الاعتراض:
إن المسيح الموعود عليه السلام، كان يعتقد بالنسخ في القرآن مثل بقية العلماء، ولكن الجماعة الإسلامية الأحمدية بعد وفاته بدأت تقول بأن عقيدة النسخ في القرآن باطلة ومسيئة إلى القرآن الكريم.
الردّ:
أولا: إن الأساس لعقيدة النسخ هو الاعتقاد بوجود التناقض والتعارض بين آيات القرآن الكريم، إذ يعتقد العلماءُ غيرُ الأحمديين أن هناك تناقضا في بعض الآيات القرآنية، وعندما يجدون التناقض بين آيتين في زعمهم ولا يستطيعون التوفيق بينهما يقولون بأن هذه الآيةَ نزلت قبل تلك، لذا يجب أن تُعَدّ هذه الأولى نزولا منسوخةً والأخيرة نزولا ناسخةً.
ثانيا: لذا فأن من يريد أن يعترض أو يتهم المسيح الموعود عليه السلام بأنه كان يؤمن بالنسخ في القرآن الكريم يجب عليه أن يثبت، أن المسيح الموعود (عليه السلام) قال في مكانِ كذا وكذا أن هناك تناقضا واختلافا بين آيات القرآن الكريم وهذا يدل على أن هناك آياتٍ ناسخةً وأخرى منسوخةً. والإتيان بشيء كهذا أمر مستحيل.
ثالثا: بل على العكس وعلى النقيض من ذلك، فإن المسيح الموعود عليه السلام قد صرح وأعلن مرارا وتكرارا أنه لا تناقض ولا تعارض ولا تضارب في القرآن الكريم وبين آياته، وهذا بحد ذاته يدحض الاعتراض بأن حضرته كان يؤمن بالنسخ في القرآن الكريم.
رابعا: فقد استدل المسيح الموعود عليه السلام بآيتين من القرآن الكريم على أنْ لا تناقُضَ ولا تعارُضَ بين آيات القرآن الكريم(لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) (النساء: 83) (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) (الزمر: 24)، فما دام حضرته لا يقول بوجودِ التناقضِ في القرآن يستحيل أن يقول بوجود نتيجة هذا التناقض، ألا وهي النسخ في القرآن الكريم.
خامسا:
وهنا نورد بعض النصوص التيى أكد فيها حضرته على عدم وجود التناقض في القرآن الكريم:
1- يقول سيدنا المسيح الموعود عليه السلام في كتابه “مناظرة لدهيانه” في شرح الآية: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) (الزمر: 24) ما نصّه:
“يعني أنّ ذلك الكتابَ كتابٌ متشابه يشبه بعضُه بعضا ليس فيه تناقضٌ ولا اختلاف، مُثَنًّى فيه كل ذِكْرٍ ليكون بعضُ الذكر تفسيرًا لبعضه.“ (مناظرة لدهيانه، الخزائن الروحانية مجلد4، ص 37-38)
2- ويقول عليه السلام في كتاب آخر في شرح قول الله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا) : “من مزايا هذا الكتاب أنه متشابهٌ، أي أن لا تعارُضَ في تعاليمه، كما هي لا تتعارض مع نواميس الله الطبيعية، بل إن تعليم هذا الكتاب منسجمٌ تماما مع الكمال الذي هو ضروري للإنسان من حيث فطرته وقواه“. (كرامات الصادقين، الخزائن الروحانية، المجلد7، ص57)
3- يقول المسيح الموعود عليه السلام في كتابه حمامةُ البشرى ما نصه: “القرآن منـزّهٌ عن التعارض والتخالف، وقال الله تعالى: (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) (النساء: 83). فأشار في هذه الآية أن الاختلافَ لا يوجدُ في القرآن، وهو كتاب الله وشأنُه أرفعُ من هذا، وإذا ثبتَ أن كتابَ الله منـزهٌ عن الاختلافات، فوجبَ علينا ألا نختار في تفسيره طريقا يوجبُ التعارضَ والتناقض“. (حمامة البشرى، الخزائن الروحانية المجلد7، ص256، الحاشية)
4- يقول الخليفة الثاني رضي الله عنه للمسيح الموعود عليه السلام:
لقد جاء سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام وأعلن أن القرآن من أوله إلى آخره قابل للعمل، وأنه من (باء) البسملة إلى (سين) (الناس) قائم ويجب العملُ به إلى يوم القيامة. ولا أزال أتذكر جيدًا قوله عليه السلام بأن أحدا إذا سلَّم بأنه لا تزال في القرآن آياتٌ منسوخة، فلماذا يكلّف نفسه عناء التدبرِ فيه والسعيِ للعملِ بأوامره؟ كلا بل سيقول في نفسه: ما دامت في القرآن آياتٌ منسوخةٌ فلماذا أضيّعُ جهدي ووقتي في التدبر فيها؟ فمن يدري أن الآية التي أُعمل فيها فكري يتبينُ لي فيما بعد أنها كانت منسوخة؟ ولكن الذي يؤمن بأن هذا الكلامَ بتمامه وكماله منـزهٌ عن النسخ، وأن كل لفظ منه جديرٌ بالعمل به.. فسوف يسعى للتدبر فيه، وهكذا سيزيده القرآن معرفةً. (التفسير الكبير، المجلد2، ص97)
5- كان أفراد الجماعة الإسلامية الأحمدية يعتقدون في ضوء أقوال المسيح الموعود عليه السلام المذكورةِ أعلاه ببطلان عقيدة النسخ في القرآن في حياته عليه السلام، فقد نُشر في حياته عليه السلام وتحت إشرافه في مجلة مقارنة الأديان الأردية مقالٌ طويل في عام 1907م في عدة أقساط في تفنيد عقيدة النسخ في القرآن.فلو كان حضرته عليه السلام يقول بوجود النسخ في القرآن الكريم لما سمح أن ينشر مثل هذا المقال في مجلته وتحت إشرافه.