وفاة المسيح الموعود  مرزا غلام أحمد القادياني عليه السلام

لمعرفة تفاصيل وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سنأخذ شهادة أحد الأدباء المحايدين وهو الأستاذ إين أدمسون الكاتب والمؤلف الإنكليزي في الهند كي تكون الشهادة عادلة ومنصفة بلا ميل إلى جهة فلا هو من الجماعة الإسلامية الأحمدية ولا هو من السنة أو الشيعة بل هو مثقف مسيحي كتب الحقيقة فقط.

يكتب المؤلف الإنكليزي “إيان آدمسون” ما يلي مُسجِّلاً الساعات الأخيرة في حياة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:

يجدر الذكر أنَّ أحمد .. قد أخبر أفراد عائلته والمقربين من أتباعه أنَّ وفاته صارت وشيكة، وبعد أن أخبرهم تلقّى وحياً آخر يقول ما معناه: “الرحيل ثم الرحيل، والموت قريب” و”لا تثق بالحياة الفانية“. وبالطبع لم يدَعْ الوحيُ الأخير مجالاً للشك بدنو أجله، فرأت زوجته أن تقصد لاهور فوراً لتكون بجواره. وكعادته لم يتوقف عن العمل وواصل العمل على كتابه الجديد الذي سمّاه: (رسالة الصلح). تناول الكتاب مسألة السلام بين الهندوس والمسلمين وأنَّ على كلا أتباع الديانتين أن يحترموا رجال دين كل طرف، وأن يدركا أنهما خَلْق رَبٌّ واحدٌ قدير، وأنهم مواطنون في البلد نفسه وعليهم العيش بسلام في وطنهم دونما اقتتال. أنهى أحمد مسودة الكتاب الجاهزة للنشر بتاريخ 25 أيار/مايو 1908 وسلّمها لسكرتيره للنسخ والطباعة. بعد صلاة العصر في ذلك اليوم خرج أحمد ليتمشى كعادته اليومية، فأخذ عربة أجرة من النوع الذي يُجَرُّ بالحصان حتى يكون خارج المدينة ليمشي ويتفكر بحرية أكثر في الريف. وعاد بعد ساعة ونام في وقته المعتاد ولكنه توعّك ليلاً واستُدعِي الأطباء لمعاينته، فبذلوا كُلّ ما في وسعهم لكنه كان مريضاً جداً وراوح بين اليقظة والغيبوبة. ولكن حتى في شدة مرضه عند موعد صلاة الفجر سأل أتباعه الموجودين عنده: هل حان موعد الصلاة؟ فأجابه أحدهم: نعم يا سيّدي قد حان. ولكنه لم يكن يقوى على النهوض فتيمّم بدل الوضوء وصلّى في مكانه، ولكنّه أغمي عليه لشدة المرض، فلما أفاق أعاد صلاته وأكملها كعادته بطمأنينة وهدوء. وكلّما كانت حالة الإغماء تعاوده كان يُسمَع هامِساً: [ يا إلهي يا حبيبـي ! ]. تجمّع أبناؤه وابنته وزوجته والمقربون من أصحابه حوله بجوار سريره، حيث توجّه أبناؤه وزوجته إلى لاهور ليكونوا معه. بقيت زوجته هادئة تصلّي وتدعو الله طول الليل؛ لقد كانت تعرف أنَّ الرحيل قد حان. ولما بدت على أحمد علائم الموت قالت في حزن عميق: يا الله إنه يغادرنا فلا تتركنا أنت يا رب في هذا الوقت. في نحو الساعة العاشرة والنصف صباحاً سمع الجالسون حول سريره صوت تنهّد عميق يخرج من صدره مرتين؛ ثم أسلم الروح. .. وتمّت مراسم الجنازة وفق الشعائر الإسلامية، فغُسل جسده وتمَّ تكفينه استعداداً لدفنه في جَوِّ مملوء بالحزن والأسى، وبعد ذلك صلّى عليه أتباعه صلاة الجنازة في فناء المنزل عند الساعة الثالثة ظهراً وأمَّهم المولوي نور الدين. يجدر بالذكر أنَّه لما قامت بعض النسوة الحاضرات من أتباع أحمد داخل المنزل بالبكاء والنحيب على فقده طلبَت منهن (أمّان جان) زوجة أحمد أن يضبطن أنفسهن ولا يبالغن في الحزن، كما خاطبت أولادها قائلة ما معناه: لا يخطرنّ ببالكم أنَّ أباكم قد تَرَكَ لكم بيتاً خاوياً، لقد أودَعَ لكم كنزاً عظيماً من الأدعية عند الله تعالى والتي سيُرْبيها بفضله ويؤتيكم أكُلها كُلٌّ في حينه.” (أحمد المهدي، إين أدمسون، ص 278. “Ahmad The Guided One” by: IAIN ADAMSON)

