هل وصف المسيح الموعود عليه السلام معجزات المسيح الناصري عليه السلام بالشعوذة ؟ أم وافق المصلح الموعود رضي الله عنه فيها؟
الاعتراض:
عندما كان الميرزا يتحدث عن تفسير الآية: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} (آل عمران 49)، اتهم المسيح عليه السلام بالشعوذة والمسمرية لمجرّد أن يبرر عجزه عن مثل هذه المعجزات فيقول:
“فالمعلوم يقينا أن المتمرس الكامل في هذا المجال لو صنع من الطين طيرا وأراه يطير، لما كان مستبعدا”. (إزالة الأوهام)
بل يرى الميرزا أن المسيح عليه السلام كان يستخدم المسمرية (التنويم المغناطيسي) .. أي الشعوذة وخفّة اليد، فيقول:
من الممكن أن تظهر مثل هذه المعجزات نتيجة عمل التِّرب .. أيْ المسمرية، على سبيل اللهو واللعب وليس على وجه الحقيقة..
ثم إن المسيح الموعود عليه السلام يطعن بالمسيح الناصري في ممارسته لهذا العمل السيئ والمكروه، بل ويكاد يفسقه لأن ممارس هذا العمل تضعف القوى الروحانية.
[مقتبس ببعض التصرف من مقالات المعترض لتاريخ 8يوليو 2017 ]
الرد:
واضح من الاعتراض أن المعترض يظن بأن التنويم المغناطيسي هو ضرب من الشعوذة، حيث يفسّره بأنه (شعوذة وخفة يد)، وذلك على عكس ما يقوله المسيح الموعود عليه السلام في مواضع مختلفة كما سنبيّنه في هذا المقال.
ففهْم المعترض بأن التنويم المغناطيسي هو شعوذة، لهو نابع من جهله لحقيقة التنويم المغناطيسي وعمل الترب / المسمارزم الذي هو نفس العلم.
أقول جزما، لم يقل المسيح الموعود عليه السلام قطّ بأن معجزات المسيح الناصري المذكورة في القرآن الكريم، كإحياء الموتى وخلق الطير وإشفاء المرضى، هي من قبيل الشعوذة وخفة اليد. وإنما هذا الادعاء نابع أولا، من سوء فهم المعترض لأقوال المسيح الموعود عليه السلام، وكذا لجهله بحقيقة التنويم المغناطيسي وعلم المسمارزم ؛ وظنّه أنه كله عبارة عن شعوذة وخفة يد .
كما أنه إذا قارنا تفسير المسيح الموعود عليه السلام، مع تفسير المصلح الموعود رضي الله عنه، لمعجزات المسيح الناصري عليه السلام، نرى تطابقا تاما كما سيتّضح من هذا المقال.
فلو تتبعنا أولا تفسير المسيح الموعود عليه السلام لمعجزات المسيح الناصري المذكورة أعلاه، نراه يعطيها ثلاثة تفسيرات كما يلي:
1: أولا أنها من قبيل المعجزة العقلية المشابهة لمعجزة (الصرح الممرد) التي منحها الله تعالى لسيدنا سليمان حيث أظهرها لبلقيس فآمنت. فيقول حضرته عليه السلام، بأنه مقابل شعوذات ذلك العصر ونظرا لاهتمام الناس بمثل هذه الأمور،” فلا غرابة في أن يعلّم اللهُ المسيحَ – عليه السلام – من الناحية العقلية أن ألعوبة من الطين يمكن أن تطير أو تمشي بأقدامها مثل طير حيّ بالضغط على زرّ أو النفخ فيها” .
وهذا الأمر ليس بشعوذة بل صناعة حقيقية كصناعة الصرح الممرد، إذ لا أحد ولا المسيح الموعود عليه السلام، يدعي أن معجزة سيدنا سليمان هذه كانت من قبيل الشعوذة. وكل هذا مشابه لصناعة اللُّعَب المتحركة في هذا العصر، وهي أيضا ليست بشعوذة، وقد شبّهها المسيح الموعود عليه السلام أيضا في موضع آخر (بعجل السامري ) المصنوع، وذلك ليُري الناس في ذلك العصر قدراته غير الاعتيادية مقابل شعوذات ذلك العصر.
