كيف يُهينُ المعترض نفسه
المعترض:
عنادُ الميرزا وعِوَج منطقه
سمع الناس وشاهدوا ردود الأحمديين على 5% من فيديوهاتي ومقالاتي، فتملّكهم العجب من عِوج منطقهم. بيد أنّ هذا العجب يزول إذا قورن بالعجب الذي يتملّك المرءَ حين يقرأ ردود الميرزا على أقوال معاصريه، حيث يرى فيها عنادا وعوجا غير مسبوقَين.
بعد أن ذكر الميرزا الحديث: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”، قال:
“وإذا قال قائل: إذا كان هذا الحديث صحيحا فأخبرونا بأسماء المجددين لاثني عشر قرنا مضت. فالجواب هو أن هذا الحديث ظل مسلَّما به عند علماء الأمة، ولكن لو اعتُبر موضوعا عند إعلاني فليس ذلك بمستبعد من هؤلاء المشايخ. (حقيقة الوحي)
أقول: انظروا إلى سؤالهم وانظروا إلى الجواب!!!
الميرزا يزعم أن الله بعثه مصداقا لهذا الحديث. ومعنى ذلك أن الله أرسل المجددين السابقين كما أرسله، وطالبوا الناسَ أن يؤمنوا بهم كما طالب، وتوعّدوهم بالعذاب كما توعّد، وتلقّوا وحيا يأمرهم بأن يصدعوا بما أُمروا به كما تلقّى.
بيد أننا لا نجد مثل ذلك البتة. أما الحديث فله ألفُ تفسير! ولكن ليس منها أن الله يبعثهم كما زعم الميرزا عن بِعثته.
ويتابع الميزرا يقول:
“لقد ادّعى بعض أكابر المحدّثين بكونهم مجددين في عصرهم، كما اعتبر الآخرون غيرَهم مجددين. فإذا كان هذا الحديث غير صحيح فهذا يعني أنهم لم يكونوا أمناء”.
أقول: على فرض صحة ذلك، فلم يتلقَّ أيٌّ منهم وحيا أن الله بعثه، ولا أمر الناس بالإيمانه به، ولا كفَّروا مَن لم يؤمن بهم. وعلى فرض صحة زعم واحد أو اثنين أنهم مجددو ذلك القرن، فأين البقية؟ على أننا نرفضُ ادعاء أحدٍ أنه مجدِّدُ أيّ قرْن، لأنه إنْ وصل إلى هذا الادعاء فقد زكّى نفسه، وخالف الآية: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (النجم 32).
وتابع يقول:
“وليس واجبا علينا أن نتذكر أسماء جميع المجددين، بل العلم المحيط بكل شيء هو عند الله وحده، ولا ندّعي بعلم الغيب إلا ما يُطلعنا الله عليه”.
أقول: اذكر لنا واحدا فقط أعلن أنه تلقى وحيا بذلك. أو فليذكر ذلك أبناء جماعتك من بعدك واحدا من هؤلاء المجددين، ووحي التكليف الذي تلقّاه.
وتابع يقول:
“هذه الأمة منتشرة في جزء كبير من الدنيا، والحكمة الإلهية تبعث مجددا في بلد مرة وفي بلد آخر مرة أخرى”.
يُفهم من فقرته هذه أنّ الله يبعث مجددا واحدا في كل قرن، لكن جماعة المماحكة تتبنى الآن نظرية تعدّد المجددين في القرن الواحد.
وتابع الميرزا مموِّهًا:
“من ذا الذي يحيط بكل أفعال الله، ومن ذا الذي يحيط بغيبه ؟ فأخبروني كم نبيا خلا في كل قوم منذ آدم إلى النبي ؟ فلو أخبرتموني بعددهم لأخبرتكم بأسماء المجددين”.
أقول: هذا عناد لا حدّ له. ما دام الله تعالى قد قال {وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} فلماذا العناد والمماحكة والمناكفة؟ ثم إننا لا نطالبك بأسماء كل المجددين، بل نطالب باسم مجدد واحد أعلن تلقّي وحيا بتكليفه. فهذه هي القضية.
