تكثر التفاسير التقليدية في إضفاء أجواء من الغرابة ومن ألف ليلة وليلة وقصص كليلة ودمنة على قصة سليمان عليه السلام في القرآن الكريم، وقد كان السبب في ذلك هو كره اليهود لسليمان عليه السلام وتكفيرهم له حتى ذكر هذا الأمر القرآن الكريم فقال مُدافعًا عنه (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) البقرة 102

ورغم دفاع القرآن الكريم عن داوود وإبنه عليهما السلام إلا أن اليهود أدخلوا في التراث الاسلامي الإسرائيليات الكثيرة بغية التشويش على الآيات التي أثبتت لهم الرفعة الروحانية حيث قال الله تعالى فيهم
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) النمل16

ولم يصرفوا الطير إلى المعنى الروحي الذي يفهمه أهل التصوف والعرفان وأهل المعرفة الآلهية بل قالوا إنه الطير المادي المعروف متغافلين عن الإتيان بجمع المذكر السالم في خطاب الطير وكل عربي يفهم لسان العرب يعلم بما لا يقبل الشك أن الخطاب بجمع المذكر السالم يختص به العقلاء فقط حيث قال الله تعالى عن الهدهد:
( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) سورة النمل 20
(قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) سورة النمل 27

بينما عندما تكلم عن الطير المادي لم يأتي الله تعالى إلا بصيغة المؤنث، حيث قال:
(أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) النحل79
وقوله تعالى:
(وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف 36

والان لنرجع الى قصة موت سليمان كما وردت في التفاسير التقليدية
وقوله: ( فَلَـمَّا خَرَّ تَبَـيَّنَتِ الـجِنّ) يقول عزّ وجلّ: فلـما خرّ سلـيـمان ساقطاً بـانكسار منسأته تبـيَّنت الـجنّ (أنْ لو كانوا يعلـمون الغَيْبَ) الذي يدّعون علـمه (ما لَبِثُوا فِـي العَذَابِ الـمُهِينِ) الـمذلّ حولاً كاملاً بعد موت سلـيـمان، وهم يحسبون أن سلـيـمان حيّ. – تفسير الطبري

أما في الكشاف للزمخشري فقد ورد الآتي:
فإذا سليمان قد خرّ ميتاً، ففتحوا عنه فإذا العصا قد أكلتها الأرضة، فأرادوا أن يعرفوا وقت موته، فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت منها في يوم وليلة مقداراً، فحسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات منذ سنة، وكانوا يعملون بين يديه ويحسبونه حياً، فأيقن الناس أنهم لو علموا الغيب لما لبثوا في العذاب سنة
وهناك قصص أخرى مماثلة في التفاسير غير متزنة للأسف، ويُنسب فيها خطأً إلى سيدنا سليمان عليه السلام الأنانية والتعالي. فذكر في تفسير قوله تعالى
(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ص 35
بأنه بعد أن أسترجع ملكه الذي كان مخزونًا في خاتمه من بائعة سمك دعى الله تعالى ألا يسلب ملكه أو يملك أحدا من بعده من الخلق كملكه
حيث ورد في تفسير بن كثير في تفسير هذه الآية الآتي: ( قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأَحَدٍ مِّن بَعْدِىۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ)  قال بعضهم معناه: لا ينبغي لأحد من بعدي، أي: لا يصلح لأحد أن يسلبنيه بعدي؛ كما كان من قضية الجسد الذي ألقي على كرسيه، لا أنه يحجر على من بعده من الناس. والصحيح أنه سأل من الله تعالى ملكاً لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله.

نجد أن هذا التأويل يتنافى مع عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

ولنأتي بذلك الى التفسير الملائم مع مكانة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وعصمتهم وتواضعهم وإيثارهم.
يقول الحق سبحانه وتعالى في ذكر علو اليهود:
(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) الإسراء 4
(فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً) الإسراء 5
(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) الإسراء 6
وكما معروف قد أصاب اليهود دمارين شاملين بعد العلوين المذكورين تحقيقًا واستجابة لدعاء داوود وعيسى عليهما السلام حيث قال الله تعالى في كتابه الكريم:
(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ) المائدة 78

وتحقق اللعن بأن دمر الله جهود اليهود على يد نبوخذ نصر وتيطس الروماني
وبعد أن لعن داوود اليهود عليه السلام بسبب كفرهم بالله وبرسالاته ومناصبة داوود العداء حتى اتهموه بالزنا والفسق والكفر، حكم سليمان عليه السلام وقد نال من اليهود ما نال من أذى وتنكيل، وبعد أن ذكرت التوراة مناقب سليمان عليه السلام ومعرفته للرب في بدايات حكمه بدأت تتكلم عن كفره وإنصراف قلبه إلى غير الله تعالى حيث ورد في سفر الملوك الأول:
“وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ، فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ.
وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ.
فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلهَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ.
وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَامًا كَدَاوُدَ أَبِيهِ.”

وبعد تكفير اليهود له وتآمرهم عليه حل غضب الله تعالى عليهم وخرب ملكهم في عهد إبنه حيث تورد التوراة الوعيد الالهي لهم بصورة محرفة:
“وَأَوْصَاهُ فِي هذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبعَ آلِهَةً أُخْرَى، فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقًا وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ.
إِلاَّ إِنِّي لاَ أَفْعَلُ ذلِكَ فِي أَيَّامِكَ، مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ أَبِيكَ، بَلْ مِنْ يَدِ ابْنِكَ أُمَزِّقُهَا.”

وهذه الآيات تعطي لنا إشارات في تفسير قوله تعالى:
(قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ص 35

وهي أن الله تعالى غضب على اليهود وقرر تدمير ملكهم في عهد إبن سليمان عليه السلام
حيث ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) ص34

فكان هذا الولد هو الجسد وهو دابة الأرض حيث قال:
(فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) سبأ 14
وقد كان ابن سليمان بالفعل هو الدابة وقد وصف الله تعالى الكفار بالدواب فقال:
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) الأنفال 22

وهذا ما يعطينا رؤية لفهم الحديث الوارد في صحيح البخاري عن سليمان عليه السلام الذي أرجف فيه منكري الحديث:
5242 – حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ « قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ – عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ – لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَماً، يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِىَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ، وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ » . قَالَ النَّبِىُّ صلى الله
عليه وسلم « لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ »

وهذا الحديث ما هوإلى كشف رآه سليمان عليه السلام أنبئه فيه الله تعالى بأنه سيرزق بولد غير صالح، وبالفعل قد ولد لسليمان ولد غير صالح تآمر عليه، فنفاه أباه الى مصر ثم عاد إليها بعد وفاته.

حيث ورد في تفسير التوراة للقس تادرس يعقوب عن ابن سليمان عليه السلام الآتي:
(ربَّما كان رحبعام الابن الوحيد أو الابن البكر لسليمان الذي أنجبه بالرغم من تزوُّجه بحوالي ألفًا ما بين زوجات وسراري)

لذلك فأن هذه الآية التي يرجف بها التقليديون تدل على أن سيدنا سليمان عليه السلام لما أحس من أمته الكفر وأن إبنه العاق سيكون مثلهم دعى أن ينزع الله الملك منهم ولا ينبغي لهم التمكين من بعد ذلك.