نُقباء بني إسرائيل والخلفاء الاثني عشر في الامة الإسلامية

طلب مني أحد الإخوة الكرام الردّ على مقال للمعترض، يتهم فيه المسيح الموعود عليه السلام بالكذب والفبركة، فيما يتعلق بالمشابهة والمقابلة والمقارنة بين نقباء بني إسرائيل الاثني عشر والخلفاء في الأمة الإسلامية. (المقال في التعليقات)

وهنا أقول للمعرتض، ما دام ثبُت كذبه وافتراؤه على المطبلين له قبل الأحمديين، في مسألة شهادته المزعومة، وتهرّب الجامعة من تحمل المسؤولية عليها، حيث طالبناه منذ أسابيع بنشر شهادته المزعومة، ولا زلنا ننتظر، ولا شهادة!!!. ولن ينشر هذه الشهادة لأنها في الحقيقة أضحت شهادة على كذبه ودجله على المقربين له قبل البعيدين. فالأجدر به والحال هذه، أن يطمّ رأسه في التراب ولا يتهم أحدا بالكذب والفبركة، لا سيما المسيح الموعود عليه السلام.

ولكن لكي نفيد الجميع في مسالة النقباء والخلفاء، أقول ما يلي:

لطالما تفيهق المعترض متّهما المسيح الموعود عليه السلام أنه لم يات بالجديد! فأقول: هذا، وكل الذي يقولون عنه كذبا وفبركة، هو الجديد بعينه الذي أتى به المسيح الموعود عليه السلام، مستدركا على ما بان في الفكر الإسلامي من تفاسير ومفاهيم، أو موضّحا لها ومبيّنا جوانب جديدة فيها.

فموضوع الاثني عشر نقيبا في بني إسرائيل اختلف المفسرون فيه، فقيل أنهم الذين اختارهم موسى عليه السلام مؤتمَنين وحكاما على أسباط بني إسرائيل المختلفة. وقيل هم من اختيروا وبُعثوا إلى مدينة الجبارين. وهذا وفق التفاسير التالية:

“قال المُفَسِّرون : إن بَنِي إسرائيل كانوا اثْنَيْ عشر سِبْطاً ، واختار الله من كل سِبْط رجلاً يكون نَقِيباً لهم وحَاكِماً فيهم .

وقال مجاهد : إن النقبَاء بعثوا إلى مدينة الجَبَّارين الذين أمر مُوسى بالقتال مَعَهُمْ ليقفُوا على أحْوَالِهِمْ ، ويرجعوا بذلك إلى نَبيّهم .” [تفسير اللباب لابن عادل (6/ 16، بترقيم الشاملة آليا)]

فالاختلاف واضح، وبطون التفسير هذه جائزة، وبينة وقد تكون صحيحة.

والقرآن حمال أوجه، وله سبع بطون من التفسير، فمما جدد فيه المسيح الموعود عليه السلام من التفسير، هو أن يكون هؤلاء النقباء هم الخلفاء الذي استُخلفوا على بني اسرائيل بعد موت موسى عليه السلام، وقد ذكرت التفاسير وجود هؤلاء الخلفاء، كما يلي:

“فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ حِزْقِيلُ بْنُ بُودَى ثَالِثُ خُلَفَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَيِّمَ بِأَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ بَعْدَ مُوسَى يُوشَعَ بْنَ نُونٍ ثُمَّ كَالِبَ بْنَ يُوقَنَّا ثُمَّ حِزْقِيلَ ..” تفسير البغوي – طيبة (1/ 293)

فهذا التفسير يذكر ثلاثة من هؤلاء الخلفاء وهم يوشع بن نون وكالب وحزقيل.

وليس القصد من الخلفاء هنا الأنبياء، لأن أبياء بني إسرائيل بمثابة العلماء في امة الإسلام وهم كثر؛ فالخلفاء على ما يظهر من هذا هم كبار وعظام أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا أعلى من غيرهم من الأنبياء الإسرائيليين: مثل سليمان وداوود وحزقيال ودانيال والياس واليسع وزكريا ويحيى.

فالآكد من التفاسير، أن هنالك خلفاء لموسى عليه السلام في قومه. ونحن لسنا ملزمين بمعرفة جميعهم بدقة، لان الأنبياء منهم من قُصّ علينا ذكره ومنهم من لم يُقَصّ. كما أنا لسنا ملزمين بتحديد الخلفاء المجددين بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. بل يكفينا أن نقول أن التشابه في العدد قائم وهو اثنا عشر.

وقد ذهب المسيح الموعود عليه السلام في تفسير النقباء على أنهم هؤلاء الخلفاء، وهذا من التجدديد في التفسير. والمسيح الموعود عليه السلام في قوله هذا، يركن إلى ركن شديد من أقوال وأحاديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فلم يكن المسيح الموعود عليه السلام هو الذي أجرى هذه المقابلة بين نقباء بني إسرائيل الاثني عشر وخلفاء الأمة الإسلامية الإثني عشر، بل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي أجرى هذه المقابلة والمشابهة كما يظهر من الأحاديث التالية:

3593 – حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْمُجَالِدِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ

1: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَلْ سَأَلْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ تَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْ خَلِيفَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ قَبْلَكَ ثُمَّ قَالَ نَعَمْ وَلَقَدْ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ  مسند أحمد (8/ 128)

