السؤال: هل نشر ميرزا غلام احمد إعلان يدينه بوضوح؟
ما معنى الإلهام الذي تلقاه مؤسس جماعتكم أن الله سيخبره أو يخبر شخصاً آخر بأنه أي مؤسس جماعتكم ليس على الحق؟ لماذا ينشر إلهاماً كهذا وهو يدينه بكل وضوح؟
الرد:
تلقّى الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من الله تبارك وتعالى الإلهام التالي في سياقه الكامل:
“ربّ عَلِّمْني ما هُوَ خيرٌ عندك. يعْصِمُكَ اللهُ مِنَ العِدا، ويسطو بكلّ مَن سطا. برزَ ما عندهم مِنَ الرماح. سأخبرُه في آخِرِ الوقتِ أنّكَ لستَ على الْحَقِّ. إنَّ اللهَ رؤوفٌ رحيمٌ. إنّا ألنّا لَكَ الحديدَ.” (الاستفتاء)
ثم ذكر حضرته في نفس الكتاب بأنه قد تلّقّى هذا الإلهام من الله تعالى حول رَجُلٍ من أعدائه فقال:
“هذا ما أوحى إلَيّ ربي في رجـلٍ خالفني وكفّرني وهو من علماء الهند؛ المسمّى بأبي سعيد محمد حسين البطالوي” (الاستفتاء، ص74، الحاشية)
والقصة كلها تبدأ من الشيخ المولوي أبو سعيد محمد حسين البطالوي زعيم فرقة أهل الحديث في الهند وصاحب المقالات والكتب في الجريدة التي أسسها وسمّاها “إشاعة السُنَّة”، إِذْ كان الشيخ البطالوي زميل دراسة مع المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وكان من المتحمّسين لكتاب “البراهين الأحمدية” الذي ألّفه المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، فكتبَ الشيخ البطالوي ما يلي:
“لا يوجد بين مُعاصرينا مَن هوً أعلم مِنا بأحوال مؤلِّفِ “البراهين الأحمدية” وأفكارِه. فوطننا واحد، بل كُنا زميلَين في الدراسة منذ مقتبل العمر حين كُنا ندرس معًا “القطبي” و”شرح الملا جامي”. ومنذ ذلك الحين لا تزال المراسلات واللقاءات مستمرّة بيننا إلى اليوم دون انقطاع، لذا فإن قولنا بأننا أعلم بأحواله وأفكاره جديرٌ بألا يُؤخذ مأخذ المبالغة.” (مجلة “إشاعة السنة”، ج 7، رقم 6، المنشورة أيضاً في “شهادة القرآن” الكتاب)
وكان الشيخ البطالوي يحب ويحترم المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام لدرجة أنه قال عن حضرته:
“إنَّ مؤلف البراهين الأحمدية قد صانَ شرفَ المسلمين، وتحدّى أعداء الإسلام بقوة وبراعة، وأعلنَ للعالم أجمع أنَّ مَن لديه أدنى شكٍّ في صِدق الإسلام، فعليه أنْ يأتي إليه. يا رب، ويا هاديَ الباحثين عنك، ارحَمْه أكثر مِن نفسه ومِن آباءه. آمين” (مقدمة كتاب “البراهين الأحمدية”. وكذلك “سيرة المهدي”، حديث رقم 277)
ولكن للأسف تحوّل الشيخ البطالوي لاحقاً إلى أكبر عدوٍّ للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وأشدّهم على الإطلاق بعد إعلان حضرته أنه هو المسيح الموعود والمهدي المعهود. وكان من أبرز تلاميذ الشيخ البطالوي هو الشيخ أبو الوفا ثناء الله الأمرتسري العدو اللدود الآخر للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. يقول المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“إنَّ الشيخ ثناء الله مخدوعٌ في شيء آخر أيضاً، وهو أنه يقدّم الأحاديث المتناقضة أمام كُلّ مَن هَبَّ ودَبَّ، وهذا ما خُدِع به مرشدُه الشيخ محمد حسين.” (إعجاز أحمدي)
وقد كان الشيخ البطالوي يعارض المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام أشد المعارضة لدرجة أنه كان يقف بانتظام في محطة القطار لكي يحذّر المسافرين الذاهبين إلى قاديان من الافتتان بالمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وكان يصفه لهم بالدجال وغيرها من عبارات لَمْ ولن تضرّ المسيحَ الموعودَ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام شيئاً بل أصبحتْ سبباً في إظهار صِدق حضرته في قلوب المؤمنين والباحثين المنصفين، فيما لَمْ يكسب الشيخ البطالوي سوى السيئات والغِيبة. ولكن مع ذلك كُلّه لَمْ يكن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يحمل أي كره أو عداوة للشيخ البطالوي وذلك بسبب صداقتهما القديمة، وقد سجَّلَ حضرته في عام 1893م رؤيا أو نبوءة حول توبة الشيخ البطالوي في آخر حياته وكان حضرته يرجو ذلك للشيخ البطالوي زميل الطفولة والصبا، فقال عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
“وإنّي رأيتُ أنَّ هذا الرجل يُؤْمِنُ بإيماني قَبْل مَوتِهِ، ورأيتُ كأنه تَرَكَ قولَ التكفيرِ وتابَ. وهذه رؤياي، وأرجو أنْ يجعلَها رَبّي حَقّا.” (حُجّة الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 6، ص 59)
