المعترض: لنر ما هو يأجوج ومأجوج عند الميرزا غلام أحمد
لنر ما هو يأجوج ومأجوج عند الميرزا
الخلاصة: الميرزا يدعو لنصرة الدجال ومأجوج، كما أنه يجهل الواقع، ويغيّر في أقواله جدا.
ورد في الحديث: وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ … فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. (مسلم)
والمعنى أنّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يموتون بدعاء المسيح عليه السلام.. ومهما كان معنى الموت فهُم أعداء المسيح، وهو عدوّهم.
أما الميزرا فيقول:
أمّا يأجوج ومأجوج؛ فهما قومان حازا التقدم والازدهار في الدنيا، أحدهما الإنجليز والآخر الرُّوس. وهذان القومانِ ينسلون من كل حدب. (إزالة الأوهام عام 1891)
وبعد أنْ حدّد هذا اليأجوج والمأجوج قال:
وبهذه المناسبة نفكر أن يحمي الله تعالى الحكومة الإنجليزية المحسنة من أيدي الظالمين التي بسبب إحساناتها نحظى بتفرّغ تام وحرية تامة وزاوية الخلوة ومكان آمن وراحة. وأن يورّط اللهُ الروس المنحوسين في متاهاتهم ويرزق حكومتنا الفتح والنصرة. (مرآة كمالات الإسلام)
فالميرزا يدعو الله أن ينصر مأجوجَ على يأجوج، لا أن يهلك كلا من يأجوج ومأجوج!
وكرّر هذا الدعاء أكثر من مرة، فقال:
قد نجونا من أيدي الظالمين، في ظل دولة هذه المليكة التي نمّقْنا اسمها في العنوان، التي نضَرنا في حكومتها كنضارة الأرض في أيام التَّهْتان. هي أعزّ من الزَّبّاء بملكها وملكوتها، اللهم بارك لنا وجودها وجودها، واحفَظْ مُلكها من مكائد الروس ومما يصنعون. (التبليغ 1893)
وقال: فاشكروا لها أيها المسلمون، وادعوا الله أن يديم عز هذه المليكة الكريمة، وينصرها على الروس المنحوس. (التبليغ 1893)
وقال: إنّ هذين القومين يتغلبان على الآخرين أولا، ثم يهاجمان بعضهما بعضا، وسيرزق الله الانتصار لمن يشاء. ولما كان المراد منهما (يأجوج ومأجوج) أمة الإنجليز والروس، فعلى كل مسلم أن يدعو لانتصار الإنجليز في هذه المعركة لأنهم أحسنوا إلينا. وإن للسلطنة البريطانية علينا أيادي بيضاء كثيرة. إنه لجاهل وغبي من يَكِنُّ من المسلمين في قلبه حِقدا تجاه هذه الحكومة. ولو لم نشكر هذه الحكومة لما شكرنا الله تعالى، لأننا وجدنا في ظل هذه الحكومة راحة ما كنا لنجدها في كنف أية حكومة مسلمة قط. (إزالة الأوهام 1891)
الميرزا يدعو لنصرة الدجال ويأجوج:
والكارثة الكبيرة التي يقع فيها الميرزا هي حين يقول إن الدجال هو نفسه يأجوج ومأجوج وهو نفسه المسيحية، حيث يقول:
“لو اعتُبر الدجال والمسيحية ويأجوج ومأجوج أقواما مختلفة تظهر في زمن المسيح الموعود لتعاظم التناقض أكثر. ولكن يُفهم من التوراة بوضوح تام أن فتنة يأجوج ومأجوج إنما هي فتنة المسيحية في الحقيقة لأنها سُمِّيت في التوراة بيأجوج. إذن، فقد سُمّي قوم واحد بثلاثة أسماء نظرا إلى حالات مختلفة. (حقيقة الوحي 1907)
وإذا عدنا إلى عبارته بالدعاء إلى بريطانيا للتغلّب على روسيا، وإذا علمنا أنه يقول إن بريطانيا هي مأجوج، أي هي الدجال، فهذا يعني أنه يدعو لنصرة الدجال. فهنيئا له بنصرته الدجالَ بدلا من قتله!!!
علما أن القول بالتساوي بين المسيحية وبين يأجوج ومأجوج غير معقول البتة، فالقوى الاستعمارية لم يكن يعنيها الدين المسيحي زمن الميرزا، بل كان يعنيها السيطرة على مصادر الثروات والمواقع الاستراتيجية والحصول على سوق لمنتجاتهم. كما كان كثير من الأوروبيين قد تخلوا عن الديانة المسيحية نتيجةً للنهضة العلمية والفلسفة.
