الآية:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة آل عمران 8 – 9]

التفسير:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} لقد أنزل عليك كتابا جامع الكمالات كلها. بعض آياته محكمات وهي أم الكتاب، وبعضها متشابهات. لقد علّم الله تعالى هنا وسيلة الحصول على العلم، وليس أن يتصرف المرء بحسب: {فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (غافر: 84) بل قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (البقرة: 283)، ولكن من المؤسف حقا أن هؤلاء الناس وقعوا في نزاعات أخرى بدلا من أن يستفيدوا من هذا الكتاب الدقيق. كانت مسألة المحكمات والمتشابهات واضحة تماما ولكن المسلمين اختلفوا فيها وصاروا فِرقا. تقول فرقة أن آية كذا محكمة وتقول أخرى أنها متشابهة. وهناك من يصر على آيات التنزيه لدرجة يحسب الله كأنه ليس شيئا يُذكر. لقد اعترفوا أنه علة العلل على أية حال. ومن ناحية ثانية ركّز المعتقدون بالتشبيه إلى درجة جعلوا لله جسما ماديا. لقد سألتُ عالما كبيرا عن الفَرق بين المحكم والمتشابه فقال: لقد اختلط الأمر، فصدمتُ بجوابه كثيرا.

أرى هذا الأمر سهلا جدا، وأرى أن جزءا من كلام كل متكلِّم يكون محكَما أي يُفهَم بكل سهولة ويكون هناك جزءٌ يجد المرء صعوبة في فهمه، ويمكن أن يكون له أكثر من معنى لكونه مجملا. هذه الحالة تطرأ على كل إنسان. وقد بيّن الله تعالى لهذا الأمر سبيلا أن الآيات التي تُفهَم بسهولة ولا تخالف التجربة والعقل والمشاهدة فاتخذوها مُحكَمات. أما التي لا تفهمون معانيها فيجب ألا تستنبطوا منها معانٍ تعارض الآيات المحكمات.

من هم المتكلمون الذين أميل إليهم؟ إنهم المحدثون والصوفياء الكرام والحكماء العظام وعلماء الطبيعة. فأحبهم جيمعا كثيرا وكلما أقرأ كلامهم أفهم بعضه فورا، وأحيانا أجد صعوبة في فهم الكلام، فأراه متشابها، وأفهم الهدف الحقيقي للمؤلف واضعا إياه في الحسبان حاسبا المحكمات أمّ الكتاب. فكانت هناك عدة مواضع بمنزلة المتشابهات بالنسبة لي في وقت ثم صارت محكمات في وقت آخر.

ملخص الكلام أن بعض الآيات تكون مفهومة جيدا، ولكن لا تنكشف معاني بعضها الأخرى سريعا، فقد بيّن الله تعالى سرّا لذلك. أما هنا فيقول الله – سبحانه وتعالى -: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ … وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} هناك يوجد الوقف.

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} والذين يتمنون أن يصبحوا راسخين في العلم يؤمنون بالمحكمات فورا، ولا ينكرون المتشابهات، بل يقولون: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، أي يقبلون أن كليهما من عند الله. فلا يستنبطون من المتشابه معنى يعارض المُحكَم بل يضعون مبدأ: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} في الحسبان دائما. مهما كثرت معنى آية ولكن يجب ألا يُستنبَط منها معنى تخالف المحكم.

والطريق الثاني هو الدعاء، فقد بيّنه – عز وجل – بقوله: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}، أي أنقذنا يا ربنا من الاعوجاج؛ أي أن نستبنط من القرآن معنى بحسب رغباتنا.

{وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}، وما هي الرحمة؟ فقال: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (الرحمن: 2 – 3) (ضميمة جريدة بدر قاديان، العدد: 27/ 5/1909م)

{آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} لكل شخص يكون هناك جزء من العمل مُحكما يفهمه جيدا، ويكون جزء منه متشابها تكون فيه بعض الشبهات. فعليه أن يجعل ذلك المتشابه تابعا للمحكم، ويستنبط من المتشابه معنى لا يخالف المحكم. (1) إذا كان {وَوَجَدَكَ ضَالًّا} متشابه فسيحله: {مَا ضَلَّ} هذا هو الطريق الأول لفهم كلام الله. والطريق الثاني هو الدعاء. والثالث هو خوف القيامة.

{ابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ} المراد هو حقيقة الهدف الذاتي، لذا هذا الهدف أيضا سيّء مثل: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ}. {إِلَّا اللَّهُ} أي حقيقته مذكورة في آيات أخرى، وتلك الآيات هي من الله لذا فحقيقتها عند الله. (تشحيذ الأذهان، مجلد8، رقم9، العدد: 445)

10: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}

{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ} فليعلم أنه ما دام المرء لا يتحمل الإهانة في مجلس عادي فكيف يتحملها في مجلس يضم الأولين والآخرين. فلا تجعلني يا رب أن أفهم من القرآن خطأ غير ما يقصده فأواجه العذاب.

{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}. أحد وعود الله هو: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنْكبوت: 70)، والآخر هو: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ} أي سنعلّم الذين يدعوننا. (ضميمة جريدة بدر قاديان، العدد: 27/ 5/1909م)

About الخليفة الأول للمسيح الموعود المولوي نور الدين القرشي رضي الله عنه

View all posts by الخليفة الأول للمسيح الموعود المولوي نور الدين القرشي رضي الله عنه