ما حكم الزاني في القرآن؟

يشرح حضرة المصلح الموعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من سورة النور كما يلي:

‏(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

تفسير آية جلد الزاني:

فاجلِدوا: جلَده بالسياط: ضرَبه بها وأصابَ جِلْدَه. (الأقرب)

رأفة: الرأفة الرحمة. (المفردات)

لقد استهلت هذه السورة بأحكام يؤدي إهمالها إلى العديد من المساوئ المدَنية. فقد بدأ الله هذه السورة بقوانين تتعلق ببقاء النسل الإنساني وحفظه لكي ينتبه الإنسان من خلال عمله بالقوانين المتعلقة بحماية جسده وأخلاقه إلى ترقياته الروحانية. فمن المعروف أن الإنسان إذا لم يراع القواعد المتعلقة بحماية جسده تعرّض جسده للدمار وضاعت قواه، كذلك فإن الخطأ في العلاقات الروحانية يؤدي إلى أضرار بالغة ولا تأتي الجهود الروحانية بنتائج مُرضية. فنجد في العلاقات الجسمانية أن الزوجين يتصلان اتصالا مشروعا ويولد الطفل، وكذلك يتصل الرجل والمرأة اتصالاً غير مشروع ويولد الطفل، ولكن الاتصال الأول يؤدي إلى ازدهار التمدن الإنساني بينما يضع الاتصال الثاني الفأسَ على رأس الحضارة الإنسانية، ويجعل أمر الأولاد مشكوكا فيه ويصعب التمييز بين الولد الحلال والولد الحرام. وبالمثل إذا لم يأخذ الناس الحيطة في العلاقات الروحانية واتبعوا لها طريقا خاطئا، أي لم ينشئوا علاقتهم الروحانية مع من يستحقها بل أنشأوها مع من لا يستحقها، أدى ذلك إلى نتائج وخيمة. ولكن كثيرا من الناس لا يفهمون هذا الأمر، مع أن الأرواح توجد بينها أيضا صلات وعلاقات وثيقة، وما لم تتصل بعضها ببعض بطريق مشروع كانت النتيجة فاسدة ولن يجني أحد من ذلك أي فائدة مهما حاول. فمثلاً نجد أن طالبًا لا يتعلم شيئا من معلم بينما يستفيد من معلم آخر استفادة كبيرة. كما نرى أن إنسانًا لا يعمل جيدا تحت مسؤول، لكنه يجيد العمل ويتقنه تحت إشراف مسؤول آخر. ونرى أن تاجرًا يمارس تجارته بالاشتراك مع تاجر فيؤدي ذلك إلى خسائر بالغة، بينما تزدهر تجارته إذا شارك تاجرا آخر.

إذًا، فالأرواح لها صلات فيما بينها، ولكن هذه الصلات لا يخلقها إلا الله تعالى، وذلك بطريقين: فإما أن يُعلن الله تعالى عن روح معينة بأن الذين يتصلون بها سيحققون فائدة روحانية، أو أنه تعالى لا يقوم بإعلان كهذا عن هذه الروح بل يتعرف عليها الناس بسعيهم وجهودهم. والنوع الأول من الأرواح هم الأنبياء والمأمورون من عند الله وخلفاؤهم، والنوع الثاني من الأرواح هم غير المأمورين من عند الله وخلفاؤهم. فالاتصال الروحاني بهؤلاء هو الذي يأتي بنتائج روحانية، أما بغيرهم فلا.

وبما أن الله تعالى يعلن بنفسه عن النوع الأول من الأرواح فلا يصعب على الإنسان البحث عنها، أما النوع الثاني من الأرواح فلا بد للإنسان من البحث الحثيث عنها بعقله وفراسته. وإذا لم يبحث عنها حق البحث ولم يتصل بها فلن يجني من أناس آخرين أي فائدة روحانية، وإن ظل على اتصال بهم عشرات السنين.

مجمل القول إن الله تعالى قد استهل هذه السورة بذكر العلاقة بين الرجل والمرأة تنبيهًا إلى أخذ الحيطة في العلاقات الروحانية أيضًا.

يقول الله تعالى اضربوا كلا من الزانية والزاني مئة سوط، ولا يتولد في قلوبكم أي رفق أو لين تجاههما بصدد تنفيذ هذا الحكم الإلهي، بل عليكم أن تَدْعوا بعض المؤمنين الآخرين أيضًا عند تنفيذ هذه العقوبة فيهما.

لقد ثبت من هذه الآية القرآنية جليًا أن عقوبة الزانية والزاني هي مئة سوط. ويخبر الله تعالى في سورة “النساء” أن هذه العقوبة هي للأحرار من الرجال والنساء، أما غير الحرائر فعقوبتهن نصف هذه العقوبة إذا ارتكبن الفاحشة. يقول الله تعالى في سورة النساء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (النساء:26) .. أي أن غير الحرائر إذا تزوجن ثم ارتكبن هذه الفاحشة فعقوبتهن نصف عقوبة الحرائر.

إذًا، فقد ثبت من هذه الآية أن عقوبة الزنى هي من النوع الذي يمكن أن ينتصف، ونصفُ مئة الجلدة هو خمسون جلدة. ولكن يقول البعض في تفسير هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غيّر هذه العقوبة من مئة جلدة إلى الرجم (شرح فتح القدير: الجزء الرابع ص 125). ومن الواضح أن قولهم هذا يعني نسخ الآية المذكورة أعلاه من سورة النور، كما يجعل هذه الآية من سورة “النساء” بلا معنى ولا مغزى، إذا تقول هذه الآية صراحة أن عقوبة الأَمَة نصف عقوبة الحرّة، في حين أن تنصيف الرجم مستحيل. ففي حالة وجود هذا المفهوم الواضح الصريح لهذه الآية من سورة “النور” الذي تدعمه هذه الآية من سورة “النساء” فبإمكاننا القول دون أدنى شك أو شُبهة إن عقوبة الزنى للمرأة الحرّة والرجل الحرّ هي مئة جلدة، وأن عقوبة الأَمَة أو الأسيرة هي خمسون جلدة بحسب القرآن الكريم.

هل يأمر القرآن بالجلد أم الرجم؟ وكيف وجدت عقوبة الرجم بين المسلمين؟

أما السؤال: كيف وُجِدتْ عقوبة الرجم بين المسلمين؟ ‏فليكن معلوم أن الأحاديث تؤكد أن الرسول قد ‏أمر برجم الزانية والزاني (البخاري: كتاب ‏المحاربين باب رجم المحصن). فلا يمكننا أن ننكر أنّ حُكم الرجم كان موجوداً بكل تأكيد بين المسلمين في يوم مِن الأيام وفي شكل من الاشكال.

‏والآن بقي سؤال يقول: هل الرجم قد نَسَخَ حُكم الجَلد أم أنَّ الجَلد نَسَخَ حُكم الرجم؟ أم أنَّ كِلا الحُكمين كانا موجودين في وقت واحد؟ وبحسب عقيدتنا، فإن القضية محلولة تماماً، إذ نؤمن بخلوّ القرآن الكريم من أي حُكم منسوخ، ‏فكلٌّ الأحكام الموجودة في القرآن الكريم غير منسوخة، فبناء على هذه العقيدة يمكننا أن نقول إنه إذا كان بين المسلمين حُكمٌ بالرجم مِن قبل، فقد نسخته هذه الآية، ولكن لا نستطيع أن نقول أنَّ حُكماً آخر نزل بعد ذلك ونسخَ حُكم الجَلْد، ولو وُجدَ أيّ حديث بهذا المعنى فهو مرفوض لأنه يعارض القرآن الكريم.

‏هذا ولو فرضنا جدلاً أنَّ هذه الآية قد صارت منسوخة فيما بعد لما بقيَتْ في المصحف. علماً أنَّ ما يقوله بعض الفقهاء مِن أنَّ هناك آيات في المصحف هي باقية تلاوةً ومنسوخة حُكماً هو قول مخالف للعقل والمنطق ومخالف للدليل والبرهان ومنافٍ لاحترام القرآن الكريم (الإتقان). ‏إننا لا نقبل هذا الرأي أبداً، بل نقول إنه إذا كانت الآيات المنسوخة لا تزال موجودة في للقرآن الكريم لم يبق للقرآن الكريم كله أي اعتبار مطلقاً. فأي دليل يبقى في أيدينا نعرف به كون آية من الآيات صالحة أو غير صالحة للعمل؟ إنَّ أكبر برهان على عظمة القرآن ‏هو أنّه قائم على أساس من اليقين وأنَّ كُلّ لفظٍ فيه هو وحي الله يقينا. ولو جعلنا قياس العلماء والفقهاء معياراً على صحة أحكامه وكون آياته صالحة للعمل أو غير صالحة لأصبح القرآن نفسه مشكوكاً فيه وكتاباً مبهماً كما هو الحال لقياس العلماء. وإذا كان الأمر كذلك فيحقّ لنا رفض آيات القرآن الكريم بالدليل والبرهان كما نستطيع ‏رفض قياسات العلم بالدليل والبرهان. ‏ومثل هذه العقيدة مضللة وغير إسلامية على الإطلاق.

فلم يبق أمامنا إلا طريق واحد وهو القول بأنه حكم الرجم كان موجوداً في أوّل الأمر، فنسَخَتْهُ هذه الآية من سورة النور. ولو سلّمنا بهذا القول زالت المشكلة ‏كلها، إذ نجد أنَّ حُكم الرجم كان موجوداً عند اليهود (انظر حزقيال 16:40 وللاويين 20:10 والتثنية 122:22 ويوحنا 8:5).

‏وقد نَفّذَ النبيُّ ﷺ هذا الحُكم على المسلمين أيضاً إذ لم يكن أيّ حُكمٍ قد نزل عليه بهذا الصدد حتى ذلك الوقت. فلما نزل الحُكم بهذا الشأن في القرآن الكريم نَسَخَ الحُكم السابق الذي لم يكن حُكماً قرآنياً، بل كان النبيُّ ﷺ يقوم به تقليداً لما يفعله اليهود.

رواية الشيخ والشيخة إذا ‏زنيا فارجموهما البتّة

‏غير أنَّ الأخذ بهذا الرأي يحتم على المرء أنْ يُثبت مِن التاريخ أنَّ المسلمين لم يعملوا بالرجم إلا قبل نزول حُكم الجَلد فقط. ولكن ما يتضح من التاريخ هو أنهم ما زالوا عاملين بالرجم بعد نزول حُكم المئة جَلدة أيضاً حتى يُقال أنَّ عُمر ؓ قال: لقد كانت في القرآن الكريم آية الرجم لكنها غابت منه فيما بعد، وهي: “الشيخ والشيخة إذا ‏زنيا فارجموهما البتّة“. (كشف الغمة، المجلد الثاني: كتاب الحدود، في حدّ الزنى وما جاء في رجم الزاني المحصن).

