ربما لا يكون هذا الموضوع شغل الساعة مع تفشي وباء الكورونا الذي سيزول قريباً كما بدأ بإذن الله تعالى، إلا أن لهذا الموضوع بعض الصِّلة فوق كونه ردّاً مُهِمّاً على بعض ما يشيعه خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية في هذه الأيام لزعزعة إيمان الناس ولو قليلاً ليصيروا إلى ما صاروا إليه أنفسهم. والله تعالى المستعان.
إنه موضوع الأبدال الوارد في كلام مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، ويقصد بهم نوّاب النبيين من خلفاء وصالحين، حيث يُزعم بأن هذا اللفظ لا يصح ولا أصل له وإنما هو كذب اختلقه الكذابون لا غير لمصالح وغايات خاصة. وللوقوف على حقيقة ذلك نقول بأن تضعيف أحاديث الأبدال على كثرتها كان موقف بعض العلماء وخاصة المتأخرين أو بالأصح المعاصرين للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام كالشيخ الألباني ورشيد رضا وأمثالهم ممن لا يخفى على أحد مدى عداوتهم لحضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وبذلك لن يخفى سر تضعيفهم لهذه الألفاظ التي تزخر بها كتب المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. فهل يا ترى هذه هي حقيقة لفظ الأبدال مع وجود أحاديث مرفوعة وموقوفة وأقوال للسلف الصالح من الكثرة بمكان، أم أن الحقيقة هي التي تسند كل هذه الأحاديث؟
الأبدال من كلام العلماء
ونبدأ بأحد الأئمة وهو الإمام العجلوني رحمه الله تعالى الذي اعترف بضعف طرق الحديث ولكنه قال:
“وأقول: لكنه يتقوى بتعدد طرقه الكثيرة.” (كشف الخفاء)
إذن الحديث ليس بالضعيف بل تشدّه كثرة طرق والشواهد كما أكَّدَ أحدُ أعلام المُحدِّثين.
كذلك نقل الإمام المناوي قول الإمام الحافظ ابنُ حَجَرٍ العسقلاني رحمهم الله:
“ذِكْرُ الأبدالِ وَرَدَ في عِدَّةِ أخبار، منها ما يَصِحُّ ومنها ما لا يَصِحُّ. وأمَّا القُطْبُ فوَرَدَ في بعضِ الآثار. وأمَّا الغَوْثُ بالوَصْفِ المشتهِرِ بينَ الصُّوفِيَّةِ فلم يثبُت.” (فتح القدير)
وأحد هذه الأحاديث الكثيرة ما رواه الإمام أحمد بن حَنْبَل رحمه الله تعالى في مسنده بإسناد صحيح عن سيدنا علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
“قال سَيِّدُنا عليُّ بنُ أبي طالب: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «الأبدالُ يكونونَ بالشَّام، وهم أربعونَ رجلًا، كلَّما ماتَ رَجُلٌ أَبدَلَ الله مكانَه رَجُلًا، يُسْقَى بهِمُ الغَيْثُ، ويُنْتَصَرُ بهم على الأعداء، ويُصْرَفُ عن أهلِ الشَّامِ بهِمُ العذابُ.” (مسندِ أحمد، مسند العَشَرَةِ المُبَشَّرينَ بالجنَّة)
كذلك ورَوَاهُ الإمام البَيْهَقِيُّ رحمه الله تعالى مَوْقُوفًا عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بلفظ:
“لا تسبُّوا أهلَ الشَّامِ جَمًّا غفيرًا فإنَّ فيها الأبدالَ.” (دلائلِ النُّبُوَّة، ص 449)
وأخرجَ الحاكمُ هذه الرِّوايَةَ عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وصحَّحَه ووَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ رحمهم الله تعالى بلفظ:
“لا تسبُّوا أهلَ الشَّامِ فإنَّ فيهِمُ الأبدالَ، وسُبُّوا ظَلَمَتَهُمْ.” (المستدرَك على الصحيحين، ج 4، ص 553)
وحسَّنَ الحافظُ الهيثميُّ حديث الطبراني في المعجم رحمهم الله تعالى وقال: “حديث الطَّبَرانيِّ إسنادُه حَسَن.” (مجمع الزَّوائد، ج10، ص 63)