يأجوج ومأجوج سيقتتلان:
وفي تفسيره للآية: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} يرى الميرزا أنّ الروس والبريطانيين “سيتغلبان على الآخَرين أولا، ثم يهاجمان بعضهما بعضا، وسيرزق الله الانتصار لمن يشاء”. (إزالة الأوهام 1891)
مع أنه يُفهم من الآية القرآنية {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} تتحدث عنهما معا أنهما يأتيان من كل حدب ينسلون، لا أنهم يأتون يقتتلون، بل يعملان معا ضد المسلمين. وكان عليه أن يبحث عن تفسير آخر للآية {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}.
وهذا ما يراه الميرزا في موضع آخر، حيث يقول:
“يأجوج ومأجوج يخرجون في زمن المسيح، وينسِلون مِن كل حَدَبٍ، ويملكون الأرض كلها كما ورد في القرآن العظيم (حمامة البشرى 1894). وتابع يقول: “إن المسيح لا يُحاربهم بل يدعو عليهم، فيموتون كلهم بدعائه بدُودٍ تتولد في رقابهم”. وإنْ خطّأ القول بموتهم.
لماذا قصر الميرزا يأجوج ومأجوج على بريطانيا وروسيا؟
ظني أنّ الميرزا كان في البدايات يرى أن أوروبا ليس فيها إلا روسيا وبريطانيا، وأنه لم يسمع بالدول الأخرى، فيقول ساخرا من المسيحيين لقولهم بأن الجنة لا يدخلها غير المسيحي:
وكأن تلك الجنة الافتراضية سوف توزَّع بالتساوي على قومين أوروبيين عظيمين فقط؛ أي الإنجليز والروس. (البراهين الأحمدية 1882 تقريبا)، بل يبدو أنه كان يظنّ أن الدول التي أهلها مسيحيون في العالم كله هي بريطانيا وروسيا لا غير.
ويبدو أنّ أحد العقلاء قال للميرزا: هناك دول مسيحية أخرى في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، فهذه كلها قد ساهمت في الاستعمار والتوسّع، فاضطر الميرزا أن يغير في قوله لاحقا، حيث قال: إن المراد من يأجوج ومأجوج هم الأقوام المسيحية الأوروبية. (ينبوع المعرفة 1908)
مكان خروج يأجوج ومأجوج:
مع أنّ الآية القرآنية تقول: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (الأنبياء 96)، أي أنّهم يأتوننا من كل حدب خارجين من أوطانهم، إلا أنّ الميرزا فسرها “أنهم يخرجون من بلاد المشرق، فهم من مشرق الهند خارجون” (التبليغ). ويقول أيضا: إن هذا الإلحاد وعدم تقوى الله والفتور كله سينشأ في أول الأمر في البلاد الشرقية، ومنها سيخرج الدجال ويأجوج ومأجوج، أي سيبرزون بقوتهم وشوكتهم. والمراد من البلاد الشرقية هو بلاد فارس ونجد وبلاد الهند لأنها تقع شرقيّ أرض الحجاز. وكان ضروريا، بحسب نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يخرج الكفر والكفار من هذه الأماكن بقوة. (إزالة الأوهام)
لم تحدث أيّ حرب بين روسيا وبريطانيا في زمن أدعية الميرزا بانتصار بريطانيا على روسيا. فلماذا ظلّ يكرر هذا الدعاء؟ ألم يجد مَن يذكر له الوقائع، أم أنه كان بين أتباعه من يسخر منه؟ فقد “أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على روسيا في عام 1854 م، ونشبت معارك ضخمة في عدة جبهات أثناء حرب القرم، حتى انتهى الأمر بسيطرة فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية على الميناء في عام 1855م”. (ويكيبيديا).. .أي حين كان الميرزا في الخامسة عشرة من عمره، فظنّ أن الحرب ظلّت مستمرة. مع أنه في عام 1900 شنّ تحالفٌ مكوّنٌ من ثماني دول منها بريطانيا وروسيا هجوما على ثورة الملاكمين في الصين، وسحقوهم.. فقد حصل تحالف إذن بين بريطانيا وروسيا في زمنه، ولم تنشب أي معركة بينهما حين كان يدعو بانتصار مأجوج على يأجوج.
فهل يحقّ للأحمديين أن يفتخروا بتفسيراتهم لعلامات الساعة بعد أن ثبت أن الميرزا كان يدعو لانتصار الدجال ومأجوج؟ وإذا كان الدجال هو نفسه يأجوج ومأجوج، فكيف يُعطف عليه في الروايات؟
الرد:
رغم عزوف عدد من الأوربيين عن الدين ألا إن القرن الثامن عشر والتاسع عشر سُمِّيَا بأنهما يمثلان زمن الصحوة العظمى للكنيسة والكرازة بالإنجيل Great Awakening of the Church أو Evangelicalism حين تصاعد الطلب والرغبة الواسعة بالنصرانية بما لا نظير له من أي وقت مضى وازداد عدد المتحولين إلى النصرانية بسبب حملات التنصير في آسيا وأمريكا وغيرها. (انظر:Sydney E. Ahlstrom, A Religious History of the American People 1972 is a standard history)، وأيضاً (Curtis, A. Kenneth 1991. The 100 Most Important Events in Christian History. Grand Rapids, Michigan, USA: Fleming H. Revell. p. 135. ISBN 0-8007-5644-4) فعن أي عصر يتكلم المعترض ؟ لعلها حدود معرفته بالتاريخ والجغرافيا، ولا بأس أن يجهل ذلك ولكن أن يعترض وكأن هذا الجهل هو العلم والحق فهذا هو العيب والبأس الذي سنرد عليه إنْ شاءَ الله تعالى..
