ليكن معلوما أن الخلاف بين الجماعة الإسلامية الأحمدية واللاهوريين في مسألة نبوة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام تنحصر في أن الجماعة الإسلامية الأحمدية ترى أنها نبوة حقيقية بينما اللاهوريون يصرون على أنها نبوة مجازية، وكلاهما بالطبع يؤمن بأنها غير مستقلة وغير تشريعية.
فكلاهما لا ينكر النبوة، ولا يعتقد أي فريق منهما أن حضرته أنكر النبوة جملة وتفصيلا، بل الخلاف فقط في أن هذه النبوة غير المستقلة وغير التشريعية هل هي نبوة حقيقية أم مجازية، لا أقل ولا أكثر.
وقد أوضحنا ما المقصود بالنبوة الحقيقية في المقال السابق؛ التي هي التسمية بنبي والإظهار على الغيب بالبشرى والإنذار والتكليف بمهمة، واللاهوريون يؤمنون أن هذه كانت مزايا نبوة حضرته أيضا، ولكنهم لا يتفقون معنا فقط في أن هذا هو الأصل المشترك للنبوة بين الأنبياء جميعا، بل يرون أن النبوة لا تكون نبوة حقيقية بغير التشريع والاستقلال.
لذا فإن الفكرة التي جاء بها أحد المرتدين بقوله إن اللاهوريين ينكرون نبوة المسيح الموعود جملة وتفصيلا هي كذب وافتراء، والادعاء بأن الجماعة قد انشقت بسبب النبوة هو كذب آخر أيضا، فالجماعة لم تنشق أصلا، بل انفصل عنها عدد ممن رفضوا مبايعة الخليفة الثاني بسبب الكبر، وحاولوا أن يسوغوا موقفهم ويبرروا بالقول بالنبوة المجازية لكي يؤصلوا لعدم بيعتهم للخلافة، وهم كانوا فئة قليلة في البداية – وإن كان منهم عدد من كبار المسئولين، وهم الآن مضمحلون وعلى وشك الانقراض، وكثير ممن لم يبايعوا اعترفوا بخطئهم وبايعوا الخلافة بعد حين.
أما نفي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام لنبوته في مناسبات مختلفة، ولعنه من يدعي النبوة، وقوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بمعنى أنه آخرهم ولا نبي بعده، وقوله إن العصر لا يحتاج إلى نبي إنما المقصود من كل هذا هو النبوة المستقلة أو التشريعية، وهذا الكلام كان منذ بداية بعثته إلى نهايتها.
أما الذي نسخه حضرته بإثباته لنفسه النبوة الحقيقية التي ما زالت نبوة غير تشريعية وغير مستقله فهو النبوة المجازية أو النبوة الناقصة أو النبوة بالمعنى اللغوي التي كان يقول بها من قبل. فبكتاب إزالة خطأ أكد أنه نبي ورسول، وأنه لم ينف هذه الصفة عن نفسه في يوم من الأيام، وأن نفيه كان دوما للنبوة المستقلة أو التشريعية.
ومعلوم أن النبي يؤخذ من كلامه ومواقفه آخرها وتكون ناسخة لما قبلها من أقوال ومواقف، وهذا مبدأ معروف في السنة النبوية الشريفة. فهل يمكن أن يصلي أحد اليوم مثلا متوجها لبيت المقدس بدعوى أنه يطبق السنة النبوية؟ وهل نعتقد الآن بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين وأفضل الخلق وسيد الرسل أجمعين أم نعتقد بأنه ليس أفضل من يونس أو موسى عليهما السلام بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ينكشف له مقامه كخاتم النبيين؟ والواقع أن اللاهورية استندوا إلى أقوال سابقة لحضرته في إثبات النبوة المجازية أو اللغوية لحضرته، واستندوا إلى نفيه للنبوة المستقلة والتشريعية التي وصلت إلى حد أن حضرته قال لا تسموني نبيا مطلقا إن كان هذا يسبب لكم الضيق والحرج، وكان يقصد النبوة المستقلة والتشريعية، وكان يمكن أن يستمر على هذا الموقف لولا أن أمره الله تعالى بإعلان نبوته الحقيقية التي هي أيضا غير مستقلة وغير تشريعية منذ عام 1901.
لذلك، فإن النظرية التي جاء بها أحد المرتدين لم يكن لها أصل يوما عند أحد من الأحمديين بما فيهم اللاهوريون، بل واستنتاجه أن نفي المسيح الموعود للحاجة إلى بعثة نبي –والمقصود هنا نبي مستقل أو تشريعي كما كان الأنبياء السابقون- يبطل دعوى حضرته هو مجرد تحذلق سخيف. لأن حضرته تكلم كثيرا عن حاجة العصر بتفصيل، وحاجة العصر تثبت من أن الزمن هو الزمن الذي أنبأت عنه نبوءات القرآن الكريم والحديث الشريف، وحضرته كان المصداق لنبوءة نزول المسيح وظهور المهدي وغيرها من النبوءات الأخرى. ثم هو بصفته مرتدا فهو لا يؤمن بحضرته أصلا بأي صورة، وكل ما يهذي به إنما هي محاولات لتبرير ردته بخطف واقتطاع النصوص.
وأدعوكم لقراءة كتابي هذا الذي تجدون رابطه أدناه، والذي يتضمن هذه النبوءات وكيفية تحققها، ويتضمن أيضا تعريفا بالمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام وسيرته وتعريفا بالجماعة.
لتحميل الكتاب نرجو الضغظ هنا!