كذلك ذَكَرَ ابن حزم قولاً لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنها وهو: “لقد نزلَتْ آيةُ الرجْم والرضاعة فكانتا في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله ﷺ تشاغلنا بموته فدخل داجنٌ فأكلها.” (المحلى لابن حزم، الجزء 11: كتاب الحدود حد ‏الحر والحر والمحصنين).

وتُظهر هاتين الروايتين أنَّ عُمر وعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُما كانا يعتقدان أنه قد نزلَتْ بالفعل آيات فيها حُكم رجم الزاني. ويتضح من رؤية عائشة أنَّ هذه الآية المكتوبة كانت تحت وسادتها فجاءت ماعز وأكلَتها. أما عُمر فهو ساكت مصير تلك الآية اللهم إلا ما ورد في الرواية: ‏كان عُمر ؓيقول: إياكم أن تهلكوا، فيقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله ﷻ. فقد رجمَ رَّسُولُ الله ﷺ ورجَمْنا بعده. وإني والذي نفسي بيده لولا أن يقول قائلٌ أحدَثَ عَمرُ بن الخطاب في كتاب الله تعالى لكتبتها (كشف الغمة، المجلد الثاني). وفي رواية “لكتبتها” على حاشية المصحف” (شرح فتح القدير على الهداية، ج 4، كتاب الحدود، فصل في كيفية إقامة الحدود).

‏وبما أنَّ مِن القواعد المُسلَّم بها عقلاً ونقلاً أنه إذا وُجدت عن حادث روايتان وكانت في إحداهما إضافة، اعتُبرت تلك الإضافة شرحاً حقيقياً لمعنى الرواية الأصلية، لذا لا بُدَّ لنا مِن القول بأن عُمَر ؓ ؓ-وفقا للرواية- إنما تمنّى كتابة هذه العبارة في حاشية المُصحف. والعبارة المكتوبة على هامش المُصحف لا تصبح قُرآنا. ‏فحتى عُمَر ؓ الذي كان يعتقد بحسب هذه الرواية أنَّ الرجم كان حُكم ربّاني، لَمْ يتجاسر على إضافة هذه العبارة إلى القرآن الكريم، وذلك برغم أنَّ الكثير مِن كُتّاب الوحي القرآني كانوا موجودين في عصره، وكان يستطيع أنْ يسألهم، ولكن عدم سؤاله إيّاهم يدلُّ على أنه كان على يقينٍ أنَّ اعتقاده هذا ليس إلا ضَرباً من الوهم.

والحق أنه كلما نزلت آية من القرآن الكريم دعا النبي صلى الله عليه وسلم كاتب الوحي وأمره بكتابتها في مكانها من القرآن الكريم. فإذا كانت هذه العبارة آية قرآنية وحكما ربانيا حقيقةً فلماذا لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابتها في القرآن إذًاً؟

هذه الرواية مروية بالتفصيل أيضاً عن زيد بن ثابت كاتب الوحي عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تؤكد صراحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعتبر هذا الحكم أيًّا كان شكله حكمًا من أحكام القرآن الكريم. ورواية زيد بن ثابت هي:” سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة” (1) (المحلى لابن حزم الجزء الحادي عشر: كتاب الحدود، حد الحر والحرة والمحصنين).

ويظهر من ههنا أن زيد بن ثابت أيضًا لم يعتبر تلك العبارة وحيًا قرآنيًا قط بل اعتبرها قولا للرسول صلى الله عليه وسلم. فلعل عمر رضي الله عنه سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم، فظنه وحيًا من القرآن بدلاً من أن يعتبره قولا للرسول صلى الله عليه وسلم. ومعروف أن سيدنا عمر رضي الله عنه قد حصل منه التسرع في مناسبات أخرى أيضًا. فقد روي عنه أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة “الفرقان” في الصلاة، فلم يقرأها كما سمع عمرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها. فغضب عمر رضي الله عنه غضبًا شديدًا وكاد أن يهاجم هشامًا وهو يصلي، ولكنه صبر حتى فرغ من صلاته، فأخذه عمر من تلابيبه وقال له: من علّمك هذه السورة بهذا الأسلوب؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: إنك تكذب، تعال آخذك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن السورة ليست كما تقرأ، فأخذ يجره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لهشام: كيف تقرأ هذه السورة؟ فقرأها عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: هذا صحيح. ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمر أن يقرأها، فقرأها كما علّمه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال صلى الله عليه وسلم: هذا أيضا صحيح. ثم أضاف وقال: لقد نزل القرآن على سبعة أحرف، فلا تتنازعوا في مثل هذه الأمور البسيطة. فليقرأه كل إنسان بقراءة تسهل على لسانه. (البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب أُنزل القرآن على سبعة أحرف)

فيبدو أن عمر رضي الله عنه كما حصل منه الخطأ في تلك القضية قد حصل أيضًا في قضية عقوبة الزنى بحسب الرواية، فاعتبر قولا للرسول صلى الله عليه وسلم وحيًا قرآنيًا. والحق أن هذه العبارة لو كانت آية قرآنية لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت بكتابتها في القرآن الكريم كما كان يأمره بكتابة آيات أخرى من القرآن الكريم قائلا: هذا وحي قرآني فاكتبه في مكان كذا من القرآن الكريم. وما دام زيد بن ثابت لم يكتب هذه العبارة في المصحف الذي أُعدّ في عهد أبي بكر رضي الله عنه .. أي قبل خلافة عمر رضي الله عنه .. فثبت جليا أن عمر رضي الله عنه قد وقع في الخطأ فاعتبر قولا للرسول صلى الله عليه وسلم وحيًاً قرآنيًا.

