الإعتراض:
كيف يصف المؤسسُ أبا هُريرة بأنه قليل الدراية ؟ هذه إساءة لأبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ !
الرد:
لعل أكثر من اعتمد على مرويات الصحابي الجليل أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أحاديث نزول المسيح عَلَيهِ السَلام هو المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام، فقد استشهد بها في كتبه بما لا حصر له. فالقول أن المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام أساء إلى حضرة أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هو قول سخيف تُبطله مجموعة الأدلة والبراهين التي استند فيها المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على أحاديث الصحابي ابي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ للتدليل على صدقه عَلَيهِ السَلام لكونها عنده أصَحُّ الأحاديث وأقواها على الإطلاق.
وللدلالة على ذلك ما رواه الترمذي عن سيدنا عُمَر أنه قال لأبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُما:
“أنتَ كُنتَ ألزَمنا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأحفظنا لحديثه.” أهـ
وقد تلقّى سيدنا أبو هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بشارةً من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم له بعدم النسيان، كما ثبت في الحديث الذي قال فيه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لأبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
“ابْسُطْ رِدَاءَكَ ! فَبَسَطْهُ. فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ضُمّهُ ! قال أبو هريرة: فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ.” (رواه البخاري 119).
إذن من الناحية الحديثية وحفظ الرواية فلا أحد يفوق أبا هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من الرجال، وهو رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فوق كل شبهة، بل هو في أعلى درجات النقل، وقد روى له الشيخان في كتب الصحيح وهي أكثر الاحاديث موثوقية وتواترا.
أما في الناحية الفقهية والاجتهادية، فليس حضرته رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقيها معروفا بل لا يُعرف له غير رواية الحديث، وليس معروفاً بقوة الفتوى والاجتهاد إذ الفتيا والقياس تحتاج إلى دراية وفهم في فقه الأحكام الأمر الذي لم يكن يُعرف به سيدنا أبو هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فقد قال الإمام ابن حزم بأن حضرة أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ليس من الدرجة الأولى في الفتوى والاجتهاد بل هو من الطبقة الدُنيا مع جملة من الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم في الفتوى، حيث قال ابن حزم:
“المكثرون من الصحابة رضي الله عنهم فيما روي عنهم من الفتيا عائشة أم المؤمنين، عمر بن الخطاب، ابنه عبد الله، علي بن أبي طالب، عبد الله ابن العباس، عبد الله بن مسعود، زيد بن ثابت، فهم سبعة يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم، وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن العباس في عشرين كتابا، وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث. والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا رضي الله عنهم أم سلمة أم المؤمنين، أنس بن مالك، أبو سعيد الخدري، أبو هريرة، عثمان بن عفان، عبد الله بن عمرو بن العاص، عبد الله بن الزبير، أبو موسى الأشعري، سعد بن أبي وقاص، سلمان الفارسي، جابر بن عبد الله، معاذ بن جبل، وأبو بكر الصديق. فهم ثلاثة عشر فقط. يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جداً ويضاف أيضاً إليهم طلحة، الزبير، عبد الرحمن بن عوف، عمران بن الحصين، أبو بكرة، عبادة بن الصامت، معاوية بن أبي سفيان.” (“الأحكام”، للإمام ابن حزم، 5 / 666)
وقد بيَّنَ العلامة ابن اسحق الشاشي في أصوله أن أبا هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ معروف بالحفظ والعدالة وليس في الفتوى والاجتهاد، حيث يقول:
“الراوي في الأصل قسمان: معروفٌ بالعِلم والاجتهاد كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود وعبدالله بن عباس وعبدالله بن عمروزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأمثالهم رضي الله عنهم. … والقسم الثاني من الرواة هم المعروفون بالحفظ والعدالة دون الاجتهاد والفتوى كأبي هريرة وأنس بن مالك. فإذا صحَّت رواية مثلهما عندك، فإن وافق الخبر القياس، فلا خفاء في لزوم العمل به. وإن خالفه، كان العمل بالقياس أولى“. (أصول الشاشي، لمؤلفه العلّامة نظام الدين أبو علي أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي، تحقيق الشيخ الندوي، ص 199-200)
وكتاب “أصول الشاشي” هو من المتون المعتمدة التي تلقاها العلماء بالقبول، وما من معهد إسلامي إلا والكتاب مقرر فيه تدريسه. (انظر: مقدمة الشيخ الندوي، أصول الشاشي، ص 5).
وقال الإمام السرخسي:
“قلنا: ما وافق القياس من روايته [أي أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ] فهو معمول به، وما خالف القياس، فإن تلقته الأُمّة بالقبول فهو معمول به، وإلاّ فالقياس الصحيح شرعاً مقدّم على روايته في ما ينسد باب الرأي فيه.” (أصول السرخسي، 1: 341 فصل في أقسام الرواة).
وقال محمّد بن الحسن وهو من أصحاب أبي حنيفة ؒعن أبي حنيفة، أنّه قال:
“وأمّا أبو هريرة، فكان يروي كلّ ما سمع من غير أن يتأمّل في المعنى، ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ.” (مختصر المؤمل في الردّ إلى الأمر الأوّل، لأبي شامة 1: 62 – 63. 148، 149).
ويقصد برواية كل ما سمع أي رواية كل ما سمعه من الحديث، فكان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يروي الأحاديث على أتم وجه لسعة حفظه الكبيرة، ولكنه لا يقف كثيراً عند استنباط الأحكام، وكذلك معرفة الناسخ من المنسوخ ليس من شروط رواية الحديث الذي يُعتبر سيدنا أبو هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في أعلى قمته.
ولذلك وَصَفَ سيدنا الْمَسِيحُ الموعودُ عَلَيهِ السَلام سيدنا أبا هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأنه ليس فقيهاً إذ لا يتمتع بالدراسة بهذا المجال فقال:
“فالحاصل أنه يتبين من قصيدة الرثاء المذكور أن بعض الصحابة من قليلي التدبر الذين لم تكن درايتهم جيدة -مثل أبي هريرة- كانوا يظنون لقصور فهمهم -نظرا إلى نبوءة مجيء عيسى الموعود-أن عيسى عَلَيهِ السَلام سيعود بنفسه. كما كان أبو هريرة واقعا في هذا الخطأ منذ البداية، وكان يخطئ في أمور كثيرة بسبب بساطته وضعف درايته.” (كتاب “حقيقة الوحي”، ص 40)
وهو ثابت كما سلف عن أئمة الحديث.
ولكن بنفس الوقت أثنى المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام على سيدنا أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في رواية الحديث، فقال عَلَيهِ السَلام:
“لقد كان أبو هريرة ؓ قديراً في نقل الرواية.” (البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية، المجلد 21، الصفحة: 410)
إذن لم يقل المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام عن سيدنا أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلا ما قاله العلماء والسلف الصالح رحمهم الله. ويمكن قراءة منشورنا السابق حول مكانة العلماء عند الجماعة الإسلامية الأحمدية.
أما كلمة (غبى) فهذه وردت في اللغة الاْردية وليس العربية لأن ترجمة (غبي) العربية باللغة الأردية هي (بيوقوف) وليس (غبي). أما الترجمة لكلمة (غبى) الاْردية فمعناها (قليل الدراية). يمكن التأكد من ذلك بكل سهولة في قواميس اللغة اليسيرة المنتشرة.
وأخيراً وليس آخراً نختتم بقول المسيح الموعود عَلَيهِ السَلام:
إنّ الصحابةَ كلَّهم كذُكاءِ … قد نَوّروا وجهَ الورى بضياء
قومٌ كِرامٌ لا نُفرِّقُ بينهم … كانوا لخير الرسل كالأعضاء
ما كان طعنُ الناس فيهم صادقًا … بل حَشْنَةٌ نشأَتْ مِن الأهواء
أنوارُهم فاقَتْ بيانَ مبيِّنٍ … يسوَدُّ منها وجهُ ذي الشحناء
يا ربِّ فارحَمْنا بصَحْبِ نبيِّنا … واغفِرْ وأنتَ اللهُ ذو آلاء
والله يعلَم لو قدرتُ ولم أمُتْ … لَأَشَعْتُ مدحَ الصَحْبِ في الأعداء
وَآخِرُ دَعْوَانْا أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