الثابت فيما يتعلق بسنة مولد المسيح الموعود هو أنه قد صرَّح بأنه تلقى الوحي عام 1290 هجرية، وأنه كان يبلغ الأربعين عاما حينها، أي أنه ولد عام 1250 هجرية الموافقة لعام 1835 للميلاد، وقد جاء ذلك في قوله:
“لقد تشرفت بالمكالمة والمخاطبة الإلهية في1290هـ بالضبط.” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج 22 ص 207)
ثم يقول: “ولما بلغ عمري الأربعين عامًا، شرفني الله تعالى بإلهامه وكلامه.” (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية ج 15 ص 283)
وهذان النصَّان يقطعان في المسألة وينهيانها.
أما في مناسبات أخرى، فعندما تكلَّم المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام عن عمره فلم يكن مهتما بتحديد سنة ولادته بدقة، وفي العديد من المواضع ذكر عمره تقديرا، وأحيانا كان تقديره قريبا من عمره الحقيقي وأحيانا كان يقل أو يزيد قليلا، ولكنه ترك بعض الإشارات القطعية التي جمعها ابنه ميرزا بشير أحمد وقد استفاد منها في تحديد يوم وشهر ولادته بدقة، إذ كان في 13 شباط 1835م. ومن هذه الإشارات أنه ولد يوم جمعة في الرابع عشر من شهر قمري وفي شهر بهاجن وفقا للتقويم الهندي المسمى بالتقويم البكرمي. وهذه الدراسة التفصيلية متوفرة ودقيقة للغاية.
ولكن من العجيب أيضا أن الوحي الذي كان يصاحبه عند كتابته لكتبه قد جعله يحدد سنة مولده بالهجرية بصورة دقيقة بطريقة أخرى بناء على الأنباء والإشارات الإلهية، والتي ارتبطت أيضا بنبأ خفي في القرآن الكريم.
ففي كتابه “التحفة الغرولوية (يمكن تحميل الكتاب من هنا)” قدَّم المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام دلائل على أن الوقت هو وقت بعثة المسيح الموعود بحسب القرآن، ليس فقط بالعلامات الظاهرة، بل ببعض الأمور الخفية أيضا. فقد أخبر أن سورة العصر تتضمن تحديد وقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من زمن آدم، حيث قال:
“.. بموجب هذا الحساب المحفوظ عند اليهود والنصارى بتواتر والذي شهادته موجودة بإعجاز في كلام القرآن الكريم الإعجازي بكمال اللطافة كما قد فصلناه في المتن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد بعث بعد 4739 عام (قيمة كلمات سورة العصر بحساب الجمَّل وفقا للرسم القرآني) من آدم عليه السلام وفق التقويم القمري. أما بالحساب الشمسي فقد ظهر نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم من الله بعد 4598 عام من آدم صفي الله عليه السلام، ومن هنا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ظهر في الألف الخامس لا في الألف السادس، وهذا الحساب دقيق جدا؛ فهو متواتر عند علماء اليهود والنصارى، ويصدقه القرآن الكريم.”
