طالما صدّعَ المعترضون على الجماعة الإسلامية الأحمدية رؤوس الناس بتكفيرهم لها بِحُجَّة فهمهم السقيم لحديث “لا تجتمع أمتي على ضلالة“. وفيما يلي نُقدّم للقرّاء الكرام موجزاً عن هذا الحديث ومعناه الصحيح.

 المعنى الصحيح لحديث “لا تجتمع أمتي على ضلالة” على ضوء الأحاديث الصحيحة

ليعلم الجميع أنَّ المعنى الصحيح للحديث المشهور “لا تجتمع أمتي على ضلالة” ليس أن هنالك جماعة واحدة على الباطل بينما باقي الفرق التي تجتمع على تكفير هذه الجماعة هم على الحق، بل المعنى الحقيقي الصحيح هو أن هنالك جماعة واحدة على الحق أي لا تجتمع كُلّ الأمة على الباطل بل لا بد أن توجد جماعة على الحق، فلا يصح اجتماع فرق المسلمين كلها على الباطل وإنما لا بد أن يوجد الحق في جماعة واحدة منها. وهذا هو المعنى المعروف عند السلف الصالح ومنهم الإمام المباركفوري رحمه الله الذي يقول:

«لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ»، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّ بِوُجُودِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الضَّلَالَةِ.” (تحفة الأحوذي)

وهو المعنى الذي قال به الإمام النووي أيضاً رحمه الله كما يلي:

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقّ لَا يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه وَهُمْ كَذَلِكَ» … وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُعْجِزَة ظَاهِرَة؛ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْف مَا زَالَ بِحَمْدِ اللَّه تَعَالَى مِنْ زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآن، وَلَا يَزَال حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث.” (شرح صحيح مسلم للنووي)

وكذلك هو المعنى عند الحافظ ابن كثير رحمه الله الذي يقول:

وفي بعض الروايات عليكم بالسواد الأعظم الْحَقُّ وأهله فأهل الحق هم أكثر الأمة ولا سيما في زمان الصدر الأول لا يكاد يوجد فيهم من هو على بدعة، وأما في الأعصار المتأخرة فلا يعدم الحق عصابة يقومون به.” (كتاب نهاية الفتن والملاحم، ابن كثير)

 سند حديث “لا تجتمع أمتي على ضلالة” ضعيف بكل طرقه

أما حديث الضلالة لذاته فهو ضعيف معضل بسائر طرقه. قال الإمام النووي رحمه الله:

وَأَمَّا حَدِيث لَا تَجْتَمِع أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَة” فَضَعِيف. وَاللَّهُ أَعْلَم“. (شرح صحيح مسلم للنووي)

ولنأخذ حديث أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي يقول فيه:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ.” (رواه ابن ماجة في السنن رقم 3950)

هذا الحديث ضعيف قال الألباني عنه في ضعيف ابن ماجة:

ضعيف جداً.” (المشكاة 173 – 174، السلسلة الضعيفة 2896، صحيح الجامع 1848)

ويتفق الحافظ ابن كثير رحمه الله أيضاً مع المضعّفين للحديث كما يلي:

حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا معاذ بن رفاعة السلامي، حدثنا أبو خلف الأعمى أنه سمع أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمّتِي لَنْ تَجْتمعَ على ضَلاَلةٍ، فإذا رأيتم الاختلافَ فعليكم بالسَّوادِ الأعظَم“. ولكن هذا حديث ضعيف لأن معاذ بن رفاعة السلامي ضعفه غير واحد من الأئمة.” (كتاب نهاية الفتن والملاحم، ابن كثير)

أما باقي طُرُق هذا الحديث فكلها معضلة عند العلماء. يقول الإمام المباركفوري رحمه الله:

… قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: قَوْلُهُ وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ. هَذَا فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ.” (تحفة الأحوذي للمباركفوري)

ثم يستعرض المباركفوري جميع الطرق مع بيان حالها كما يلي:

مِنْهَا لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا: “إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ: أَنْ لَا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ لِتَهْلَكُوا جَمِيعًا، وَأَنْ لَا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ“، وَفِي إِسْنَادِهِ اِنْقِطَاعٌ. وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: “لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالٍ أَبَدًا“. وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ لَهُ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا: “لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ“، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّ بِوُجُودِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الضَّلَالَةِ. وَقَالَ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ يَسِيرِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: شَيَّعْنَا اِبْنَ مَسْعُودٍ حِينَ خَرَجَ فَنَزَلَ فِي طَرِيقِ الْقَادِسِيَّةِ فَدَخَلَ بُسْتَانًا فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ وَإِنَّ لِحْيَتَهُ لَيَقْطُرُ مِنْهَا الْمَاءُ، فَقُلْنَا لَهُ اِعْهَدْ إِلَيْنَا فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي الْفِتَنِ، وَلَا نَدْرِي هَلْ نَلْقَاك أَمْ لَا، قَالَ: اِتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ. إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ: أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ خَرَجَ مِنْ الْكُوفَةِ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالٍ اِنْتَهَى. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا: “نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” الْحَدِيثَ. وَفِي آخِرِهِ: “وَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي فِي أُمَّتِي وَأَجَارَهُمْ مِنْ ثَلَاثٍ: لَا يَعُمُّهُمْ بِسَنَةٍ، وَلَا يَسْتَأْصِلُهُمْ عَدُوٌّ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ” وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا: أَنَّهُ قَالَ “اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ مِنْ اِثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّتِي إِلَّا عَلَى هُدًى.. (تحفة الأحوذي للمباركفوري)

إذن ليس المعنى هو اجتماع كُلّ الفرق على تكفير فرقة/جماعة/عصابة واحدة فقط بل العكس؛ أي أن الْحَقَّ لا بد أن يكون في جماعة واحدة من هذه الأمة. وهذا هو معنى الحديث الصحيح “تفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة”. فهذا الحديث يشرح معنى حديث الضلالة الضعيف.

 حديث افتراق الأمة الصحيح يشرح حديث الضلالة الضعيف

أما حديث افتراق الأمة على 73 فرقة كلها في النار إلا واحدة فقد رواه الإمام أحمد بن حَنْبَل، وابن أبي الدنيا، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، والحاكم، وصحّحوه رحمهم الله، ورواه غيرهم أيضا. رَوَوْه عن عَوْفِ بن مالك، ومعاوية، وأبي الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وواثلة، وأبي أمامة رضوان الله عليهم أجمعين وَآخَرِينَ بألفاظ متقاربة.

 الجماعة هي التي على الحق

عن معاوية رضي الله عنه قال:

قام فينا رَّسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: «ألا إن مَن قَبلكم مِن أَهْلِ الْكِتَابِ افترقوا على اثنتينِ وسبعينَ مِلّة، وإنّ هٰذه الأمة ستفترقُ على ثلاثٍ وسبعين، ثنتان وسبعونَ في النَّارِ، وواحدةٌ في الجَنّة، وهيَ الجَماعة” (رواه الإمام أحمد بن حَنْبَل في مسنده، وأبو داود في السُنن)

وأخيراً يكفي قول النبي ﷺ أنَّ (( أمته )) هي التي تفترق، أي أن جميع المفترقين سواء الناجين منهم والمخطئين جميعهم أُمّته، أي لا يجوز التكفير بعد وصف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أن الفرق التي على الحق والأخرى التي على الباطل كُّلّهم أُمّته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد