المعترض: افتراء الميرزا على التاريخ والمؤرخين
يقول:
ورد في التاريخ أنه حين علم قيصر الروم أن حاكمه بيلاطوس قد أنقذ المسيح من الموت على الصليب بحيلة وأفسح له المجال للفرار إلى مكان آخر متنكرا، استشاط غضبًا. والثابت أن علماء اليهود وشَوْا إليه أن بيلاطوس ساعد على فرار شخصٍ متمردٍ على قيصر؛ فزُج بيلاطوس في السجن فورا بأمر منه إثر هذا الوشي. وكانت النتيجة الأخيرة أن قُطع رأسه في السجن نفسه، وهكذا استُشهد بيلاطوس في حبِّ المسيح عليه السلام. (تذكرة الشهادتين)
نسأل المهووسين بالأوهام:
في أي تاريخ ورد هذا الهراء؟ وأي مؤرخ قال بهذا أو بمثله؟
وأين ثبتَ “أن علماء اليهود وشَوْا إليه أنّ بيلاطوس ساعد على فرار شخصٍ متمردٍ”؟
إنه يكذب الكذبة ويصدّقها!
الرد: بيلاطس البنطي تعرض فعلا للسجن والإعدام
لقد ورّطَ المعترضُ نفسه من جديد في أمور لا علم له بها، وذلك أن حاكم اليهودية بيلاطس البنطي حسب بعض شهادات المؤرخين تعرض بالفعل للسجن وحكم عليه بالإعدام وقُطع رأسه بسبب تحوله إلى المسيحية وحبه للمسيح الناصري عَلَيهِ السَلام فمات بحسب الكنيسة الشرقية الارثوذكسية شهيداً في سبيل المسيح عَلَيهِ السَلام وأصبح من القديسين، بل صار من كبار القديسين عند الكنيسة الشرقية في إثيوبيا وخصّصوا له عيداً سنوياً كأحد الرجال الصالحين في تاريخ المسيحية كما سيتبين من المصادر التي سنقدمها إنْ شاءَ الله.
جاء في موقع Biography المعروف بتوثيق الشخصيات الدينية والتاريخية أن بعض المصادر التاريخية تذكر أن الإمبراطور الروماني كاليغولا أمر بإعدام بيلاطس وأن بعض المصادر تشير إلى أن قرار الإعدام هذا كان بسبب تحولّه إلى المسيحية حتى إنَّ الكنيسة الارثوذكسية الإثيوبية اعتبرت بيلاطس قديساً قانونياً في تراثها. (من هنا: Pontius Pilate Biography)
“The circumstances surrounding Pontius Pilate’s death in circa 39 A.D. are something of a mystery and a source of contention. According to some traditions, the Roman emperor Caligula ordered Pontius Pilate to death by execution or suicide. By other accounts, Pontius Pilate was sent into exile and committed suicide of his own accord.
Some traditions assert that after he committed suicide, his body was thrown into the Tiber River. Still others believe Pontius Pilate’s fate involved his conversion to Christianity and subsequent canonization. Pontius Pilate is in fact considered a saint by the Ethiopian Orthodox Church..“
وجاء في موقع الأرشيف المعروف basarchive.org في تقرير بعنوان “كيف أصبحَ بيلاطس قدّيساً” أن المسيحيين الأوائل كانوا ينظرون لشخصية بيلاطس بشكل مغاير جداً عن نظرة الكاثوليك اليوم، حيث كان أوغسطينيوس يعتبر بيلاطس من المنضمين للمسيحية وبالتالي أصبح بيلاطس وزوجته من القديسين عند بعض الكنائس مثل الكنيسة الارثوذكسية اليونانية والقبطية. بل إن فنّاني المسيحية الأولى كانوا يُشبِّهون بيلاطس في لوحاتهم بأنبياء العهد القديم إِبْرَاهِيمَ ودانيال. بل وصل الأمر إلى أن المؤرخ إيرانيوس ذكر بأن إحدى الطوائف المسيحية الشرقية القديمة كانت تحتفظ بلوحة مرسومة للمسيح قام بيلاطس برسمها شخصياً حباً بالمسيح، وهم يعظمّونها أشد التعظيم. (من هنا: How Pilate Became a Saint)
“How Pilate Became a Saint Yet, early Christians saw Pilate in a very different way. Augustine hailed Pilate as a convert. Eventually, certain churches, including the Greek Orthodox and Coptic faiths, named Pilate and his wife saints.“
“How and why did Pilate gain such a good reputation that early Christian artists likened him to the Old Testament heroes Daniel and Abraham?“
“The second-century bishop Irenaeus reported that the Carpocratians (a Gnostic Christian sect from Alexandria) claimed to possess a portrait of Jesus painted by Pilate: “[The Carpocratians] maintain that a likeness of Christ was made by Pilate at that time when Jesus lived among them. They crown these images, and set them up along with the images of the philosophers of the world.” Although Irenaeus condemned this kind of image worship, he didn’t actually dispute the sect’s claim to own an authentic “from life” portrait of Jesus—or that Pilate might really have painted such a picture!“
وجاء في موقع knowledgenuts المعروف بالوثائق التاريخية أن بيلاطس مات شهيداً من أجل حبه للمسيح. (من هنا: Why Early Christians Revered Pontius Pilate As A Saint)
“In A Nutshell: Calling Pontius Pilate a saint would sound incongruous to modern Christian ears. How can this man, the Roman prefect who ordered Jesus to be flogged and handed him over to be crucified, be considered a saint? Yet, that was exactly how some early Christians viewed him—a Christian convert who was ultimately martyred for his faith.“
ويكتُب البروفيسور “كيفن بوتشر” أستاذ التاريخ في “جامعة وارويك” ومؤلف كتاب “سوانح أخرى لبيلاطس البنطي” بأن الكنيسة الشرقية كانت على العكس تماماً من نظيرتها الغربية حول بيلاطس، إذ لم تكتفي باعتباره مسيحياً بل أحد شهداء الكنيسة الأبرار خصوصاً بعد أن أمر الحاكم طيباريوس بقطع رأس بيلاطس، وأنه دُفن مع زوجته قرب قبر المسيح. وبالتالي اعتبرت الكنيسة القبطية والإثيوبية يوم الـ 25 من شهر سان عيداً لهم. (من هنا: The Strange Afterlife of Pontius Pilate)
Kevin Butcher is Professor in the Department of Classics and Ancient History at the University of Warwick and the author of The Further Adventures of Pontius Pilate. Relates:
“While the West went on to develop the tradition of a ‘bad’ Pilate who was punished for his misdeeds, the Eastern Church preferred a more sympathetic interpretation. Not only was Pilate a Christian; he was a confessor and even a martyr. One eastern text, The Handing Over of Pilate, has Tiberius ordering the governor to be beheaded for having allowed the Crucifixion to go ahead. First Pilate repents and then a voice from heaven proclaims that all nations will bless him, because under his governorship the prophecies about Christ were fulfilled. Finally an angel takes charge of his severed head. In some accounts he is buried with his wife and two children next to the tomb of Jesus – the ultimate martyr’s sepulchre.
In the Gospel of Matthew, Pilate’s wife warns her husband not to harm Jesus and for this she achieved sainthood among Orthodox Christians. The Copts and Christians of Ethiopia took the next step and canonised Pilate himself. An Ethiopian collection of hagiographies lists St Pilate’s Day as the 25th of the summer month of Sanne, a day shared with his wife Procla and the saints Jude, Peter and Paul: Salutation to Pilate, who washed his hands, To show he himself was innocent of the blood of Jesus Christ“
شكوى اليهود على بيلاطس البنطي إلى قيصر الروم
أما شكوى اليهود بيلاطس إلى القيصر فهو أمر لمّحت إليه الأناجيل ذاتها. ولن نقتبس هذه المرة من شهادات المؤرخين، لأن الأناجيل تكفي. فقد ورد في إنجيل يوحنا تهديد اليهود بالوشاية والشكوى ضد بيلاطس إلى القيصر، وأنه أي بيلاطس كان يحاول رسم طريقة لنجاة المسيح عَلَيهِ السَلام حتى إنه من فرط حبه كتب عبارة على صليب المسيح تقول “يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ” الأمر الذي أزعج اليهود كما يلي:
“فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». … مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!». … فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ. … وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». فَقَرَأَ هذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَالّلاَتِينِيَّةِ. فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!». أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ».” (إنجيل يوحنا 19: 4-22)
وهكذا يبرهن المعترضُ ثانيةً بأنه لا يخرج عن أمرين، الأول أنه جاهل لا يفقه من العلم شيئا ويلقي الشبهات والتهم جزافاً بغير علم، والثاني أنه ملحد في حقيقته لا يود افتضاح أمره. وإنَّ غداً لناظره قريب. مقابل كون المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام مطَّلع بعمق وتمكن على عقائد المسيحيين لدرجة كبيرة لا تتوفر إلا للباحثين المحترفين. ولا عجب إذ هو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
جزاكم الله أحسن الجزاء وبارك فيكم أخي الحبيب ورفع درجاتكم، اللهم آمين.