على أية حال، لقد ثبت من هذه الرواية بصورة قطعية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال بالفعل جملة كهذه، ولكنه لم يقل إنها وحي من القرآن الكريم أبدًا. ومن الوارد تماما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد عبّر عن رغبته الشخصية فقال لو ارتُكبت هذه الفاحشة في ظروف كيت وكيت فأريد أن أرجم مثل هذا الزاني كما تأمر التوراة.

رواية جلد الشيخ ورجم الشاب الزاني

وهناك رواية أخرى بهذا الشأن رواها شعبة قال: “قال عمرُ: لما نزلتْ أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أَكْتِبْنِيها، قال شعبة: كأنه كَرِه ذلك، فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يُحْصِن جُلِدَ وأن الشاب إذا زنى وقد أحصَنَ رُجِمَ“. (مسند أحمد بن حنبل: مسند الأنصار، حديث رقم 20613).

هذه الرواية تظهر أن عمر رضي الله عنه كان يعتقد أن آية كهذه قد نزلت ولذلك التمس من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتبها له، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رفض طلبه. لقد ثبت من ذلك أن هذه العبارة كانت قولا للنبي صلى الله عليه وسلم وليست آية من القرآن الكريم، وإلا فهل كان من الممكن أن يخفي النبي وحي القرآن الكريم مع أن الله تعالى يقول له {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة:68)، ورغم ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لا يبلغ الناس هذا الحكم بل عندما يسأله عمر أن يكتبه له كره ذلك ولم يكتبه له. وهذا يدلّ دلالة واضحة أن هذه العبارة قول للرسول صلى الله عليه وسلم. والثابت من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعهد بكتابة القرآن الكريم ولكنه كان يمنع من كتابة حديثه، فقد روى زيد بن ثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن كتابة أحاديثه (2) (مسند أحمد بن حنبل: الحديث رقم 10663). كما روي عن أبي سعيد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا تكتبوا عني غير القرآن مخافة أن تشتبه على الناس آيات القرآن. (مسند أحمد بن حنبل، الجزء الثالث ص 12).

كما أنه من الثابت من الأحاديث أن عبد الله بن عمر كان يعرف الكتابة، فكان يكتب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه نهاه عن كتابتها.

فاعتبارُ عمر رضي الله عنه هذه العبارة آية قرآنية بحسب الرواية، ورفضُ الرسول صلى الله عليه وسلم كتابتها لعمر بل كراهته صلى الله عليه وسلم لهذا الطلب، يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتبرها آية من القرآن الكريم بل اعتبره رأيه الخاص، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كتابة أحاديثه فلذا لم يكتب لعمر شيئا. ويبدو أن عمر رضي الله عنه كان قرأ حكم الرجم في التوراة ثم عرضه على الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد روي في الحديث أن عمر رضي الله عنه كان يقرأ التوراة، حيث ورد أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه نسخة من التوراة، وقال: يا رسول الله، هذه نسخة من التوراة. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقرأ ووجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير. فقال أبو بكر ؓ: ثكلتك الثواكلُ. ما ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنظر عمرُ إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتذر منه صلى الله عليه وسلم. (مشكاة المصابيح: كتاب الإيمان، باب الاعتصام بالكتاب والسنة)

كما ورد في الروايات أن عمر رضي الله عنه كان يرتاد مجلسًا لليهود يتدارسون فيه التوراة. فكان اليهود يقولون لعمر رضي الله عنه: “ما من أصحابك أحدٌ أكرم علينا منك، لأنك تأتينا” (كنز العمال، المجلد الأول: كتاب الأذكار من قسم الأفعال، باب في القرآن، فصل في التفسير). ثم إن الفقرة الأخيرة من رواية شعبة تبيّن أن عمر رضي الله عنه نفسه كان يشكّ في كون هذه العبارة آية من القرآن الكريم لأنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم ألست ترى أن الشيخ غير المتزوج إذا زنى جُلِد وأن الشاب المتزوج إذا زنى رُجِم. وقوله هذا يتعارض مع الجملة التي يتوهمونها آية قرآنية.

كذلك فإن هذه الآية المزعومة تقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا، سواء كانا متزوجين أم غير متزوجين، فارجموهما. فلو كان عمر رضي الله عنه يعتبرها فعلا آية من القرآن الكريم فلِمَ أتى برأي يتعارض معها؟ ولِمَ طلب من النبي صلى الله عليه وسلم تأكيد هذا الرأي؟ هذا يدلّ على أن عمر رضي الله عنه كان يشكّ في كون هذه الجملة آية من القرآن الكريم.