وعلى كل هذا يوافق المصلح الموعود رضي الله عنه ويقول:
“ويمكن أيضا فهم معجزة خلق الطير بشكل آخر. لقد كان القوم في عهد عيسى مغرمون بممارسة العلوم الغامضة الخفية كقوة التأثير في الناس وما أشبه. ومن المحتمل أن يكون الله تعالى قد أعطاه مثل هذه القدرة ليؤثر على الناس بما يجعلهم يصدّقون به ويؤمنون برسالته. وفي هذه الحالة تكون الآية أن عيسى صنع نماذج صغيرة من الطين على هيئة الطير، ثم أثر على الموجودين بالقدرة الخاصة التي وهبه الله تعالى إياها، بحيث بدت لهم تلك النماذج طيورا تحلق في الجو. ولكنها لم تتحول إلى طير حقيقي، فما أن يضيع التأثير حتى تبدو كتلا من الطين مرة أخرى. وهذه المعجزة العيسوية تشبه معجزة العصا الموسوية، حيث بدت عصا موسى للحاضرين كأنها ثعبان حقيقي، ولكنها لم تكن كذلك في حقيقة الأمر. ومهما كانت دلالة الآية، فإن عيسى – عليه السلام – قد قام بها {بِإِذْنِ اللهِ} ولا يملك عيسى مقدرة على الخلق لمزيد من الايضاح (راجع كتاب إزالة الأوهام لسيدنا أحمد المسيح الموعود – عليه السلام -).” [التفسير الوسيط (16/ 86)]
فها هو المصلح الموعود رضي الله عنه يُحيل إلى تفسير المسيح الموعود عليه السلام الذي نقلناه من إزالة الأوهام ويأخذ به.
2: ثانيا :يقول المسيح الموعود عليه السلام إن هذه المعجزات كما وصفت في القرآن الكريم جاءت على سبيل المجاز والاستعارة ، وهنا يلتقي تفسير المسيح الموعود عليه السلام مع تفسير المصلح الموعود رضي الله عنه مرة أخرى، عندما يأخذ المصلح الموعود رضي الله عنه بهذه المعجزات على سبيل الاستعارة والمجاز أيضا. ومن هنا فبإمكاننا القول إن أصل تفسير المصلح الموعود عليه السلام المجازي الروحي لهذه المعجزات موجود في كلام وتفسير المسيح الموعود عليه السلام نفسه. حيث قال المسيح الموعود عليه السلام:
“وما دام القرآن الكريم زاخرا بالاستعارات لذا يمكن أن نستنتج من هذه الآيات معانيَ روحانية أيضا بأن المراد من الطيور الطينية أناسٌ أميون محدودو الفهم اتخذهم عيسى رفقاء له، أي أخذهم في صحبته، وجعل فيهم صفات الطيور، ثم نفخ فيهم روح الهداية، فأصبحوا يطيرون.“[ إزالة الأوهام الجزء الأول]
وهذا تماما ما قاله المصلح الموعود في تفسيره حيث جاء:
“وعلى هدى ما سبق من بيان، وإذا تنبهنا إلى المعنى المجازي لكلمة (الطين) فإن قوله تعالى {وَأَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَصِيرُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ} يعني أنه إذا اتصل بالمسيح شخص عادي وضيع النشأة، ولكنه يمتلك القدرة الفطرية على النمو والارتقاء، وقَبِلَ رسالته، فإن حياته تتحول تحولا كاملا، من رجل يتمرّغ في الوحل، ولا يرى ما وراء اهتماماته الدنيوية وحاجاته المادية، فإذا به يتشكل طيرا محلقا في أجواء السماوات الروحانية. وهذا هو عين ما حدث. إن جماعة الصيادين في منطقة الجليل الذين كانوا موطئ الاحتقار لوضاعتهم، استحالوا إلى طيور محلقة، بفضل الدّفعات الكريمة في تعاليم سيدهم، وأصبحوا هم