وبالفعل فبعد هذه النبوءة بعشرين سنة أي في عام 1914م بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بِسِتِّ سنوات أي قبل وفاة الشيخ البطاولوي بسِتِّ سنوات طلبت المحكمة من الشيخ محمد حسين البطالوي الإدلاء بشهادته في إحدى القضايا أمام قاضٍ من الدرجة الأولى في محافظة “غجرانواله”، فاعــترف الــشيخ محمــد حــسين البطالوي في أواخــر حياتــه في محكمــة “وزيــر آبــاد” في تلك المحافظــة أمــام القاضــي “لالا ديوكي نـندن” وهو يذكر جميع فرق الإسلام متراجعًا عن عقيدة التكفير بحقها ومن ضمنها الجماعة الإسلامية الأحمدية كما يلي:
“إنَّ جميع هذه الفرق تؤمنُ بأن القرآن الكريم هو كلام الله تعالى، كما تؤمنُ كلُّها بالحديث النبوي أيضا. وهناك فرقة جديدة قد نشأت حديثاً منذ أنْ أعلنَ مرزا غلام أحمد القادياني أنه هو المسيح الموعود والمهدي، وهذه الفرقة أيضاً تؤمنُ بالقرآن والحديث على حَدٍّ سواء … وإنَّ فرقتنا لا تُكفّر أياً مِن الِفرق المذكورة أعلاه مطلقا.” (انظر للتفصيل: “الفضل”، مجلد 1، عدد 53، يوم 1914/2/11، ص 3)
هذا كان تصريح الشيخ مُحَمَّد حسين البطالوي قبل وفاته بسِتِّ سنوات فقط وبنفس المدة بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. وكان الشيخ البطالوي قبل ذلك التاريخ بأربع سنوات أي في 1910م قد أرسل إلى جريدة “الحَكَم” التابعة للجماعة الإسلامية الأحمدية يطلب أن يساعدوه وينصحوه حول تعليم ولديه فأجابه رئيس التحرير الأحمدي بأن يرسلهما إلى قاديان وسيتم التكفل بإدخالهما مدرسة داخلية محترمة، فعمل البطالوي بنصيحة الأحمديين (انظر: “أهل الحديث”، أمرِتسر 25 فبراير 1910). ثم توفي الشيخ البطالوي في العام 1920م ودُفِنَ في أرض ملاصقة لكنيسة بيرنغ التبشيرية في مدينة بطالة الهندية Baring Union Christian College ولكن لا يُعرف اليوم محل قبره على وجه التحديد (انظر: Short Biography, ‘Batalvi ka Anjam’ by Mir Qasim Ali, 1931).
وهكذا اعترف الشيخ البطالوي بنفـسه أمـام المحكمـة بـأن هـذه الجماعـة هـي جماعـة إسـلامية، وقوله هذا شـاهدٌ علـى تحـّول قلبـه وشـعوره بخطئـه في آخر أيام حياته، فأخبره الله تعالى أنه ليس على الحق أي أن عَلَيهِ التوبة والرضوخ للحق الذي عند المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، وتحقّقت بذلك إحدى نبوءات المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، فقََدْ استجاب اللهُ تعالى رجاءَ المسيحِ الموعودِ عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في توبة الشيخ البطالوي من التكفير في آخر حياته لدرجة أن أحفاد الشيخ البطالوي أيضاً دخلوا في الجماعة الإسلامية الأحمدية في ما بعد وهُم اليوم من الخُدّام المخلصين للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام
المعنى الحقيقي للإلهام
إذن وباختصار، لم يكن معنى إلهام المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام بأن الله تعالى سيخبر أحداً ما أن المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام ليس على الحق بل العكس؛ أي أن الله تعالى سيخبر ألدَّ أعداء المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام قبل وفاة هذا العدو بأنه هو أي العدو ليس على الْحَقِّ وإنما الْحَقُّ عند المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام، وذلك حتى يتوب الله تعالى عَلَيهِ قبل مماته كما وَعَدَ مسيحه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام من قبل، وقد تحقّق ذلك مثل فلق الصبح. ويمكن لكل قاريء أن ينظر في سياق نص الإلهام لكي يفهم المعنى الصحيح [يعْصِمُكَ اللهُ مِنَ العِدا، ويسطو بكلّ مَن سطا. برزَ ما عندهم مِنَ الرماح. سأخبرُه في آخِرِ الوقتِ أنّكَ لستَ على الْحَقِّ. إنَّ اللهَ رؤوفٌ رحيمٌ. إنّا ألنّا لَكَ الحديدَ]، يعني أن الله تعالى سيعصم مسيحه مِن عدوّه الذي بدأ يشهر رماح العداوة ويخبره قبل مماته بأنه ليس على الحق وسوف يجعله ليّناً حتى لو بلغ عناده وعدواته للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام صلادة الحديد. وبهذا يظهر دليل صدق جديد للمسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