وهكذا توفّي حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بشهادة المعاصرين وهي شهادة من شخص محايد تماماً ليس أحمدياً فقط بل وليس من المسلمين فلا هو لهذا ولا إلى ذاك.

هل توفي مرزا غلام أحمد ؑ بمرض الإسهال؟

أما ما يعيبه الخصوم على المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بسبب وفاة حضرته بمرض الإسهال فهو جهل بدين الإسلام قبل كل شيء، فَإِنَّ الموت بهذا المرض هو بمثابة الشهادة عند الله تعالى كما سنثبت ذلك إنْ شٰاءَ اللهُ..

فالحقيقة هي أن الله تعالى اختار بحكمته وعلمه السابقين لحضرة لمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وقتاً للوفاة أفضل مما تَمَنّاه حضرته لنفسه وهو وقت الضحى أي نفس الوقت الذي توفي فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. فقد نقل الإمام السخاوي رحمه الله حديث عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها وأرْضاها أن الوقت كان الضحى فقال:

.. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَتْ عَائِشَةُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ حَدِيثِهَا فَقَالَتْ: “مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ- ارْتِفَاعَ الضُّحَى وَانْتِصَافَ النَّهَارِ”. وَنَحْوُهُ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: “تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حَيْثُ زَاغَتِ الشَّمْسُ“. وَكَذَا أَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ فِي (النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) لَهُ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ.” (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، الإمام السخاوي، أقسام الحديث، تواريخ الرواة والوفيات، الاختلاف في ابتداء مرضه ثم مدته ثم وقت وفاته ودفنه ﷺ، ج 4 – 789 – 1002)

كيف كانت ساعة وفاة حضرته؟

أما ساعة وفاته ﷺ فيتابع الإمام السخاوي رحمه الله:

.. سَاعَةَ وَفَاتِهِ وَهِيَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي (الْإِكْلِيلِ) : إِنَّهُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَثْبَتُهَا … وَقِيلَ: عِنْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُ شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ عَنْ عَلِيٍّ، وَلَفْظُهُ: أَنَّهُ دُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ. وَصَدَّرَ بِهِ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كَلَامَهُمَا، وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ كَمَا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ. وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ كَمَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ: “أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُفِنَ الْغَدَ فِي الضُّحَى.”” (نفس المصدر)

ومن المعروف أن الضحى هو الوقت قبل الظهر كما في فتوى علماء المسلمين في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف كما يلي:

ووقت الضحى يبدأ من ارتفاع الشمس وزوال الحمرة عنها إلى زوالها، والمقصود بالزوال هو وقت أذان الظهر، وبناء عليه فلو أديت صلاة الضحى قبل أذان الظهر ولو بخمس دقائق يعتبر وقتاً لها، والله تعالى أعلم.” (فتوى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف)

من هو المبطون؟

أما الوفاة بمرض الإسهال فقد ثبت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:

الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ.” (متفق عليه)

وقد ذكر بعض العلماء أن المبطون هو من مات بأي داء في بطنه مطلقا، قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث السابق:

وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن، وَهُوَ الْإِسْهَال. قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الِاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا.” اهـ.

