المعترض:
يقول الميرزا عام 1882: “حجم البراهين قد ازداد إلى ثلاثمئة جزء”.
لكنه في عام 1893 يقول: “كان ببالي في البداية أن المعلومات التي كنت أمتلكها آنذاك تكفي لتأليف هذا الكتاب، ولكن عندما طُبعت أجزاؤه الأربعة …. لقد تقدمت كثيرا من حيث الفكر والتأمل واطلعتُ على آلاف الكتب التي ما كنت أعلم عنها من قبل، وتيسرت لي لإعداد الكتاب مادة إذ لو طُبع قبلها لكان خاليا من الحقائق كلها”. (إعلان)
وواضح أن الميرزا يكذب. وإلا كيف يقول إن الكتاب جاهز في عام 1882، ثم يقول إنه عَلِم أن معلوماته لم تكن كافية بعد طباعة الأجزاء الأربعة، وأنه لو طُبع لكان خاليا من الحقائق؟ فالمعلومات كانت في ذهنه، فكيف يقول: ” حجم البراهين قد ازداد إلى ثلاثمئة جزء”؟
في هذا الإعلان يذكر الميرزا أنّ البراهين الأربعة صفر، وأنّه تعلّم بعدها، وقرآ آلاف الكتب. هذا الدليل من أهم الأدلة على نقض حكاية الميرزا من زوايا عدة وهو من أهم الأدلة عندي.
هاني تعقيبا: ليس هنالك من يريد إهانة الميرزا أيها المهانون، “فما لجرحٍ بميّت إيلام”، إنما قلنا لكم ألف مرة أن نبوءات الميرزا تتحقق فاحذروا من تحققها. ولكنه التحقّق العكسي، فالنتيجة: “إني مهين من أراد إعانتك”.
الرد:
لأن المعترض يُصِرُّ على وضع نفسه في قعر الحرج فسوف نقدم له بإذن الله تعالى مراده. وبداية نقول بأننا قد وضَّحنا للقراء الكرام في منشور سابق أن الجزء المقصود في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هو جزء/قِسم من حصة وأن الحصة الواحدة هي عبارة عن ١٥ جزءا، وكل جزء عبارة عن ٨ صفحات أو ١٦، وهذا الإصطلاح الذي كانت تتّبعه المطابع في ذلك الوقت رغم عدم ثباته بل تغيّره من بلد لآخر علماً أن الحصّة سميت بـ “الجزء” في الترجمة العربية، أما الـ ٣٠٠ جزء فهي ٣٠٠ ملزمة/قسم وهو الجزء الذي يُطبَع معاً وليس المجلد إذ لا يفهم عاقل أن المقصود من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالجزء هو المجلد مما يعني أن ثمن ٣٠٠ مجلد هو ١٠ روبيات فقط ! كذلك سقنا بعض الأمثلة من كلام المسيح الموعودعَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. ولكي ننهي هذه النقطة التي يكررها المعترض رغم التوضيح الذي نشرناه لمعنى الجزء في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام نقدِّم للقراء الكرام مقتبساً من كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ورد فيه الجزء تارةً كقسم (عدد صفحات) أو حصة وتارةً أخرى كمجلَّد، فيقول عَلَيهِ السَلام:
“صحيح أن عديدا من المشترين قد رحلوا من هذه الدنيا في غضون عشرة سنين مضت وعديد منهم يئسوا لطول الانتظار، ولكن إلى جانب ذلك يجب التفكير بالعدل والإنصاف هل حرموا من الحصول على الكتاب كليا؟ ألم يقرأوا كتابا ذي ٣٦ جزءا مليئا بالحقائق والمعارف؟ وكان ينبغي التفكير أيضا كم تصعب مواجهة العالم كله وكم واجهتُ من الصعاب. كذلك يجب الانتباه أيضا إلى مساع جديدة تقتضيها حالة الزمن الراهن نتيجة مفاسده المتجددة كل يوم وكم تحتاج معالجتها إلى الوقت. وإضافة إلى ذلك يمكن للمشترين المسيئين الظن أن يتفكروا؟؛ هل حُرموا من الكتاب كليا بعد أن أُخذت خمس أو عشر روبيات منهم؟ ألم يصلهم كتاب ذو ٣٦ جزءا وهو مليء بالحقائق والمعارف الكثيرة؟ أليس صحيحا أن قدر ما نُشر من البراهين الأحمدية إنما هو كنـز الجواهر فيرى الذي يحب الله جلّ شأنه ورسوله ﷺ الكتاب أثمن وأهم حتما من خمس روبياته أو عشرتها. أستطيع أن أقول يقينا وقلبي يفيض باليقين أنني ألّفت بمحض توفيق من الله وفضله وتأييده جلّ شأنه الأجزاء الأربعة الموجودة بالنظم والنثر اللذين يفيضان بالحقائق والمعارف؛ فلو تمنى المشترون ذوو الظنون الفاسدة من المشايخ الذين يثيرون ضجة أن يكتبوا لهم إلى عشرة سنين كتابا يتضمن كلاما منظوما ومنثورا فيه روح الحياة ومليئا بالمعارف والحقائق لما أمكنهم ذلك قط وإن تقاضوا ثمنه خمسين روبية.” (إعلان البراهين الأحمدية ومشتروها في ٥ – ١٨٩٣م)
المُلاحَظ من كلام حضرته أعلاه أنه عَلَيهِ السَلام اعتبر أقسام المجلد الواحد أجزاء (صحيح أن عديدا من المشترين قد رحلوا من هذه الدنيا في غضون عشرة سنين مضت وعديد منهم يئسوا لطول الانتظار، ولكن إلى جانب ذلك يجب التفكير بالعدل والإنصاف هل حرموا من الحصول على الكتاب كليا؟ ألم يقرأوا كتابا ذي ٣٦ جزءا مليئا بالحقائق والمعارف؟ -إعلان ١٨٨٣) وفي نفس الوقت والمقتبس اعتبر الجزء مجلدا (أستطيع أن أقول يقينا وقلبي يفيض باليقين أنني ألّفت بمحض توفيق من الله وفضله وتأييده جلّ شأنه الأجزاء الأربعة الموجودة بالنظم والنثر)، والملفت هنا أن هذا الإعلان كان قد نشر سنة ١٨٩٣ ومع ذلك فمجموع الأجزاء وصل إلى ٤ أجزاء فقط ! فكيف يفهم عاقل أن الكتاب نُشر منه ٣٦ جزءاً عام ١٨٨٣ وبعد عشر سنين من مواصلة الكتابة والنشر صار حجم الكتاب ٤ أجزاء فقط !!! لذلك فإن تكرار المعترض الإيحاء بأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كان يقول بأنه أنهى كتابة ٣٠٠ مجلد من كتاب “البراهين” ما هو إلا تكرار عديم المعنى والقيمة.
الأمر الآخر الذي قام المعترض فيه بتحريف وقطع كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عندما كتب التالي:
“كان ببالي في البداية أن المعلومات التي كنت أمتلكها آنذاك تكفي لتأليف هذا الكتاب، ولكن عندما طُبعت أجزاؤه الأربعة …. لقد تقدمت كثيرا من حيث الفكر والتأمل واطلعتُ على آلاف الكتب التي ما كنت أعلم عنها من قبل، وتيسرت لي لإعداد الكتاب مادة إذ لو طُبع قبلها لكان خاليا من الحقائق كلها.” (إعلان)
فأولا اقتطعَ المعترض كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وكأنه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يقول بأنه كتبَ أجزاء البراهين الأربعة بمعلومات غير كافية أو أنه كتب الكتاب وهو مستعجل فلم يجب على الاعتراضات جيداً أو شيئاً من هذا القبيل وقد بتر كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بعد ذلك وهو على العكس تماماً مما قاله المعترض، إذ كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأنه بعد أن رد على اعتراضات خصوم الإسلام في الأجزاء الأربعة وجد أن المفاسد والشرور والشبهات ضد الإسلام قد بلغت حداً خطيراً يفوق ما كان يريد كتابته قبل الأجزاء الأربعة وأن التأخير بعد ذلك بين الجزء الرابع حتى الخامس كان فيه فائدة عظيمة اطَّلع فيها حضرته على الكثير من الشبهات والمفاسد وردود الخصوم على الأجزاء الأربعة فلم يكن يريد الاستعجال في كتابة الجزء الأخير كي لا يفوته شيء من هذه الاعتراضات وخَرَّ ساجداً على عتبات الله تعالى طالباً العون في تأليف الجزء الذي يجمع فيه الردود على هذه الاعتراضات. فالامر على عكس ما أراد المعترض إيحائه تدليساً وكذباً على خلق الله تعالى، فيقول عَلَيهِ السَلام:
“كان ببالي في البداية أن المعلومات التي كنت أمتلكها آنذاك تكفي لتأليف هذا الكتاب، ولكن عندما طُبعت أجزاؤه الأربعة واطلعتُ على بُعد المعاندين الأشقياء وحرمانهم من الحقيقة وكيف أكلتهم من الداخل مئات أنواع الشكوك والشبهات عندها بدا لي أن إرادتي السابقة كانت غير كافية كليا. وتبين أن تأليف هذا الكتاب ليس بأمر هين لين بل كتابي هذا صولةٌ ليُقلب رأسا على عقب العصر الذي مفاسده مجموعة المفاسد كلها التي حدثت في العالم بين حين وآخر بصورة متفرقة. بل أيقنتُ بأنه لو جُمعت تلك المفاسد كلها لوجدنا أن المفاسد في العصر الراهن تزيد عليها. وهناك طوفان هائج للضلال من حيث العقل والنقل لا يوجد نظيره في العالم، ويهز القلوب بشدة حتى يوشك أن يتعثر بسببه العقلاء الكبار أيضا. فبالنظر إلى تلك الآفات كلها رأيت الأقرب من الحكمة ألا أستعجل في تأليفه بل يجب أن أتوجه إلى استخدام الفكر والعقل والدعاء والتضرع إلى درجة الكمال لاستئصال تلك المفاسد كلها. وأن أنتظر بالصبر والجَلَد ما سيكتبه المعاندون بعد طباعة الأجزاء الأربعة للبراهين الأحمدية. مع أنني كنت أُدرك أن بعض المستعجلين الذين اشتروا الكتاب سيسيئون الظن وسيعزون إلى المؤلف الخيانة بالنظر إلى دراهمهم المعدودة. ولكن لما استولت على القلب فكرة ألا يكون الكتاب مجموعة الغث والسمين بل ينبغي أن يمثِّل في الحقيقة نصرة الإسلام حتى ينتشر نوره في العالم بأسره؛ فلم أبالِ بهؤلاء المستعجلين. والله تعالى أعلم وكفى به شهيدا على أنه لو لم تكن ببالي فكرة البحث والتدقيق الكامل لكان بإمكاني أن أنشر عشرين أو ثلاثين كتابا في المدة التي مضت لتكميل البراهين الأحمدية. ولكن طبعي ونور فطرتي لم يقبل أن أُظهر للناس أن الكتاب قد اكتمل وإن لم يبلغ كماله الحقيقي. إلا أنه لو لم أهتم بحقيقة الأمر لاطمأن هؤلاء الناس دون أدنى شك. ولكن الصدق والسداد الحقيقي يقتضي دائما ألا يبالي المرء بطعن المستعجلين ولومهم بل يجب أن يراعي المواساة والخير الحقيقي.” (نفس المصدر)
ثانياً، قام المعترض بتحريف كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فكتب بأنه في الفترة بين البراهين الأربعة إلى الجزء الخامس منها قال:
“لقد تقدمت كثيرا من حيث الفكر والتأمل واطلعتُ على آلاف الكتب التي ما كنت أعلم عنها من قبل.” أهـ
ولا وجود في الحقيقة لعبارة “واطلعتُ على آلاف الكتب” البتة بل العبارة التي في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام هي “وعلمت آلافًا من الأمور” ! أليس هذا تزويراً وتحريفاً من المعترض ! ولقراءة كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كاملاً نقتبس من الإعلان نفسه ما يلي:
“ولو كانوا عادلين لفكروا عند تسميتهم إيايّ خادعا وغير أمين أن إنجاز مهمة عظيمة مثلها وإتمام الحجة بهذه الدقة ودفع الاعتراضات السائدة كلها والانتصار على الأديان كلها وإراءة حقائق الإسلام لامعة مثل الشمس ليس بالأمر الذي يمكن إتمامه دون العمل لفترة معقولة وبغير تأييد من الله. إن لم يعشْ الإنسان كالدواب لما صعب عليه أن يفهم أن مخلصا حقيقيا للإسلام ومواسيا له ويرفع القلم لتأييده – وإن قال نظرا إلى بعض الظروف السائدة بأنه سينشر كتابا كذا ضد المعارضين في بضعة أشهر – مجازٌ أن يستبدل برأيه السابق بُغية إصلاح حقيقي، بعد أن يطّلع على مفاسد جديدة، رأيًا خيرا منه وأفضل لخدمة الإسلام، وإنجازه هذا يقتضي مدة مديدة. والحق أن هذا ما حدث بالضبط في حالتي أنا أيضا، إذ قد ألّف المعارضون عدة كتب في هذه المدة وكُتبت عدة ردود على كتابي البراهين الأحمدية وأخرج المعارضون كل ما كان في جعبتهم وظهرت للعيان جلّ قدراتهم، وفي هذا الأثناء تقدمت أنا أيضا كثيرا من حيث الفكر والتأمل، وعلمت آلافًا من الأمور التي ما كنت أعلم عنها من قبل، وتيسرت لي لإعداد الكتاب مادة إذ لو طُبع قبلها لكان خاليا من تلك الحقائق كلها. ثم لم أجلس عاطلا في هذه الفترة بل نشرتُ نحو ثلاثين ألف نسخة من الإعلانات وأرسلتُ قرابة ١٢ ألف رسالة بالبريد المسجل إلى معاندي الإسلام لإتمام الحجة عليهم وألّفت بعض الكتب التي كانت بمنـزلة إرهاص للبراهين الأحمدية مثل “كحل لعيون الآريا” و”سوط الحق” و”فتح الإسلام” و”توضيح المرام” و”إزالة الأوهام” و”مرآة كمالات الإسلام” وبذلك قد جُمعتْ مئات الحقائق والمعارف للبراهين الأحمدية. وهذه الحقائق والمعارف وجّهت أنظاري إلى أن أُؤلِّف الآن البراهين الأحمدية الجزء الخامس، الذي سيكون الجزء الأخير منه ككتاب مستقل بإذن الله. إذًا، فنظرا إلى محاسن الجزء الخامس التي في ذهني الآن قد ارتأيت مناسبا أن أسميه “ضرورة القرآن”. ولسوف أذكر في هذا الجزء كم كان ضروريا أن يأتي القرآن الكريم إلى الدنيا وأن حياة العالم الروحاني كانت مستحيلة بدونه.” (نفس المصدر)
فالمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لم يقل بأن الأجزاء الأربعة من البراهين هي صفر وأنه استعجل والعياذ بالله بل العكس كما قرأتم أن المعترض قام بالتزييف والتحريف فقال بأن المسيح الموعود عليه السلام كتب بأنه قرأ آلاف الكتب في هذه الفترة بينما لم يقل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ذلك البتة، إنما قال عَلَيهِ السَلام: “وعلمت آلافًا من الأمور التي ما كنت أعلم عنها من قبل.” ثم حرَّفَ المعترض كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام فقال بأن حضرته كتب: “وتيسرت لي لإعداد الكتاب مادة إذ لو طُبع قبلها لكان خاليا من الحقائق كلها”. بينما قال حضرته: “وتيسرت لي لإعداد الكتاب مادة إذ لو طُبع قبلها لكان خاليا من تلك الحقائق كلها.” والفرق بين العبارتين هو أن حضرته يقول بأنه اطلع الآن على آلاف من الأمور وتيسرت له مادة لو طُبع الكتاب قبلها لكان خاليا من كل هذه الحقائق التي عرفها متأخرًا. ولا يتكلم بحال أن ما ألَّفَه هو خال من الحقائق. فهذا تدليسٌ من المعترض.
