يجب أن يُفهَم بأن الضرب المذكور في القرآن الكريم هو للآتي يُخشى من نشوزهن أي التي تأتي الفاحشة من النساء ولا يشترط بها أن تكون متزوجة بل لا يشترط بأن تكون امرأة لأن الأمر يخص الرجال أيضاً،
﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ النساء
أما النساء الشاذات غير المتزوجات فيتمّ منعهن من تكرار الفعل ونشر الشذوذ في المجتمع وذلك بتقييد حرّيتهن ومراقبتهن حتى يتزوجن أو يتوفين فيخرجن به من الرقابة، وهذا ما يقرره القاضي بتطبيقه للقانون فقط وليس الأفراد أي لا يسمح الدين للأزواج بضرب زوجاتهم.
ولهذا فإن معنى الضرب في الآية:
﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾
لا يعني الضرب المادي للشاذات بل منعهن قانونياً، أي يتم ذلك بيد القانون فقط والقانون في القُرآن الكَرِيم لا يجوّزُ للزوجِ ولا يسمح له بضَرْب زوجته بل إنَّ كلَّ إجراء إنما يتم على يد القانون وحده. وهكذا أيضاًً الهجر في المضاجع أي منع الشاذات والشاذين من الاختلاط مع غيرهم في المضاجع حتى يشفون. وهو أمر لا يخصّ الزوجات الشاذات كما يظن البعض بل يشمل جميع النساء اللاتي يقعن في الشذوذ، وكذلك الرجال الشاذين بنفس المستوى. والدليل على هذا المعنى هو أنَّ مَن رأى الفاحشة من زوجته فإن الإجراء الذي سيتخذه هو تطليقها وليس إمساكها حيث يقول القُرآن الكَرِيم بأن المنع يتم بالرقابة وتقييد حرية التنقل حتى الزواج أو الوفاة وهي هنا متزوجة، وهذا ما قاله القُرآن الكَرِيم على لسان النبي ﷺ عند حادثة الإفك حيث لم يضرب النبي ﷺ زوجته والتي تبيّن برائتها من الإفك وأنها آية على الطهارة والعفة والصلاح رَضِيَ اللهُ عَنْها وأرضاها، ومع أنّ الخبر قد وصل إليه ﷺ فلم يضربها ولم يقل لها أي شيء ﷺ بل تركها حتى يتبين الْحَقُّ وعرضَ على أزواجه في محل آخر رضوان الله عليهن أجمعين التسريح بإحسان أو البقاء فاخترن البقاء رضوان الله عليهن أجمعين. وهذا يدلَّ على عدم ضرب الرجل للمرأة عند حدوث النشوز أي الشذوذ بل التطليق لا غير. كذلك عندنا في الجماعة الإسلامية الأحمدية ما يؤكد ذلك من قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“وليكن واضحاً الآن أنَّ الأخلاق التي قدّرها الخالقُ لترك الشر لها أربعة أسماء في اللسان العربيِّ الغنيِّ بكل ما يحتاج إليه من مفرادات للتعبير عن جميع خواطر الإنسان وأوضاعه وأخلاقه. فالخُلُق الأول يسمِّى الإِحصان، والمراد به ذلك العفاف الذي يختص بالشهوة الجنسية بين الذكر والأنثى. فالمحصن أو المحصنة هو من يجتنب الفجورَ أو حتى مقدّماته، وهكذا يمنع نفسه عن الفحشاء التي لا تكسبه سوى الذلّة واللعنة في الدنيا والعذاب في الآخرة، بالإِضافة إِلى الخسارة العظيمة لأقربائه علاوة على الفضيحة العائلية. فلا يخفى أنَّ من ارتكب الزنى مع امرأةِ رجل آخر، أو على الأقل بدت من الأثنين مقدِّماتُ الزنى ومبادئه، فإن زوجها المظلوم الغيور سيضطر إِلى تطليقها، لأنها فعلتْ الفاحشة أو رضيتْ بها.” (فلسفة تعاليم الاسلام)
فعندما تصل المرأة إلى حد ارتكاب الفاحشة فإن الحلَّ معها هو الطلاق إذا كانت متزوجة.
والدليل على انها للنساء والرجال معاً تكملة الآية نفسها:
﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ النساء
فالذي يأتي الفاحشة أي الشذوذ من الرجال فيجب أن يتم منعه مما يعني تحمّله لعواقب الفاحشة الذي هو الأذى بالنسبة له، وليس ضربه والإساءة له وإهانته والعياذ بالله، بل هو المنع فقط مِن ممارسة ما يراه هو طبيعياً وَمِنْ حقوقه الأساسية في نظره، مع أنّ الحقيقة ليست كذلك بل هو خللٌ بحاجة للإصلاح والعلاج، ولهذا قال تعالى:
﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى﴾ آل عمران
أي أنَّ الأذى المقصود في القُرآن الكَرِيم هو الشيء المعنوي البسيط فقط.
وكذلك ما يفرضه القانون على الشاذين من عقوبات فهي داخلة في الأَذى خصوصاً لمشيعي الفاحشة وليس ضحيتها أو مرتكبيها دون علم ذلك أن الترويج للفاحشة هو جريمة بحد ذاتها.