وقد ثبت في السُنَّة أيضا أن الموت بداء البطن من أسباب الوقاية من عذاب القبر، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ:

كُنْتُ جَالِسًا وَسُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ مَاتَ بِبَطْنِهِ فَإِذَا هُمَا يَشْتَهِيَانِ أَنْ يَكُونَا شُهَدَاءَ جَنَازَتِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَقْتُلْهُ بَطْنُهُ فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ. فَقَالَ الْآخَرُ: بَلَى.” (رواه الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، والنسائي، وصححه الألباني)

وفي رواية أن النبي ﷺ قال:

ما تعدون الشهادة ؟ قالوا: القتل في سبيل الله تعالى. قال رسول الله ﷺ: الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجُمْع شهيدة.” (رواه أحمد 23804 وأبو داود 3111 والنسائي 1846. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود وقال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: “والمبطون من إسهال أو استسقاء أو وجع بطن.”)

ويقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله:

وأما المبطون فقيل المحبوق وقيل صاحب انخراق البطن بالإسهال.” (الإستذكار، ابن عبد البر)

ومن السلف من أصيب بالإسهال وغيره من أوجاع البطن ومات به كالإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله الذي أصيب بعلة الإسهال، وبقي كذلك حتى تُوفي، فقد ورد في شرح ديوان ابن حجر ما يلي:

وفي سنة ثمانمائة واثنتين وخمسين للهجرة أصيب ابن حجر العسقلاني بعلة الإسهال، وبقي كذلك إلى أن توفي ليلة السبت في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة.” (أنس الحجر في أبيات ابن حجر: وهو شرح بلاغي على ديوان أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي المعروف بابن حجر العسقلاني، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، دار الريان)

وقال المعلّق على قول الإمام شمس الدِّين السَّخاوي في ترجمته لأستاذه الإمام ابن حجر ما يلي:

وذلك أنه حصل له إسهال مع رَمْي دم، واستمرَّ به ذلك إلى أنْ وافاه حِمَامه بُعَيد صلاة العشاء الآخِرَة من ليلة السبت، المُسْفِرة عن اليوم الثَّامن والعشرين من ذي الحِجَّة الحرام.” (البدور السافرة في نفي انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة 1 / 6، أبو أسامة الأثري جمال بن نصر عبدالسلام.)

والمثال الآخر هو الإمام الشافعي رحمه الله الذي ثبت أن موته كان بسبب مرض البواسير الذي أصابه، وهذا وما رواه الإمام ابن حجر نقلاً عن الربيع بن سليمان لحالَ الشافعي في آخر حياته فقال:

أقام الشافعيُّ ها هنا أربع سنين، فأملى ألفاً وخمسمئة ورقة، وخرَّج كتاب الأم ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة كلها في مدة أربع سنين، وكان عليلاً شديد العلة، وربما خرج الدم وهو راكب حتى تمتلئ سراويله وخفه -يعني من البواسير“. (“في مناقب الإمام الشافعى توالي التأسيس لمعالي محمد بن إدريس”، ابن حجر العسقلاني، تحقيق أبي الفداء القاضي، دار الكتب العلمية بيروت، الفصل العاشر، وفاته ص177-178)

وهذا ما قاله الشيخ أحمد فريد في سلسلته “أعلام السلف” وتفريغها النصي كما يلي:

وكان (أي الشافعى) عليلاً شديد العلة، يكاد ربما يخرج الدم منه وهو راكب، حتى تمتلئ سراويله ومركبه وخفه. كان عنده بواسير رحمه الله، والبواسير عندما تنزف دماً تكون متقدمة.” (سلسلة “من أعلام السلف الإمام الشافعي“، للشيخ أحمد فريد)

وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم:

هو صاحب داء البطن، وهو الإسهال.” أهـ

وقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح:

