هذه الفقرة – أدناه- من كتاب ضرورة الإمام، تحوي بين طياتها ردّا على العديد من التساؤلات والاعتراضات التي يدلي بها المعارضون في قولهم: ما هو الجديد الذي جاء به المسيح الموعود؟ وأن العصر ليس بحاجة لمجيء المسيح الموعود!!
وردّا على كل هذا نقول، إن اختلاف الأمة وتمزقها هو أكثر ما يجعل هذا العصر بحاجة إلى نزول المسيح الموعود والمهدي المعهود إماما وحكما عدلا، وذلك من أجل الفصل في هذه الإختلافات وفضّها، وكل ذلك ليس وفق الاجتهاد الشخصي الذي ممكن أن يقول به أي عالم، بل وفق الهداية الربانية والوحي الإلهي القطعيّ؛ وبهذا يكمن كذلك الجديد الذي جاء به المسيح الموعود عليه السّلام!! حيث قال حضرته عليه السلام:
“بفضل الله تعالى وعنايته، وقد جمع الله تعالى فيّ كل العلامات المذكورة والشروط اللازمة، وبعثني على رأس هذا القرن الذي مضى منه خمسة عشر عاما. ولقد بُعثت في وقت كانت المعتقدات الإسلامية مليئة بالتّناقضات لدرجة لم يَسلمْ منها معتقد واحد، كما انتشرت أفكار خاطئة عن نزول المسيح – عليه السلام -، ووصل الخلاف في هذا المعتقد لدرجة اعتقاد البعض بحياة عيسى، والبعض بموته؛ فاعتقد بعضهم بنزوله الجسدي، وبعضهم الآخر بنزوله البروزي، وبعضهم كان يرى نزوله في دمشق والآخر في مكة المكرمة والثالث في بيت المقدس والرابع في الجيش الإسلامي، ومنهم من كان يرى نزوله في الهند. فكانت كل هذه الأقوال والآراء المختلفة تستوجب حكَمًا ليبتَّ فيها، فاعلموا أنني ذلك الحكَم، وأُرسلت لكسر الصليب من الناحية الروحانية ولرفع الاختلافات، وهذان الأمران قد اقتضيا بعثتي. ما كان لي أن أقدم دليلا آخر على حقيقة أمري غير حاجة العصر التي بنفسها تشكل برهانا على صدقي، مع كل ذلك فقد أظهر الله تعالى آيات كثيرة لتأييدي، فكما أنني حكَم للبتّ في الاختلافات كذلك فإنني حكَم أيضا في قضية حياة المسيح ووفاته، فأرى في قضية وفاة المسيح صحة قول الإمام مالك وابن حزم رحمهما الله وقول المعتزلة، وأعتبر الآخرين من أهل السنة على خطأ. وإنني بصفتي حكَمًا أُصدر قراري هذا بين المتخاصمين. إن حزب أهل السنة على حق في أخذهم معاني إجمالية لكلمة “النزول” إذ لا بد
أن يكون نزول المسيح بصورة بروزية، إلا أنهم أخطأوا في بيان كيفية نزوله، فلم يكن المراد من نزوله نزولا حقيقيا بل هو النزول بالصفة البروزية. أما في قضية وفاة المسيح فإن المعتزلة والإمام مالك وابن حزم وغيرهم على حق، لأن الآية الكريمة: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} (1) تقتضي موت المسيح قبل ضلال المسيحيين. هذا هو قراري بصفتي الحكَم. ومن لا يقبل قراري الآن فإنه لا يقبل الذي جعلني حكَمًا.” (ضرورة الإمام)
ومن الجدير ذكره، أن حضرته لم يقل: إنني اكتشفت موت المسيح الناصري عليه السلام، وإنني أول من يقول بذلك؛ بل قال: إن هذه العقيدة موجودة، واختلفت الأمة فيها، وفيها أقوال مختلفة، إلا أنني بصفة الحكم العدل، أفصل في هذه القضية وأحكم بأن القول بوفاته هو الصحيح.