حتى أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أكَّدَ صحة لفظ الأبدال وأنهم أمثال الأنبياء فقال:
“وأما أهل العلم فكانوا يقولون هم الأبدال؛ لأنهم أبدال الأنبياء، وقائمون مقامهم حقيقة، ليسوا من المعدمين الذين لا يعرف لهم حقيقة، كل منهم يقوم مقام الأنبياء في القدر الذي ناب عنهم فيه، هذا في العلم والمقال، وهذا في العبادة والحال، وهذا في الأمرين جميعاً، وكانوا يقولون هم الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة، الظاهرون على الحق، لأن الهدى ودين الحق الذي بعث الله به رسله معهم وهو الذي وعد الله بظهوره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.” (مجموع الفتاوى 4/97)
إذن فهذا الأثر معروفٌ ذكره غير واحد من سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى كما تبين، ولفظ الأبدال ونحوه المأثور في كلام السلف حتى المضعّفين لحديث الأبدال منهم إنما كان من منطلق نفي وجود أعداد خرافية محدودة تعيش منذ البدء تتحكم في الرزق والنفع والضر، فهذه هي حقيقة الأمر ومغزى تضعيف موضوع الأبدال، بينما يذكر السلف أنفسهم لفظ الأبدال ليقصدوا به أهل العلم ممن يتّصفون بأنهم أبدال الأنبياء والقائمون مقامهم، وفي هذا المعنى ينقل الإمام الحافظ السيوطي قول الإمام أحمد بن حَنْبَل رحمهم الله تعالى بأن الأبدال هم أهل الحديث، حيث يقول:
“إن لم يكن أصحاب الحديث هم الأبدال فما أعرف لله أبدالاً.” (الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال. الرسالة المستطرفة، الكتاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت الطبعة الرابعة، 1406-1986)
وقال الإمام السُّيُوطِيُّ أيضا:
“خَبَرُ الأبدال صحيح. وقد أفردتُه بتأليفٍ استوعبتُ فيه طُرُقَ الأحاديثِ الواردةِ في ذلك.” (النُّكَتِ البديعات، ص 240)
وبعد أنْ ذَكَرَ طُرُقَ الحديثِ قال رحمه الله ما نصُّه:
“ومِثْلُ ذلكَ بالِغٌ حَدَّ التواترِ المعنويِّ لا محَالةَ بحيثُ يُقْطَعُ بصِحَّةِ وُجُودِ الأبدالِ ضَرُورَةً.” (النُّكَتَ البديعات، ص241، ص242)
للأبدال صلة مهمة بقيام الساعة
فصلة الأبدال بقضية الساعة كما يستشف من منطوق كلام الصالحين هي وجوب وجود جماعة في هذه الأيام لها إمام واحد وخلافة على منهاج النبوة وهي التي نؤمن بأنها جماعة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بقيادة خليفته المفدى المؤزر من الله ﷻ سيدنا حضرة مرزا مسرور أحمد أيَّدَهُ اللهُ بِنَصْرِهِ العَزِيز، اللّهُمّ آمين !
وبذلك تتضح الحقيقة وهي أن لفظ الأبدال صحيحٌ مثبتٌ في أحاديث كثيرة منها الصحيح الموقوف بحكم المرفوع والمرفوع أيضاً واستخدام مؤكد في كلام السلف رحمهم الله جميعا صححه طائفة من أهل العلم والمحدّثين حتى أن المضعّفين أنفسهم لم يقصدوا من ذلك إلا نفي الخرافة وما لا يليق، وليس نفي وجود لفظ الأبدال. فلم يبق شيء للخصم ليزعم ما زعمه من أغاليط بعد تبيّن ثبوت اللفظ عند العلماء. هذا ويكفينا كمسلمين أحمديين شهادة المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، أما الخصوم فلا يَرَوْن إلا أن الجميع متآمر على الكذب والسعي وراء المصلحة، هدانا الله تعالى وإياهم، اللّهُمّ آمين.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