أما تسمية يأجوج ومأجوج كالقوتين العُظميين بريطانيا وروسيا فهذه رغم جمال وتكامل ودقة وصف المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لها بشواهد حقيقية واقعية ألا إن حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ليس هو الوحيد الذي قال بذلك بل هو رأي قديم عند الباحثين والعلماء ولا زال بعض المشايخ يتبناه إلى اليوم. وفيما يلي مثالان على ذلك:
روسيا هي مأجوج حسب موقع تفسير نبوءات الكتاب المقدس.
بريطانيا هي يأجوج حسب كتاب للمؤلف أندرو سنكلير.
ورد ذلك أيضاً عند مفسري الكتاب المقدس حيث ذكروه كرأي منتشر ومعروف في أوساط الكنيسة، وفيما يلي مثال لهذا التفسير:
“يُفسر البعض جوج وماجوج علي أنهما رمز لروسيا معتمدين علي كلمة “روش” بكونها اسماً قديماً لروسيا.” (تفسير سفر حزقيال ٣٨، القمص تادرس يعقوب، جوج وماجوج)
وهو أيضا رأي العالم الإنجيلي الأمريكي هال ليندسي Hal Lindsey وغيره الذي أورده في تفسيره لسفر حزقيال. وقد تبنّى الموقع الرسمي للنبوءات في الكتاب المقدس تحت يأجوج ومأجوج هذا التفسير على الرابط هنا.
وكان هذا هو أيضاً رأي المفكر الإسلامي الكبير عباس محمود العقاد حيث كتب في الصفحات ١٤٣-١٤٤ من كتابه “الإسلام دعوة عالمية شاملة” كتبَ بأن قول المسيح الموعود حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام بكون يأجوج ومأجوج هما الروس والبراطنة هو قول مشكور وليس فيه أي ضرر بل العكس فهو قول يحمل نصراً وانتصاراً للإسلام وإظهاراً لمحاسنه وإعمال العقل بشكل صحيح فيه من الغيرة على الدين ما لا يمكن إنكاره، وهو نافع للإسلام من نواح عدة ولا يمكن إغفال دور المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته في نصر الإسلام ضد التنصير وحملات التشويه. فهل المعترض أفهم وأعلم من العالم الموسوعي الإسلامي المعروف عباس محمود العقاد ؟
أما شكر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام للحكومة الإنكليزية والدعاء بنصرها على عدوها فهو بسبب عدلها مع المسلمين في الهند ومنع ظلمهم على يد السيخ والهندوس فقط وليس موافقة على اعتقادها وسياساتها المختلفة، حيث يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“أقول صدقا وحقا بأن خيانة المحسن وقاحةٌ وفعلُ شخص سيء الطوية. فمذهبي الذي أؤكد عليه مرارا وتكرارا هو أن الإسلام جزءان. أولا: طاعة الله وثانيا طاعة السلطنة التي أقامت الأمن وهيّأت لنا تحت ظلها ملاذا من أيدي الظالمين، وتلك السلطنة هي الحكومة البريطانية. صحيح أننا نختلف مع الأقوام الأوروبية في الدين، ولا نبيح بحق الله تعالى أمورا يبيحونها، ولكن لا علاقة لتلك الأمور الدينية مع أمور الرعية والعلاقة مع الحكومة. إن الله تعالى يعلّمنا بصراحة تامة أن تشكروا وتطيعوا الملك الذي تعيشون في ظله بأمن.” (شهادة القرآن)
وهذا عملاً بسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم القائل:
“مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُر اللَّهَ.” (مسند أحمد)
وقد قيل لسعيد بن جبير رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “المجوسي يوليني خيراً، فأشكره؟ قال : “نعم” (انظر: الآداب الشرعية والمنح المرعية، للمقدسي)
فما هو المشكل عند المعترض إذا شكر المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الحكومة التي خلصت المسلمين من اضطهاد السيخ وغيرهم في الهند ؟
هل كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يوالي الصليبيين الذين أرادوا هدم الكعبة عندما امتدح ملكهم واصفاً إياه بأنه هُوَ الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد كما ورد في كتب السيرة:
“… فلما رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ما يُصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانة من الله ومن عمّه أبي طالب، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء، قال لهم: لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد.” (السيرة النبوية لابن هشام الجزء الأول ص ٣٤٤)
وهو الذي عبّر عنه شيخ الأزهر بما يلي:
“… امتلأت نفس الرسول حزنا أمام هذه المآسي التي كان يتحملها ضعاف المسلمين الذين لا يجدون من يحميهم، حقا إن شجاعة الْمُعَذَّبين والشهداء في سبيل الله برهنت على إسلامهم العميق، بيد أنه رأى أن من الخير ألاّ يستمر هذا البلاء، فنصح الضعفاء ومن لم تدعهم الضرورة إلى البقاء في مكة بالهجرة إلى الحبشة حيث المسيحيون، وحيث التسامح والعدل اللذان اشتهر بهما ملكها النجاشي.” (محمد رسول الله ﷺ، ص ١٤٥، للشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر)
ولنستمع لأحد الصحابة الكرام وهو يشرح لنا ما هو معيار صدق الأنبياء عند أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
في الحديث الذي رواه الوادعي في مسنده عن السيدة أم سلمة هند بنت أبي أمية رَضِيَ اللهُ عَنها تتحدث عن هذا الموضوع عند هجرة الصحابة من مكة إلى الحبشة النصرانية حيث دعت الله تعالى لنصر الملك النصراني على عدوه، تقول رَضِيَ اللهُ عَنها:
“ لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمنا على ديننا ، وعبدنا الله لا نؤذى ، ولا نسمع شيئا نكرهه… فنحن عنده بخير دار ، وعند خير جار.. فوالله إنا على ذلك إذ نزل به ، (يعني من ينازعه في ملكه) فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزنا عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه.. ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه ، والتمكين له في بلاده ، واستوثق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل..” (الحديث إسناده صحيح، الصحيح المسند، للوادعي، ص ١٦٧٢. أصل الحديث في مسند أحمد، تحقيق أحمد شاكر، ص ٣/١٨٠)
وكذلك ما قاله جعفر رَضِيَ اللهُ عَنْه لملك الحبشة النصراني ممثِّلاً الصحابة جميعاً ولم يعترض عليه أحد قط، حيث يقول للنجاشي:
“.. فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .” (نفس المصدر السابق)
ومن المعلوم أن النجاشي NEGUS (وكان اسمه أصعمه بن بحر) كان مسيحياً، وكانت اليمن خاضعة لحكمه، وإبرهة بن الصباح كان حاكماً في اليمن من قِبَلِ النجاشي. وحدث ذات مرة أن خرج إبرهة من اليمن في جيش كبير وفير ومعه أفيال وآبال لهدم الكعبة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه القصة في سورة الفيل.
من جهة أخرى بيّن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن الدجال ما هو إلا القسس المنصرين الذين يأتون تحت ظل الحكومة الإنكليزية وأثبت لهم أن ربهم يسوع ميت من بيان القرآن الكريم، وانتقد حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هؤلاء القادمين مع الإنكليز كما يلي:
يقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“ومع أن الحكومة الإنجليزية لا تهمّها أمورَ الدين شيئا، بل هي مهتمَّة بإدارة أمور السلطنة، ولكن للقساوسة أيضا سلطنة منفصلة تملك أموالا تفوق العَّد والإحصاء، وتنشر لحمتها وسداها في الدنيا كلها، وتستقطب نوعا من الجنة والنار. فمن أراد الانضمام إلى دينهم كُشفت له تلك الجنة، ومن عارضهم هُدِّد بالنار. وفي بيتهم كمٌّ هائل من الطعام وكأن جبال الخبز تتبعهم حيثما ذهبوا وحلُّوا. وإن كثيرا من المرتزقة يُفتَنون بخبزهم البراق، ويشرعون بالترديد: “ربنا المسيح”. فما من علامة من علامات المسيح الدجال إلا وتوجد فيهم؛ فمِن وجهٍ يحيُون الأموات، ومِن آخَر يميتون الأحياء، فليفهم الفاهمون. ولا شك أنّهم ينظرون بعين واحدة هي العين اليسرى. ولو ملكوا العين اليمنى لخافوا الله تعالى، ولامتنعوا عن ادعاء الألوهية.
