أنهم قد طغوا وبغوا بسبب ما امتلكوه من قوة وما حصلوا عليه من ازدهار دنيوي، مما حجب عنهم رؤية الحق واتِّباعه، فكانت النتيجة أنهم قد عذبوا عذابا أليما من الله تعالى الذي كان لهم بالمرصاد.

حال الإنسان

ثم تنتقل الآيات لذكر أن الإنسان غالبا لا يحسن التصرف فيما أنعم الله عليه من نعم. فإن زاد الله له في النعمة طغى وبغى ومنع نعمة الله عن عباده، وإن أعطاه بقدر ولم يوسع عليه النعمة تجده حانقا جزوعا متذمرا. ثم يبين الله تعالى أن الإنسان غالبا، سواء في غناه أو في فقره أو في ازدهاره أو انحداره، لا يكرم اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ويكون نهما تجاه ما يصل إليه من مال ويحب المال كثيرا. ولكن، لو بقيت حاله بهذه الطريقة فإنه سيقع تحت غضب الله تعالى وينال عقابه. وهذا العقاب قد يكون للإنسان بشكل مفرد كما للشعوب والأمم في أوقات معينة، كما أنه سيكون عقابا في الآخرة. وعندها سيندم على أنه لم يحسن التصرف في هذه الدنيا، ويتمنى لو أنه قد قدم لحياته الآخرة.

وفي نهاية السورة يذكر الله تعالى النفس المطمئنة، وهي الحالة النفسية التي يصل إليها المؤمنون الذين أحسنوا في هذه الحياة الدنيا وفي ظل تلك الظروف من الغنى والفقر

النفس المطمئنة

والازدهار والتراجع، وهذه النفس هي التي تكون هانئة في هذا الحياة، كما أنها ستدخل في رضوان الله تعالى في الآخرة.

وهكذا، فإن هذه السورة تحذر بشكل كبير من المسالك التي تورد الناس الهلاك. فمن لم يحسن قد يقع في الهلاك وتحت طائلة عذاب الله، سواء كان في غنى وازدهار أو في فقر وتراجع.

ما هو المقصود بـ “الفجر وليال عشر والشفع والوتر”؟

وبالعودة إلى أول السورة، وبفهم مضمونها، يصبح من السهل التعرف على ما تشير إليها التعابير الأولى وعلى رأسها الفجر. فالفجر يأتي بعد أن ينقضي الليل، والسورة تذكر عشر ليال ثم تذكر الشفع والوتر (أي الزوج والمفرد أو الاثنين والواحد). وبمعرفة تاريخ نزولها يمكن أن نفهم أنها قد تشير إلى سنوات البعثة التي كانت ثلاث عشرة سنة كان المسلمون يرزحون فيها تحت الظلم والاضطهاد، ثم بدأ بعدها الليل بالانقشاع شيئا فشيئا ليظهر فجر الهجرة الذي انقضت به سنوات الاضطهاد. كما قد نفهم من ذلك الإشارة إلى القرون الثلاثة الأولى من الإسلام (والشفع والوتر) التي كان فيها الإسلام في أوجه، ثم بدأ بالتراجع شيئا فشيئا مع بداية القرن الرابع. ثم بانقضاء القرون العشرة التي تعاظم فيها تراجع الإسلام حتى وصل إلى حالة مزرية بنهاية القرن الثالث عشر ظهر الفجر الذي يشير إلى بعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام الذي بدأ به الليل بالانقشاع شيئا فشيئا.

بشرى وتحذير

وهكذا فقد كانت السورة تتضمن بشرى للمسلمين في أوائل البعثة النبوية بأن الظلم سينقضي عنهم يوما وأن أعداءهم سيلاقون مصيرهم المحتوم، وهو مصير كل معاندي الأنبياء، كذلك تحذر السورة من إساءة التصرف الأن في الشدة كما بعد أن تستقر الأمور للمسلمين كي لا يعملوا بأعمال الطغاة الذين لم يحسنوا التعامل مع النعمة، وتحذر أيضا من إساءة التصرف في حالة التراجع والتقهقر أيضا في أي وقت من الأوقات، لأن إساءة التصرف في الحالين تورث عذاب الله في الدنيا والآخرة. كما تؤكد للمؤمنين على أهمية السعي للوصول إلى النفس المطمئنة التي ستدخل الإنسان في رضوان الله في ظل كل الظروف مهما كانت. وتبشر السورة المؤمنين في المستقبل بانقضاء زمن تراجع الإسلام وقدوم الإمام المهدي والمسيح الموعود، كما تؤكد على تحذيرهم من إساءة التصرف بعد هذه البعثة أيضا.

About الأستاذ تميم أبو دقة

من مواليد عمَّان، الأردن سنة 1968 بدأ بتعلَّم القرآن الكريم وحفظ بعض سوره وفي تعليمه الديني في سنٍّ مبكرة وبدأ بتعليم القرآن في المساجد في الثانية عشرة من عمره. انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1987 قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر وكان من أوائل الأحمديين العرب. يعمل في خدمة الجماعة في المكتب العربي المركزي وفي برامج القناة الإسلامية الأحمدية وفي خدمات التربية والتعليم لأفراد الجماعة وفي العديد من الأنشطة المركزية. أوفده الخليفة الخامس نصره الله تعالى ممثلا ومندوبا لحضرته إلى عدد من الدول، وكرَّمه الخليفة نصره الله بلقب “عالِم” في العديد من المناسبات. عضو مؤسس ومعدّ في فريق البرنامج الشهير “الحوار المباشر” الذي انطلق رسميا عام 2006 والذي دافع عن الإسلام ضد الهجمة المسيحية التي انطلقت على بعض القنوات في بداية الألفية وأخمدها، والذي أسهم في تعريف الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى العالم العربي، والذي يبث الآن مترجما ترجمة فورية إلى العديد من اللغات. وهذا البرنامج أصبح نموذجا للعديد من البرامج المشابهة في اللغات الأخرى. شارك ويشارك في العديد من البرامج الأخرى وخاصة المباشرة في اللغة العربية وفي بعض البرامج باللغة الإنجليزية. عضو هيئة التحرير لمجلة “ريفيو أوف ريلجنز” الإنجليزية العريقة التي بدأ إصدارها في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود عام 1902م.

View all posts by الأستاذ تميم أبو دقة

One Comment on “تفسير سورة الفجر – الفجر وليال عشر والشفع والوتر”

Comments are closed.