تزخر كتب الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام بالتأكيد على الحرية الدينية، ومن أهم المحاور التي تطرق إليها هو أن الجهاد القائم على إكراه الناس وإجبارهم لا علاقة له بالإسلام، فالإسلام ينهى عن الإكراه في الدين مطلقا، ويترك الخيار للناس ليختاروا أديانهم ومعتقداتهم كما يشاءون، وقد قضى الله تعالى ألا يعاقب الناس في هذه الحياة الدنيا على معتقداتهم، ولم يبح للمسلمين أن يعاقبوهم عليها أيضا، بل جعل عقوبتهم مؤجلة إلى الآخرة.
ومما كتبه حضرته في هذا السياق اقتبس هذه الاقتباسات نموذجا
قال حضرته مؤكدا أن العقاب لا ينزل على الناس بسبب معتقداتهم:
” ذلك أن العذاب لا ينزل على أحد في الدنيا بسبب الاختلاف في الدين، إذ العقاب على هذا يوم القيامة، وإنما يعذَّب الناس في الدنيا على شرورهم وتجاسُرهم وكثرة ذنوبهم.” (سفينة نوح)
وقال مفنِّدا الخطأ بالظن أن من واجب المسلمين أن يعاقبوا الكافرين على كفرهم ويقاتلوهم لأجل ذلك:
“إذا لجأتم إلى الإكراه كان إكراهكم دليلاً كافيا على أنكم لا تملكون برهانًا على صدقكم. فكلّ سفيهٍ ظالمٍ إذا عجز عن تقديم برهان مدّ يدَه إلى السيف أو البندقية، ولكن الدين الذي لا يقدر على الانتشار إلا بقوة السيف لا يمكن أن يكون من عند الله أبدًا. فإن كنتم لا تستطيعون الكفّ عن مثل هذا الجهاد وتُسمّون الأبرار ملاحدة ودجالين من فورة غضبكم، فها إننا ننهي كلامنا بهاتين الجملتين: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}.
كَمْ من الفِرَق – يا ترى – سيحارب مسيحُكم ومهديُّكم الخياليّانِ بالسيفَ في زمن شقاق المسلمين وفُرقتهم؟ أليست الشيعة تستوجب سَلَّ السيف عليهم في رأي أهل السنة، ثم أليس أهل السنة يستحقّون أن يُمحَوا ويُبادوا عن بكرة أبيهم عند أهل الشيعة؟ فما دامت فِرَقُكم المختلفة نفسها مستوجبةً للعقاب بحسب معتقداتكم فكم منها ستجاهدون؟” (سفينة نوح)
وقال أيضا:
“هذا، وإن المهمة التي من أجلها سينزل المسيح ابن مريم وفق معتقداتكم أي أنه سيحارب الناس بمعية المهدي ليُجبرهم على اعتناق الإسلام لعقيدة تعيب الإسلام. أين المكتوبُ في القرآن المجيد إن الإكراه في الدين جائز؟ بل يقول الله تعالى في القرآن المجيد {لا إكراه في الدين} .. أي لا إجبار في الدين. فمِن أين خُوِّل المسيح صلاحية الإكراه حتى لا يرضى حضرته بشيء دون الإسلام أو القتل وحتى لا يقبل الجزية أيضا؟ في أي موضع من مواضع القرآن المجيد وفي أي جزء منه وفي أية سورة من سوره قد ورد هذا التعليم؟ إن القرآن لناطق في قوله كرّةً بعد أخرى بأن الدين لا إكراهَ فيه، ويكشف بوضوح أن الغزوات التي كانت قد حصلت في عهد حضرته – صلى الله عليه وسلم – لم تكن بقصد الإكراه في نشر الدين، وإنما كانت من قبيل العقاب لمَن قتلوا كثيرا من المسلمين وأخرجوا بعضهم من وطنهم وظلموا ظلمًا كبيرًا“. (سفينة نوح)
وقال مؤكدا ومركِّزا على أنْ “لا إكراه في الدين” إنما تنهى عن أن يُكره أي إنسان في شأن دينه مطلقا:
“ومن الاعتراضات التي أثارها المحاضر أن القرآن الكريم يأمر بإكراه الناس على الإسلام. ويبدو أن هذا المحاضر ليس عنده شيء من العقل والعلم، وإنما يردد ما قاله القسيسون. فقد افترى هؤلاء القسيسون في كتبهم – حسدًا وبغضًا منهم كما هو دأبهم – أن الإسلام يأمر المسلمين بقهر الناس على اعتناقه، فردد المحاضر وإخوانه الآخرون، وبدون أي فحص وتحقيق، نفس التهمة التي لفقها القسس كذبًا وزورًا. مع أن القرآن الكريم يقول في إحدى آياته صراحة {لا إكراهَ في الدين قد تبيّنَ الرشد من الغيّ}. أليس من الغريب أنه برغم أن القرآن الكريم قد نهى بهذه الصراحة والوضوح عن ممارسة الإكراه والقهر في أمور الدين، ومع ذلك يتجاسر هؤلاء القوم، الذين قد اسودّت قلوبهم بغضًا وعداء، على الافتراء على وحي الله تعالى بأنه يأمر بممارسة الجبر والإكراه. ونقدم الآن آية أخرى من القرآن الكريم ونرجو من المنصفين أن يخبرونا – خائفين من الله تعالى – ما إذا كانت هذه الآية تجيز الإكراه في الدين أم أنها تنهى عن الإكراه صراحة. وهذه الآية هي قول الله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُون}، بمعنى أن من الواجب عليك أن تعامل هؤلاء بهذه المعاملة اللينة لأنهم قوم لا يعملون حقيقة الإسلام. ومن الواضح أن القرآن الكريم لو كان يعلّم الإكراه في الدين لما أمر أن الكافر الذي يريد أن يسمع القرآن فيجب أن تمكّنه من سماعه، ثم إذا سمعه ومع ذلك لم يعتنق الإسلام فعليك أن توصله إلى المكان الذي يجد فيه الأمان، بل لأمرَ القرآن الكريم أن مثل هذا الكافر إذا وقع في قبضتك فعليك بإكراهه على الإسلام“. (ينبوع المعرفة)