إذاً ماذا نُسَمّي كلام المعترض بعد هذا غير التحريف والكذب على خلق الله تعالى! ولله درّ الشاعر حين قال:
إذا لم تَخـْشَ عـاقبةَ الليـالي وَلَمْ تَسْتَحِ فاصْنَع ما تشاءُ
يعيشُ المرءُ ما اسْتَحيا بخيرٍ ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
أما بكاء المعترض على نقود المشترين فهو مجرد جعجعة بلا طحين إذ قد أوضح المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأن كل من يريد استعادة ثمن الكتاب بكل أجزائه أن يرسل لحضرته بهدوء وسوف يعيد إليه المال بالكامل بل حتى إذا مات الإنسان وأراد أهله إعادة الكتاب فحضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام مستعد لإعادة المال بل للوريث أيضا الحق في ذلك ! فلماذا إذن يملأ المعترض الدنيا بكاءاً وضجيجاً حول ما دفعه الناس للحصول على البراهين الأحمدية ؟
ولنترك حضرته يُبين الموضوع بنفسه، فيقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام في نفس الإعلان:
“أعرف جيداً أن الذين اعترضوا عليّ وقالوا بأنه هضم نقودنا ولم يعطنا إلى الآن الجزء المتبقي من الكتاب لم يقرأوا كتاب البراهين الأحمدية بتأمل وإنصاف قط. لو قرأوه لأقروا أنهم أكلوا ثمرة البراهين الأحمدية أكثر من نقودهم، وأخذوا مالا أكثر مما دفعوه بأيديهم. ولفكّروا أيضا أنه لو تأخر تأليف مثل هذه المؤلَّفات القيّمة لبعض السنوات فلا يستحق المؤلف لومًا قط. ولو كانوا عادلين لفكروا عند تسميتهم إيايّ خادعا وغير أمين أن إنجاز مهمة عظيمة مثلها وإتمام الحجة بهذه الدقة ودفع الاعتراضات السائدة كلها والانتصار على الأديان كلها وإراءة حقائق الإسلام لامعة مثل الشمس ليس بالأمر الذي يمكن إتمامه دون العمل لفترة معقولة وبغير تأييد من الله. إن لم يعشْ الإنسان كالدواب لما صعب عليه أن يفهم أن مخلصا حقيقيا للإسلام ومواسيا له ويرفع القلم لتأييده – وإن قال نظرا إلى بعض الظروف السائدة بأنه سينشر كتابا كذا ضد المعارضين في بضعة أشهر – مجازٌ أن يستبدل برأيه السابق بُغية إصلاح حقيقي، بعد أن يطّلع على مفاسد جديدة، رأيًا خيرا منه وأفضل لخدمة الإسلام، وإنجازه هذا يقتضي مدة مديدة. والحق أن هذا ما حدث بالضبط في حالتي أنا أيضا، إذ قد ألّف المعارضون عدة كتب في هذه المدة وكُتبت عدة ردود على كتابي البراهين الأحمدية وأخرج المعارضون كل ما كان في جعبتهم وظهرت للعيان جلّ قدراتهم، وفي هذا الأثناء تقدمت أنا أيضا كثيرا من حيث الفكر والتأمل، وعلمت آلافًا من الأمور التي ما كنت أعلم عنها من قبل، وتيسرت لي لإعداد الكتاب مادة إذ لو طُبع قبلها لكان خاليا من تلك الحقائق كلها.