أنفسهم معلمين ربانيين يرشدون بني إسرائيل، ويتحملون كل أنواع العذاب والأذى، ويقدمون التضحيات التي يزدان بها تاريخ أية أمة. يقول المسيح – عليه السلام -: “لذلك أقول لكم: لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون. ألسيت الحياة أفضل من الطعام. والجسد أفضل من اللباس. انظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها. ألستم أنتم بالحريّ أفضل منها” (متّى 6: 25و26).” [التفسير الوسيط (16/ 85)]
وعلى هذا المنوال يفسر المصلح الموعود رضي الله عنه أيضا ، مسألة إبراء الأكمه والأبرص، فتارة يأخذها على المجاز ولا يرفض أخذها على الحرفية أيضا . وكذا الأمر بالنسبة لإحياء الموتى فرغم أن حضرته رضي الله عنه يركز على تفسيرها الروحاني، إلا أنه لم يرفض المعنى الحرفي للموت، ولكنه يقول أن هؤلاء الموتى لم يكونوا حقيقة أموات بل نائمين بنص الإنجيل حيث قال:
“إن الذين اعتُبروا موتى وأقامهم عيسى لم يكونوا حقيقة أمواتا، ويتجلى هذا أيضا في الإناجيل. وتلقى الحادثة الواردة في انجيل (متى 23:9إلى25) بعض الضوء على هذا الموضوع: “ولما جاء يسوع إلى بيت الرئيس ونظر المزّمرين والجمع يضجون. قال لهم تنحوا. فإن الصبية لم تمت لكنها نائمة. فضحكوا عليه . ” [التفسير الوسيط (16/ 89)]
[ لكل هذا راجع التفسير الوسيط في تفسير الآية {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ } (آل عمران 50)]
3: ثالثا : كون هذه المعجزات مندرجة تحت عمل الترب/ المسمارزم أي التنويم المغناطيسي، والذي يعتمد على تأثير طاقة الإنسان في الآخرين أو في الجمادات . وهذا العمل معروف منذ القدم وقد تمرس به الكثيرون، منهم الأولياء الصالحون المسلمون أيضا، فكانوا يشفون المرضى بتركيزهم ونظراتهم وطاقتهم المغناطيسية. وقال المسيح الموعود عليه السلام، عن هذا العمل ما يلي: الحقيقة أن التنويم المغناطيسي الذي اكتشفه الإنجليز مؤخرا أيضا فرع من هذا العلم (الترب).[ أسئلة ثلاثة لمسيحي والرد عليها]
وقد مارس المسيح الناصري هذا العمل بأمر من الله مقابل الأفكار والعادات السفلية مثلا، كالشعوذة التي كانت متفشية عند اليهود ، إلا أن عمل المسيح نفسه ليس هو شعوذة بحد ذاته وليس هو بسفليّ ، بل مندرجا تحت هذا العلم المعروف من التنويم المغناطيسي ، ليُري قدرات خاصة مقابل شعوذات الآخرين. تماما كما أن عصا موسى أبطلت فعل سحرة فرعون، فهل يُقال بأن ما فعله موسى عليه السلام إزاء شعوذات السحرة وخفة يدهم كان أيضا شعوذة وسحرا، أم معجزة مبنية على سنة إلهية طبيعية لا علاقة لها بالسحر والشعوذة!؟ فقال المسيح الموعود عليه السلام:
“ علمًا أن المسيح – عليه السلام – أيضا لم يمارس هذا العمل المادي إلا بإذن من الله وأمْرِه نظرا إلى الأفكار المادية والسُّفْلية التي كانت مترسخة في طبائع اليهود، وإلا ما كان المسيح ليحب هذا العمل.” [ إزالة الأوهام الجزء الأول] فلم يصف حضرته عليه السلام عمل المسيح الناصري أنه سُفلي ، بل وصف أعمال الآخرين وأفكارهم بهذا الوصف.
