اعتراض بطعم الإلحاد 2
المعترض:
آل الميرزا تخصُّص في الكذب مرموق
يقول ابن الميرزا: “ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا عانى في المرض الذي توفي فيه حالة من الكرب الشديد والقلق والاضطراب والآلام، ولاحظنا أن حالة المسيح الموعود عند وفاته أيضا كانت مماثلة تقريبًا. لعل هذا الأمر يثير عجب بعض الذين ليس لديهم معرفة كافية بهذه الأمور لأنهم يسمعون من ناحية ثانية أن المتصوفة والأولياء يتوفون بحالة السكينة والطمأنينة، فالحقيقة أنه كلما أوشكت وفاة نبي من الأنبياء تتراءى له جميع مسؤولياته تجاه أمته وفوق كل ذلك يلازمه همُّ مستقبلهم. (سيرة المهدي)
لقد كذب الكذبات التالية:
1: أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا عانى في المرض الذي توفي فيه حالة من الكرب الشديد والقلق والاضطراب.
فنسأله: أين ورد هذا؟ أم أنّ هذا لتبرير ما حدث مع الميرزا؟
2: كلما أوشكت وفاة نبي من الأنبياء تتراءى له جميع مسؤولياته تجاه أمته وفوق كل ذلك يلازمه همُّ مستقبلهم.
أقول: كأنه كان معهم وعاش مشاعرهم أو حدّثوه بها!! أيها العاقل، الأنبياء يتّكلون على الله، ويثقون بوعوده، فلا بدّ أن يكونوا في حالة من الطمأنينة التامة، وهكذا كل من يثق بالله تعالى. فمن يسلّم عهدته لمن يوثَق به يشعر بسكينة، أما من سلّمها لمتهوّر فهو الذي يكون في قلق واضطراب وكرب شديد. أما والدك فكان مذعورا من الموت نفسه ومن أعماله التي قدّمها ومن التقوّل الذي احترفه ومن تحقق نبوءة عبد الحكيم.
الرد:
النص كاملاً من “سيرة المهدي” دون بتر المعترض يوضح ما هو الاضطراب والقلق المقصودان في كلام المؤلف:
“لعل هذا الأمر يثير عجب بعض الذين ليس لديهم معرفة كافية بهذه الأمور لأنهم يسمعون من ناحية ثانية أن المتصوفة والأولياء يتوفون بحالة السكينة والطمأنينة، فالحقيقة أنه كلما أوشكت وفاة نبي من الأنبياء تتراءى له جميع مسؤولياته تجاه أمته وفوق كل ذلك يلازمه همُّ مستقبلهم. إن النبي أعلم الناس بهذا الأمر وأفهمهم له أن الموت هو الباب الذي يمثُل الإنسانُ أمام الله تعالى بالمرور منه، فبقدر ما يفرحه دنوه من الموت – لأن موعد لقائه مع محبوبه يكون قد حان- يقلقه الشعور بالمسؤولية الجسيمة الواقعة على عاتقه، ويعرضه للكرب الكبير التفكيرُ في حالة أمته في المستقبل، أما المتصوفة والأولياء فيكونون في غنى عن هذه الدواعي للقلق والاضطراب لأنهم ليسوا مسؤولين إلا عن أنفسهم، أما الأنبياء فهم شهداء على آلاف الناس بل ملايين الناس. فالفرق واضح.” أهـ
إذاً هو الشعور بالمسؤولية تجاه الأمة فقط.
أما أين ورد هذا ففي السنة إذ روى الحاكم:
“عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَوْعُوكٌ ، عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَوَجَدَ حَرَارَتَهَا فَوْقَ الْقَطِيفَةِ ، فَقَالَ: مَا أَشَدَّ حَرَّ حُمَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ !، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ.” (أخرجه الحاكم في “المستدرك على الصحيحين” 119، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” 3403)
وقال ابن حجر رحمه الله:
“وفي الحديث لا إله إلا الله إن للموت سكرات: أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته.” (فتح الباري لابن حجر العسقلاني 11/363)
وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
“أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.” (رواه الترمذي 2398، وأحمد 1/172، 1481، و 1/180، (1555, والحاكم 1/99. من حديث سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، بلفظ: “أي الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل فيبتلى الرجل على حسب دينه …..“. قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين, وقال ابن حجر في “فتح الباري” 10/116: له شاهد، وصححه الزرقاني في “مختصر المقاصد” 102, وقال أحمد شاكر في “مسند أحمد” 3/52: إسناده صحيح، وصححه الألباني في “صحيح الجامع” 992)
وأخرج البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت:
”مات النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم “ (رواه البخاري، كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته ح 4462)
كذلك روى الترمذي بسنده عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
”ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم“ (رواه الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في التشديد عند الموت ح979، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/502 ح 979)
وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
“دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكًا شديدًا، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: بأن لك أجرين؟ قال: نعم. ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا حطَّ الله عز وجل عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها.” (متفق عليه)
أما قلق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على أمته ومستقبلها عند حضور وفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فهذا أيضاً ثابت في السنة فعن سعيد بن جبير قال:
“قال ابن عباس: يوم الخميس ! وما يوم الخميس ! ثم بكى حتى بلَّ دمعهُ الحصى فقلت: يا ابن عباس، وما يوم الخميس ؟ قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: «ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعدي» فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه ؟ أهَجَرَ ؟ استفهموه، قال: «دعوني فالذي أنا فيه خير، أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم» قال: وسكت عن الثالثة، أو قالها فأنسيتها (الساكت هو ابن عباس، والناسي هو سعيد بن جبير، قال المهلب: الثالثة هي تجهيز جيش أسامة رضى الله عنه).” (رواه البخاري 4431 ومسلم 1637)