ما هو رأي علماء السلف بالرجم؟

أما العلماء القدامى ففريق كبير منهم يرى أن الحكم الحقيقي هو مئة جلدة، إذ إن الرجم ليس ثابتًا من القرآن الكريم. فيقول الإمام ابن حزم في تفسير قول الله تعالى في سورة “النساء” {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} : “إن الإحصان اسمٌ يقَع على الحرّة المُطْلَقة فقط. فإن كان هذا كما قالوا فالنفي واجب على الإماء المحصَنات من هذه الآية، لأن معنى الآية: فعليهن نصفُ ما على الحرائر من العذاب. وعلى الحرائر هنا من العذاب جَلْدُ مئة ومعه نفيُ سنةٍ أو رجمٌ، والرجم لا ينتصف أصلا لأنه موت، والموت لا نصف له أصلا، وكذلك الرجم لأنه قد يموت المرجوم من رمية واحدة وقد لا يموت من ألف رمية، وما كان هكذا فلا يمكن ضبطُ نصفِه أبدًا، وإذْ لا يمكن هذا فقد أَمِنّا أن يكلّفنا الله تعالى ما لا نطيق لقوله تعالى {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} ولقول رسول صلى الله عليه وسلم: “إذا أمرتُكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم“، أو كما قال عليه السلام. فسقَط الرجمُ وبقِي الجَلْدُ والنفيُ سنةً، وكلاهما له نصفٌ، وعلى الأَمة نصفُ ما على الحرّة منها” (المحلى لابن حزم، الجزء 11: مسألة حدّ الأَمة المحصنة).

كذلك يعتقد المعتزلة والخوارج من بين الأُمة أن الرجم ليس ثابتا من القرآن الكريم، بل يأمر الإسلام بمئة جلدة، حيث ورد:

أما الرجم فهو مجمع عليه. وحكي في “البحر” عن الخوارج أنه غير واجب، وكذلك حكاه عنهم أيضا ابن العربي، وحكاه أيضا عن بعض المعتزلة كالنظام وأصحابه. ولا مستند لهم إلا أنه لم يُذكَر في القرآن.” (نيل الأوطار الجزء 7: كتاب الحدود، باب ما جاء في رجم الزاني المحصن وجلد البِكر).

لقد ثبت من هنا أن الخوارج والمعتزلة أيضًا لا يرون الرجم حكمًا إسلاميًا. ويرى صاحب “نيل الأوطار” أن دليلهم ضعيف لأنه مبنيّ على القرآن فقط!!

إنا لله وإنا إليه راجعون.

ويقول صاحب “روح المعاني” :

ويُعْلَم من قوله المذكور كرّم الله تعالى وجهه أنه قائل بعدم نسخ عموم الآية. فيكون رأيُه أن الرجم حكمٌ زائد في حق المحصن ثبَت بالسنة، وبذلك قال أهل الظاهر، وهو رواية عن أحمد، واستدلوا على ذلك بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم : “الثيّب بالثيّب جلدُ مئة ورميٌ بالحجارة. وفي روايةِ غيرِه: ورجمٌ بالحجارة. وعند الحنَفية لا يُجْمَع بين الرجم والجلد في المحصن، وهو قول مالك والشافعي“. (روح المعاني).

أي أن الثابت من قول علي كرم الله وجهه أنه قال بعدم نسخ آية الجَلْد الواردة في سورة “النور”، أما الرجم فهو حكم زائد ثابت بالسنّة، ولم ينسَخْ حكمَ القرآن عن الجلد. وهذا ما يراه أيضا أهل الظاهر: أي أبو داود وأصحابه الذي هو أحد الفقهاء الخمسة الكبار والذي يفضل أحمد بن حنبل حكمه.

فهذه الرواية تؤكد أن حكم الجلد قائم عند علي رضي الله عنه .. أي أن آية الجَلْد لم تُنسخ أبدا. فهناك رواية تقول إن عليا رضي الله عنه جلَد شراحة الهمدانية ورجمها أيضا، وقال: “جلَدتُها بكتاب الله ورجَمتُها بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ” (مسند أحمد: المجلد الأول ص 141، مسند علي بن أبي طالب).

لقد اتضح من ذلك تماما أن عليًّا رضي الله عنه لم يقل بنسخ هذه الآية من سورة النور.

وفي رواية عن عبادة بن الصامت أن البِكر إذا زنت فعقوبتها جلدُ مئةٍ ثم نفيُ سنةٍ، وأن المتزوجة إذا زنت فعقابها جلدُ مئةٍ ثم رجمٌ بالحجارة. (مسلم: كتاب الحدود، باب حد الزنى).

فهذه الرواية أيضًا تؤكد رأي علي رضي الله عنه بأن الآية القرآنية لم تُنسخ، وإنما أضيف حكم آخر إلى حكم القرآن الكريم.

فإذن القرآن يحكم بالجلد لا بالرجم

إذًا، فمن الحقائق الثابتة أن حكم القرآن إنما هو أن الزانية والزاني يُجلَدان مئة جلدة. لقد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية، بناء على استدلاله الشخصي، بتعليم التوراة، فنفّذ العقوبة الموجودة في التوراة، ولكن بما أن حكم الجلد نزل بعد ذلك في القرآن الكريم، فما عمل به الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل سنعتبره حُكما عابرا مؤقتا غير قائم، إذ لا يبقى من أحكام النبي صلى الله عليه وسلم الشخصية قائمًا إلا ما لم ينزل فيه حكم في القرآن الكريم. فمثلاً اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس قِبلةً في البداية موافقةً لأهل الكتاب، ولكن لما أمره الله تعالى في القرآن الكريم باستقبال الكعبة المشرفة توجه إلى بيت الله الحرام، كما هو مذكور في القرآن الكريم (البقرة:145).