ولفهم هذا الموضوع يجدر فقط الانتباه إلى المقصود بالأيام في هذه النصوص، والتي تتباين وفق سياقها. فهنالك أيام الله التي خلق فيها السماوات والأرض، وكل يوم فيها هو ملايين السنين، وهنالك الأيام المتعلقة ببعثة الأنبياء والتي جعلها الله ألف سنة من سنيننا كما يذكر القرآن الكريم، وهنالك أيام الأسبوع التي سُميت تيمنا بتلك الأيام التي خلق الله فيها السماوات والأرض والتي بعث فيها الأنبياء. وآدم الأخير في سلسلة الأنبياء هو آدم المقصود وليس المقصود بداية خلق البشر على وجه الأرض أو بداية سلسلة النبوة على وجه الأرض التي رافقت الخلق أيضا. فرغم أن حضرته قال إن عمر البشرية إنما هو سبعة آلاف عام – نظرا إلى ما سبق- إلا أن حضرته بيَّن بأن بداية خلق البشر كانت منذ دهور سحيقة، إذ يقول:
“والجواب أن هذا الاعتراض (اعتراض على أن عمر البشرية ليس أكثر من ستة آلاف عام، فكيف أدى هذا إلى تعدد الألسنة مع هذه السنوات القليلة؟) ليس إلا مِن قبيل بناء الفاسد على الفاسد؛ إذ ليس من الأمور القطعية اليقينية أن عمر الدنيا أربعة أو خمسة آلاف سنة فقط، ولم يكن قبلها أي أثر للسماء والأرض. بل الحق أن التدبر العميق يكشف أن هذه الدنيا عامرة منذ دهور سحيقة.” (مواهب الرحمن، ج2 ص8)
وبالعودة إلى موضوعنا، نجد أن المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام أخبر أنه وفقا لهذا النظام والأنباء المتنوعة التي ذكر تفاصيلها في كتابه التحفة الغرولوية، والمتعلقة بآدم الأخير وبالسبعة آلاف عام الأخيرة، فإن المسيح الموعود سيولد في الجزء الأخير من الألف السادس، الذي هو جمعةُ أيامِ بعث الأنبياء. فقال مؤكِّدا أنه يولد في ذلك الوقت تماما – أي في الألفية السادسة التي هي الجمعة من أيام النبوة- بل شاء الله أن يولد في يوم الجمعة من أيام الأسبوع أيضا إشارة إلى هذه النكتة أيضا:
“ومن المصادفات الغريبة أن هذا العبد المتواضع لم يولد فقط في الجزء الأخير من الألف السادس- الذي له العلاقة بالمشتري نفسها التي كانت لآدم باليوم السادس أي بجزئه الأخير- بل قد وُلد هذا العبد المتواضع في يوم الجمعة، وفي الرابع عشر بحسب القمر.”
فإذا كان اليوم السادس هو الألفية السادسة من آدم، وكان من آدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم 4739 سنة قمرية (وفقا لحساب الجمَل لسورة العصر كما أنبأه الله تعالى)، فإن الألفية السادسة ستنتهي وفق التقويم القمري بعد 1261 عاما قمريا من النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو حاصل طرح 4739 من 6000 عام.
ثم الأمر المذهل هو أن حضرته قد أخبر أنه ولد قبل 11 عاما تحديدا من نهاية الألفية السادسة -أي لم يترك مسألة الجزء الأخير معلقة بل حددها بعدد السنوات – إذ قال:
“فقد أثبتنا بهذا الحساب من حساب الجمّل لسورة العصر أنني وُلدت يوم كان أحدَ عشر عاما قد بقي من اليوم المحمدي، وهو الجزء الأخير من ذلك اليوم”
وهذه السنة هي عام 5989 من آدم، وهذا يعني أنه قد ولد في عام 1250 (أو 1261-11) من النبي صلى الله عليه وسلم، وعام 1250 هجرية يطابق بالتقويم الميلادي 1835 ميلادية، وهو التاريخ الذي صرَّح به حضرته كما ذكرنا سابقا، والذي يؤكده البحث الذي تحدد به يوم ميلاده أيضا، ذلك البحث الذي قام به مرزا بشير أحمد رضي الله عنه، الابن الثاني لحضرته.
أما هل هذا التاريخ متعلق بالهجرة أم بالبعثة؟ فلا بد أن يكون متعلقا بالهجرة التي هي تقويم محفوظ وثابت ومعروف عند المسلمين، وهي التي كانت بداية ظهور بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته، ولذلك لم يخترها سيدنا عمر رضي الله عنه عبثا، بل لا بد أن يكون ذلك بإشارة سماوية، وإلا كان الأولى اختيار عام البعثة الذي سبقها بثلاثة عشر عاما. ثم إن سورة العصر تتحدث عن خسران الكافرين وفوز المؤمنين، وكانت الهجرة هي البداية لهذا الحدث.
وهكذا تبيَّن أن سنة ميلاد حضرته – وفقا لهذا الحساب المرتبط بنبأ خفي في القرآن الكريم – لا بد أن تكون عام 1250 هجرية، وهي الموافقة لعام 1835 للميلاد.
وهكذا نجد أن الوحي قد أنبأه بسنة ميلاده بدقة مسبقا، وربطها بتلقيه الوحي في الأربعين كما يتضح من الاقتباسين في أول المقالة، ونجد هنا أيضا أن تحديد عام ولادته قد كان خفيا في أنباء القرآن الكريم التي أطلعه الله تعالى عليها. وفي هذا آية عجيبة للمتدبرين!