ويتابع قائلا:
“من المتفق عليه عند أهل السنة أن المجدد الأخير في هذه الأمة هو المسيح الموعود الذي سيظهر في الزمن الأخير”. (حقيقة الوحي 1906)
أقول: هذا كذب مجرّد؛ فلم تتفق الأمة على ذلك، بل لا يؤمن الناس بمسيح موعود، إنما يؤمن أكثرهم أن المسيح في السماء وسينزل منها يوما ما. ونزوله لا علاقة له بالمجددين، وليس امتدادا لهم.
الرد:
صَدَقَ المعترضُ وهو كذوب إذ يكفي 5% من الردود لنسف كل شبهات المعترض القائمة على الظن والكذب والتدليس.
أما التكفير فقد رددنا عليه (من هنا: من التكفيري؟ إلى معارضي الجماعة الإسلامية الأحمدية)
أما موضوعنا الآن فسنثبت للقراء الكرام من خلال تناوله والرد عليه بأن المعترض في الحقيقة لا يخرج عن أمرين؛ إما أن يكون جَهُولًا أو من الملحدين. ولنأخذ بداية حديث الشاهد وهو كالتالي:
“حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمُعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا.” (رواه أَبُو دَاوُد 4291)
أما فهم المعترض من قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام “هذه الأمة منتشرة في جزء كبير من الدنيا، والحكمة الإلهية تبعث مجددا في بلد مرة وفي بلد آخر مرة أخرى” فهمه أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام ينفي إمكانية وجود أكثر من مجدد في عصر واحد فهو فهم سقيم كالعادة، لأن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أثبت في كتبه أن المجددين كثر لا يمكن حصرهم ولكن حضرته يقول أن كل عصر لا بد فيه من وجود مجدد أي لا يفرغ من وجود مجدد للدين في كل قرن وليس هنالك أي مانع لوجود آخرين في أمكنة مختلفة. فهذا شيء لم يقله المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بل أكد أن كل قرن وعصر لا بد أن يشهد مجدد أي لا يخلو من مجدد على الأقل. أما وصف المعترض للجماعة بالمماحِكة فهو مما ينضح به كأسه كما قلنا من قبل، لأن هذا ثابت في السنة وليس من قول الجماعة الإسلامية الأحمدية وحدها. يقول العلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله في عون المعبود:
“وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مُجَدِّدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ .” (عون المعبود، سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة)
وقَالَ الحافظ ابن حجر رحمه الله فِي (تَوَالِي التَّأْسِيسِ) ما يلي:
“حَمَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مَنْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مُمْكِنٌ بِالنِّسْبَةِ لِلَفْظِ الْحَدِيثِ الَّذِي سُقْتُهُ ، وَكَذَا لَفْظُهُ عِنْدَ مَنْ أَشَرْتُ إِلَى أَنَّهُ أَخْرَجَهُ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ أَحْمَدَ تَقَدَّمَتْ بِلَفْظِ ( رَجُلٌ ) وَهُوَ أَصْرَحُ فِي رِوَايَةِ الْوَاحِدِ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِلَفْظِ مَنْ لِصَلَاحِيَةِ مَنْ لِلْوَاحِدِ وَمَا فَوْقَهُ ، وَلَكِنِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي مَنْ تَأَخُّرُ الْحَمْلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ الْوَاحِدِ ، لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُجَدِّدَ الْمَذْكُورَ يَكُونُ تَجْدِيدُهُ عَامًّا فِي جَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ . وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي حَقِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعُزَيْزِ جِدًّا ثُمَّ الشَّافِعِيِّ ، أَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا يُعْدَمُ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ.” أهـ
وقال في (فَتْحِ الْبَارِي) ما يلي:
“وَهُوَ ( أَيْ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ) : مُتَّجَهٌ ، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الصِّفَاتِ الْمُحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِهَا لَا يَنْحَصِرُ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ ، وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ جَمِيعَ خِصَالِ الْخَيْرِ كُلِّهَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ ، إِلَّا أَنْ يُدَّعَى ذَلِكَ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، فَإِنَّهُ كَانَ الْقَائِمُ بِالْأَمْرِ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى بِاتِّصَافِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْخَيْرِ وَتَقَدُّمِهِ فِيهَا . وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ أَحْمَدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ فَالشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْقَائِمَ بِأَمْرِ الْجِهَادِ وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ ، فَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ الْمِائَةِ هُوَ الْمُرَادُ ، سَوَاءٌ تَعَدَّدَ أَمْ لَا.” (انظر فتح الباري 13 / 295)
ثم إن قول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام “من ذا الذي يحيط بكل أفعال الله تعالى، ومن ذا الذي يحيط بغيبه ﷻ؟ فأخبروني كم نبيا خلا في كل قوم منذ آدم عَلَيهِ السَلام إلى النبي ﷺ؟ فلو أخبرتموني بعددهم لأخبرتكم بأسماء المجددين.” بحد ذاته دليل أن حضرته عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام يؤمن بتعدد المجددين بل بكثرتهم فوق الإحصاء.