وبتتبع كلام المسيح الموعود عليه السلام عن عمل الترب أو المسمارزم نرى أنه لم يصفه بأنه شعوذة ، بل قال إن له شأن عظيم وقسم روحاني من علوم الطبيعة وفيه صفات وعجائب كثيرة. ومن استعمالات هذا العلم بتأثير الطاقة الجسمانية فمن الممكن استغلاله في اللعب أيضا بتحريك الجمادات بفعل القوى المغناطيسية ، وهذا لا يجعله شعوذة وخداع بل عمل حقيقي، اما الشيء المنافي للحقيقة هو ان تتحول هذه الجمادات إلى أحياء، ومن هنا جاء قول حضرته عليه السلام:
“من الممكن أن تظهر مثل هذه المعجزات نتيجة عمل التِّرب .. أيْ المسمرية، على سبيل اللهو واللعب وليس على وجه الحقيقة.. ” بمعنى أنه بفعل هذا العلم ممكن تحريك الجمادات لتظهر أنها حية رغم أنها في الحقيقة ليست كذلك.
إلا أن بعض المشعوذين قد يستغلون هذا العلم ويستعملونه أيضا حيث قال:
“فمثلا إن الناس الذين يسمّون في بلادنا مشعوِذين أو سحرةً؛ لا حقيقة لهم، إلا أن ضعيفي الخِلقة – مثل الأطفال- يتأثرون إلى حد ما بنظرتهم السامة.” [إزالة الأوهام الجزء الثاني]
فبعض أعمال هؤلاء المشعوذين تستغل علم الترب، إلا أن هذا لا يجعل من كل هذا العلم شعوذة، ولا يجعل من أعمال المسيح الناصري فيه هي أيضا شعوذة.
وأما اتهام المسيح الموعود عليه السلام بطعنه بالمسيح الناصري أنه مارس هذا العمل غير اللائق، وأن هذا العمل يضعف الروحانية؛ فقد أجاب عليه المسيح الموعود نفسه بقوله:
” أما القول بأني وصفت معجزات المسيح مكروهة، فمثلها كما يكون أمر ما جائزا في وقت معين ولا يجوز في مقت آخر.” [ملفوظات مجلد 5]
إذن فالقصد هو نسبة لهذا العصر، وهذا لا يجعل من المسيح الناصري سيئا وفاسقا لممارسته هذا العمل، بل مارسه بأمر من الله وفقا لمقتضيات ذلك العصر، إلا أنه هذا العمل لا يحبّذ ومكروه في هذا العصر لأنه لا يليق به في الأمور الروحانية. فلا إسائة ولا تفسيق للمسيح الناصري.
تفاسير المسيح الموعود عليه السلام أيضا تفاسير مجازية:
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن كل تفسيرات المسيح الموعود عليه السلام هذه تندرج تحت الرمزية والمجاز والاستعارة في خلق الطير وإحياء الموتى، حيث لا يأخذ بحرفية الآيات، فأخْذ هذه الأمور على سبيل الصناعة العادية أو المسمارزم (التنويم المغناطيسي) هو بحد ذاته تفسير مجازي. غير أن حضرته عليه السلام يأخذ هذا المجاز إلى نواح معينة قد تختلف عما ذهب إليه المصلح الموعود في اجتهاده وزياداته. ومما يؤكد ذلك قول حضرته عليه السلام:
“ولو راودتْ أحدا وسوسةٌ أنه لماذا إذًا استخدم الله جلّ شأنه كلمة: {تَخلُق} حين ورد ذكر خلق الطيور في قصة المسيح ابن مريم؟ فجوابه أن اعتبار عيسى – عليه السلام – خالقا إنما هو على سبيل الاستعارة، كما يقول تعالى في آية أخرى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون: 15) فالخالق الحقيقي هو الله وحده بلا أدنى شك، أما الذين يصنعون الألاعيب من الطين أو الخشب فهم أيضا خالقون غير حقيقيين، ولا حقيقة لفعلهم.” [ إزالة الأوهام الجزء الأول]
فكما نرى بأن الأساس لتفسيرات المصلح الموعود عليه السلام المبنية على المجاز والروحانية موجود في تفسيرات المسيح الموعود عليه السلام نفسه. لذا فلا يمكن القول بحال أن هناك تعارضا بين التفاسير ، بل كلها اجتهادات صحيحة وواردة تعضد وتكمل بعضها بعضا.