.. من ذا الذي يستطيع أن يحيط بمدى الأضرار التي لحقت بالإسلام على يد هؤلاء القوم، ومدى ما أدمَوا الحق والعدل. لم يكن لهذه الفتن جميعها أثر يُذكر قبل القرن الثالث عشر للهجرة المقدسة، ولكن ما أن انتصف هذا القرن ونَيِّف، إلا وخرجت هذه الطغمة الدجالية فجأة، وأخذت في التقدّم، وقد بلغ عدد المتنصرين في أواخر هذا القرن في الهند وحدها؛ نصف مليون نسمة، وذلك على حد قول القسيس “هيكر”. وقُدِّر عدد الذين ينضمون إلى المسيحية -فينادون العبد العاجز إلها- بمائة ألفٍ كل اثني عشر عاما. ولا يخفى على العارفين، أن جماعة كبيرة من المسلمين، أو بتعبير آخر، فئة من صعاليك الإسلام من ذوي البطون الجائعة والأجسام العارية؛ استحوذ عليهم القساوسة بما لوَّحوا لهم به من الرغيف والثوب. ومن لم يطمع في رغيفهم افتتنوه بالنساء. ومن لم يقع في شَرَكهم بهذه الطريقة أيضا، نشروا للكيد به فلسفة الإلحاد واللادينية، التي وقع فريستها حتى اليوم ألوف من الناشئة من أبناء المسلمين؛ ممن يسخرون من الصلاة، ويستهزئون بالصوم، ويرون الوحي والإلهام أضغاث الأحلام. أما من قصر باعه عن دراسة الفلسفة الإنجليزية، فقد ألَّفوا ونشروا لتضليله قصصا كثيرة ملفقة، نسجها القساوسة بكل سهولة، وهجوا فيها الإسلام بأسلوب روائي أو تاريخي. كما ألَّفوا ما لا يُحصى من الكتب للطعن في الإسلام ولتكذيب سيدنا ومولانا ونبينا ﷺ، ووزعوها في كثير من أنحاء العالم مجّانا، ونقلوا أكثرها إلى لغات عديدة، وقاموا بنشرها. راجِعوا في ذلك فتح الإسلام: حاشية الصفحة ٤٦ تجدوا أنهم ألَّفوا ووزعوا مجانا ما يربو على سبعين مليونا من الكتب لنشر أفكارهم المليئة بتلبيساتهم خلال إحدى وعشرين سنة، وذلك لكي يرتدَّ عن الإسلام أهله، ويؤمنوا بالمسيح إلها.
فالله أكبر! إن لم يكن هؤلاء القوم دجالين من الدرجة الأولى في نظر قومنا، وإن لم تكن ثمة حاجة إلى مسيح صادق لرد مكائدهم، فماذا عسى أن يكون مآل هؤلاء القوم يا تُرى؟
.. فمن الواضح أن هذه؛ هي أعمال السحر والشعوذة التي تقوم بها الأمم المسيحية ومناصرو التثليث، وهي نموذج كامل للسحر، ولا يمكن ظهورها إلا من دجال من الدرجة الأولى، ألا وهو الدجال المعهود. فلا بد من اعتبار هؤلاء القوم -الذين هم فئة القساوسة- دجالا معهودا. وحين نُجيل البصر في معظم ما مضى من عمر الدنيا، ينقلب إلينا البصر بشهادة استقرائية؛ أننا لا نجد لهؤلاء القوم نظيرا في الصفات الدجالية ونجاحها قدرَ ما يمكننا العثور عليه في الأزمنة الغابرة، ولا يساويهم أحد في أعمالهم المبنية على السحر والشعوذة. وما دامت هذه هي علامة الدجال المذكورة في الأحاديث الصحيحة؛ حيث قيل إنه سيُحدث فتنا لن يوجد لها نظير منذ بدء الخليقة، فلا بد من القطع واليقين بأن المسيح الدجال الذي يخرج من الكنيسة، ليس إلا هؤلاء القوم الذين كانت هناك حاجة لمعجزة مقابل سحرهم. وإذا رفضتم قولي هذا فأتوا بنظير لهم من الدجالين في الأزمنة الغابرة.