والمبطون من إسهال، أو استسقاء، أو وجع بطن.” أهـ

والمبطون معدود من الشهداء، كما في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال:

الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.” (متفق عليه)

كيف نعى العلماء وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام؟

وعند تلقي العالم خبر وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام نشر كبار العلماء في الهند مسلمين وغير مسلمين نعيهم لحضرته عَلَيهِ السَلام، ومن علماء وشراح الحديث المشهورين في القارة الهندية الشيخ الميرزا حيرت الدهلوي (ت 1928) -من كتبه “حل صحيح البخاري” و “البخاري تراجم وشروح” وهو صاحب جريدة “كرزن گزت” Curzon Press- يقول في حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:

إنَّ الخدمات الجليلة التي أداها المرحوم للإسلام في مواجهة الآريا والمسيحيين لجديرة بالتقدير الكبير في الحقيقة. إنه غيّر مجرى المناظرة تماما وأقام للكتب الدينية -في الهند- أُسساً جديدة. ليس لكوني مسلماً فحسب بل بصفتي باحثاً، أعترف بأنه لم يكن بوسع الآريا أو القساوسة -مهما كانوا كبارا- أن يتفوهوا بكلمة واحدة أمام المرحوم. الكتب الفريدة التي ألفها حضرته رداً على دين المسيحية والآريا والأجوبة المفحمة التي وجهها إلى معارضي الإسلام لم نر أحدا إلى حد الآن تمكن من الرد عَلَيْهِٰا بطريقة معقولة.” (جريدة “كرزن گزت” عدد 1/6/1908)

ويقول الإمام عبد الحي اللكنوي وهو علامة الهند وإمام المحدثين والفقهاء عندهم (1264 – 1304هـ) :

مرزا غلام أحمد القادياني: الرجل الشهير غلام أحمد بن غلام مرتضى بن عطاء محمد بن كل محمد برلاس القادياني المتمهدي ثم المتنبي المشهور في بلاد الهند، كان يظهر الزهد والتصوف والكرامات، ويباحث أحبار الآرية والنصارى ويفحمهم في مباحثاته، ويصرف آناء الليل والنهار في الذب عن الإسلام، ويبذل جهده كل الجهد، ويصنف الكتب في ذلك، حتى إنه ادعى أنه مهدي موعود، ثم ادعى أنه مسيح معهود، وسمى نفسه مثيل المسيح، ثم ادعى أنه بروز أحمد ثم قال إنه بروز كرشن عظيم الهنود، وكان يخبر الناس بما يكون، فافتتن به خلق كثير، واعتقدوا فيه الخير، وأنكره الآخرون.” ( نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، عبد الحي بن فخر الدين الحسيني اللكنوي، حرف الغين، الصفحة 1079)

وكتب رئيس تحرير جريدة “صادق الأخبار” نعياً عند وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، تعريبه:

لأن حضرة الميرزا بخطبه القوية وكتبه الرائعة حطَّم الانتقادات البغيضة لمعارضي الإسلام وأسكتهم إلى الأبد، وأثبت أن الحق يعلو ولا يعلى عَلَيْهِ، ولأنه لم يدخر جهدا في خدمة الإسلام ونصرة قضيته إلى حد الكمال، فمن مقتضى العدل أن نعبّر عن مشاعر الأسى للوفاة المفاجئة والمبكرة لهذا المدافع العنيد عن الإسلام، الذي كان خير من أعان المسلمين، والذي يُعَد عالِمِاً جليلاً لن يجود الزمن بمثله“. (صادق الأخبار، مايو 1908)

أما شبهة الموت بالكوليرا فقد مللنا من الرد عَلَيْهِٰا، وقد قلنا مراراً أنَّ حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كان يظن أنه أصيب بـ الكوليرا ويستفسر فقط ولكن الحقيقة اتضحت بعد ذلك بأنه سليم تماماً من الكوليرا وهذا ما كُتب في تقرير الوفاة أنه توفي بالإسهال المرض القديم الذي عانى منه منذ زمن طويل. فالإسهال لم يكن قد بدأ في ذلك اليوم بل كان مصاباً به من زمن قديم وقد أشار إلى ذلك في كتابه “تذكرة الشهادتين” حيث قال وهو يتحدث عن ذكرياته مع الصاحبزاده عبد اللطيف الشهيد:

ومرة أخرى دار الحديث حول ما ورد في الأحاديث أن المسيح الموعود سينـزل بين مهرودتين، مهرودة تغطي الجزء الأعلى من جسمه ومهرودة تغطي الجزء الأسفل منه. فقلتُ: هذه إشارة إلى أن المسيح الموعود سيُبعث وهو مصاب بمرضينِ، لأن الثوب الأصفر يرمز إلى المرض في علم تعبير الرؤى، وأنا مصاب بمرضينِ: أحدهما مرض في الرأس والثاني كثرة التبول والإسهال.” أهـ

كتاب حياة ناصر

وبيان الشبهة أنَّ مشايخ الباكستان يستشهدون بفقرة وردت في في كتاب (حياة ناصر) تُنسب لمير ناصر نواب قولاً يُفهم منه أن حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مات بمرض الكوليرا حسب هذا النص الذي نقله إحسان الهي ظهير من كتاب (حياة ناصر) كما يلي:

يقول مير ناصر نواب:

في الليلة التي شعر فيها حضرته – ميرزا غلام – بالمرض كنت قد تركت مكاني و ذهبت إلى الفراش للنوم. و تم إيقاظي عندما أحس هو بألم حاد جداً. و عندما و صلت إلى حضرته و رأيت حالته خاطبني قائلاً: “سيد مير، أنا أصبت بوباء الكوليرا”، و بعدما قال هذا لا أعتقد بأنه نطق بأية كلمة مفهومة، و ظلت هذه حاله حتى الساعة العاشرة صباحاً من اليوم التالي حيث مات.

و قد نشروا صورةً لهذا النص تنسب لمير ناصر نواب ذلك القول في كتاب يقولون أنه ألّفه بعنوان (حياة ناصر)، وسنبيّن بإذن الله تعالى تهافت هذا الادعاء وتدليس من نشره.

ومادام الخصوم قد فتحوا هذا الموضوع فلنبدأ أولاً بسرد سريع عن كتاب (حياة ناصر).

  1.  كتاب (حياة ناصر) ليس من تأليف مير ناصر نواب و لا هو كتاب عن سيرته الذاتية بل مجموعة مذكرات وقصص قام بجمعها حضرة يعقوب علي عرفاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
  2.  تمّ تأليف وكتابة هذا الكتاب سنة 1927 أي بعد ثلاث سنوات من وفاة حضرة مير ناصر نواب وعشرين سنة من وفاة حضرة المسيح الموعود والإمام المهدي عَلَيهِ السَلام.
  3.  لهذا السبب فإن أي اقتباس أو قول ينسب لحضرة مير ناصر نواب فهو ليس مؤكداً ولا محققاً خصوصاً بعد تعمّد ناقل هذا النص (ظهير) إلى حذف وإخفاء كلمة أو سياق منه.

ولنترجم النص الأصلي كما هو من غير تجيير ولا تحريف كما يلي:

في الليلة التي شعر فيها حضرة صاحب (المسيح الموعود) بالمرض، كنت قد ذهبت إلى غرفتي للنوم. وعندما اشتد مرضه استيقظت. وعندما ذهبت الى حضرة صاحب ورأيت حالته خاطبني قائلاً: “أنا أعاني من مرض الكوليرا / هل أنا أعاني من مرض الكوليرا“. ولم يذكر أي شيء واضح على ما أعتقد بعد ذلك حتى وافته المنية حوالي 10:00 من صباح اليوم التالي.” أهـ

فالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في مرضه كان تحت رعاية حضرة مير ناصر نواب، ولأنه كان يعلم بأن مير نواب كان على اتصال بالأطباء فكان حضرته عَلَيهِ السَلام يستفسر من مير نواب عن حالته فقط. من الشائع في اللغة الأوردية عدم وضع أداة “كيا” قبل الجملة لتحويلها إلى صيغة سؤال. إذاً فحضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يكن يصرّح بل كان يستفسر فقط.

