صدق المصلح الموعود رضي الله عنه
المعترض: المصلح الموعود سرق من تفسيرات غيره لإثراء التفسير الكبير
يفخر الأحمديون العرب بتفسيرات ميرزا محمود في تفسيره الكبير. ويرون أنها دليل على أنه هو المصلح الموعود في نبوءة أبيه. ولو أظهرتَ لهم ألف تزييف لميرزا غلام أحمد قالوا: هذا لا يعنينا، فما دام الميرزا بشير الدين محمود أحمد قد فسر القرآن الكريم تفسيرا عظيما، فهذا دليل أنه ثمرة طيبة، ودليل تحققِ نبوءةِ الميرزا الشهيرة عن الابن الموعود. وسأثبت لكم بالدليل أن الميرزا محمود في تفسيره ليس أكثر من لص سطا على تفسيرات الناس من دون أن يذكر ذلك، كما سطا أبوه على الحريري ونفى أن يكون قد أخذَ أكثرَ من سطرين أو ثلاثة في أحد كتبه حيث قال شراغ علي زميل السيد أحمد خان بأن الجن هم العماليق وأن النملة هي اسم لقبيلة في اليمن وأن بلقيس مشت على ممر مائي ممرد وقال السيد أحمد خان بأن المسيح علق ولم يمت على الصليب واستدل بنفس أدلة الأحمدية وجدت كتابا بالإنجليزية عن المولوي شراغ علي (1844- 1895) وهو من رفاق سير سيد أحمد خان. الكتاب يقع في 220 صفحة تقريباً، فيه تفسير تعليق المسيح على الصليب ونجاته وموته فيما بعد ميتة طبيعية، وكل هذا بنفس طريقة سرد الجماعة ونفس الأدلة، كذلك يوجد تفسير قصة سليمان والجن والطير، والناسخ والمنسوخ وغيرها من المواضيع. هذا هو رابط الكتاب: digitool.library.mcgill.ca/thesisfile62353.pdf. كما قدمتُ فيما مضى حلقات عن كوارث ميرزا محمود، وكيف اخترع خلافةً يؤدي القول بها إلى الإساءة البالغة إلى الخلفاء الراشدين، وأخصّ عليّا والحسن. فإذا ثبت أن أحدا سارق، فيثبت أنه كاذب، لأنّك إذا سرقت من الناس ثم زعمت أنّ هذا من عندك أو من الله، فهذا كذب وتقوّل على الله. ومما قيل في الصفحة ٧8-٧9 من الكتاب حول النسخ في القرآن:
” نفي السير سيد أحمد خان للنسخ بأنواعه، وقوله أن النسخ المذكور بالقرآن هو نسخ الشرائع السابقة”.
وفي الصفحة 81- 82 قيل حول الجن:
“هم البدو والبشر غير المتحضرين مثل قوم العماليق المذكورين في التوراة. قوم العماليق الذين سكنوا أرض كنعان وتميَّزوا ببنيتهم الجسدية الضخمة والقوية أُطلقت عليهم تسمية الجن.”
وفي الصفحة 83 قيل حول قصة سليمان عليه السلام:
“النمل قبيلة تحمل هذا الاسم، لا تلك الحشرة المعروفة.
وأن الطير في آية (عُلِّمنا منطق الطير) لا تعني العصفور، بل جندي.
وأن الهدهد كان اسم رجل أو قبيلة عاشت في اليمن وفي الآية 20 من سورة النمل: الهدهد هو قائد جيوش سليمان. وأن العفريت في الآية 39 من سورة النمل هو رجل من فرقة الجن.
وكذلك كشف بلقيس عن ساقيها يعني أنها كان خائفة من العبور على أرضية الصرح الممرد من قوارير.
كما انتقد شراغ علي الإمام فخر الدين الرازي لتأييده القصة الخرافية لنقل عرش بلقيس من اليمن إلى بلاد الشام.
وفي الصفحة 84-86 قيل حول حادثة صلب المسيح عليه السلام:
تم تعليق المسيح على الصليب لـ 3-4 ساعات، ولكنه لم يمت، بعدها تم وضعه في القبر، ثم أخرجه أصحابُه من القبر وأخذوه إلى مكان آمن وقالوا لليهود أنه صعد إلى السماء، وعاش المسيح آمناً ثم مات فيما بعد ميتة طبيعية. مجرد التعليق على الصليب لبضع ساعات لا يميت أحدا، بل حسب تاريخ الرومان الموت يحدث بعد 4-5 أيام. أُنزل المسيح عن الصليب سريعاً لأن اليهود لا يُبقون أحدا معلقا على الصليب يوم السبت، كما أن خروج الدم والماء من جسده عندما طعنه جندي روماني يؤكد أنه كان لا يزال حياً. كما أن الملك تفاجأ جداً بموت المسيح السريع وهذا يؤكد أن مدة تعليقه لم تكن كافية لموته. تم وضع جسد المسيح في القبر سريعاً وكان أصحابه يزورونه وبعد 3 أيام أخرجوه. عبارة (ما صلبوه) لا تنفي تعليقه بل تنفي الموت على الصليب كما أن اليهود لم يقتلوه بأي طريقة بل رفعه الله بالمكانة والمنزلة. شُبِّه لهم تعني أنهم ظنوه مات لأنه كان في حالة إغماء، وقصة الشبيه باطلة لأن عبارة شُبِّه لهم ستصبح خاطئة ويجب أن يكون مكانها شُبِّه به، كذلك لا يمكن أن تعود عبارة شُبِّه لهم على الشبيه لأنه غير مذكور في الآية. وأخيراً : فعل التَّوفِّي في الآيات الخاصة بالمسيح لا يعني إلا أنه مات ميتة طبيعية. انتهى
وهكذا نغلق دكان المرزا محمود اللص الموعود.
الرد:
السير أحمد خان وجراغ علي نفيا نسخ التلاوة فقط
الحقيقة هي أن السير أحمد خان وچراغ علي رحمهم الله لم ينف أي منهما النسخ بأنواعه بل نفيا “نسخ التلاوة” فقط كما لم يقدم أحد منهما التفسير الصحيح للآيات التي يُنسب إليها النسخ كما قدمه المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالتفصيل لكل نوع من أنواع النسخ وذلك في مجلة “مراجعة الأديان” التي عرضناها بنسختها الأصلية في منشور سابق. وهذا دليل من نفس صفحة المقتبس من الكتاب الذي يستشهد به المعترض أي “التراث الفكري لچراغ علي” تأليف وحيد الرحمن، حيث يقول:
Sir Sayyid in his Essays deals with the problem of variant readings and of abrogation of some verses of the Qur’an. Sir Sayyid denied the existence of such verses in the Qur’an. If abrogation existed in the Qur’an at aIl, it would mean for Sir Sayyid the abrogation of the previous Shara’i. He declares that “there are no Munsookh passages in the Koran at all. Sir Sayyid also denied the possibility of Naskh al-Tilawah (abrogation of reading) and the existence of variant reading in the Qur’an, at least in the sense that Western scholars understand these matters. He of course admitted the existence of differences in punctuation pronunciation, vowel marks, and all manners of verbal forms, but adamantly insists that aIl are equally true readings. Chirag Ali touched upon the point of abrogation, but dealt only with the abrogation of reading (Naskh Tilawah) like Sir Sayyid.
إذاً هذا النص لا يقول بنفي السير أحمد خان ولا چراغ علي للنسخ بأنواعه بل لنوع واحد فقط هو نسخ التلاوة ولا يوجد تفصيل في كتب الأثنين لهذا النسخ وأدلة نقضه من الكتاب والسنة حيث أن كلاً منهما ينكر الأحاديث جملة وتفصيلا. فأين هذا من بيان المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بنفي النسخ بأنواعه وبالأدلة التفصيلية الدامغة من الكتاب والسنة !
مقامات الحريري وتهمة سرقة المسيح الموعود
أما مقامات الحريري فهي مجرد أشعار فارغة ارتقى بها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلى سماوات من الأدب والبيان ووظفها عَلَيه السَلام بطريقة عظيمة تفوق بكثير مستوى الحريري نفسه، أي أن هندياً ادعى بأنه تعلم أربعين ألف مادة من اللغات العربية في ليلة فاقَ بالفعل أعظم أدباء العربية على الإطلاق. أما من يتّهم المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بالسرقة فهو لا يرى جمال توظيف حضرته لهذه الأشعار الخالية من الروح في قوالب روحانية عظمى وتناسق يخال المرء أنها قيلت الآن ناهيك عن عدم رؤيته لهذه المعجزة الكبرى أن يكتب هندي أشعاراً تنسجم مع أعظم شعراء العرب إن لم تتفوق عليها بامتياز. فالمعترض لا يرى ذلك كله ولهذا يقع عليه عبء انتاج كتاب يضم قصائد بهذا المستوى، وإلا فلا قيمة للاتهام النابع من فراغ علمي وأدبي.
تفسير الجن والعفريت، وعرش بلقيس
أما تفسير الجن فأين هذا القول من تفصيل الجن الذي قاله المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كما نشرنا سابقاً ! أين هذا من الميكروبات والأفاعي وزعماء القوم والغرباء واستتار الأشياء كافة والمخلوقات التي لا نراها ولا نعلم طبيعتها ونفي تأثيرها وسلطانها على البشر من تلبس وشعوذة والخ من تفاصيل هي أساس هذا التفسير الجميل المترابط !
لذلك ننصح القاريء بالعودة إلى موقع الجماعة الإسلامية الأحمدية وقراءة كتب الجماعة حول الجن بالتفصيل الذي لن يجده لا عند السيد چراغ علي ولا السير أحمد خان ولا غيرهم رحمهم الله جميعا. (يمكن أيضا زيارة مكتبة الموقع)
أما تفسير العفريت وبلقيس فنقول مِن الجميل أن يكون لتفسير المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ما يؤيده وبالفعل يوجد عند التدبر في الأحاديث ومراجعة الكتاب المقدس أن سليمان لم يمر بوادٍ للحشرات بل للبشر ولم يكن لديه أشباحاً تطير بقصور الناس بل عمال مهرة وجيش عرمرم يهابه الجميع استغله سليمان عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام للدعوة إلى الله تعالى وتوحيده ﷻ كما في قصة ملكة سبأ وتنكير عرشها وصقل الممر الزجاجي وما إلى ذلك لكي تدرك أن ليس كل ما لا تراه لا وجود له، وننصح بالرجوع إلى “التفسير الكبير” لاستخلاص هذه الدروس والعبر وجمال التفسير الذي أثبته المُصْلِحُ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في وقت كان الناس غارقون في التفاسير المليئة بالإسرائيليات والتي تسيء عند أقل تدبر إلى الأنبياء ومن فوقهم مرسلهم ﷻ.
إذاً ليس كلما ذكر مفسرٌ تفسيراً عظيماً ووجدنا أن جانباً منه قاله زيد أو عمر من المفسرين شطبنا ذلك التفسير العظيم واتهمنا المفسر بالسرقة وكتبنا بأنه اللص الأكبر وما إلى ذلك من سوء أدب وقلة علم. فالواجب عند ذلك هو إكبار هذا التفسير العظيم والاعتزاز به أكثر ونشره على نطاق أوسع خصوصاً بعد أن وجدنا ما يؤيده أي أن التفسير فوق عظمته لم يكن بدعاً من التفاسير وإنما ذهب إلى ذلك السلف والخلف وَإِن لم يكن بعظمة وجمال وترابط تفسير المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
ليس المهم من سبق بل الشمولية
لم يكن السيد چراغ علي وحده من قال بهذا بل سبقه السير أحمد خان وذكر ذلك في تفسيره، ولكن هل هذه الأدلة هي فقط التي قدمها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وجماعته المباركة ؟ الجواب، أن مَن يطّلع على كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام سيجد أن حضرته استخدم عدداً لا يكاد يحصى من الأدلة القرآنية والحديثية ومن الكتاب المقدس وكتب الطب واللغة واستشهد بتجارب وكتب لا مجال لذكرها الآن حتى بلغت الأدلة 60 دليلاً فقط من الكتاب المقدس ! فأين ذلك من مجرد القول بأن المسيح لم يقتل ولم يدفن جيداً كي لا يموت ثم سكتوا عن الكلام المباح ؟ أين أسباط بني إسرائيل الضالة في الشرق والأدلة عليها ؟ وأين حياة المسيح 120 كما في حديث الطبراني ؟ وأين قبره الذي في كشمير ؟ وأين وأين ؟ كل ذلك مسكوتٌ عنه ناهيك عن عدم وضوح كيفية نجاة المسيح في القبر والتفاصيل التي ذكرها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وحده بوحي من الله تعالى !