..فيا أيها الكرام، ها هو الدجال المعهود الذي قد خرج، ولكنكم لم تعرفوه. خذوا الميزان في أيديكم وزِنوا بالقسطاس المستقيم وانظروا؛ هل يمكن أن يخرج دجال أكبر منهم وأكثر منهم مكراً وخديعة؟
..إن نساءكم وأولادكم وأصدقاءكم الحميمين، وأولاد كبرائكم وأوليائكم، وأفراد عائلات محترمة فيكم؛ ينضمون إلى هذه الديانة الدجالية. ألا يشكِّل هذا الموقف مأتما كبيرا للإسلام؟
تأمَّلوا، إلى أيِّ مدى تطاولت فتنهم، وكيف بلغت مساعيهم منتهاها! هل من كيد أو مكر ادَّخروه للإضلال؟
..كما أن ألوفا من اليتامى من أبناء المسلمين قد أصبحوا اليوم من ألد أعداء الإسلام بعد أن وقعوا في قبضتهم، وتعلَّموا تلبيساتهم. أرأيتم؟ هل يُتَصَوَّر طريق من طرق الفتنة لم يسلكوه، أو هل من كيد لم يعملوا به لمحو الإسلام؟
.. إن هؤلاء القوم يحتلون في التزوير والتلبيس والدجل المرتبة الأولى بين الناس جميعا منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، ولا يُعثَر على نظيرهم على وجه المعمورة في إفشاء وباء كهذا من أول يوم إلى الآن، وتأثيراتهم السامة قد أهلكت بعض الناس بالكامل..” (إزالة الأوهام، ص ٣٨٨-٣٩٠)
ويقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“الحق أن الدجالية كانت إرث اليهود التي ورثها النصارى منهم. والدجال يُطلَق على حزب الكذابين الذين ينجسون الأرض ويلبسون الحق بالباطل. وإن هذه الصفة كانت قد بلغت ذروتها في اليهود في زمن المسيح عَلَيهِ السَلام، ثم ورثها النصارى منهم. إذن، فقد نزل المسيح للقضاء على صفة الدجل بحربة سماوية؛ ما اخترعها صنّاع من الدنيا، بل هي حربة سماوية كما يتبين من الأحاديث الصحيحة.” (إزالة الأوهام، ص ٤٧٤)
ويتابع حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“ولو طُرحت شبهة: أين توجد علامات الدجال كاملةً في فئة القساوسة الإنجليز؟ فجوابها أنني قد أثبتُّ بالتمام والكمال في هذا الكتاب أن هؤلاء القوم هم الدجال المعهود في الحقيقة. ولو تأملنا في الموضوع أكثر، لوجدنا هذه العلامات كلها متحققة فيهم، وكأنهم مسيطرون على كل شيء نتيجة صناعتهم ومهارتهم، وتدابيرهم الحكيمة، و سَعَتَهم المالية.” (إزالة الأوهام، ص ٥٠١)
ثم ينتقد حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بشدة أخلاق الجنود البريطانيين ونظامهم العسكري بجرأة وقوة فيقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“كيف لجنود هذا الدين الاستعفاف عن الفجور والزنا؟ وهم لا يستطيعون أن يعيشوا حياة الرهبان لأنهم يهتمون اهتماما كبيرا للمحافظة على قوتهم البدنية حيث يشربون الخمور.. ويأكلون لذيذ الأطعمة ونفيسها، مما يُثير شهواتهم، ويزيد في نشاطهم لتأدية واجباتهم العسكرية. كما هو مشهود في فِرق الجيش البريطاني. فكيف يمكنهم أن يحموا أنفسهم من الزنا؟ ترى هل يوجد في الإنجيل قانون يُحافظ على عفة الجنود؟ وإن كان فيه قانون أو علاج لهؤلاء العُزّب. فلماذا اضطرت الحكومة الإنجليزية إلى سن القرار الثالث عشر من قوانين النظام العسكري المختص بمعسكراتها، عام عام ١٨٨٩، الذي يأذن للجندي البريطاني الاتصال الجنسي بالمومسات حتى إن السير جورج رايت Sir George right القائد العام للجيوش البريطانية بالهند، حض موظفي الجيش على استجلاب أجمل الفتيات وأفتنها، لزنى الجنود البريطانيين. والواضح أنه لو كان في الإنجيل علاج لتدارك مثل هذه الضرورارت، التي ألجأت الحاكم إلى اتخاذ هذه الإجراءات المخجلة، لما لجأوا إلى دفع جنودهم لهذه السبل الخبيثة، بدلا من الطرق المشروعة.” (نور القرآن الجزء الثاني، الخزائن الروحانية، مجلد ٩ص٤٥١)
فالدجال هو الفكر التنصيري بينما يأجوج ومأجوج هم القوة العسكرية التي يستغلها الدجال لنشر فكره بين المسلمين ولا دجال غير التنصير، وفي ذلك يقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
“لقد مضى دجالون كُثر وقد يظهرون في المستقبل أيضا، غـير أن الـدجال الأكبر الذي دجله مكروه عند الله لدرجة تَكاد الـسماوات يتَفطـَّرنَ مِـن فوقِهن بسببه، هو هذا الحزب الذي يجعل حفنةً من التراب إلهاً. ولقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنواع دجل اليهود والمشركين والأمِم الأخرى، لكنه لم يعظِّم دجل أحد لدرجة أنْ وصفه بأن السموات يمكن أن يتفطرن منه، فالفئـة التي وصفها الله ﷻ في كلامه الطيب بالدجال الأكبر ينبغي ألا نسمي غيرهـا الدجاَل الأكبر. وإذا بحثنا عن دجال أكبر آخر فسنكون من الظالمين.
