بسم الله الرحمن الرحيم
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (19)} (الأنبياء 19)
الحلقة الأولى- معجزة اللغة العربية
عاد المعترض للحديث عن هذه المعجزة فنعود ونذكر بسلسلة من الحلقات للردّ على الاعتراضات حول معجزة المسيح الموعود عليه السلام أن الله عز وجل قد علمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة
هذه المعجزةُ العظيمة التي أيد الله تعالى بها سيدنا أحمد عليه السلام المسيحَ الموعود والمهديَ المعهود ،كآية على صدق حضرته عليه السلام وصدق دعواه، وقبلَ البدء في سرد الاعتراضات التي يدلي بها المعارضون إزاء هذه المعجزة لا بدّ أن نبيّن خلفيتها؛ حيث إن حضرته عليه السلام أراد أن يبلّغ العرب رسالته ودعواه وأن يُتم الحجة عليهم، وقد رأى حضرته بعد استشارة بعضِ أفرادِ الجماعة وجوبَ تأليف كتاب أو كتب باللغة العربية من أجل تحقيق هذا الغرض، إلا إنه كان مترددا لأنه لم يكن يجيد اللغة العربية بشكل يتيح له الكتابة بمستوى عال، كما إنه كان يتلقى العديد من الاتهامات من قبلِ أعدائه بأنه لا يجيد اللغة العربية وقواعدَها بشكل جيد؛ فنظرا لكل هذا توجه حضرته عليه السلام إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع ليحقّق له هذا الهدف، فتلقى حضرته من الله عز وجل بعضَ الإشارات والإلهامات التي تطمئنه بأن يقوم بهذه الكتابةِ، ولسوف يؤيده الله تعالى بهذه المهمة وسوف تُجري روح القدس على لسانه وقلمه اللغاتِ العربية عند الكتابة، فكانت النتيجة أن قام حضرته عليه السلام بتأليف كتب على مستوى إعجازي باللغة العربية تحدى بها العلماء والأدباء الآخرين على أن يأتوا بمثلها، وصرّح حضرته بعدها أن الله تعالى قد علمه أربعين ألفا من اللغات العربية في ليلة واحدة .
الاعتراض:
ادعى المعترضون أن المسيح الموعود عليه السلام قد قال إن الله تعالى قد علمه أربعين ألف جذر من جذور اللغة العربية في ليلة ، ثم تداركوا الأمر بعد ذلك، وصححوا الخطأ وقالوا إنه لم يرد في مصدر واحد للمؤسس مثل تلك العبارة ، ولكن الذي ورد هو قوله : إن الله تعالى ( علمني أربعين ألفا من اللغات العربية )، واعترض هؤلاء على هذه العبارة بسخرية: هذا كلام لا معنى له ! ما معنى اللغات العربية ؟ هل سمعتم بمصطلح “اللغات العربية” ؟ يا أخي قل جذراً أو أي شيء مفهوم بدل عبارة “اللغات العربية” !
والرد على ذلك :
أولا نحذّر المعترضين بالقول إنه من الضروري التحرز والحذر عند التعامل مع الذي يدعي أنه من الله ، لأنه ربما كان هناك احتمالٌ ـ ولو كان ضئيلاً ـ أ ن يكون صادقا ، ويكونَ من الله حقا ، فينبغي التمهلُ والتأني والتريث وعدمُ التسرعِ لأنه في العجلة الندامة، وهذا الاعتراض إنما يدل على جهل المعترضين بلغتهم الأم- اللغة العربية-، رغم أن منهم حملةَ شهادات عليا في اللغة العربية، وبإدلائهم باعتراض كهذا إنما يجلبون العار والخزي على أنفسهم لتتحقق فيهم نبوءة المسيح الموعود سيدنا احمد عليه السلام والتي تقول : “إني مهين من أراد إهانتك“.
وللردّ على هؤلاء المعترضين الذين يسخرون من كلام سيدنا أحمد، ومن هذه العبارة التي استعملها حضرته، نقول لهم إن هذه العبارةَ لهي عبارةٌ أصيلةٌ في اللغة وأخذ بها العديد من علماء وجهابذة اللغة العربية في أقوالهم وكتبهم، مما يشهد لسيدنا أحمد عليه السلام على المستوى الرفيع الذي تمتع به حضرته بهذه اللغة كما يشهد على تدني مستوى المعارضين في علمهم واطلاعهم على هذه اللغة رغم أنهم حملة شهادات عليا فيها.
ولإثبات ذلك نسوق الشواهد التالية على ورود هذه العبارة ” اللغات العربية” عند أئمة اللغة وعلماء هذه الأمة.
– عن أبي صالح عن ابن عباس قال : “نزل القرآن عَلَى سبعة أحرُف أَوْ قال بسبعِ لغات” ،إذاً عبد الله بن عباس يسوّي بين الأحرف واللغات ، ويرى أن قراءة القرآن على لهجة من لهجات العرب ، إنما هي لغة من لغاتهم.
– استعمل ابن فارس اللغويّ الشهير كلمة ” لغة” بمعناها العام المطلق، أي تلك الوسيلة المتعددة المستويات التي يستعملها الناس في التفاهم فيما بينهم. لذا جاء مفهوم فقه اللغة عنده واسعا وشاملا لجميع مستويات اللغة.وعلى ذلك فكل مستوى من مستويات اللغة ( لغة )
– أما الثعالبي فقد استخدم كلمة (لغة) في معناها الخاص، الذي يقابل كلمة “نحو”، وهو معرفة المفردات ومعانيها. لذا نرى فقه اللغة عنده هو فقه للمفردات لا التراكيب والأساليب.