كذلك يتضح من الأحاديث أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر القوم بشيء في بعض الأحيان، وثبت فيما بعد أن هذا الحكم لم يكن حكما ثابتا بل كان مؤقتا. فمثلا ورد في البخاري أن وفدا لعبد القيس زاروا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا له: يا رسول الله، أوصنا بشيء فقال: فنهاهم عن استعمال أربعة أنواع من الأواني (البخاري: كتاب الإيمان، باب أداء الخَمس من الإيمان). ولكن جميع المسلمين اليوم يستعملون تلك الأواني، وجميع الفقهاء يجيزون استعمالها بحجة أن أولئك القوم كانوا يصنعون الخمر في تلك الأواني فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن استعمالها تنفيرا لهم من الخمر، فلما امتنعوا عن استعمال تلك الأواني تركوا شرب الخمر أيضًا (عمدة القاري: ص 303 – 310). ثم أجمع جميع المسلمين على أن العمل بهذا الحكم النبوي لم يعد ضروريا وأجازوا استعمال تلك الأواني.

كما أنه من الثابت من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالرجم اتباعا للأحكام اليهودية إذ ورد في رواية قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه، فأمر به فرُجِم” (مسلم: كتاب الحدود، باب حد الزنى)؛ وذلك حين جيء بيهودي قد زنى، واعترف اليهود أمام النبي صلى الله عليه وسلم أن عقوبته في كتابهم الرجم، ولكنهم تركوا الرجم من أجل كبرائهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم قوله المذكور أعلاه وأمر برجم الزاني فرُجِم.

فثبت من هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بِالرَجْم اتباعا للتوراة. وهذا ما يؤكده حادث آخر أيضًا حيث ورد في الحديث أن شخصا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله قد زنيتُ. فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه. فجاء من الطرف الآخر وقال: يا رسول الله قد زنَيتُ. فلما اعترف بجريمته أربع مرات قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أَبِك جنونٌ؟ قال الرجل: لا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم للقوم: اذهبوا به فارجموه. يقول الصحابة فذهبنا به فلما بدأنا رشقه بالأحجار فرّ، فجرينا وراءه وقتلناه. فلما بلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم سخط وقال إن فراره دليل على تراجعه عن إقراره، فهلا تركتموه؟ (مسلم: كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى، والترمذي: أبواب الحدود)

لقد تبين من هنا أن حُكم الرجم لم يكن من عند الله تعالى، إذ كيف يمكن أن يأمر الله تعالى رسوله بالرجم، ولكنه يعلّم صحابته عكس ذلك، فيقول لهم: هلا تركتموه ما دام قد فرّ.

وهناك أمر طريف جدير بالذكر بهذه المناسبة، وهو أن المفسرين يقولون أن أيوب عليه السلام لما مرض مرضه الشديد أغوى الشيطان زوجته وأعطاها سخلا (أي ولد ماعز) وقال لها: لو أن أيوب ذبحه باسمي لشفي. فذكرتْ ذلك لأيوب عليه السلام، فزجرها وقال لها: فكيف خدعك عدو الله هذا؟ ثم حلف بأنه لو شفاه الله تعالى من مرضه سيضرب زوجته مئة جلدة عقابًا على خطئها، وعندما تماثلَ للشفاء حاول إبرار قسمه بأن أخذ مكنسة فيها مئة عود وضربها بها (تفسير الخازن). فلو كانت هذه الروايات صحيحة عند هؤلاء القوم فمن الأفضل أن يضربوا الزاني والزانية بمكنسة فيها مئة عود كما فعل أيوب، ثم يظنوا أنهم قد نفّذوا العقوبة! وفي هذه الحالة لن تبقى هناك مئة جلدة ولا رجم. لا شك أننا لا نتفق مع المفسرين بصدد هذه الروايات، ولكن العلماء الذين يصدقونها تصبح قصة أيوب عليه السلام حجة عليهم، لأنهم ما داموا يعترفون بأن أيوب عليه السلام أبرّ قسمه بضرب زوجته بمئة عود فلماذا يصرّون هنا على الرجم، إنما ينبغي لهم أن يأخذوا مكنسة فيها مئة عود ويضربوا بها الزاني والزانية مرة واحدة، ثم يظنوا أن العقوبة قد نُفّذت كاملة.

على أية حال، إن ما أُوضحه هنا هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما رجم البعض اتباعًا للتوراة، ولكن لما نزل في القرآن الكريم حكم واضح بهذا الصدد صار قراره صلى الله عليه وسلم السابق ملغى تلقائيًا، أما الحكم القرآني فلا يزال موجودا حتى الآن، وهو جَلْد الزاني بمئة جلدة إذا ثبتت جريمته حسب الشروط المذكورة في القرآن.

كيف يطبق حكم الجلد وعلى من؟

واعلم أن القرآن الكريم لم يبّين نوعية السوط والضرب، بيد أنه يتضح من كلمات القرآن الكريم أن يُضرب الزاني بسوط يُشعر جسدَه بالضرب، إذ يقال: جلَده بالسياط، أي ضربه بها وأصاب جلده (الأقرب). إن ما يتضح من القرآن الكريم هو أن يعاقَب المجرم أمام الناس سواء كان السوط مصنوعا من الجلد أو القماش، وليس ضروريا أن يكون السوط مثل الذي يُستعمل في المحاكم في هذه الأيام، والذي إذا ضُرب به الإنسان مئة مرة مات في أغلب الأحيان. والآية الواردة في سورة “النساء” توضح بأن لا يُضرب بالسياط التي تؤدي إلى موته. إنما ينبغي أن تكون نوعية السوط ونوعية الشدّة مما لا يكون معها احتمال الموت، أي أن لا يكون سوطا يكسر أو يضر العظم؛ إذ سبق أن بيّنا أن المراد من الجلد بالسياط إيذاء جلده فقط. كما ينبغي أن لا يكون الضرب قاسيًا بحيث يكون هنالك احتمال موته.