 

2: حدثني محمد بن صالح بن هانئ ، ثنا الحسين بن الفضل ، ثنا عفان ، ثنا حماد بن زيد ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : كنا جلوسا ليلة عند عبد الله يقرئنا القرآن ، فسأله رجل ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله : ما سألني عن هذا أحد منذ قدمت العراق قبلك ، قال : سألناه ، فقال : « اثنا عشر عدة نقباء بني إسرائيل » المستدرك على الصحيحين للحاكم (19/ 428، بترقيم الشاملة آليا)

إذن، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من أجرى هذه المقابلة بين نقباء بني إسرائيل وخلفاء الأمة الإسلامية. وهنا لا بدّ من وقفة متفحصة، لنتساءل عن السبب والداعي الذي حدا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إجراء هذه المشابهة بين خلفاء الأمة الإسلامية ونقباء بني إسرائيل. أهو مجرد العدد فقط؟ فلو كان العدد المهم في الموضوع لاكتفى بذكره وقال اثنا عشر خليفة. وما كان هناك داع لذكر نقباء بني إسرائيل.

أقول إن القضية في المشابهة هي أكبر من مجرد التشابه العددي، بل لا شك أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، في تعمده ذكر نقباء بني إسرائيل يحوي إشارة خفية في طياته على فهم آخر لمسألة النقباء في بني إسرائيل، والمشابهة بينهم وخلفاء الأمة الإسلامية في الحديث نفسه دليل على وجود هؤلاء الخلفاء لموسى عليه السلام كما أشارت إليه التفاسير أعلاه وذكرت بعضا منهم. ولا شك ان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يشير إلى تفسير ومفهوم آخر لنقباء بني إسرائيل غير أولئك الذين اختيروا زمن موسى عليه السلام.

وقد يسأل المعارضون أين ذُكر في القرآن الكريم بان عيسى عليه السلام هو الثالث عشر من بين خلفاء موسى وخاتمهم؟ أقول لا حاجة لذكر العدد الترتيبي، فلا شك أن القرآن الكريم يصنف المسيح ابن مريم أنه خليفة لموسى عليه السلام في قومه، من منطلق كونه نبيا لبني إسرائيل عَقِب موسى باثني عشر قرنا، ولا شك في كونه آخرهم، فيتحتم أن يكون الثالث عشر منطقا وتفكيرا ، خاصة أن سياق الآيات بعد ذكر الاثني عشر نقيبا يتحدث عن بني إسرائيل ونقضهم ميثاقهم مع هؤلاء النقباء، ثم ينتقل للحديث عن النصارى الذين كانوا في زمن المسيح الناصري وفي ذلك إِشارة إلى كون المسيح ابن مريم هو الثالث عشر بعد هؤلاء النقباء.

ومما يؤكد هذا أن التفاسير في محاولتها لفهم مسألة الاثني عشر خليفة في الأمة الإسلامية، ذهبت إلى أن فترة هؤلاء الاثني عشر خليفةن تمتد من بداية الاسلام حتى فترةِ يوم القيامة، ففترة يوم القيامة تبدأ بعدهم وهي فترة الفتن المنذرة بقيام الساعة من الهرج وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج إلى آخر الدنيا، وهذه الفترة الأخيرة هي فترة المسيح الموعود عليه السلام بلا جدال.

ففي هذا جاء:

” وَالْوَجْه الثَّالِث أَنَّ الْمُرَاد وُجُود اِثْنَى عَشَرَ خَلِيفَة فِي جَمِيع مُدَّة الْإِسْلَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة يَعْمَلُونَ بِالْحَقِّ وَإِنْ لَمْ تَتَوَالَ أَيَّامهمْ ، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسَدَّد فِي مُسْنَده الْكَبِير مِنْ طَرِيق أَبِي بَحْر ، أَنَّ أَبَا الْجَلْد حَدَّثَهُ ” أَنَّهُ لَا تَهْلِك هَذِهِ الْأُمَّة حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة كُلّهمْ يَعْمَل بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقّ ، مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد ، يَعِيش أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَة ، وَالْآخَر ثَلَاثِينَ سَنَة ” وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ ” ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج ” أَيْ الْفِتَنُ الْمُؤْذِنَة بِقِيَامِ السَّاعَة ، مِنْ خُرُوج الدَّجَّال ثُمَّ يَأْجُوج وَمَأْجُوج ، إِلَى أَنْ تَنْقَضِي الدُّنْيَا .” [فتح الباري لابن حجر (20/ 266)]

ومن هنا نرى بأن كلام المسيح الموعود عليه السلام، له أصل بل أصول وإشارات ونكات خفية في القرآن الكريم والحديث الشريف، وهو يجمع بين هذه الأخبار كلها ليأتي بالتفسير الصحيح لها بصفته الحكم العدل! فهو يأتي بالجديد ويحكم في الفكر الإسلامي، ويبين الغث والسمين فيه، ويأتي بما لم يُسمع من قبل فيظنه المعارضون بأنه يفبرك ويكذب والعياذ بالله، وهو في الحقيقة يأتي بما يهيده الله إليه لأنه خليفة الله المهدي بالوحي الرباني لا بالعقل الإنساني القاصر كعقول المعارضين.

فلا كذب ولا فبركة إنما هي تفاسير مبنية على القرىن والسنة!