مما يُستغرَب له في الموضوع؛ هل كان من رأى تأخيرا في صدور بقية أجزاء البراهين الأحمدية وتذكّر مالا دفعه بحاجة إلى كل هذه الضجة والضوضاء؟ وهل كان بحاجة إلى أن يسوِّد صحيفة أعماله بتسميتي خادعا وسارقا وآكل مال الحرام؟ بل كان الأمر في منتهى البساطة وهو أن يخبرني برسالةٍ أن أستعيد الأجزاء الأربعة من البراهين وأعيد إليه نقوده. لم أعرف أن قلوبهم معوجَّة إلى هذه الدرجة. كان أمري لوجه الله فقط وكنت أظن أنه إن كان لبعض المسلمين علاقة معي من حيث شراء الكتاب فقط ولكنهم لا يخلون من نية صالحة لوجه الله في هذا الزمن المليء بالفتن. والذي نيته صالحة لوجه الله فهو يميل إلى حسن الظن أكثر منه إلى سوء الظن. غير أنه من الممكن أن يأخذ أحد مال غيره بسوء النية ويضره بذلك ولكن أليس ممكنا أن يؤخر المؤلف تأليفه بحسن النية بغية إكماله على أحسن وجه نظرا لطوفان أكبر مما سبق؟ وإنما الأعمال بالنيات. يعلم الله جلّ شأنه وإنني على يقين بأنه كما سمعت اللعنات من أصحاب الظنون السيئة من القوم بسبب التأخير كذلك سأنال رحمة عظيمة من الله تعالى بسبب هذا التأخير الذي هو لخير المسلمين وصالحهم.
لا أريد أن أطيل الكلام. إن هدفي الحقيقي من هذا الكلام هو أنني لا أريد الآن أن أبقى على صلة مع المشترين الذين ليسوا صادقين في الاعتقاد والأدب، لذا أعلن إعلانا عاما أن الذين يستعدون ليشكوني عاجلا أو آجلا بذكر نقودهم أو يمكن أن يتطرق سوء الظن إلى قلوبهم، ينبغي عليهم أن يخبروني عن إرادتهم لطفا منهم بواسطة رسالة وسأدبر لإعادة نقودهم إذ سأعين في تلك المدينة أو قربها أحدا من أصدقائي ليعيد إليهم أموالهم بأخذ أجزاء الكتاب الأربعة. وإنني أعفو عن بذاءة لسانهم وشتائمهم أيضا لوجه الله لأني لا أريد أن يؤاخَذ أحد يوم القيامة بسببي. وإذا كان أحد من المشترين قد مات ولم يصل الكتاب إلى ورثته فليرسل لي رسالة بتصديق من أربع مسلمين موثوق بهم بأنه هو الوارث الحقيقي فأرسل له النقود بعد الاطمئنان بالموضوع. كذلك إذا كان عند أحد من الورثة كتاب فليرسله أيضا إلى صديقي الذي سأعينه.” (نفس المصدر)
وبعد أن اتضح كذب المعترض وتدليسه المفضوح لا يبق إلا تحقق الوحي الذي تلقاه حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام:
إنِّي مُهينٌ مَن أرادَ اهانَتَك
لتحميل كتاب البراهين الأحمدية: البراهين الأحمدية (الأجزاء الأربعة الأولى)
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