يحاول الخصوم الاستشهاد بكتاب تم تأليفه بعد عشرين عام على وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وثلاث أعوام على وفاة مير ناصر نواب مستخرجين منه أموراً غير حقيقية لإثبات سوء نواياهم.

أما فيما يتعلق بالكوليرا فالسجلات التاريخية شاهدة على أنه لم يوجد أي أثر لهذا الوباء في ولاية البنجاب في إبريل ومايو 1908. ثم إنَّ هذه السجلات تؤكد أنه لم يقع أية حالة وفاة في لاهور نتيجة الكوليرا. كما لم توجد في المسيح الموعود عليه السلام أعراض هذا المرض. ومن أجل ذلك فإن الطبيب ميجور الدكتور سذرلاند عميد الكلية الطبية بلاهور الذي دُعي عند تدهور صحة المسيح الموعود عليه السلام والذي أصدر شهادة وفاته قد ذكر أنه قد توفي نتيجة الإسهال الناتج عن ضعف الأعصاب. وكل الأطباء الذين كانوا حوله في ذلك الوقت من أجل العلاج كانوا متفقين مع رأي الطبيب سذرلاند إذ لم يكن هناك أي سبب آخر لوفاته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. كما أن الطبيب كننغهام الجراح المدني في لاهور كان قد أعطى شهادة خطية على أن حضرة المرزا قد توفي نتيجة الإسهال العادي الذي كان سببه ضعف الأعصاب وليس الكوليرا. وأكبر شهادة هيأها الله تعالى على ذلك هي أنه لما نُقِل جثمانه الطاهر إلى محطة قطار بلاهور لينقل من هنا إلى قاديان ووضع في عربة القطار جاء بعض المعارضين الأشرار إلى ناظر المحطة واشتكوا إليه بأن المرزا قد توفي نتيجة الكوليرا -وكان ممنوعًا قانونًا نقل جثة أحد توفي نتيجة مرض الكوليرا- رفض ناظر المحطة نقل جثته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام عبر القطار. فقدّم له أحد صحابته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام شيخ رحمة الله شهادة الجراح العام. فعلم ناظر المحطة حقيقة الأمر أي أن هؤلاء المشتكين كذابون في ادعائهم أن حضرته توفي بالكوليرا، فسمح بنقل جثمانه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام إلى قاديان عبر القطار. وكل هذه الأمور مسجلة في “تاريخ الأحمدية مجلد 2 و 3 ص 549 و 554″، فكيفية المرض والعلاج وأحداث الوفاة والأحداث التالية كلها تفضح هؤلاء المعارضين القدامى والجدد.

فمرض الإسهال لم يكن قد بدأ في ذلك اليوم بل كان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مصابا به من زمن قديم وقد أشار إلى ذلك في كتابه “تذكرة الشهادتين” حيث قال وهو يتحدث عن ذكرياته مع الصاحبزاده عبد اللطيف الشهيد:

ومرة أخرى دار الحديث حول ما ورد في الأحاديث أن المسيح الموعود سينـزل بين مهرودتين، مهرودة تغطي الجزء الأعلى من جسمه ومهرودة تغطي الجزء الأسفل منه. فقلتُ: هذه إشارة إلى أنَّ المسيح الموعود سيُبعث وهو مصاب بمرضينِ، لأن الثوب الأصفر يرمز إلى المرض في علم تعبير الرؤى، وأنا مصاب بمرضينِ: أحدهما مرض في الرأس والثاني كثرة التبول والإسهال.” أهـ

