حديث العرب
“ابْنِ مَنْدَهْ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَكْرَمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ذُكْوَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَذَكَرَ حَدِيثًا قَالَ فِيهِ : فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا ، وثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنيِ آدَمَ ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ بَنيِ آدَمَ الْعَرَبَ ثُمَّ اخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ مُضَرَ قُرَيْشًا ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنيِ هَاشمٍ ، ثُمَّ اخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، فَأَنَا خِيَارٌ مِنْ خِيَارٍ “.
قال ابن حجر رحمه الله: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ وَاقِدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ ، وَقَالَ : لَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ انْتَهَى ، وَحَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ ضَعِيفٌ ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ ، فَقَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَأَمَا شَيْخُهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ، فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ فِي الْجُمْلَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعَنْ فِيهِ بِقَادِحٍ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .” (انظر: الأمالي المطلقة لابن حجر» الله خلق السماوات سبعا، وثم خلق الخلق ، فاختار.. رقم الحديث: ٦٣)
وشاهد الحديث من صحيح مسلم:
“حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ جَمِيعًا ، عَنْ الْوَلِيدِ ، قَالَ ابْنُ مِهْرَانَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ” إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ “.” (صحيح مسلم » كِتَاب الْفَضَائِلِ » بَاب فَضْلِ نَسَبِ النَّبِيِّ ﷺ، ٤٢٢٨)
الإعتراض عن متن الحديث
اعترض أحد الأفاضل على متن هذا الحديث، ولعل الاعتراض عند غيره من الإخوة أيضا. محل الاعتراض هو التعالي والتكبر الذي في ظاهر الحديث وتفضيله لخلق على آخر وأن الله تعالى لا يأمر بتفضيل خلق على آخر ولا يمكن أن يتحدث نبي بهذا الوجه من التعالي على خلق الله، ولذلك فالحديث من وجهة نظر الأخ المحترم آول دعوى جاهلية في الإسلام.
الجواب على الاعتراض
١- وخلق الخلق فاختار بني آدم:
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء : ٧١]
فالله تعالى بالفعل كرّم بني آدم على الخلق بالعقل والأخلاق وقد ورد في الكتب المقدسة أن الله خلق الإنسان على صورته وهذا تعبير مجازي يُقصد به العقل والاختيار والفطرة السليمة التي تولد مع الإنسان فيكون مثيلاً لله تعالى في أخلاقه مجاهداً في التزود من التقوى والتحلي بالخلق الذي جبل عَلَيهِ لرعاية الخلق كافة والتقرب إلى خالقه بالتقرب لصفاته وأسماءه الحسنى ﷻ.
فالمعنى إذاً إخبار قرآني عن حقيقة ثابتة.
٢- واختار من بني ادم العرب:
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [يوسف : ٣]
فالعرب أو العربي سمي كذلك لوضوح لغته وسلاستها وأصلها واتساعها وشموليتها ولذلك يقال أعْرَبَ أي وضّحَ وبيّنََ، فهي لغة البيان والوضوح. لهذا أنزل الله تعالى كتابه الأكمل بهذا اللسان المبين وأعاد الأمر إلى الأصل الأول.
٣- واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم:
﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج : ٧٦]
﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ﴾ [طه : ١٤]
ومضر هو الجد السابع عشر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. وقريشاً من مضر ومنها اصطفى الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حسب الآيات أعلاه.
٤- فأنا خيار إلى خيار:
جواب ذلك كل الآيات أعلاه مجتمعة. والمعنى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ليس إلا من خيار الناس لا من أراذلهم أخلاقاً وهذه هي العبرة العظيمة من الحديث أي أن يحرص الناس على تربية أولادهم وأنفسهم بمنتهى الصلاح فذلك سبب في صلاح أجيالهم ومن هذه الأجيال التي تسموا في الصلاح والخير يختار الله تعالى رسله.
ولقد قال المسيح الموعود عليه السلام في شرح قوله تعالى: [وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ] (الشعراء ٢١٨-٢٢٠): “كان الله تعالى هو من يراك منذ أن كنت تتنقل كبذرة في أصلاب الصالحين إلى أن استقررتَ في بطن والدتك المعصومة الصالحة “آمنة”.” (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية المجلد ١٥ ص ٢٨١).