ولا يغيبن عن البال أن الله تعالى لم يستعمل هنا كلمة “زانية وزان”، بل قال {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}، وزيادة ألف لام تفيد التخصيص، فليس المراد من الزانية والزاني هنا إلا شخصًا متعودًا على الزنى أو الذي يزني علنًا وقد أصبح جريئًا على ارتكاب هذه الفاحشة لدرجة أنه لا يبالي بأن أحدًا يراه أم لا، أو المراد به شخص ليست به قوة في الحقيقة ومع ذلك يحاول أن يزني مثل شيخ عجوز أو امرأة عجوز. وهذا المعنى الأخير يماثل نوعا ما تصديقًا لتلك الرواية التي ورد فيها: “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة“. فكأن الزاني والزانية تعني الشيخ والشيخة. ويبدو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عبّر عن رأيه بهذه الكلمات، ولكن عمر رضي الله عنه ظنه بالخطأ آية من القرآن الكريم. في حين أن القرآن الكريم لم يأمر برجم الشيخ والشيخة، بل أمر بجلد كل واحد منهما مئة جلدة. ولذلك نجد أن عمر رضي الله عنه لما قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أكتبنيها، كره النبي صلى الله عليه وسلم طلبه، لأن مفهوم تلك الجملة كان خلافا لحكم القرآن الكريم.

قصارى القول إنما المراد من الزاني والزانية هنا من صار معتادًا على الزنى، أو جسورا على هذه الفاحشة لدرجة أنه صار يرتكبها علنا، أو المراد منه الزاني المحصن أو الزاني الشيخ الذي يحاول أن يزني رغم كبر سنه؛ فيأمر القرآن الكريم بضرب كل واحد من هؤلاء مئة جلدة إذا ما ثبتت جريمتهم.

ثم يقول الله تعالى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ}. وليكن معلوما أن العقوبات التي تنزل من عند الله تعالى هي قسمان: عقوبات تترتب على مخالفة القوانين الطبيعية وعقوبات يتحملها الإنسان نتيجة مخالفته لقوانين الشريعة. والعقوبات التي تنزل نتيجة مخالفة قوانين الطبيعة يجوز فيها للإنسان أن يعامل المتضررين بها بالرحمة والرأفة، أما العقوبات التي تنفذ بسبب مخالفة قوانين الشريعة فلا يجوز فيها إبداء الرحمة نحو المجرمين لأن الله تعالى لا يعاقب العبد إلا إذا استحق العقاب، ومن ترحم على مجرم بعد ذلك أي حاول إنقاذه من العقوبة فكأنه يخالف القرار الإلهي. ومن أجل ذلك يقول الله تعالى هنا {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ} .. أي يجب أن لا تترحموا عليهما لدى تنفيذ عقوبة دينية. وهكذا قد استُثني من العقوبات التي يجب أن لا تأخذنا الرأفة عند تنفيذها ما ينزل نتيجة مخالفة قوانين الطبيعية. فيجوز لنا مثلاً أن نترحم على من سقط فكُسرت سنّه، ونعامل بالرأفة من يصاب بمرض، ويجوز لنا أن نبدي مشاعر الرحمة نحو الذين يموتون غرقًا أو يدمرهم زلزال، ونساعد ورثتهم ونعاملهم بالمحبة والمواساة. ذلك لأن هذه الكوارث يموت فيها آلاف لم يهلكوا نتيجة إنكارهم لمأمور من عند الله تعالى؛ فمعاملة ضحايا هذه الكوارث بالرأفة والمواساة ضروري جدا. ولكن الذي يُعاقَب نتيجة مخالفته لأحكام الدين وقوانين الشرع فلا يجوز معاملته بالرحمة والرأفة. أي لا يجوز أن نمتنع عن جَلْد مَن ثبتت عليه جريمة الزنى بحسب قانون الشرع. غير أنه لا بأس أن نتأسف عليه ونقول: ليته لم يرتكبها.

وجدير بالذكر أن القرآن الكريم قد ذكر هنا المرأة قبل الرجل خلاف المعتاد، فقال {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مائة جَلْدَةٍ}. والحكمة في هذا الأسلوب والتي يجب أن لا ننساها هي أن النساء هن اللواتي يتخذن هذه الفِعلة مهنة وليس الرجال.

بيد أن هذا لا يعني أبدًا، كما ظن البعض خطأً، أن في هذا دليلا على كون الرجال أكثر صلاحًا وورعًا من النساء. وإنما سببه الأول، كما ذكرت من قبل، أن هذه المهنة تختارها النساء فقط، دون الرجال، لمنفعة مادية.

والسبب الثاني لاتباع هذا الأسلوب أن المرأة بفطرتها أشد حياءً من الرجل. وهذه الظاهرة تُشاهَد في جميع الذكور والإناث من مختلف الأنواع، حيث تجد الجنس المتأثِر أشد حياءً من الجنس المؤثر، وأن المتأثِر يتأخر ويتردد بينما المؤثِر يتقدم. وهذا الأمر ليس خاصًا بالبشر والحيوانات فقط، بل هو موجود في الأشجار أيضًا التي فيها خواصّ الذكر والأنثى، حيث تجد الشجرة التي تقوم مقام الذكر تتقدم وتميل إلى الشجرة التي تقوم مقام الأنثى. لقد أثبت العلماء هذه الظاهرة في العصر الحاضر بعد البحوث، ولكن الإسلام قد ذكرها منذ زمن، وبين أن النساء لما كن بطبيعتهن أشد حياء من الرجال ويترددن في الوقوع في مثل هذه الأمور، لذا فلو أن امرأة تخلّت عن حيائها الفطري لهذه الدرجة فهي أحق بالملامة، ومن أجل ذلك قد ذُكرت المرأة هنا قبل الرجل.” (التفسير الكبير)