إذن ما يسميه المعترض مماحكة هي في الواقع عقيدة المسلمين من أهل السنة.
فماذا عسانا نختار بعد ذلك للمعترض إلا الإلحاد أو الجهل المطبق.
أما نسبة المعترض للمسيح الموعود عَلَيهِ السَلام القول بأن الله تعالى “أرسل المجددين السابقين كما أرسله، وطالبوا الناسَ أن يؤمنوا بهم كما طالب، وتوعّدوهم بالعذاب كما توعّد، وتلقّوا وحيا يأمرهم بأن يصدعوا بما أُمروا به كما تلقّى” فلا نجد له أثراً في كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام قاطبة. ونرجو أن يدلنا عليه لأن كتب المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كلها مليئة بكونه عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام الوحيد الذي تلقى الوحي (كثرة المكالمات) الذي أصبح بموجبه نبياً ولم يحدث لأي مجدد من قبل مثل ذلك.
لقد وصفَ المعترضُ كلام المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام: “من المتفق عليه عند أهل السنة أن المجدد الأخير في هذه الأمة هو المسيح الموعود الذي سيظهر في الزمن الأخير“. وصَفَهَ كالتالي:
“هذا كذب مجرّد؛ فلم تتفق الأمة على ذلك، بل لا يؤمن الناس بمسيح موعود، إنما يؤمن أكثرهم أن المسيح في السماء وسينزل منها يوما ما. ونزوله لا علاقة له بالمجددين، وليس امتدادا لهم.”
فالرد عليه هو أن المعترض يثبت من جديد أمرين لا ثالث لهما، الأول أن المعترض جاهل بالإسلام لأن أهل السنة متفقون على أن المجدد الأخير هو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام. يقول صاحب شرح عون المعبود:
“إعْلَمْ أَنَّهُمْ قَدْ بَيَّنُوا أَسْمَاءَ الْمُجَدِّدِينَ الْمَاضِينَ، وَقَدْ صَنَّفَ السُّيُوطِيُّ فِي ذَلِكَ أُرْجُوزَةً سَمَّاهَا (تُحْفَةُ الْمُهْتَدِينَ بِأَخْبَارِ الْمُجَدِّدِينَ) : فَنَحْنُ نَذْكُرُهَا هَاهُنَا، وَهَذِهِ هِيَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَظِيمِ الْمِنَّةِ الْمَانِحِ الْفَضْلِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ
ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَلْتَمِسْ عَلَى نَبِيٍّ دِينُهُ لَا يَنْدَرِسْ
لَقَدْ أَتَى فِي خَبَرٍ مُشْتَهِرْ رَوَاهُ كُلُّ حَافِظٍ مُعْتَبِرْ
بِأَنَّهُ فِي رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ يَبْعَثُ رَبُّنَا لِهَذِي الْأُمَّةِ
مَنًّا عَلَيْهَا عَالِمًا يُجَدِّدُ دِينَ الْهُدَى لِأَنَّهُ مُجْتَهِدُ
فَكَانَ عِنْدَ الْمِائَةِ الْأُولَى عُمَرْ خَلِيفَةُ الْعَدْلِ بِإِجْمَاعٍ وَقَرْ