إن القول بأن هناك دجالا آخر أكبر من قساوسة العصر الحاضر ليس مـن الصواب في شيء؛ لأنه لما وصفهم الله حصرا بالدجال الأكبر في كلامه الطاهر، فمن منتهى الخيانة أن يوصف أحد آخر بالدجال الأكبر خلافا لكلام الله، وإذا كان هناك احتمال لوجود مثل هذا الدجال، لوصَفَه الله ﷻ -الـذي يحـيط علمُه بالماضي والحاضر والمستقبل- حـصرا بالـدجال الأكـبر لا هـؤلاء القساوسَة. ثم إن علامة الدجال الأكبر التي يشير إليها بصراحة حديثُ البخاري “يكسر الصليب” تبين بجلاء أن من صفات الدجال الأكبر أنه سيتخذ المسيح إلها ويحصر النجاة في الصليب.” (عاقبة اثم ص ٤٩)
باختصار، فإن الدعاء بنصر الحكومة خاصةً لعدلها شيءٌ والتحذير من سياستها التي ينتشر بسببها التنصير ومعاداة الإسلام بوصفه الدجال المعهود شيءٌ آخر تماما. جميع المسلمين في الغرب سواء كانوا مهاجرين أو من أبناء البلد الأصليين المنضمّين إلى الإسلام أغلبهم بل من الواجب عليهم أن يكونوا أوفياء لبلادهم حكومةً وشعباً بما في ذلك الجيش والشرطة وغيرها من سلطات تمثل الدولة، وفي نفس الوقت يُحذِّرون ساستهم من التساهل مع المسيئين وحماية الإساءة إلى الأديان والأفكار والتيارات الأخرى في البلد بذريعة حرية التعبير وغيرها من مسميات برّاقة. فالمعترض بحسب هذا المفهوم لا يتّهم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فحسْب بل يتّهم جميع المسلمين في الغرب بأنهم يشجعون يأجوج ومأجوج والدجال.
أما لماذا بريطانيا وروسيا فلأنهما القوتان اللتان تسيطران على العالم بالنار والحديد والاحتلال (أجَّ وماجَ)، ولم يتفق جميع هؤلاء المفكرين على أن روسيا على الأقل هي يأجوج أو مأجوج عبثا.
أما قتل الدجال فقد تحقق على يد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالفعل، ولكنه قتل بالحجج لا بالسهام والحسام وذلك لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم “إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه” كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن النواس بن سمعان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الذي قال:
“ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ قُلْنَا وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ لَا اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ثُمَّ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ.” (سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، ٤٣٢١)
فالحجة التي يقوم عليها النصارى أي الصليب والفداء والكفارة أن يسوع هو الله والعياذ بالله وهو حي الآن في السماء قد بطلت باعترافهم هم حيث يقول بولس مؤسس النصرانية: “وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم.” (انظر: رسالة بولس الى كورنثوس ١٥)، وقد تم ذلك بإثبات المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أن كل هذه العقيدة لا أساس لها من الصحة بحجية القرآن الكريم وأنه أي عيسى عَلَيهِ السَلام قد مات بعد أن بلّغ بني إسرائيل كما قال القرآن الكريم وعاش ١٢٠ سنة كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم (رواه الطبراني).
أما خروج يأجوج ومأجوج من كل حدب ودعاء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عليهم والدود الذي يظهر في رقابهم نتيجة ذلك وكونه من الشرق فهذا حسب حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم حيث يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
“فبينما هم على ذلك ، إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، بين مهرودتين واضعا يده على أجنحة ملكين ، فيتبعه فيدركه ، فيقتله عند باب لد الشرقي ” . .. فبينما هم كذلك ، إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم : أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج ، وهم كما قال الله : { من كل حدب ينسلون } فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل ، فيرسل الله عليهم نغفا في رقابهم ، فيصبحون فرسى ، كموت نفس واحدة .” أهـ
فالحديث ينص على أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يُبعَث من الشرق وبالضبط شرقي دمشق (انظر لخريطة قاديان) وأنه يقتل الدجال في ذلك المكان ببقعة يقال لها باب لد وأنه ليس باب لد فحَسْب بل باب لد الشرقي ! وفي هذا الوقت تنطلق جيوش يأجوج ومأجوج من كل فوج لهم وأرض يتواجدون عليها فيأمر الله تعالى مسيحه الموعود عَلَيهِ السَلام أن يحرز المؤمنين إلى الطور وأن يكتفي بالدعاء للخلاص من هذه القوى المتصارعة فيستجيب الله تعالى ويضرب هذه الجيوش الجرارة بأصغر المخلوقات وهي الديدان التي تفتك برقاب يأجوج ومأجوج كما فعل قبل ذلك بجيش أبرهة المدجج بالافيال والمعدات الضخمة بالمرض الفتاك فهلكوا ومزَّقَت الطيورُ جثثَهم في العراء.