وقال مؤكدا أن الإكراه في الدين كان فعل النصارى ولم يكن ولن يكون فعل المسلمين أبدا:
“يقول الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِيْنِ} غير أن النصارى كانوا في زمن ما يُنصِّرون الناس كُرهًا. ولكن الإسلام يعارض الإكراه منذ بداية عهده. إنما الإكراه فعل الذين لا يجدون الآيات السماوية معهم.” (حقيقة الوحي)
أما بخصوص عقوبة المرتد، فقد أكد حضرته أنها كانت بحق المرتدين القاتلين لأنهم قتَّلوا وارتكبوا الجرائم، وليس لمجرد أنهم قد تركوا الإسلام، فقال في الرد على المسيحيين الذين يدَّعون ذلك:
“تعترضون بأن المرتدين القاتلين لم يكونوا مستحقّين للعقوبة فقتلوا دون رحمة، فلا يخفى عليكم أن أنبياء بني إسرائيل قَتلوا حتى الرُضّع وليس واحداً أو اثنين بل آلاف الآلاف، فإما أن تُنكروا نبوّتهم أو أن ذلك لم يكن أمراً إلهياً؟ أو أن الله في زمن موسى كان مختلفاً عن زمن محمد المصطفى – صلى الله عليه وسلم -؟
أيها القس الظالم، اخجل قليلاً فلا بد من الموت أخيراً، لا يمكن أن يحاسَب المسيح المسكين عوضاً عنك؛ لتُؤخذَنَّ بأعمالك ولا يُحاسب هو. أيها الجاهل ترى قشّة في عين أخيك ولا ترى خشبة في عينك، ماذا حدث بعينك إذ لا تستطيع أن ترى بها؟” (الرسائل الأحمدية، رسالة رقم 3 إلى القس فتح مسيح)
فهذا يؤكد أن حضرته لم يكن يقول بقتل المرتد لمجرد ردته، بل يؤكد أنها كانت بسبب إجرامه؛ فالذين عاقبهم أبو بكر الصديق كانوا مرتدين “قاتلين” بداية وليسوا مجرد أناس ارتدوا عن الدين.
وهكذا، وبعد نصوع هذه الحقائق كالشمس، نجد أن مرتدا خائنا جاءنا من جماعة التكفير، وعاش بيننا منافقا لسنوات، وكان متربصا يسرق المواد ويحتفظ بها دون إذن، ثم مارس الفساد والإفساد في الجماعة متسترا بالادعاء بالإيمان، نجد أن هذا المرتد يزعم أن المسيح الموعود والإمام المهدي عليه الصلاة والسلام لم يكتب سطرا في الحرية الدينية، وأنه كان يؤمن بقتل المرتد لمجرد ردته! ومع أن أي مطلع على كتب المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام سيدرك كذب ادعاء هذا الشخص، إلا أننا أيضا أثبتنا قطعا فيما سبق أن حضرته أكد على الحرية الدينية بكل قوة، وأن المرتدين لم يقتلوا لمجرد ردتهم، بل بسبب أنهم كانوا قتلة؛ أي لم يعاقبوا على كفرهم بل على جرائمهم.
لقد بلغت بهذا الشخص الصفاقة والتمادي في الكذب إلى درجة أن يدعي أنه كان يؤمن بهذه الأفكار من قبل دخوله الجماعة وخرج وهو يؤمن بها، والجماعة حاليا سرقت هذه الأفكار وهي في الأصل لا تقول بها! بل وبلغ درجة من الغرور الفاضح أن ادعى أنه هو من كان روَّج لهذه الأفكار في الجماعة وقدَّم أحمدية لا علاقة لها بالأحمدية الحقيقية!! فماذا نقول لشخص كهذا؟ هل كان يؤمن بالحرية الدينية عندما كان في جماعة التكفير التي يرى فيها كل من خلافه كافرا لا ذمة له حلال الدم؟ ألم يكن من الممكن أن يكون في صفوف داعش أو إحدى أخواتها حاليا يمارس قطع الرؤوس؟
وكنت قد أثبتُّ في مقالتي السابقة أن المرتد عموما لا خير فيه، وأن القرآن الكريم قد ذمَّ المرتدين مطلقا بينما أعلن أن الخير موجود في أهل الكتاب بل وفي خلق الله تعالى جميعا. وبينَّت أن المرتد إما مجرم بالفعل أو أنه مستعد للإجرام عندما تهيأ له الظروف، وبينت أن هذا كان السبب وراء قتال المرتدين وقتلهم في السابق لأنهم أعتى الناس إجراما وأكثرهم كذبا وفسادا وهم ذوو فطرة ممسوخة شبهها الله تعالى بفطرة الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. وقد أثبتَ هذا المرتد بقوله وبسلوكه وتصرفاته أنه كاذب مفتر لا يخجل من الكذب السافر، وأثبتَ أنه كان ولا زال يتمنى لنا الشر بل ويحرِّض الآخرين ليرتكبوه بحقنا، وأنه لو كان بيده لأرتكب أشنع الجرائم بحقنا. فصدق الله تعالى الذي وصفه ووصف أمثاله.