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

نقله الأستاذ فراس علي عبد الواحد

__________________

(1) نَص قول زيد رضي الله عنه هو:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ“. (مسند أحمد)

(2) نص الحديث:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ، وَمَنْ كَتَبَ شَيْئًا سِوَى الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ.” (مسند أحمد بن حنبل: مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: رقم الحديث 10663)

About الخليفة الثاني للمسيح الموعود المصلح الموعود مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه

View all posts by الخليفة الثاني للمسيح الموعود المصلح الموعود مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه

3 Comments on “ما هي حقيقة الرجم في القرآن الكريم، وما هو عقاب الزاني؟”

  1. آية الرجم هي آية شيطانية يهودية… فالشيخ هو الرجُل المُسن الذي بلغ سن الشيخوخة ، وقد يكون مُتزوج أو أعزب…والشيخة كلمة لا وجود لها في اللغة العربية…والبتة واللذة ليست من لُغة القرءان الكريم…لكن السؤال للمُجرم الذي ألف هذه الآية الشيطانية ، إذا كان شيخك وشيختك غير مُتزوجان أي غير مُحصنان فهل يتم رجمهما…وإذا زنا من هُم في سن الشباب فهل لا يُرجمون لأنهم ليسوا شيخ وشيخة؟؟.
    ………………

    أخرج الطبري رحمة الله عليه بسنده ، رواية مطولة تتحدث عن حد الزاني في شريعة اليهود المحرفة إلى أن تقول ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم ، من أعلمكم بالتوراة ؟ فقالوا : فلان الأعور ، فأرسل عليه فأتاه فقال أنت أعلمهم بالتوراة ؟ قال : كذلك تزعم يهود .
    ……………..
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ما تجد في التوراة في الزانيَين فقال يا أبا القاسم يرجمون الدنيئة ويحملون الشريف على بعير ويحممون وجهه ويجعلون وجهه من قبل ذنب البعير ويرجمون الدنيء إذا زنى بالشريفة ويفعلون بـها هي ذلك . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
    ، أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ما تجد في التوراة ؟! فجعل يروغ والنبي صلى الله عليه وسلم ينشده بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء ، حتى قال يا أبا القاسم “الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فـهـو ذاك ، اذهبوا بـهما فارجموهما ”
    ………..
    تفسير الطبري ج 6 ص157 ط دار المعرفة الثالثة

  2. كذبوا الكذبة برواياتٍ تضحك منها البهائم وصدقوها لكن عنزهم أكلتها… ولآية الرجم في حياة المسلمين قديماً وحديثا تاريخ حافل بالطرائف والنوادر، بحيث لو جمعت في كتاب ، لكان من أمتع الكتب وأوسعها ، وأندرها وأجدرها بالقراءة المرة تلو المرة لكذب وضعوه أو وُضع لهم فصدقوه وآمنوا به… وهي آية مزعومة و مكذوبة لا أصل لها في كتاب الله عَزَّ و جَلَّ، و القول بها هو قول بالتحريف للقرآن.
    قال الله سُبحانه وتعالى
    {انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُّبِيناً }النساء…50 ويقول {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ }المدثر25…ويقول
    {…… مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38 ….ويقول { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9….ويقول{لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } القيامة16 -17
    عن أُمنا الطاهرة عائشة رضي اللهُ عنها قالت : –
    ” من زعم أن رسول الله كتم شيئا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية ”
    ورد في الخطاب المفتوح إلى المسيحيين في العالم الذي نشرته مجلة century– ألأميركيه عدد 2 لشهر شباط 1928 للكاتب اليهودي(ماركوس إللي رافاج) قوله موجهاً كلامه للمسيحيين :-
    ( لم تبدأوا بعد بإدراك العُمق الحقيقي لإثمنا ، فنحنُ لم نصنع الثوره البلشفيه في موسكو فقط ، والتي لا تُعتبر نُقطه في بحر الثوره التي أشعلها بولص في روما ، لقد نَفَذنا بشكلٍ ماحق في كنائسكم وفي مدارسكم وفي قوانينكم وحكوماتكم ، وحتي في أفكاركم اليوميه ، نحن مُتطفلون دُخلاء ، نحنُ مُدمرون شوهنا عالمكم السوي ، ومُثلكم العُليا ، ومصيركم ، وفرضنا عليكم كتاباً وديناً غريبين عنكم ، لا تستطيعون هضمهما وبلعهما ، فهما يتعارضان كُليةً مع روحكم الأصليه ، فشتتنا أرواحكم تماماً ، إن نزاعكم الحقيقي مع اليهود ، ليس لأنهم لم يتقبلوا المسيحيه ، بل لأنهم فرضوها عليكم ) .

    وفرضنا عليكم كتاباً وديناً غريبين عنكم ، لا تستطيعون هضمهما وبلعهما ، فهما يتعارضان كُليةً مع روحكم الأصليه ، فشتتنا أرواحكم تماماً
    وهكذا فرض اليهود ومن ساروا في ركبهم ونهجوا نهجهم ومن جاءوا من بعدهم من بدلوا دين الله علينا ديناً وكتاباً غير دين الله وكتابه…بعد ان تركنا كتاب الله وعظمنا الروايات المكذوبة والموضوعة

Comments are closed.