لماذا ترك خصوم الجماعة هذه الشبهة من قبل؟
أخيراً وليس آخراً نتساءل؛ لِمَ تَرَكَ خصومُ الجماعة الإسلامية الأحمدية وخاصة اللاهوريون منهم على مر التاريخ وإلى اليوم لِمَ تركوا هذا الدليل ولم يتهموا المُصْلِحَ المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بالسرقة من السيد چراغ علي أو غيره خاصة وأن الكتاب متوفر بالأردية أي لغتهم الأم؟ الجواب لأنهم يعلمون جيداً أن تفسير المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام والمُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من بعده هو التفسير المترابط المتكامل الذي يقوم على أسس علمية وتاريخية وعقلية ولغوية لا مجال لمقارنتها بعبارة هنا وعبارة هناك في كتب لم تحمل تلك الأهمية أمام النور الذي اجتاح بلاد الهند على يد المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام وخليفته المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وخلفائه من بعده رضوان الله عليهم أجمعين. فهذا في نظر الخصوم إلى اليوم الخطر الأكبر الذي يهددهم والذي يخصصون له القنوات والمطابع والدول والمنظمات المختلفة والعصابات المسلحة ليل نهار بلا فائدة حيث تنتشر الجماعة الإسلامية الأحمدية كل يوم وتنقص أرضهم من أطرافها ولله الحمد. وقد ورد في نفس الكتاب في الصفحة 202 أن دعوى چراغ علي فشلت ولم تلق أي اهتمام وذلك بسبب انشغال مشايخ الهند وعلمائهم في الرد على حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام حيث أن دعوته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام هي الأهم بالنسبة لهم وكان الرد عليها أهم من أي شيء آخر !
أما تكرار القول بأن المُصْلِح المَوْعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أسس خلافة تقوم على الإساءة للحسن رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فهذا محض ترديد لشبهة تم نسفها بحمد الله تعالى في منشور سالف، ويأبى المعترض الكريم أن يطّلع على الردود مواصلاً ادعائه بأن أحداً لم يرد ببنت شفة وأن الردود كلها شتائم ضد شخصه مع أن القاريء سيجد اسم المعترض نفسه لم يرد في تلك الردود على الإطلاق وأنها كانت غنية مفيدة بالمضمون، ونترك للقاريء المنصف أن يحكم بعد الاطلاع.
مذهب چراغ علي
أما من يقول بأن السيد چراغ علي كان من فرقة المعتزلة فقد كذب حيث شهدت زوجة چراغ علي بأنه كان شيعياً. (انظر الصفحة 61 من نفس الكتاب: The Religious Thought of Moulvi Chiragh Ali)
بقي أن نذكر أن أول مجددي التفسير الحديث ليس من المعتزلة وذلك باعتراف الكتاب نفسه بل هو شاه ولي الله المتوفى في القرن الثامن عشر وهو عالم صوفي.
أما السيد چراغ علي فقد كان شيعياً كما أثبتنا من الكتاب نفسه وقد كان مِن مُنكري الأحاديث حيث يذكر ذات الكتاب بأن چراغ علي كان من منكري الأحاديث وكان ينتقد الأحاديث والسنة بصورة مستمرة. (انظر ص 88)
نعي علماء الهند المسيح الموعود
ونقدّم فيما يلي مقتطفاً من نعي أهم وأشهر علماء الهند بعد وفاة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام يظهر فيها عظمة حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام وشهادة أهم العلماء على جهاد حضرته وإعلائه لصدق دين الإسلام عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام. وهو السيد أبو الكلام الداعية الإسلامي المعروف والكاتب والصحفي الهندي الأشهر في القرن العشرين، والذي كان أيضاً رئيس المؤتمر الوطني الهندي قبل الاستقلال، والذي شغل بعد استقلال الهند مناصب عليا في الحكومة الاتحادية لجمهورية الهند وهو صاحب تفسير القرآن الكريم وغير ذلك من كتب قيمة. كَتَبَ السيد أبو الكلام آزاد بعد وفاة حضرة مرزا غلام أحمد عَلَيهِ السَلام -عندما كان رئيس تحرير صحيفة إسلامية معروفة هي “الوكيل” وتصدر من مدينة أمريتسار- كَتَبَ نعياً طويلاً للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام نقدِّم فيما يلي مقتطفات منه، حيث كتب السيد أبو الكلام آزاد:
“إنَّ هذا الرجل، هذا الرجل العظيم جداً الذي كان قلمه عصاً سحرية ولغته شديدة البلاغة والفصاحة، هذا الرجل الذي كان دماغه عبارة عن مجمع من العجائب، الذي كانت عينه تُحيي الموتى ونداءه يُقيم أهل القبور، الذي كانت أصابعه تحمل أسلاك الثورة وقبضتا يديه كانتا كالبطاريات الكهربائية، هذا الرجل الذي كان لمدة ثلاثين عاما زلزالاً أرضياً وإعصاراً للعالم الديني، الذي أيقظَ كما يفعل بوق يوم القيامة أيقظَ كل الغارقين في سبات الدنيا، قد غادر هذا العالم خالي الوفاض. إنَّ هذا الموت المُر، هذه الكأس المسمومة التي أودعت المرحوم الثرى، وسوف تظل لاهجة على آلاف بل ملايين الألسن بعبارات الأسى والندم والمرارة، ستبقى قبضة المنون التي خطفت من كان بالأمس مفعماً بالحياة ستبقى تخطف آمال وأشواق الكثيرين وترتفع بها أصوات البكاء والرثاء، ستبقى طويلاً في الذاكرة مهما مَر الزمان.
إن وفاة السيد مرزا غلام أحمد القادياني ليست حَدَثاً عابراً لا نتعلم منه درساً هاماً، وليس هو مما يطويه الزمان. إنَّ هؤلاء الرجال الذين يصنعون ثورة دينية وفكرية لا يُولَدون بكثرة في التاريخ. إنَّ أبناء التاريخ هؤلاء -والذين يفخر التاريخ حقاً بهم- نادراً ما يظهرون على الساحة العالمية، وعندما يظهرون فإنهم يُحدثون ثورة يراها الجميع.
على الرغم من اختلافاتنا القوية مع السيد المرزا فيما يتعلق ببعض ادعاءاته ومعتقداته، ألا إن فراقه لنا إلى الأبد قد أقنع الطبقة المثقفة والمتنورة من المسلمين أن واحداً من الشخصيات العظيمة جداً قد رحل عنهم. ورحل معه الدفاع القوي عن الإسلام ضد المعارضين، هذا الدفاع الذي كان مرتبطا بشخصه، وقد انتهى هذا الدفاع الآن. إن الميزات الخاصة للمرزا، وانتصاره كقائد فاتح على أعداء الإسلام، يدفعنا للتعبير عَلَناً عن شعورنا بأن الحركة العظيمة (الجماعة الإسلامية الأحمدية) التي طالما هزمت وسحقت خصومنا ينبغي أن تستمر في المستقبل أيضا.
لقد كان السيد المرزا في الخط الأمامي للدُعاة المسلمين الذين قبلوا التفاني في التضحية بوقتهم من المهد وربيع العمر وخريفه حتى اللحد وفاء وتعهداً بالولاء للإسلام الجميل الذي طالما أحبّوه.
لقد تلقت الأدبيات والمؤلفات التي أنتجها السيد المرزا في مواجهته للمسيحيين والأريا تلقّت وحظيت بختم الموافقة من عامة المسلمين، وهو غني عن التعريف، وإن علينا أن نعترف بقيمة وعظمة هذا التراث الأدبي من أعماق قلوبنا، خاصة بعد أن أتى أكله. لا يمكن نسيان ذلك الوقت ولن ينمحي من الأذهان عندما كان الإسلام محاصراً ويتلقى الهجمات من جميع الجهات، والمسلمون يقفون خلف المدافع الحقيقي عن الإسلام (مرزا غلام أحمد)، بعد أن تهاوت وسائل الدفاع في هذا العالم وكانت تنتحب شفقةً بسبب قصورها وضعفها وعدم وسعها تقديم شيء للإسلام وانتفاء القدرة على ذلك.