٤- الزيادة في الحديث :
فمن احب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم:
﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: ٣٢]
يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن إتباع النبي ﷺ
“انظروا! يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
[قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ] (آل عمران: 32)
السبيل الوحيد للفوز بحب الله تعالى هو الطاعة الكاملة للنبي الكريم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم؛ وليس ثمة سبيل آخر يوصلكم بالله. يجب أن يكون هدفُ الإنسان النهائي دائمًا الاهتداءَ إلى الإله الواحد الذي لا شريك له. وعليه اجتنابُ الشِّرْك بالله والبِدعات وطاعةُ الرسول الكريم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعدمُ اتّباع أهوائه ورغباته الدنيوية. اسمعوا! أقول لكم ثانية: لا يمكن للإنسان أن ينجح بأيّ طريق آخر غير اتباعه الطريق الحقّ لمحمد رسول الله ﷺ. ليس لنا إلا رسول واحد؛ ولم ينـزل عليه إلا قرآن واحد، وبطاعته يمكننا الاهتداء إلى الله ﷻ. إنّ جميع البدَع التي يمارسها الدراويش، والأذكار والأوراد التي ابتدعها أهل الزوايا، إنما هي جميعها أدوات لإضلال الإنسان عن الصراط المستقيم؛ فاجتنبوها. لقد حاول هؤلاء الناس أن يكسروا خَتْمَ خاتمَ النبيين ﷺ، وصَنعوا لأنفسهم شريعةً مختلفة. عليكم أن تتذكروا أنّه لا مفتاح لِفتح باب نِعم الله وبركاته إلا الالتزام بتعاليم القرآن المجيد، واتّباع الرسول الكريم ﷺ، وإقامة الصلاة، وصوم رمضان. ومخطئٌ مَن يبتدع طرقا أخرى تاركا هذه السبل. ألا إنّ الذي لا يعمل بحسب أوامر الله تعالى ورسوله بل يبحث عن طرق أخرى للوصول إليهما سيموت خائبا خاسرا.” (الملفوظات، الإصدار الجديد، المجلد ٣، ص ١٠٢- ١٠٣)
ويقول عَلَيهِ السَلام في حب العرب:
“السلام عليكم، أيها الأتقياءُ الأصفياء، مِن العَرَبِ العُرَباء. السلام عليكم، يا أَهْلَ أرضِ النبوّةِ وجيرانَ بيتِ اللهِ العُظمى. أنتم خيرُ أمم الإسلامِ وخيرُ حِزبِ اللهِ الأَعلى. ما كان لقومٍ أن يبلُغ شأنَكم. قد زِدتم شَرَفًا ومَجدًا ومَنـزلاً. وكافِيكم مِن فخرٍ أن اللهَ افتتحَ وحيَه من آدمَ وختَم على نبيٍّ كان منكم ومِن أرضِكم وَطَـنًا ومَأوًى ومَولدًا….
يا سكّانَ أرضٍ وَطِـئَتْها قَدَمُ المصطفى.. رَحِمَكم اللهُ ورَضِيَ عنكم وأَرْضَى.. إن ظني فيكم جليلٌ، وفي روحي للقائكم غليلٌ، يا عبادَ اللهِ. وإني أَحِنُّ إلى عِيانِ بلادكم، وبركاتِ سوادِكم، لأزورَ مَوطِئَ أقدامِ خيرِ الورى، وأجعلَ كُحْلَ عيني تلك الثرى، ولأَزورَ صلاحَها وصُلحاءَها، ومَعالِمَها وعُلماءَها، وتَقَرَّ عيني برؤيةِ أوليائِها، ومَشاهدِها الكبرى. فأَسْأَل اللهَ تعالى أن يرزُقَني رؤيةَ ثراكم، ويَسُرَّني بمَرآكم، بعنايتِه العظمى.
يا إخوان.. إني أُحِبُّكم، وأُحِبُّ بلادَكم، وأُحبُّ رَمْلَ طُرُقِكم وأَحجارَ سِكَكِكم، وأُوثِرُكم على كلِّ ما في الدنيا.
يا أَكبادَ العرب.. قد خَصَّكم اللهُ ببركاتٍ أَثيرة، ومَزايا كثيرةٍ، ومَراحِـمِه الكبرى. فِيكم بيتُ اللهِ التي بُورِكَ بها أُمُّ القُرَى، وفيكم روضةُ النبيِّ المبارك الذي أشاعَ التوحيدَ في أقطارِ العالَمِ وأَظهَرَ جلالَ اللهِ وجَلَّى. وكان منكم قومٌ نصَروا اللهَ ورسولَه بكل القلبِ، وبكل الروحِ، وبكل النّهَى. وبذَلوا أموالَهم وأنفسَهم لإشاعةِ دينِ اللهِ وكتابِه الأَزْكَى. فأنتم المخصوصون بتلك الفضائلِ، ومَن لم يُكرِمْكم فقد جارَ واعتَدَى.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج ٥ ص ٤١٩-٤٢٢)
حديث حب العرب خال من الكبر
إذا فليس في الحديث أي رائحة للكبر والفخر فقد حدَّثَ النبي ﷺ مراراً وأردف بقوله ﷺ “ولا فخر” أي أننا لسنا من الفخورين التائهين في الزهو والخيلاء بل العكس أي أنه درس مهم للسامعين كما وضحته الآيات أعلاه.
كذلك تحمل الزيادة في الحديث على فرض ثبوتها وصحتها نبوءة حول العرب في المستقبل حين يهجروا القرآن ويكون الشر قد اقترب كما في الحديث الشهير، وهذا سيكون سببا في كَــراهِــيـِّــة الناس للعرب وتحميلهم وتحميل الإسلام أيضاً سبب كل الشقاء في العالم حتى أن الله تعالى سيرسل مسيحه من خارج العرب أي من بني فارس. وهنا يناشد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم الناس أن لا يكرهوا العرب فقد اختار الله تعالى العرب لحمل أمانة القرآن المجيد وأن كره العرب ليس هو الحل ولكن بحب العرب والسعي لإصلاح شؤونهم حين يكون الشر قد اجتمع في بلدانهم وغادرتهم أخلاق القرآن الكريم. ولهذا أرسل الله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لا لإهانة العرب وكرههم بل لإصلاح شأنهم لتعود أخلاق القرآن الكريم فيهم من جديد، وهذا هو التجديد.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