الخلاصة

إنَّ أعداء حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يتبعون سنن أعداء الأنبياء السابقين عليهم السلام في أسلوب معارضتهم. فادّعائهم أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مات ميتة لعينة والعياذ بالله لا يختلف كثيراً والتاريخ يقف شاهداً أن أعداء المسيح الناصري عَلَيهِ السَلام يدّعون إلى يومنا هذا أن حضرة عيسى عَلَيهِ السَلام قد مات ميتةً لعينة. حتى إن أعداء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتّهمونه بأنه مات مسموماً. يؤلمنا بشدة سماع الخصوم وهم يسبون ويشتمون حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأبشع الألفاظ والأقوال، وإننا لنعلم أن الحنق والانفعال والغضب هو الدافع وراء ذلك، فنترك إذاً أمرهم إلى الله تعالى.

وفي النهاية ننهي بكلام حضرة المصلح الموعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وأرْضاه حول الأيام الأخيرة من حياة سيدنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام حيث يقول:

.. كان يردد .. يا إلهي يا حبيبي“.

حوالي الساعة الخامسة صباحاً وصل نواب محمد عليّ رضي الله عنه، وهو زوج ابنته عليه السلام ومن أبرز صحابته، ولما دخل سلّم على سيدنا أحمد فردّ عليه السلام، ثم سأل: هل حان وقت صلاة الفجر؟ قيل: نعم. فضرب بكفّيه على الفراش وتيمم ثم أخذ يُصلّي الفجر. ولكنه غُشي عليه أثناء الصلاة، وبعد قليل أفاق فسأل ثانية: هل حان وقت صلاة الفجر ؟ فقيل: نعم. فنوى لصلاة الفجر ثانية، وراح يؤدي الصلاة حتى فرغ منها، ثم غشي عليه وهو يردد هذا الكلمات: “يا إلهي يا حبيبي“. في الساعة الثامنة صباحاً سأله أحد الأطباء الذين كانوا يتولون علاجه عما إذا كان يشعر بألم أو أذى في أي جزء من أجزاء جسده الشريف، ولكنه لم يستطع أن يجيبه لشدة الضعف، وأشار إلى الحاضرين طالباً ورقة وقلماً، وكتب أنه يشعر بضعف شديد ولذلك فإنه لا يردّ عليهم. وفي الساعة التاسعة صباحاً تدهورت حالته وكانت أنفاسه الشريفة طويلة، وقد بات واضحا للحاضرين أنه في اللحظات الأخيرة من حياته. وفي الساعة الحادية عشرة قبيل ظهر ذلك اليوم، فاضت روحه الطاهرة للقاء حبيبها، وانتقل إلى الرفيق الأعلى في جنة الخلد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.” (السلسلة الأحمدية، الصفحة 183-184)

ولعلم المعارضين، فأعداء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سبقوهم بإرسال أوراق ذلك الادعاء لناظر المحطة لكي لا يتم نقل جثته أو دفنها بل حرقها كما هي عادة تلك البلاد في ذلك الوقت لكل من يصاب بالكوليرا، ولكن الطبيب الشرعي أكد خلو حضرته من مرض الكوليرا فتم نقل جثمانه الشريف من لاهور إلى قاديان.

فالتحدي المطروح أمام المعارضين؛ كيف سمحت الحكومة بنقل ودفن جثة رجل مصاب بالكوليرا ولم تأمر بحرقها كما هي العادة والطب ؟

إذن توفّي حضرة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وهو يصلّي ونال أجر الشهادة وفي توقيت وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، ومن كان هذا حاله عند الوفاة فطوبى له وحُسْن مآب.

بقي أن نذكر كرامة أخرى للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام غير وفاته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام شهيداً وهو يصلّي وفي وقت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وهي أنَّ أحد كبار المشايخ الباكستان وهو العلّامة الشيخ المولوي شاه نوراني الذي أطلق كذبة موت المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في الحمّام قد أماته الله تعالى هو في الحمّام، ، ويمكن قراءة هذا الخبر من هنا.

وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

About الأستاذ فراس علي عبد الواحد

View all posts by الأستاذ فراس علي عبد الواحد