وَالشَّافِعِيُّ كَانَ عِنْدَ الثَّانِيَةِ لِمَا لَهُ مِنَ الْعُلُومِ السَّامِيَةِ
وَابْنُ سُرَيْجٍ ثَالِثُ الْأَئِمَّةْ وَالْأَشْعَرِيُّ عَدَّهُ مَنْ أَمَّهْ
وَالْبَاقِلَانِيُّ رَابِعٌ أَوْ سَهْلٌ أَوِ الْإِسْفَرَايِينِي خَلَفٌ قَدْ حَكَوْا
وَالْخَامِسُ الْحَبْرُ هُوَ الْغَزَالِي وَعَدَّهُ مَا فِيهِ مِنْ جِدَالِ
وَالسَّادِسُ الْفَخْرُ الْإِمَامُ الرَّازِي وَالرَّافِعِيُّ مِثْلُهُ يُوَازِي
وَالسَّابِعُ الرَّاقِي إِلَى الْمَرَاقِي ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِاتِّفَاقِ
وَالثَّامِنُ الْحَبْرُ هُوَ الْبُلْقِينِي أَوْ حَافِظُ الْأَنَامِ زَيْنُ الدِّينِ
وَالشَّرْطُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَمْضِيَ الْمِائَةْ وَهُوَ عَلَى حَيَاتِهِ بَيْنَ الْفِئَةْ
يُشَارُ بِالْعِلْمِ إِلَى مَقَامِهِ وَيَنْصُرُ السُّنَّةَ فِي كَلَامِهِ
وَأَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِكُلِّ فَنِّ وَأَنْ يَعُمَّ عِلْمُهُ أَهْلَ الزَّمَنِ
وَأَنْ يَكُونَ فِي حَدِيثٍ قَدْ رُوِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمُصْطَفَى وَقَدْ قَوِي
وَكَوْنُهُ فَرْدًا هُوَ الْمَشْهُورُ قَدْ نَطَقَ الْحَدِيثُ وَالْجُمْهُورُ
وَهَذِهِ تَاسِعَةُ الْمِئِينَ قَدْ أَتَتْ وَلَا يُخْلَفُ مَا الْهَادِي وَعَدْ
وَقَدْ رَجَوْتُ أَنَّنِي الْمُجَدِّدُ فِيهَا فَفَضْلُ اللَّهِ لَيْسَ يُجْحَدُ
وَآخِرُ الْمِئِينَ فِيمَا يَأْتِي عِيسَى نَبِيُّ اللَّهِ ذُو الْآيَاتِ
يُجَدِّدُ الدِّينَ لِهَذِي الْأُمَّةْ وَفِي الصَّلَاةِ بَعْضُنَا قَدْ أَمَّهْ
مُقَرِّرًا لِشَرْعِنَا وَيَحْكُمُ بِحُكْمِنَا إِذْ فِي السَّمَاءِ يُعْلَمُ
وَبَعْدَهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُجَدِّدِ وَيُرْفَعُ الْقُرْآنُ مِثْلَ مَا بُدِي
وَتَكْثُرُ الْأَشْرَارُ وَالْإِضَاعَةْ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَهْ
وَأَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا عَلَّمَا وَمَا جَلَا مِنَ الْخَفَا وَأَنْعَمَا
مُصَلِّيًا عَلَى نَبِيِّ الرَّحْمَةْ وَالْآلِ مَعْ أَصْحَابِهِ الْمَكْرُمَةْ
انْتَهَتِ الْأُرْجُوزَةُ.” (عون المعبود، سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة)
فجاء المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام كمجدد أخير عند العلامة السيوطي رحمه الله كما تبيّن.