فالآية إذن تتحدث عن نوع فقط فاسد جداً ونادر من النساء وليس النساء بوجه عام اللاتي كرّمهن القرآن الكريم وجعلهن مثلاً للمؤمنين نساء ورجالاً معاً في التقوى، حيث يقول تعالى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ}
وهذا حديث النبي ﷺ “استوصوا بالنساء خيرا” و “رفقاً بالقوارير” وغيرها من أحاديث تحض على التعامل مع النساء بمنتهى الرقة واللطف، كما أن القرآن الكريم لم يقدّم حقاً أو واجباً إلا وجعل الذكر والأنثى شركاء. والدليل العملي هو أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -الذي هو أفهم المسلمين بدينهم وبهذه الآية بداهة- لم يرِد عنه في أي حديث أو أثر ولو ضعيف أنه ضرب امرأة أو حتى رفع صوته على زوج من أزواجه رَضِيَ اللهُ عَنْهن بل لم يؤذي زوجته أُمّ المؤمنين رَضِيَ اللهُ عَنْهُا وأرْضاها بكلمة عندما اتُهمت بالفاحشة قبل أن يبرئها الله تعالى من فوق سبع سموات ولم يأمر أحداً بضرب زوجته مع ورود كثير من الحالات، وكذلك لم يرد عن الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أنهم ضربوا نسائهم أو مجرد رفعوا صوتهم عليهن، بل كانوا خير الناس وأكرمهم لنسائهم.
وقد اعتبر الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام الضرب نوعاً من الشرك. يقول حضرته حول ضرب الأولاد ويقاس عليه موضوع ضرب المرأة أيضا:
“إنَّ ضرب الأولاد في رأيي يندرج تحت الشرك، وكأن الضارب الجلف يريد أن يُشرِك نفسه (مع الله تعالى) في الهداية والربوبية. عندما يعاقب الشخص الثائر (طفله) على أمر فإنه يتمادى في فورة غضبه بحيث يصبح كالعدو، فيعاقب أكثر من الجرم بكثير. أما لو كان ثمة شخص رزين هادئ حليم وقور قادر على ضبط نفسه حقًّا، فيحق له أن يعاقب الطفل أو يرمقه بنظرة عتاب في الوقت المناسب إذا اقتضى الأمر. ولكن المتهور وطائش العقل الذي يستشيط غضبًا فلا يستحق أن تُعهَد إليه تربية الأولاد. ليتَ المتحمسين لعقاب الأولاد ينصرفون إلى الدعاء بنفس الحماس والجهد، ويواظبون على الابتهال والدعاء من أجل الأولاد بحرقة والتياع، ذلك لأن دعاء الوالدين في حق الأولاد يحظى بقبولية خاصة عند الله تعالى”. (الملفوظات، ج 2 ص 4)
ويقول حضرته عَلَيهِ السَلام:
“تسمى أُمَّة النبي في كُتب الله تعالى امرأة، حيث شبَّه الله تعالى في القرآن عباده الصالحين بامرأة فرعون في آية وبامرأة عمران في آية، وقد عُدَّ المسيح عريساً وأمَّته عروساً في الأناجيل.” (“الحكم”، مجلد 9، عدد 32، يوم 1905/9/10، ص 3، و”بدر”، مجلد 1، عدد 23، يوم 1905/9/7، ص 2)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“يفسر الناس قول الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ (النساء 2) أن حواء خلقت من ضلع آدم، وهو ما يعتَرض عليه، في حين أنه تفسير خاطئ. لم يقل القرآن الكريم أن حواء خلقَت من ضلع آدم بل معنى الآية أن حواء خلقت من ِجنس آدم، بمعنى أن المرأة أيضا خُلِقَت بالقوى والمشاعر نفسها التي خلق بها آدم. لأنه لو لم يكن الرجل والمرأة متجانسين في مشاعرهما لما نشأ بينهما الحب والمودة الحقيقية. بل لو أودع الرجل قوة الشهوة ولم تكن في المرأة، لتعاركا دوماً ولمَا اتفقا على أمر واحد. فلقد أودع الله تعالى المرأة مشاعر مماثلة ومتجانسة لما أعطاها الرجل ليعيشا حياة ملؤها المحبة والمودة. لاحظوا كيف يبعث هذا الأمر على المحبة والتوافق والانسجام بين الرجل والمرأة، فلو غضب رجل على زوجه يُنصح بأن للمرأة مشاعر مماثلة لمشاعرك، فكما لا تحب أن تجرَح مشاعرك كذلك هي أيضا تريد ألا تجرح مشاعرها، فينبغي أن تحترم مشاعرها أيضا.” (إنجازات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الصفحة 76)
ويقول عَلَيهِ السَلام:
“والذي لا يعاشـر زوجته وأقاربها بالرفق والإحسان فليس من جماعتي.” (سفينة نوح ص 28)
يقول المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“وكذلك من حق الزوجة ألا يعاقبها زوجها إلا على ارتكابها فاحشة سافرة. وإذا صارت العقوبة ضرورية فلا بد أن يشهد على جريمتها أربعة رجال من الحي، وأن يشهدوا صراحة أنها فعلاً قد ارتكبت جريمة كذا وكذا. ففي هذه الحالة يمكن له أن يعاقبها. ولكن العقوبة أيضاً يجب أن تكون تدريجية كما قال الله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (النساء 35-36) أي يجب أن تعظوا وتنصحوا المرأة أولا، وإن لم تنفعها النصيحة فانفصلوا عنها في المضجع، وإن لم يؤثر ذلك أيضاً فيها فيمكن أن تعاقبوها عقوبة جسدية بعد شهادة الشهداء، ولكن بشرط ألا تقع الضربة على العظم وألا تترك علامة على جسدها.” (الأحمدية الإسلام الحقيقي)
فعدم المعاملة الحسنة دع عنك الضرب أمر ممنوع ولا يجوز للأزواج والأفراد بل ينفذه القانون فقط كما في القرآن الكريم الذي لم يكرّم كتابٌ مثله المرأة والنَّاس بكافة صنوفهم.
أما ما يقوله مشايخ الفتنة فهو للأسف نسخة مشوهة عن الإسلام والذي برر لداعش وأمثالهم وحشيتهم وسوء أخلاقهم، ولهذا بعث الله تعالى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