وذلك يعني أن دراسة علم النحو واختلاف النحاة حول إعراب لفظة من الألفاظ هو في حد ذاته اختلاف في اللغات ، فإذا قلنا إن الأسماء الخمسة مثلا تُعرب بالأحرف ، فتُرفع بالواو وتنصب بالألف وتُجر بالياء فهذه لغة ، وإن قلنا حسب رأيٍ آخر أنها تعرب بالحركات ، فتُرفع بالضمة ، وتنصب بالفتحة ، وتجر بالكسرة ، وهكذا فهذه لغة أخرى ، وإذا كان من يقول يإلزامها الألف في حالات الإعراب الثلاث فهذه لغة أيضا، فكل رأي من هذه الآراء يُعد لغة حسب تعريف الثعالبي لمصطلح ( اللغة ) .إذاً للعرب لغات، فعلام يعترض المعترضون!؟
– بالنظر في كتاب الصاحبي لابن فارس نرى أنه يسمي مرادفات اللفظ ( لغات ) ، ومنه مثلا نستطيع أن نقول أن في الأسد لغات عِدة ، منها ( ليث ، أسامة ، قسورة ، غضنفر ، سبع ) وهلم جرا ، هذه كلها يصح حسب تعريف أهل اللغة أن نسميها ( لغات ) ، فعلام يعترض المعترضون ؟!
وقد أفرد ابن فارس في كتابه هذا بابا خاصا أسماه:” اختلاف لغات العرب”.
وفي هذا الباب أورد وجوه الاختلاف بين اللهجات العربية القديمة، وهاكم بعضا مما ذكره من أصناف هذه الاختلافات:
- الاختلاف فِي الحركات كقولنا: “نَستعين” و “نِستعين” بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون.( هذه لغات )
- الاختلاف فِي الحركة والسكون مثلُ قولهم: “معَكم” و “معْكم” ( هذه لغات )
- الاختلاف فِي إبدال الحروف نحوُ: “أولئك” و “أُولالِكَ”. ومنها قولهم: “أنّ زيداً” و “عَنّ زيداً”. ( هذه لغات )
- الاختلاف فِي الهمز والتليين نحوُ “مستهزئون” و “مستهزُوْن”.
- الاختلاف فِي التقديم والتأخير نحوُ “صاعقة” و “صاقعة”.
- الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحوُ “استحيَيْت” و “استحْيت” و “صدَدْت” و “أَصْدَدْت”.
- الاختلاف فِي التذكير والتأنيث فإن من العرب من يقول “هَذِهِ البقر” ومنهم من يقول “هَذَا البقر” و “هَذَه النخيل” و “هَذَا النخيل”.
- الاختلاف فِي الإعراب نحوُ “مَا زيدٌ قائماً” و “مَا زيدٌ قائم” و “إنّ هذين” و “إنّ هذان” وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب حيث يقولون لكلّ ياء ساكنة انفتح مَا قبلها ذَلِكَ.
- الاختلاف فِي صورة الجمع نحوُ: “أسرى” و “أُسارى”.
فكل هذه الاختلافات سماها ابن فارس في كتابه لغات.
أبعد ذلك كلِّه يحق لأحد أن يعترض على استخدام المسيح الموعود عليه السلام مصطلح ( اللغات العربية ) ؟ ومن تجرأ واعتبر ذلك مما يُعترَض عليه ، فإن اعتراضه غير جدير بالانتباه
أما قول المعترضين بأن سيدنا أحمد عليه السلام قد قال : إنه تعلم من الله تعالى أربعين ألف جذر من اللغة العربية” وحاولوا إظهار حضرته عليه السلام بأنه كاذب والعياذ بالله، وذلك لزعمهم أن اللغة العربية لا تحوي أكثرَ من خمسةِ أو ستةِ آلاف جذرٍ لغويٍّ؛ فهذا الاعتراض إنما تحقيق آخر لنبوءة سيدنا أحمد عليه السلام فيهم والتي تقول ” إني مهين من اراد إهانتك”؛ حيث يُثبت المعترضون بمثل هذا الاعتراض مدى جهلهم وقلة علمهم وتهورهم في البحث والتحري، ويورطون أنفسهم بالكذب والدجل والتزييف والتحريف، وهي نفس الاتهامات التي يحاولون اتهامَ الجماعة والمسيح الموعود فيها . فقد قلنا إن سيدنا احمد عليه السلام لم يتطرق قطّ في قوله إلى جذور اللغة العربية ولم يصدر منه هذا التصريح بل قال أربعين ألف مادة من اللغة العربية أو أربعين الفا من اللغات العربية، هذا ناهيك عن أن اللغة العربية تحوي أكثر من خمسة أو ستة ألآف جذر بكثير، وليس كما يدعون، إذ يصل عدد الجذور في اللغة العربية إلى ما يقارب ستةَ عشرَ ألفَ جذرٍ.
ملحوظة: هذه السلسلة من الحلقات في موضوع معجزة اللغة العربية هي جمع لردود الإخوة الأفاضل، تميم أبو دقة، فراس عبد الواحد، وحلمي مرمر.