كذلك قول المعترض “إننا نرفضُ ادعاء أحدٍ أنه مجدِّدُ أيّ قرْن، لأنه إنْ وصل إلى هذا الادعاء فقد زكّى نفسه، وخالف الآية: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (النجم 32).” فالرد عليه يُثبت أيضاً أن المعترضَ جاهل أو ملحد لأن العلامة جهبذ عصره الإمام السيوطي مثلاً ادّعى بأنه هو المجدد، وقد نقل ذلك صاحب عون المعبود كما يلي:
“قُلْتُ: وَقَدْ عُدَّ مِنَ الْمُجَدِّدِينَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الْأُولَى: ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ وَعَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ : يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَعَلَى رَأْسِ الثَّالِثَةِ: النَّسَائِيُّ صَاحِبُ السُّنَنِ ، وَعَلَى رَأْسِ الرَّابِعَةِ: الْحَاكِمُ صَاحِبُ الْمُسْتَدْرَكِ وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ، وَعَلَى رَأْسِ التَّاسِعَةِ السُّيُوطِيُّ كَمَا ادَّعَاهُ ، وَعَلَى رَأْسِ الْعَاشِرَةِ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ شِهَابِ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ. قَالَ الْمُحِبِّيُّ فِي خُلَاصَةِ الْأَثَرِ فِي أَعْيَانِ الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ فِي تَرْجَمَتِهِ: ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ مُجَدِّدُ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ. انْتَهَى .” (عون المعبود، سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة)
إذاً فرفض المعترض لادعاء المجدِّد هو في الحقيقة رفضٌ للسنة والسلف الصالح رحمهم الله. وهذا هو الإلحاد. أما إذا كان جهلاً منه فليس ذلك بالهين أيضا، لأن الجهل يتطلب حسن الظن والأدب وليس الاعتراض والرفض.
وقد ادّعى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام بأنه هو المُجَدِّد حيث يقول حضرته:
“لما انتهى القرن الثالث عشر وبدأ القرن الرابع عشر أُخبرتُ بوحي الله تعالى أنك مجدد هذا القرن، وتلقيت من الله تعالى الوحي التالي: “الرحمن علَّم القرآن… إلى قوله وأنا أول المؤمنين.“(كتاب البرية، الخزائن الروحانية، مجلد ١٣، ص٢٠١ الحاشية)
ويقول عَلَيهِ الصَلاة وَالسَلام شارحاً دوره كالمُجَدِّد الأخير:
“هنا يمكن أن يتساءل الباحث عن الحق؛ ما هي القرائن في القرآن الكريم للإيمان باّدعاء المسيح الموعود؟ لأنه لا بد من وجود القرائن للإيمان بصدق المُدّعي، وخاصة في هذا العصر المليء بالزيف والزور والمكر السيئ والخيانة، والاّدعاءات الباطلة الحامية الوطيس بوجه عام. يكفيني أن أقول في جواب هذا التساؤل بأن الأمور التالية هي بمنـزلة العلامات والقرائن للباحث عن الحق: (١) نبوءةٌ للنبي ﷺ قد بلغت مبلغ التواتر من حيث المعنى؛ والمراد أنها وعْد الله تعالى بأن يبعث على رأس كل قرن من يجدد له دينه، ويزيل منه التشويهات التي أضعفته ويعيده إلى قوته الأصلية. فكان ضروريا من منطلق هذه النبوءة أن يُبعَث من الله تعالى على رأس القرن الرابع عشر أيضا شخص لإصلاح المفاسد السائدة. فبُعثتُ أنا العبد الضعيف في الوقت المناسب تماما. وقد شهد مئات الأولياء من قبل في إلهاماتهم أن مجدد القرن الرابع عشر سيكون المسيح الموعود. وتعلن الأحاديث الصحيحة أيضا بأعلى صوتها بأن المسيح الموعود سيظهر بعد القرن الثالث عشر. أليس إعلاني هذا في وقته ومحله المناسب تماما؟ هل يمكن أن يذهب قول رسول الله ﷺ سدى؟ لقد أثبتُّ أنه لو افترضنا جدلا أن المسيح الموعود لم يُبعَث على رأس القرن الرابع عشر، لبطل العديد من نبوءات النبي ﷺ ولعُدَّ مئات الصلحاء والمُلهَمون كاذبين. (٢) يجب الانتباه أيضا إلى أنه حين يُسأل علماؤنا: من الذي ادّعى سوى هذا العبد الضعيف أنه مجدد القرن الرابع عشر؟ ومن أعلن مجيئه من الله تعالى وادّعى أنه مُلهَم ومبعوث من الله؟ يصابون بسكوت مطبق ولا يستطيعون أن يُقدِّموا شخصاً ادّعى ذلك. وليكن معلوما أيضا أن الإعلان بكون المرء “المسيح الموعود” ليس أكبر من الادعاء بكونه مُلهَماً ومجددا من الله. من الواضح تماما أن َمن يحظى بشرف المكالمة مع الله تعالى، وسماه الله تعالى بنفسه سواء أكان ذلك الاسم “مثيل المسيح” أم “مثيل موسى”؛ تكون كل هذه الأسماء جائزة في حقه. لا تكمن الفضيلة الحقيقية في كون الإنسان مثيلا، بل الفضيلة الحقيقية هي كونه مُلهَماً من الله وكونه كليم الله. فمن نال فضيلة المكالمة الإلهية وكلف من الله بخدمة الدين فيمكن أن يسميه الله جلّ شأنه بأي اسم بحسب مقتضى الوقت. ثم إن التسمية بحد ذاتها ليست بأمر ذي بال. فهناك كثير من المسلمين الذين يُسمّون بأسماء الأنبياء مثل موسى وعيسى وداود وسليمان ويعقوب وغيرهم، وذلك تفاؤلا منهم أن يتخلّقوا بأخلاقهم. فلو أكرم الله تعالى أحدا بشرف مكالمته وأطلق عليه اسما مناسبا نظرا إلى مقتضى الحال فلِمَ يستبعدُ ذلك ؟ إن تسمية مجدد هذا العصر باسم “المسيح الموعود” مبني على حكمة أن مهمة هذا المجدد العظيمة هي كسر غلبة المسيحية ودفع صولات أهلها ودحض فلسفتهم التي تعارض القرآن الكريم بالأدلة القوية، وإتمام حجة الإسلام عليهم، لأن الآفة الكبرى على الإسلام في العصر الحاضر التي لا يمكن أن تزول إلا بتأييد من الله تعالى؛ هي هجمات المسيحيين الفلسفية والمطاعن الدينية التي كان ضروريا أن يأتي لدحضها أحد من عند الله. وكما كُشف علي؛ كانت روح المسيح عَلَيهِ السَلام متحمسة للنـزول التمثّلي نظرا إلى الافتراءات التي افتُريَتْ عليه في هذا العصر، وكانت تتوسل إلى الله تعالى لتنـزل في هذا الوقت على سبيل التمثّل. فأرسل الله تعالى مثيله في الدنيا نظرا إلى حماسها ليتحقق الوعد الذي وُعد به من قبل.” (مرآة كمالات الإسلام، ص ٢١٤-٢١٥)
إذن لم يقل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام إلا ما ثبت في السنة ومنهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
وفي الختام نقول: ليس بعد جملة الاعتراضات هذه إلا الجهل والإلحاد، وتَجدُّد نبوءة المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام لمعارضيه: إنّي مُهينٌ مَن أرادَ إهانَتَك.
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
تعليق جميل للأخ الحبيب ماهر بن المديني:
“العجيب إن كان ابن حجر أمير المؤمنين في علم الحديث يقول أن العلماء اعتبرت المسيح مجددا !! فمن هو لكي يكذب على العلماء ويقول أن أهل السنة لا تعتبر المسيح مجدد ؟؟؟ يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :
” قال العلماء : الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه ، فبين الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم ، أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض ، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها ، وقيل إنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الإسلام ، فيوافق خروج الدجال ، فيقتله والأول أوجه ” انتهى من ” فتح الباري ” ( 6 / 493 ).”