سبب ذكر المسيح الموعود عليه السلام لهذه التفاسير:
ذكر المسيح الموعود عليه السلام كل هذه التفسيرات ليس فقط ردا على من طلب منه أن يأتي بنفس هذه المعجزات، بل ردا على سؤال آخر لأحد المسيحيين الذي ادعى أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بأي معجزة. ولم تات هذه التفسيرات لتبرير عجز المسيح الموعود عليه السلام عن الإتيان بمثلها.
بل كان هدف المسيح الموعود عليه السلام أن يبين بأنه لا خصوصية لسيدنا عيسى عليه السلام بهذه المعجزات وهي ليست مما يتيح للمسيحيين تأليهه وتفضيله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي لا تُثبت علوّ الدين المسيحي على الدين الإسلامي. وإنما كلها أمور طبيعية من إشفاء المرضى وصنع اللُّعَب المتحركة وإظهار حركات للموتى الجدد للحظات مؤقتة، وهي أمور تمرّسَ فيها الكثيرون عبر الزمن ولا خصوصية كبيرة للمسيح الناصري فيها حتى يجعل إلها. لذلك قال المسيح الموعود عليه السلام، بأن هذا العمل ليس جديرا بالتقدير، إذ لا خصوصية فيه، بل كان ملائما لأحوال ذلك العصر فقط . ولذلك فالطلب منه الإتيان بمثلها هو طلب عبثي، ولو أراد الله لمنح حضرته مثل هذه الأمور وجعله يعتني بها، إلا أنها ليست ملائمة لهذا العصر، بل لا بد منة الاهتمام بالأمور الروحانية على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
من كل هذا نخلص إلى الأمور التالية :
1: أنه لا اختلاف بين تفسير المصلح الموعود رضي الله عنه وتفسير المسيح الموعود عليه السلام في معجزات المسيح الناصري عليه السلام. بل هنالك تطابق تام بينهما، إذ إن كلاهما يأخذان بالتفاسير المجازية لهذه المعجزات، ولكن كل واحد منهما يركز على ناحية معينة من هذا المجاز.
2: لم يجزم المسيح الموعود عليه السلام أن هذه المعجزات تفسّر فقط بعلم التنويم المغناطيسي، بل ذكر إمكانية كونها مجازية روحانية؛ تماما كما فسرها المصلح الموعود رضي الله عنه.
3: المصلح الموعود نفسه رغم تركيزه على الناحية الروحانية في هذه المعجزات، لم يرفض ولم يعارض تفسيرات المسيح الموعود عليه السلام، التي تقول بالمسمرية والتنويم المغناطيسي وصناعة اللّعَب (الحقيقية) بل يأخذ بها ويقول إنها ممكنة أيضا .
4: لم يصف المسيح الموعود عليه السلام هذه المعجزات بالشعوذة ، إذ لا يعتبر حضرته علم التنويم المغناطيسي شعوذة وخفة يد، بل قال إن هذه القدرات التي مُنحها المسيح الناصري كانت مقابل شعوذات ذلك العصر ، وإلا فصنع اللُّعب كان حقيقيا والتأثير المغناطيسي كان حقيقيا، ولكن يمكن استغلاله من أجل اللّعِب أيضا. وهذا لا يجعل منه سحرا وخداعا وخفة يد، بل هو أمر حقيقي بتأثير حقيقي، سوى أنه لا يمنح الجمادات حياة حقيقية، بل حركة مؤقتة.
5: لم يطعن المسيح الموعود عليه السلام بالمسيح الناصري لممارسته هذا العلم (التنويم المغناطيسي) ، بل يقول إنه عمل مكروه في هذا العصر وكان ملائما لذلك العصر، نظرا لبساطة الناس واهتمامهم بالشعوذات والأفكار السفلية ، فمنح الله المسيح الناصري هذه القدرات الحقيقية لتلقف شعوذات الناس وتقابلها وتقف إزاءها، تماما كما كانت عصا موسى.