بسم الله الرحمن الرحيم
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (19)} (الأنبياء 19)
الحلقة الثانية- معجزة اللغة العربية
في الردّ على الاعتراضات حول معجزة المسيح الموعود عليه السلام أن الله عز وجل قد علمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة
كنا قد رددنا في الحلقة الماضية على اعتراض المعترضين في هذا الموضوع عن معنى العبارة “اللغات العربية” في قول سيدنا أحمد عليه السلام: إن الله تعالى قد علمه أربعين ألفا من اللغات العربية، حيث سخر المعترضون من هذه العبارة بقولهم إنه لا معنى ولا أصل لها، فبيّنا أنها عبارة أصيلة في اللغة وجاءت في أمهات المراجع العربية فالاعتراض على مثل هذه العبارة إنما يدل على جهل المعترضين بلغتهم الأم، كما وبيّنا المعاني المختلفة لهذه العبارة حيث تعني من بين ما تعنيه: اللهجات، والألفاظ، والألفاظ المترادفة، والاختلافات النحوية وغيرها. وبذلك يكون كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عينَ الصواب حيث قصد كل مواد اللغة العربية من لهجاتٍ وجذورٍ وألفاظٍ مختلفة قديمةٍ وحديثةٍ ثابتةٍ ومندرسةٍ لا يمكن إحصائها.
ونتابع في هذه الحلقة الردّ على الاعتراضات الأخرى التي تثار بالنسبة لهذه القضية:
الاعتراض:
يقول المعترضون إن هذه المعجزة ما هي إلا كذبة كبيرة، ولعلها من أكبر التزييفات ومن أكبر الأكاذيب، ليس في هذه الجماعة، بل في التاريخ كلّه!!”
الردّ:
أولا نقول لهم على افتراض أنها كذبة والعياذ بالله، فهل هذا التزييف المفترض أكبر من تأليه المسيح الذي سماه الله تعالى بفتنة المسيح الدجال؟ وهل هو أكبر من كل الأكاذيب والمؤآمرات التي شهدها التاريخ؟!
ونذكّر هؤلاء المعترضين ونقول بأن هذه المعجزة والآية العظيمة قد جاءت مصداقا لنبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ينكرها إنما ينكر نبوءة من نبوءات سيدنا محمد صلعم والتي جاءت في الحديث الشريف التالي:
عن علي ؓ قال: قال رسول الله ﷺ: “المهدي منا أهلَ البيت، يصلحه الله تعالى في ليلة واحدة.” (11) (11) أخرجه أحمد، ابن ماجة، أبو عَمرو الداني، أبو نعيم الأصفهاني والطبراني، وصححه أحمد شاكر والألباني.
ويتضح هذا الإصلاح الوارد في الحديث الشريف الآنف الذكر، بما جاء في أحاديث أخرى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
حيث جاء عن أبي هريرة ؓ: “إن المهدي اسمُه محمدٌ بنُ عبدِالله، في لسانِه رُتّة.” (12) (كتاب مقاتل الطالبيين : ص 163 – 164.لأبي الفرج الأصفهاني)
وفي القاموس جاء عن معنى: الرُّتّة- بالضم- العُجمة [ر ت ت]. فِي لِسَانِهِ رُتَّةٌ: عُجْمَةٌ، أَيِ التَّرَدُّدُ فِي النُّطْقِ. (13) () انظر هنا
وَصَفَ المهديَّ فذكرَ ثِقَلاً / ثَقُلا في لسانه” (14). (كتاب الفتن لنعيم بن حماد). والرتة والعجمة تعني أن حضرته سوف يجد صعوبةً أو نقصاً بادياً في اللغة، وهو ما قُصد بإصلاحه في ليلة، وقد أصلح الله تعالى لسان الإمامِ المهديّ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام حقا في ليلة.
فعلام العجب من معجزة تحققت مصداقا لنبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (60) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (61)} (النجم 60-61)
وفي هذه الأحاديث ردٌ على المعترضين ليس فقط في مسألة هذه المعجزة، بل في اعتراضاتهم على لغة حضرته أن بها أخطاءً لغويةً يعزونها إلى العجمة.حيث تصف هذه الروايات المهديَ عليه السلام أن في لسانه رتةً وثقلاً، فعلام تعجبون وتضحكون ولا تبكون.
ونذكّر بما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:
“لا يحيط باللغة إلا نبي“. يقول الإمام السيوطي رحمه الله في الإتقان : “ولكن لغة العرب متسعة جداً ولا يبعد أن تخفى على الأكابر الأجلة ، وقد خفي على ابن عباس معنى فاطر وفاتح . قال الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي“. (15)
(15) الإتقان في علوم القرآن ج 2، ص 105-106. للسيوطي تحفة المنهاج بشرح المنهاج.