بعد أن أتم الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام قتل الدجالِ كما أثبتنا وطلب من الناس عدم الجهاد المسلح فلا يدان لأحد بقتال يأجوج ومأجوج كما أمره الله تعالى مصداقاً للحديث ترك مصير القوتين بيد الله تعالى، وكان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قبل ذلك دعى لنصر القوة التي أقامت العدل في الهند ومنعت السيخ والهندوس من ظلم المسلمين وكذلك فعل أكابر المشايخ والمفكرين الهنود.
أما عن بريطانيا وروسيا يبدو أن المعترض لم يحسن دراسة التاريخ أو غفل عن أمور هامة واكتفى برؤوس الاقلام كعادته إذ كان الحال بين بريطانيا وروسيا متدهوراً في القرن التاسع عشر منذ أعلن القيصر أليكساندر الحرب رسمياً على إنكلترا عام ١٨٠٧ بعد اعتداء الأخيرة على كوبنهاغن وصارت مناوشات حادة وعنيفة بين الجانبين وسميت تاريخياً بالحرب الانجلو-روسية أو Anglo-Russian War (1807–12) (انظر: The London Gazette: no. 16276. p. 1129. 15 July 1809). وكذلك حرب القرم عام ١٨٥٩ بين روسيا وبريطانيا وفرنسا والحلفاء حيث خسرت روسيا بعد حرب دامية سميت بـ “المجزرة الدولية” أو “Notoriously incompetent international butchery” والتي انتهت بمعاهدة باريس. (انظر: Troubetzkoy 2006, p. 208). وحدث ذلك كله عندما كان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في الرابعة والعشرين من العمر (ولادة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام في سنة ١٨٣٥).
ولقد بقي التوتر بين الطرفين أي بريطانيا وروسيا حتى وصف المؤرخ المعروف العلاقة بين الجانبين في القرن التاسع عشر بأنها ندّية عدوانية لا تخل من الحروب والصراع لهدف واحد هو السيطرة على آسيا ! (انظر: Edward Ingram, “Great Britain and Russia” in William Thompson, ed., Great Power Rivalries (1999 pp 269-305. ومنذ ذلك الحين بل إلى اليوم والجانبان في حرب باردة أعلنت عام ١٩٤٧ حتى بداية التسعينات وقد عادت إلى التوتر والعدوان عام ٢٠١٤ بعد تدخّل روسيا في القرم حين تحالفت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفرضت عقوبات على روسيا تحت مظلة الاتحاد الأوربي بإعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون هذه العقوبات ضد روسيا بسبب استيلاء الأخيرة على القرم وتشجيع الانفصاليين في أوكرانيا، وقد تلت ذلك عقوبات أخرى أشد بعد سقوط الطائرة الماليزية في المناطق المسيطر عليها فأعلنت روسيا على أثر ذلك عن قطع تجارتها مع الاتحاد الأوربي وهددت بإعادة الحرب الباردة. (انظر: Nicholas Winning, “Cameron Says EU Should Consider New Sanctions Against Russia: U.K. Prime Minister Wants ‘Hard-Hitting’ Measures After Downing of Malaysia Airlines Flight 17,” Wall Street Journal July 21, 2014).
أما التحالف بين روسيا وبريطانيا فلم يكن بين الدولتين بل بين مجموعة من الدول الأوربية والآسيوية ضد الصين والسبب هو محاولة الصين وقف حملات التنصير ! نعم أيها الكرام، إن الهجمة التي اتحدت بها بريطانيا بروسيا مع الحلفاء التي أتى بها المعترض كدليل على العلاقة (الطيبة جداً) بين روسيا وبريطانيا كان هذا الحلف بالذّات هو لحماية التنصير وليس للثروات والمصالح المشتركة كما يقول المعترض (انظر: Hsu, Immanuel C.Y. (1978). “Late Ch’ing Foreign Relations, 1866-1905”. In John King Fairbank. The Cambridge History of China. Cambridge University Press. p. 127. ISBN 978-0-521-22029-3)، وهذا دليل على صدق المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام الذي بَيّنََ أن القوَّتين تخدمان الدجال ولا يجمعهما مصلحة غير خدمته ثم تتصارع القوتان ضد بعضهما البعض كما في قوله عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في كتاب “إزالة الأوهام” كما يلي:
“إنّ هذين القومين يتغلبان على الآخرين أولا، ثم يهاجمان بعضهما بعضا، وسيرزق الله الانتصار لمن يشاء.” أهـ
وهكذا بيَّنَ لنا المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ما المقصود بالدجال ويأجوج ومأجوج وكل هذه المسميات الواردة في حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بشرح ممتع واقعي ومهم لم يسبقه إليه أحد بهذا التكامل والحلول الناجعة. فسبحٰن الذي يخزي الأعادي ويُظهر صدق مبعوث السماء حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