وعن أم سلمة رَضِيَ اللهُ عَنها، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه:
“(الصَّلاة، وما ملكت أيمانكم). فما زال يقولها حتى ما يفيض -أي ما يقدر على الإفصاح- بها لسانه.” (حديث صحيح رواه ابن ماجه 1625)
وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها قالت:
“قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا.” (رواه البخاري 4441 ومسلم 529)
وعن جندب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:
“سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس، وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم، وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك».” (رواه مسلم 532)
وعن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم “رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي” -إبراهيم 37. وقال عيسى عليه السلام: “إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” -المائدة 118. فرفع يديه وقال: «اللهم، أمتي أمتي» وبكى، فقال الله عز وجل: «يا جبريل اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك ؟» فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال -وهو أعلم- فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك».” (رواه مسلم 346)
كما ورد عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قرأ ما تيسر له من القرآن الكريم وعندما وصل إلى قوله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } (النساء: 42) بكى النبي بكاء شديداً بسبب شعوره بالمسؤولية. والحديث كالتالي:
“قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } غَمَزَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ”
إذن وفق السنة فقد كان النبي ﷺ عند وفاته قَلِقاً على حال أمّته من بعده ليس لعدم ثقته بالله تعالى والعياذ بالله بل لعلمه عن طريق الوحي بما سيؤول إليه حالهم وحرصه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على تحذيرهم من الفتن والرِّدة والحروب والبدع وغير ذلك. أما استنكار المعترض واعتباره الشدة في موت النبي منقصة ومثلبة عظمى تقدح في صدقه فيجيب عنها الإمام القرطبي رحمه الله في معرض حديثه عن ابتلاء النبيين بالشدائد حيث قال:
“قال علماؤنا رحمة الله عليهم: فإذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والأولياء فما لنا عن ذكره مشغولين ؟ وعن الاستعداد له متخلفين؟ قالوا وما جرى على الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين من شدائد الموت وسكراته فله فائدتان:
أحدهما: أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن، وقد يطلع الإنسان على بعض الموتى فلا يرى عليه حركة ولا قلقاً، ويرى سهولة خروج روحه، فيغلب على ظنه سهولة أمر الموت ولا يعرف ما الميت فيه، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم شدة ألمه مع كرامتهم على الله تعالى، وتهوينه على بعضهم قطع الخلق بشدة الموت الذي يعانيه ويقاسيه الميت مطلقاً لإخبار الصادقين عنه، ما خلا الشهيد قتيل الكفار….
الثانية: ربما خطر لبعض الناس أن هؤلاء أحباب الله وأنبياؤه ورسله، فكيف يقاسون هذه الشدائد العظيمة ؟ وهو سبحانه قادر أن يخفف عنهم أجمعين. فالجواب: أن “أشد الناس بلاءً في الدنيا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل” (ابن ماجه). كما قال نبينا عليه السلام … فأحب الله أن يبتليهم تكميلاً لفضائلهم لديه، ورفعة لدرجاتهم عنده، وليس ذلك في حقهم نقصاً ولا عذاباً، بل هو .. كمال رفعة، مع رضاهم بجميل ما يجري الله عليهم، فأراد الحق سبحانه أن يختم لهم بهذه الشدائد، مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم، ليرفع منازلهم، ويعظم أجورهم قبل موتهم، كما ابتلى إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف والأسفار وعيسى بالصحارى والقفار، ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالفقر في الدنيا ومقاتلة الكفار، كل ذلك لرفعة في أحوالهم وكمال في درجاتهم. ولا يفهم من هذا أن الله شدد عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخلطين؛ فإن ذلك عقوبة لهم، ومؤاخذة على إجرامهم، فلا نسبة بينه وبين هذا.” (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي 1/48- 50)
أما نبوءة عبد الْحَكِيم فقد سبق الرد عليها (من هنا: شبهة المرتدين عن الجماعة)
فهذا هو سوء ظن المعترض الذي يطعن بالإسلام قبل كل شيء، والله المستعان.
وبعد هذا نقول للمعترض: أيها العاقل! هل للمرء أن يقبل ظنونك الفاسدة أم يقبل قول النبي صلى الله عليه وَسَلَّم: “إِنَّا كَذَلِكَ يُشَدَّدُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ وَيُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْر.”
هل للمرء أن يصدق قولك أم يصدق ابن حجر حين قال: “أن شدة الموت لا تدل على نقص في المرتبة، بل هي للمؤمن إما زيادة في حسناته، وإما تكفير لسيئاته.”
هل يمكن للمرء أن يقبل قولك أم السيدة عائشة رضي الله عنها حين قالت: ”ما أغبط أحداً بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.”
{فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (يونس 36)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