فإحاطة حضرته عليه السلام وامتلاكُه ناصية هذه اللغة رغم الرتة في لسانه إنما هو إثبات وآية أخرى على نبوّته عليه السلام.
الاعتراض:
يقول المعترضون إن من الأدلة على بطلان هذه المعجزة هو أن سيدنا أحمد (عليه السلام) لم يقل بنفسه إنه تعلم اللغة العربية في ليلة واحدة قطّ، وإنه لم يذكرها البتة في كتاباته رغم أهميتها؛ وهذا دليل على أنها كِذبة.
الردّ:
هذا الاعتراض بحدّ ذاته كذب صريح وافتراء، فقد ذكر سيدنا أحمد عليه السلام، هذه الحادثة او هذه المعجزة في كتابه مكتوب أحمد، إذ جاء فيه:
”إن كمالي في اللسان العربي، مع قلة جهدي وقصور طلبي، آيةٌ واضحة من ربي، ليُظهر على الناس علمي وأدبي. فهل من معارض في جموع المخالفين؟ وإني مع ذلك عُلّمت أربعين ألفا من اللغات العربية، وأُعطيتُ بسطة كاملة في العلوم الأدبية، مع اعتلالي في أكثر الأوقات، وقلّة الفترات، وهذا فضل ربّي أنه جعلني أبرعَ من بني الفُرات، وجعلني أعذبَ بيانا من الماء الفرات. وكما جعلني من الهادين المهديين، جعلني أفصحَ المتكلمين. فكم من مُلَحٍ أُعطِيتُها، وكم من عذراءْ عُلّمتُها، فمن كان من لُسن العلماء، وحوى حسن البيان كالأدباء، فإني أستعرضه لو كان من المعارضين المنكرين.
وقد فُقت في النظم والنثر، وأُعطيت فيها نورًا كضوء الفجر، وما هذا فعل العبد، إنْ هذا إلاّ آية رب العالمين. فمن أبى بعد ذلك وانزوى، وما بارزني وما انبرى، فقد شهد على صدقي ولو كتم الشهادة وأخفى.” (مكتوب أحمد)
وأما ذكره عليه السلام أن هذه الحادثة قد حدثت في ليله واحدة، وهي الليلة التي سبقت بدءه بكتابة كتاب التبليغ، فقد جاء في مقدمة كتاب التبليغ نفسِه ذكرُها، إذ قال حضرته:
”وكنتُ أنوي أن أكتب هذه الرسالة بالأردية ولكن عَلمتُ الليلة من بعض الإشارات الإلهامية أنه يجب أن أكتبها بالعربية“
فهكذا يكتمل ركنا ذكر هذه النبوءة في كتب حضرته؛ إذ ذكَر حضرته تعلُّم الأربعين ألفا من العربية، وذكَر الليلة في كتاب التبليغ. وهكذا يثبت بالقطع أن حضرته ذكر هذه المعجزة في كتبه بخلاف ما يدعيه المعترضون زورا وبهتانا.
الاعتراض:
يقول المعترضون إن من الادلة على أن هذه المعجزة كذبة هو أن سيدنا أحمد عليه السلام لم يذكرها فورا بعد وقوعها، بل ذكر شيئا من هذا في كتاب مكتوب أحمد الذي صدر عام 1896، بينما هذه المعجزة كانت عام 1893، أي قبل ذلك بثلاث سنين.
الردّ:-
نقول إن ذكر هذه المعجزة بعد ثلاث سنين فهذا أمر لا يقدم أو يؤخر في حقيقة أنها قد حدثت، وأن حضرته قد ذكرها، أما مطلب المعارضين بأنه كان يجب أن يوردها في كتبه مباشرة بعد حدوثها فهذا مما لا يلزم، بل قد أوردها حضرته عندما كان هنالك مناسبة لذلك. ومعلوم أن كتب حضرته التي ذكر فيها الآيات قد تضمنت أحداثا كان بعضها قد حدث قبل ثلاثين عاما، ومنها ما لم يكن قد كُتب سابقا في أي كتاب، وإن كان معروفا ومتداولا، فهذا يدل على أن المناسبة هي التي كانت تقتضي الإيراد.
وعلى كل حال، فإن بالإشارةِ إلى هذه الآية وبذكرِ الليلة في كتاب التبليغ الذي كتبه حضرته بعد هذه المعجزة مباشرةً، تحقق هذا الغرض وهذا المطلب الذي يريده المعترضون رغم أنه ليس لازما أصلا.
ملحوظة: هذه السلسلة من الحلقات في موضوع معجزة اللغة العربية هي جمع لردود الإخوة الأفاضل، تميم أبو دقة، فراس عبد الواحد، وحلمي مرمر.