انطلقت بعد ذلك الهجمة المضادة من طرف المسلمين والتي كان للسيد المرزا الريادة فيها، ولم يحطم هذا الدفاع فقط التأثير الابتدائي للمسيحية ويذهب به أدراج الرياح، والذي كانت تدعمه الحكومة، وإنما أنقذ الآلاف بل الملايين من المسلمين من هذا الهجوم الخطير الذي كان سينجح، فتلاشى طلسم المسيحية نفسها (بفضل ذلك الدفاع) كالدخان.
وهكذا، ستترك هذه الخدمة التي قدمها السيد المرزا دَيناً للأجيال القادمة للعرفان والامتنان لواجبه الذي أدّاه في الدفاع عن الإسلام من خلال انضمامه إلى الصف الأول من المجاهدين بالقلم، وستبقى مؤلفاته نصباً تذكارياً ما دامت الدماء تجري في عروق المسلمين ولا تزال الرغبة في نصرة الإسلام السمة البارزة لهم. بالإضافة الى هذا، فقد أسدى السيد المرزا خدمة خاصة جداً للإسلام وذلك لقيامه بسحق وتحطيم الأنياب السامة للآريا ساماج… إن كتاباته ضد الآريا ساماج تسلط الضوء الجلي أنه مهما اتسع نطاق دفاعنا في المستقبل، فمن المستحيل التغاضي عن هذه الكتابات بأي وقت من الأوقات.
لقد أكسب الذكاء الفطري وبراعة الأداء والمناظرات المستمرة، كل ذلك أكسب السيد المرزا روعة خاصة. لقد كان ذا معرفة واسعة، ليس فقط في دينه، بل في الديانات الأخرى أيضا. وكان قادراً على استخدام معرفته الواسعة بدقة شديدة. أما في فن الوعظ والتدريس فقد حصل على الإنجاز الأبرز حيث كان يلقي بمن يتصدى لهم، مهما بلغوا من العلم والفهم في الدين، كان يلقي بهم في تفكير عميق بفضل ردوده التلقائية. لقد أصبحت الهند اليوم معرضاً للأديان، وإن عدد الأديان المتواجدة كبرت أو صغرت ونضالها المشترك للإعلان عن وجودها لا يوجد نظيراً له في العالم بأسره، وقد ادعى السيد المرزا بأنه كان الحَكَم والقاضي بينهم كلهم، وبلا شك كان يمتلك موهبة خاصة جعل من خلالها الإسلام هو الظاهر على الدين كله. ويعزى ذلك إلى قدرته الفطرية ودراسته وعمله الدؤوب، وليس من المرجح ولادة رجُل بهذه العظمة من جديد في رحاب العالم الديني لجنوب القارة الهندية، رجل يكرس أعلى رغباته بهذه الطريقة لدراسة ومقارنة الأديان“. (جريدة الوكيل، أمرتسار، العدد 14 لسنة 1909)
إذاً، ما يقوله الخصوم هو في الحقيقة جهد مشكور لدعم دعوى الحَكَم العدْل حضرة مرزا غلام أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام.
ولا يسعنا في نهاية القول إلا أن ندعو جميع القراء والباحثين لقراءة التفسير الكبير للحاج حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد خليفة المسيح الثاني رَضِيَ اللهُ عَنْهُ المتوفر على الموقع الرسمي للجماعة الإسلامية الأحمدية islamahmadiyya.net/ أو المتابعة من خلال البث الحيّ عبر موقع القناة العربية mta.tv/live كما يمكن متابعة قناة الجماعة باللغة العربية MTA 3 على اتجاه النيل سات: التردد 11355، عمودي، استقطاب 27500 أو القمر الأوروبي هوت بيرد: 11200 5/6 V أو على قمر جالاكسي: Intelsat Galaxy 19 at 97 degree west Frequency: 11929 vertical Symbol rate: 22000 Fec : ¾ Channel no 3 .
والله تعالى الموفق
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
احسنت استاذ فراس